مقالاتمقالات مختارة

الديانة العالمية.. مجتمع الشّواذّ.. القادم الأسود والملاذ الآمن

الديانة العالمية.. مجتمع الشّواذّ.. القادم الأسود والملاذ الآمن

بقلم سلطان بركاني

النّاظر بعين البصيرة إلى الأحداث المتسارعة في هذا العالم، وإلى الوقائع التي تطفو على السّطح وتكون مثار جدل ومادّة دسمة لوسائل الإعلام بمختلف أوزانها، يدرك أنّ بلاد المسلمين مقبلة على مرحلة جديدة لن تكون سهلة، يحاول فيها النّظام العالمي فرض العلمانية المتصالحة مع الإلحاد والإباحية كدين لا دين آخر معه على الأمّة المسلمة، ليس بقوة السّلاح، إنّما بأدوات جديدة تفعل في العقول والقلوب ما لا تفعله الأسلحة في الأبدان!

القادم من الأيام والشهور والأعوام ربّما يكون صعبا وخطيرا. لأنّ البشرية -والعلم عند الله- ستعيش المنعرج الأخير والأخطر من الصّراع بين الحقّ والباطل.. الباطل جنّ جنونه وبدأ يفقد صوابه، لأنّه رغم كلّ الأموال رُصدت له والوسائل التي توفّرت له لم يستطع تحقيق الأهداف التي رسمها، ورغم تواطؤ المنافقين والعملاء في بلاد الإسلام لا تزال هناك بقية باقية من الثابتين على الحقّ يقارعون الباطل ويُربكون خططه.. توقّع أهل الباطل أنّ العلم سيكون خادما لمشروع الدجّال وسيتولّى مهمّة الإجهاز على الأديان كلّها، لكنّهم فوجئوا بالعلم ينحاز إلى صفّ دين الله الحقّ، ويعطي الأدلّة تلو الأخرى على أنّ الإسلام هو الدين الذي ارتضاه خالق الكون لعباده، وأنّه لا نجاة للبشرية من المنحدر الذي تساق فيه إلا بالإسلام..

جنود إبليس والدجّال ما عادوا يتحمّلون صمود الإسلام ورسوخه، لذلك سيسعون جاهدين لفرض العلمانية المتطرّفة على بلاد المسلمين، ونحن الآن نرى كيف ترصد الأموال الطّائلة وتسخّر وسائل الإعلام لإشاعة الفساد والانحلال وفرض احترام حرية الشّذوذ والعري والإلحاد.. إنّهم يسعون جاهدين لفرض دينهم القائم على الإلحاد والعري والإباحية والشّذوذ، على المسلمين، تارة بالترغيب والتدليس وإثارة الشبهات وتجنيد الكُتاب التافهين الذين تسلّط عليهم الأضواء وتغدق عليهم ألقاب “المفكّرين” و”الباحثين”، لطرح العلمانية كبديل عن الإسلام، وتارة أخرى بترهيب وتخويف المسلمين من إصرارهم على مواجهة الانحراف عن الفطرة، وتخويفهم من تهمة التطرف والإرهاب.

جنود إبليس والدجّال، في قابل الأيام والاعوام، لن يكون هدفهم هو إبعاد الدّين عن السياسة فحسب، أو عن الحياة العامّة والحجر عليه في المساجد فقط، بل لن يرضوا بالحجر على الدين في البيوت، ولن يرضوا بالحجر عليه في القلوب. سيكون الهدف هو إخراج الدين من قلوب شباب المسلمين، وإخراج الجيل الجديد من شباب الأمّة من دين الإسلام، دين التوحيد والحياء والعفاف والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى الديانة الإنسانية، ديانة العري والإباحية والشّذوذ والإلحاد، ديانة “انشغل بنفسك ولا دخل لك فيما يفعله الآخرون”، ديانة “كلّ إنسان حرّ في عقيدته وفي لباسه وخياراته”.. كلّ شيء في هذه الديانة العلمانية مباح ما دام الإنسان يفعله بمحض إرادته: العري حق محترم. الزنا كذلك. الإجهاض خيار مباح، وفاحشة قوم لوط أيضا حقّ محترم، وأصحابها ينبغي أن يحظوا بكلّ الاحترام، ومن أنكر عليهم فعلهم فهو متطرّف إرهابيّ يجب منعه عن الكلام وتخويفه والتضييق عليه!

