بقلم مصعب الأحرار
ﺇﻥ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺗﺤﺘﻢ ﺗﺪﺧﻠﻪ ﻓﻲ ﺷﺌﻮﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ متخللاً ﻣﻨﺎﻓﺬﻫﺎ ومصلحاً ﻹﺷﻜﺎﻻﺗﻬﺎ، ﻭﺍﻹﺳﻼﻡ ﻟﻴﺲ نظاماً ﻧﺎﺑﺘﺎ ﻣﻦ ﺍﻷﺭﺽ، ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻣﺴﺘﻌﻠﻴﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻈﻤﻬﺎ ومهيمناً ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﻟﻤﺸﻜﻼﺗﻬﺎ. ﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﻟﻴﺲ ﺍﻹﺳﻼﻡ منفصلاً ﻋﻦ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﻣﺸﻜﻼﺗﻬﺎ ﻓﻬﻮ ﻣﺨﺘﻠﻂ ﺑﻬﺎ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻧﻔﺴﻪ، ﻓﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﻛﻨﺺ ﻳﻤﺜﻞ ﺍﻹﻃﺎﺭ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ﻋﻦ ﻫﻴﻤﻨﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮ، ﻭﻟﻜﻦ ﻋﻨﺪ اﺧﺘﻼﻁ ﺍﻟﻨﺺ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﺑﻤﺸﻜﻼﺕ ﺍﻷﺭﺽ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﺣﻴﻨﻬﺎ ﻧﺴﻤﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ بـ “ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻭﺍﻟﺤﻴﺎﺓ “، ﻓﺘﻔﺎﻋﻞ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻭﺗﻐﻠﻐﻠﻪ ﻭﺍﺣﺘﻜﺎﻛﻪ ﺑﺎﻷﺭﺽ ﻭﻣﺸﻜﻼﺗﻬﺎ ﺃﺷﺒﻪ ﺑﺘﻔﺎﻋﻞ ﺫﺭﺍﺕ ﺍﻟﻬﻴﺪﺭﻭﺟﻴﻦ ﻭﺍﻷﻭﻛﺴﺤﻴﻦ ﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﺍﻟﻤﺎﺀ، ﺃﻭ ﺗﻔﺎﻋﻞ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻟﻜﻴﻤﺎﺋﻴﺔ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻹﺧﺮﺍﺝ ﻣﺎ ﻳﻔﻴﺪ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻓﻲ ﻭﺍﻗﻊ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ.
ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻓﻌﻼﻗﺔ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻛﻤﻜﻮﻥ ﺑﺸﺮﻱ، ﻫﻲ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﻮﻃﺪﺓ ﺑﺄﻭﺍﺻﺮ ﻓﺎﻋﻠﺔ، ﻓﻜﻤﺎ ﻟﻺﺳﻼﻡ ﺩﻭﺭﻩ ﺍﻟﻤﻨﻮﻁ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻻﺕ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻉ ﻭﺍلاﻗﺘﺼﺎﺩ ﻭﺍﻟﻌﻤﺮﺍﻥ، ﻓﺈﻥ ﻟﻪ ﺩﻭﺭﺍ ﻣﺆﺛﺮﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﻣﻨﺎﺑﺘﻬﺎ. ﺇﻥ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻟﻴﺲ نظاماً بشرياً ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻪ نظامٌ بشريٌ ﺃﻳﻀﺎ، ﻭﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﺩﻕ ﻓﺈﻥ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺃﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻧﻀﺠﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻫﻮ ﻣﻨﻬﺞ، ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﺑﺸﺮﻳﺘﻪ ﻓﻲ ﺗﻔﺎﻋﻠﻪ ﻣﻊ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺍﻟﺤﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺠﺮﻳﺎﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻫﻮ مفعّل وحيّ. ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﻋﻠﻲ ﻋﺰﺕ ﺑﻴﺠﻮﻓﻴﺘﺶ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺍﻟﻘﻴﻢ “الإﺳﻼﻡ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺸﺮﻕ ﻭﺍﻟﻐﺮﺏ: “ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﺃﻥ ﻳﺆﺛﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻱ، ﺇﺫﺍ ﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ ﺃﺻﺒﺢ ﺩﻧﻴﻮﻳﺎ”.
ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﺳﺲ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺩﻭﺭ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ؟! ﻭﻛﻴﻒ ﻳﺆﺛﺮ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻈﻢ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺻﻨﻴﻊ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻭﺃﻫﻮﺍﺋﻬﻢ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﺍلاﻧﻜﺴﺎﺭ ﻭﺍﻟﺬﻭﺑﺎﻥ؟!
ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻟﻠﺴﻴﺎﺳﺔ ﻛﺎﻟﺮﻭﺡ ﻟﻠﺠﺴﺪ، ﻓﺎﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺿﺮﺏٌ ﻣﻦ ﺿﺮﻭﺏ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻭﻫﻲ ﻣﻌﻨﻴّﺔ ﺑﺈﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﺘﻨﻮﻉ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻭﺍلاﺧﺘﻼﻓﺎﺕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮﻳّﺔ، ﻭﺍﻹﺳﻼﻡ ﺑﺪﻭﺭﻩ ﻳﺤﻤﻞ ﻃﺎﺑﻌﺎً ﺩﻳﻨﻴﺎً ﺫﻭ ﻣُﺜﻞٍ ﻋﻠﻴﺎ |
ﺑﻜﻞ ﺑﺴﺎﻃﺔ ﻟﻴﺲ ﺩﻭﺭ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺃﻥ ﻳﺼﻨﻊ ﻧﻈﻤﺎ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﺟﺎﻫﺰﺓ ﻟﻠﺒﺸﺮ، ﺇﻥ ﺩﻭﺭﻩ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻭﺃﺟﻞ ﻭﺃﻛﺒﺮ. ﺑﻜﻞ ﺩﻗﺔ ﻧﻘﻮﻝ ﺇﻥ ﺩﻭﺭ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻓﻲ ﺟﻮﻫﺮﻩ ﻫﻮ ﻭﺿﻊ ﺍلإﻃﺎﺭ ﺍﻷﺧﻼﻗﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﻌﻠﻬﺎ ﻣﺘﺰﻧﺔ ﺗﺆﺗﻲ ﺛﻤﺎﺭﻫﺎ، ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﻀﻊ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻟﻤﺴﺎﺗﻪ ﺍﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ﻭﺻﺒﻐﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺟﻮﺍﻧﺐ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻷﺧﺮﻯ، ﻣﺜﻞ ﺍﻷﺳﺮﺓ ﻭﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﺍﻟﻔﺮﺩ. ﺇﻥ ﺩﻭﺭ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻫﻮ ﺻﺒﻐﻬﺎ ﺑﺼﺒﻐﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻟﻴﺲ ﺗﻌﻄﻴﻞ ﻓﺎﻋﻠﻴﺘﻬﺎ، ﻭﻗﺪ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: “صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ” (البقرة 138).
ﺇﻥ ﺗﺪﺧﻞ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻟﻴﺲ ﺗﺪﺧﻼً ﻧﺎﺑﻌﺎً ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻠﻖ ﺃﻧﻪ ﺩﻳﻦ ﻣﺠﺮﺩ، ﻷﻥ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻟﻢ ﻳﺤﻤﻞ ﻃﺎﺑﻊ ﺍﻷﺩﻳﺎﻥ ﺍﻟﻤﺠﺮﺩﺓ ﻳﻮﻣﺎً ﻭﺇﻥ ﻧﺸﺄﺕ ﺗﺼﻮﺭﺍﺕ ﺗﺤﻤﻞ ﻃﺎﺑﻊ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﻤﺠﺮﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻨﺘﻤﻲ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﺩﺍﺋﻤﺎ ﻭﺃﺑﺪﺍ ﻳﺤﻤﻞ ﻃﺎﺑﻊ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﻭﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﺍﻟﻔﺎﻋﻞ ﻋﻠﻰ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ. ﻭﺇﺫﺍ ﻧﻈﺮﻧﺎ ﻟﺴﻴﺮﺓ ﺍﻟﻨﺒﻲ -ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ- ﻧﺠﺪ ﺃﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻣﻘﺎﺗﻼً ﻭﺳﻴﺎﺳﻴﺎً ﻭﻣﺮﺑﻴﺎً ﻓﻲ ﺍﻵﻥ ﺫﺍﺗﻪ ﻭﺫﻟﻚ ﻣﻀﺎﺩ ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻷﻧﻤﺎﻁ ﺍﻷﺩﻳﺎﻥ ﺍﻟﻤﺠﺮﺩﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺆﻣﻦ ﺑﺘﺪﺧﻞ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻛﻔﻜﺮﺓ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﻣﻌﺎﺭﻛﻬﺎ ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻷﺩﻳﺎﻥ ﺍﻟﻤﺠﺮﺩﺓ ﻣﻦ ﻳﺘﺪﺧﻠﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻭﺷﺌﻮﻧﻬﺎ ﻓﻠﻴﺲ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ ﺗﺪﻳﻨﻬﻢ ﺑﻞ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ ﺑﺸﺮﻳﺘﻬﻢ ﻭﻓﻄﺮﺗﻬﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﻠﻲ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﺃﻣﺎ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻓﻬﻮ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﺎﺑﻊ ﺍﻟﻤﻤﺰﻭﺝ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻮﺟﺪﺍﻥ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ، ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻧﻘﻮﻝ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﺩﻗﻴﻘﺔ: ﺇﻥ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﺪﻳّﻦ ﺍﻟﺠﻮﻫﺮﻱ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺩﻭﺭﻩ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻋﺎﻟﻢ ﺁﺧﺮ، ﻫﻮ ﻛﺴﻮﻫﺎ ﺛﻮﺏ ﺍﻷﺧﻼﻕ.
