أصدر المركز المغاربيُّ للدِّراسات كتابه الخامس وهو تحت عنوان: “الدَّعوة الإسلاميَّة في الغرب (المقاصد والألويَّات)”، من تأليف فضيلة الشَّيخ “ونيس المبروك”، رئيس المركز المغاربيِّ للدِّراسات.
وتأتي هذه الدِّراسة في وقتٍ تزداد مهمَّة الدَّعوة إلى الله تعالى أهمِّيَّةً وأثرًا في ظلِّ المجتمعات والدُّول غير الإسلاميَّة، التي لا يجد المسلم عونًا من بيئةٍ مواتيةٍ، ولا رافدًا من عرفٍ إسلاميٍّ سائدٍ، كما أنَّها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالحفاظ على هويَّة المسلمين وحمايتها من الذَّوبان، كما ترتبط بمهمَّة التَّعريف بهذا الدِّين في وسط المادِّيَّة الجارفة التي عصفت بالمجتمعات الغربيَّة.
إنّ الكتابةَ في “أولويَّاتِ الدَّعوة في ديار الغرب” كتابةٌ شاقةٌ رغم كونها شائقةً، متشابكة الأغصان بعيدةُ الآثار، رغم وحدةِ جذعها وقربِ مأخذها، ويعود السبب في ذلك إلى أنَّ موضوعها تتداخل فيه ثلاث قضايا:
الأولى: تتعق بالأولويَّات، إدراكاً لمفهومها، وضبطًا لترتيبها، وحصرًا لأهمِّ مجالاتها، وتفهُّما لشرائط تطبيقها، ومعرفةً بفروق تنزيلها، وغير ذلك ممَّا يحيط بهذا الفضاء الرَّحب والسَّبيل اللَّاحب.
الثَّانية: تتناول الدَّعوة إلى الله تعالى، وبيان خطر هذا المقام الأعلى، والمطلب الأسنى، وما يحتاجه العاملون في هذا الحقل من معرفةٍ بفنون الدَّعوة وأفنانها، واستيعابٍ لحكمها وأحكامها، واستشرافٍ لواقعها ومآلها، ومعايشةٍ لآمالها وآلامها.
الثَّالث: إدراك بيئة الغرب التي احتضنت الدَّعوة وعايشها الدَّعاة في المجتمعات غير المسلمة، والتَّعرُّفِ على الرَّحم الذي يتشكَّل فيه الوجود الإسلامي خلقًا من بعد خلق، وما يكتنف هذا الواقع الجديد من: فرصٍ، ومحاذيرَ، ومخاطرَ، وإمكاناتٍ، وإكراهاتٍ…
وممَّا لا شكَّ فيه؛ أنَّ المنشغلين بالدَّعوة في الغرب اليوم أفرادًا ومؤسَّسات في حاجةٍ ماسَّةٍ لفقهٍ دعويٍّ مقاصديٍّ رصينٍ، يجمع بين الأصالة والمعاصرة ،وبين ربَّانية المنطلق وإنسانيَّة الوجهة، وبين فقه الواقع وآفاق التَّوقُّع، وبين اتِّباع النَّصِّ ومراعاة المقاصد، فقهٌ يُسهم في الحفاظ على هويَّة المسلمين المتميِّزةِ بعقائدها وشعائرها وقيمها وأخلاقها وآدابها في توازنٍ واعتدالٍ، ويُرسِّخ وجودًا قويًّا نافعًا، وجودٌ يحقِّق المعادلة الصَّعبة: محافظةٌ بلا انغلاق، واندماجٌ بلا ذوبان.
إنَّ النَّظر المتأنِّي في شبكة المفاهيم السَّابقة يُثير أكثر من تساؤلٍ، ويستدعي العديد من الإشكالات، لكنَّ أكثر هذه الإشكالات إلحاحًا، وأقربها لعنوان هذه الرسالة الموجزة هو السُّؤال:
هل يُمكن للأولويَّات – فهمًا وتنزيلًا – أَنْ تُشكِّل عامل ترشيدٍ ورُشدٍ لمسيرة الدُّعاة في الغرب؟
وهو سؤالٌ شائكٌ بلا ريبٍ، ولكنَّ مشقَّة البحث ينبغي أَنْ لا تحول دون التباحث فيه، بخاصَّةٍ في هذا الظَّرف الذي يمرُّ به المسلمون في الغرب، وتعاني منه الأقلِّيَّات المسلمة في كلِّ مكانٍ.
(المصدر: المركز المغاربيُّ للدِّراسات)