في الديانة العلمانية، المرأة حتى لو كانت متزوّجة فهي حرة في جسدها، وإن اعترض زوجها على خيانتها فهو معقّد ومتخلّف ومعتد ومتطرّف.. والشابّ له حرية الاختيار في أن يتزوّج فتاة أو يتزوّج شابا مثله، ولا أحد يملك حقّ الاعتراض عليه!

ربّما يظنّ البعض أنّ هذا المشروع العلماني يستبعد أن يجد له طريقا إلى واقع المسلمين، ألا فلنكن على يقين بأنّنا إن لم نتشبّث بشعيرة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، فستصبح هذه المنكرات أمورا عادية وخيارات محترمة في واقعنا، وسيصبح المنكر الوحيد هو النهيَ عن المنكر؛ يصبح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جريمة، ويغدو من حقّ كلّ أحد أن يلبس ما يشاء أو يخرج عاريا. لن يكون من حقّ الأب أن يأمر ابنه البالغ بارتداء لباس محترم أو ينهى ابنته البالغة عن العري ولا حتّى عن العهر، ولن يعود من حقّ الزّوج أن ينهى زوجته عن اتخاذ صديق أو عشيق لها!

إنّنا نرى كيف أنّ انتقاد الشذوذ والمثلية ممنوع على مواقع التواصل، ويستوجب التحذير والحظر، وهذا المنع سيترك أثره في نفوس شبابنا مع الوقت، وسيتحوّل شيئا فشيئا إلى امتناع طوعيّ إراديّ في الواقع، وستألفه النفوس شيئا فشيئا حتّى لا يعود الشّذوذ جريمة وحتى يصبح عمل قوم لوط خيارا مسكوتا عنه قبل أن يتطوّر ليصبح محترما!

إنّه لأمر مخيف حقا ما يحدث في هذا العالم من انحطاط وسقوط! قبل عقود قليلة لم يكن أشدّ المتشائمين يتوقّع أن يُبعث قوم لوط من جديد، وتروّج لهم وسائل الإعلام، وتُطوع لهم القوانين، ويحتشد المجتمع الدولي لنصرتهم، وتكون لهم كلمتهم وجمعياتهم المدافعة عن حقوقهم ويفرضوا على أكثر دول العالم احترامهم ويحظوا بيوم عالمي لمناهضة ومحاربة من يحاربهم، ويصبح انتقادهم في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل جريمة مثل جريمة انتقاد الصهيونية؟ ولعلّنا جميعا تابعنا الهجمة الإعلامية الغربية والعلمانية الأخيرة على لاعب كرة القدم المصريّ السّابق محمّد أبو تريكة، لا لشيء إلا لأنّه أنكر على بعض الأندية الغربية وعلى الدّوري الإنجليزي خاصّة استغلال إقبال النّاس على متابعة كرة القدم، في دعم مجتمع المثليين والشواذّ، والترويج لعَلمهم؛ ثارت ثائرة الغرب -الذي يدّعي احترام حرية التعبير- ضدّ أبو تريكة، ووصل الأمر إلى حد مطالبة الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم بفسخ العقد مع قنوات بين سبورت إن لم تفصل أبو تريكة وتقدم اعتذارا رسميا عن الكلام الذي قاله!!! تماما كما قال قوم لوط من قبل: ((قَالُوا أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُون)) (النّمل: 56).

كرة القدم لن تظلّ مجرّد لعبة للترفيه، أندية كرة القدم المشهورة ستسخّر لدعم المثلية والشذوذ: تشيلسي، مانشستر سيتي، مانشستر يونايتد، ليفربول، أرسنال، نيوكاسل… هذه الأندية لن تمتّع شبابنا بفنيات كرة القدم مجّانا، ستستميل عيونهم بفنيات نجوم الكرة، لكنّها أيضا ستخاطب عقولهم الباطنة وبطرق غير مباشرة، لترسّخ فيها مبادئ الدين العالميّ الجديد، الدين الذي يتسامح مع المثليين والشواذ والعراة ومع الصهاينة، ويحارب المسلمين المدافعين عن دينهم ومقدّساتهم.