ﺃﺭﻳﺪ ﻫﻨﺎ ﺃﻥ ﺍﻗﺘﺒﺲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﻘﻮﻻﺕ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺏ ﺑﻴﺠﻮﻓﻴﺘﺶ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ، ﺃﻭﺿﺢ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻛﻤﺎ ﺳﺄﻋﺮﺽ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﻤﻘﺎﻝ ﻣﻘﻮﻟﺔ ﻟﻠﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺇﻗﺒﺎﻝ ﺗﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ ﺍﻟﻌﻤﻴﻖ ﻭﺭﺅﻳﺘﻬﻢ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻭﺗﺪﺧﻠﻪ ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺳﻴﺎﺳﺘﻬﻢ:
ﺃﻣﺎ ﺑﻴﺠﻮﻓﻴﺘﺶ ﻓﻴﻘﻮﻝ: “ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻻ ﻳﻌﺮﻑ ﻛﺘﺎﺑﺎﺕ (ﻻﻫﻮﺗﻴﺔ) ﻣﻌﻴﻨﺔ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﻓﻲ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ ﻟﻠﻜﻠﻤﺔ، ﻛﻤﺎ ﻻ ﻳﻌﺮﻑ ﻛﺘﺎﺑﺎﺕ ﺩﻧﻴﻮﻳﺔ ﻣﺠﺮﺩﺓ. ﻓﻜﻞ ﻣﻔﻜﺮ ﺇﺳﻼﻣﻲ ﻫﻮ ﻋﺎﻟﻢ ﺩﻳﻦ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥّ ﻛﻞ ﺣﺮﻛﺔ ﺇﺳﻼﻣﻴﺔ ﺻﺤﻴﺤﺔ ﻫﻲ ﺣﺮﻛﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ”. ﻭﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﺁﺧﺮ ﺃﺷﺎﺭ ﺑﻴﺠﻮﻓﻴﺘﺶ ﻟﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﺎﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ أﻛﺜﺮ ﺩﻗﺔ ﻭﺟﻤﺎﻻً ﻭﻭﺿﻮﻋﺎً ﺣﻴﺚ ﻗﺎﻝ: “ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﻗﺮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻘﺘﺎﻝ ﺑﻞ ﺃﻣﺮ ﺑﻪ ﺑﺪﻻً ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺿﻮﺥ ﻟﻠﻤﻌﺎﻧﺎﺓ ﻭﺍﻟﻈﻠﻢ، ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻘﺮﺭ ﻣﺒﺎﺩﺉ ﺩﻳﻦ ﺃﻭ ﺃﺧﻼﻕ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﻀﻊ ﻗﻮﺍﻋﺪ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ”.
ﺇﻥ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻟﻠﺴﻴﺎﺳﺔ ﻛﺎﻟﺮﻭﺡ ﻟﻠﺠﺴﺪ، ﻓﺎﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺿﺮﺏٌ ﻣﻦ ﺿﺮﻭﺏ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻭﻫﻲ ﻣﻌﻨﻴّﺔ ﺑﺈﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﺘﻨﻮﻉ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻭﺍلاﺧﺘﻼﻓﺎﺕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮﻳّﺔ، ﻭﺍﻹﺳﻼﻡ ﺑﺪﻭﺭﻩ ﻳﺤﻤﻞ ﻃﺎﺑﻌﺎً ﺩﻳﻨﻴﺎً ﺫﻭ ﻣُﺜﻞٍ ﻋﻠﻴﺎ ﻭﻗﻴﻢ ﻛﺒﺮﻯ ﻟﻜﻨﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺫﺍﺗﻪ ﻻ ﻳﺴﻤﻮ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺽ ﻟﻠﺤﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﻣﺠﺮﺩﺍً ﻻ ﻳﻤﺲّ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﺑﻞ ﺇﻧﻪ ﻳﺤﻤﻞ ﺑﺠﺎﻧﺐ ﻣُﺜﻠﻪ ﻧﻤﻄﺎً ﻻ ﺗﺤﻤﻠﻪ ﺍﻷﺩﻳﺎﻥ ﺍﻟﻤﺠﺮﺩﺓ، ﺇﻧﻪ ﻳﺤﻤﻞ ﺭﻭﺣﺎً ﻭﺍﻗﻌﻴﺔ ﺗﺤﻤﻞ ﺍﻟﻄﺎﺑﻊ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﺍﻷﺭﺿﻲ ﻛﺬﻟﻚ. ﻓﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻹﺷﻜﺎﻻﺕ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻌﻬﻮﺩ ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﺛﻴﻖ ﻭأﻣﻮﺭ ﺍﻟﻤﻴﺮﺍﺙ ﻭﻗﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﻄﻼﻕ ﻭﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﻭﺍﻟﺘﻜﺎﻓﻞ ﺍلاﺟﺘﻤﺎﻋﻲ، ﻟﻴﺲ ﺣﺪﻳﺚ ﺃﺩﻳﺎﻥ ﻣﺠﺮﺩﺓ ﺑﻞ ﺇﻧﻬﺎ ﺃﻓﻜﺎﺭ ﺃﻗﺮﺏ ﻓﻲ ﻃﺎﺑﻌﻬﺎ ﻟﻸﺭﺽ ﻭﻟﻠﻌﻠﻢ ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻵﻥ ﺫﺍﺗﻪ ﻣﺼﺒﻮﻏﺔ ﺑﺎﻟﻤُﺜﻞ، ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻭﻳﺆﻛﺪ ﺃﻧﻪ ﻣﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻄﺮﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻞ ﻧﻤﻄﺎً ﻋﻠﻤﻴﺎً ﺑﺠﺎﻧﺐ ﺭﻭﺣﻬﺎ ﺍﻷﺧﻼﻗﻴﺔ.
ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻓﺈﻥ ﻣﻬﻤﺔ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻫﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﻬﻤﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﺇﺫ ﺃﻥ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻓﻲ ﻋﻤﻘﻪ ﺳﻌﻲٌ ﻣﺘﻮﺍﺻﻞ ﺣﺜﻴﺚ ﻧﺤﻮ ﺣﻴﺎﺓ ﺃﻛﺜﺮ ﺳﻤﻮّﺍً ﺃﺧﻼﻗﻴﺔ ﺑﺠﺎﻧﺐ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺫﻭ ﺍﻟﻄﺎﺑﻊ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻱ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ. ﻭﻫﻨﺎ ﻧﻌﺮﺽ ﺍﻟﻤﻘﻮﻟﺔ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻟﻤﺤﻤﺪ ﺇﻗﺒﺎﻝ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ “تجديد ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ” ﻣﺘﺤﺪﺛﺎ ﺣﻮﻝ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻓﻲ ﺍﻹﺳﻼﻡ، ﺣﻴﺚ ﻗﺎﻝ: ”ﻭﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻓﻲ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻫﻲ ﻣﺠﺮﺩ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ. ﻭﺑﻬﺬﺍ ﺗﻜﻮﻥ ﻛﻞ ﺩﻭﻟﺔ ﻏﻴﺮ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺠﺮﺩ ﺍﻟﺴﻄﻮﺓ، ﺑﻞ ﺗﺴﺘﻬﺪﻑ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﺒﺎﺩﺉ ﻣﺜﺎﻟﻴﺔ، ﻫﻲ ﺩﻭﻟﺔ ﺛﻴﻮﻗﺮﺍﻃﻴﺔ”.
(المصدر: مدونات الجزيرة)