الانحدار الذي وصلت إليه البشرية في هذا الزّمان لم يسبق لها أن هوت إليه إلا في زمن نبيّ الله لوط عليه السّلام، وإن لم يكن لنا موقف صارم وقوي ينطلق من ديننا، فإنّنا سنذوب شيئا فشيئا أمام الباطل والفساد، هذا إن لم يعمّنا الله بعقابه على سكوتنا.

ينبغي لنا أن نتنبّه إلى حقيقة مخيفة في قصّة قوم لوط الأوائل، وهي أنْ ليس كل الذين أهلكهم الله قد اقترفوا الفاحشة الآثمة؛ فبعضهم لم يفعلها! لكنه كان من المعذبين لأنه لم يُناصر الذين أنكروا، كزوجة لوط مثلا! وبعد ذلك حينما ابتلى الله أهل القرية التي كانت حاضرة البحر، لم يهلك المتحايلين وحدهم، إنّما أهلك المتحايلين وأهلك معهم الساكتين، ولم ينجُ غير الذين كانوا ينهون عن المنكر: ((وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُون)) (الأعراف).

ما عاد ينفع أن نظلّ مستهينين بما يحدث من حولنا، ونصرّ على أنّ هذا الفساد بعيد كلّ البعد عنّا ولا يمكن أن يصل إلينا.. فللباطل جنوده الذين يعملون له بالليل والنهار وينفقون أموالهم وأوقاتهم لتزيينه والترويج له، ولن يهدأ لهم بال حتى يجد باطلهم موطئ قدم له في كلّ بلد وكلّ بيت، وما دامت كرة القدم تسخّر لخدمة الشّذوذ والشواذ فالأمر أصبح خطيرا للغاية.. الشواذّ قد نجحوا بدعم وتأييد وضغط من الدول الغربية في تعليق وتجميد القوانين التي تعاقب على الشذوذ في أكثر من دولة مسلمة، مثلا في سلطنة بروناي التي كانت ترجم المثليين حتى الموت، علّقت هذه العقوبة بعد أن واجهت بروناي ضغوطاً دولية، وفي تونس حكم القضاء لصالح جمعية تدافع عن حقوق المثليين وسمح لها بمواصلة نشاطها، وفي ماليزيا جمعية مرخّصة تدافع عن حقوق المثليين، ربحت كثيرا من القضايا لصالح من تدافع عنهم؟ وفي بلدنا الجزائر هناك جمعية غير مرخّصة للشواذّ تنشط ولها مواقع وصفحات، والقائمون عليها يتواصلون مع جمعيات حقوق الشواذ في العالم لدعمهم، ليس هذا فحسب، فهم يضغطون لحذف مواد القانون التي تمنع وتجرّم عمل قوم لوط.

الفساد يتمدّد ويستغلّ تخلّينا عن واجب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ليزداد انتشارا.. المعركة بين الحقّ والباطل في منعرجها الأخير والحاسم، وفي هذا المنعرج سينحرف كثير من النّاس ومن المسلمين ليس عن الدّين فحسب إنّما عن الفطرة أيضا.. نعم سيَثبت كثير من المسلمين، لكنّ كثيرين أيضا سيتخلّون عن دينهم لعرض من الدّنيا قليل.. علينا أن نستعدّ ونتأهّب للقادم وللمعركة الفاصلة حتّى نكون في المعسكر الصّحيح وحتّى لا تزلّ أقدامنا.. ينبغي لنا أن نحيي واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أنفسنا وفي بيوتنا وشوارعنا، حتّى تبقى قلوبنا حيّة، وحتّى نعذر إلى الله.

هذا ليس خطابا للتخويف، وليس الغرض منه رسم صورة سوداوية لما ينتظر الأمّة؛ فالحقّ منصور بنا أو بغيرنا، والباطل مدحور بعهد الله، إنّما هي صيحة نذير ودعوة للاستعداد وأخذ الأهبة، وتلمّس مواطئ الأقدام وتحديد وجهتها، في زمن قال عنه الحبيب الذي لا ينطق عن الهوى: “بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا” (رواه مسلم).

المصدر: صحيفة الشروق الالكترونية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى