مقالاتمقالات مختارة

الدولة القطرية بين الرؤيتين الدينية والعلمانية

الدولة القطرية بين الرؤيتين الدينية والعلمانية

بقلم أ. عبد القادر قلاتي

لم تعرف الأقطار العربية حالة من الصراع والتناحر الأيدلوجي، الذي عطّل سير الدولة وتطورها، أكثر من ذلك الصراع المحتدم بين تيارتين كبيرين عرفهما المجال السياسيّ والثقافيّ العربي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، واستمر حتى نهاية الثماننيات وما زالت بعض آثاره ليوم النّاس هذا، حيث وصل الأمر حدّ التكفير من الطرفين، العلماني يصف الإسلامي بالخارج من الواقع، والإسلامي ينعت العلماني بالخارج من الدين، وفي ظلّ هذا الصراع عاشت الأقطار العربية جملة من التحولات في البنية الاجتماعية أفضت إلى واقع مأزوم على جميع الصعد، أهمها مسألة بناء الدولة والخروج من النفق المظلم الناتج عن هذا الواقع، والناظر إلى شكل الدولة الحديثة في نسختها العربية، يدرك بيسر ذلك التشوه الواضح في فلسفة الحكم، كما استقر عليه الأمر بعد الاستقلالات الوطنية، حيث القاعدة في هذه النظم الاستبداد، أما الاستثناء فهو العدل الذي هو منطق الحكم في جميع الشرائع والقوانين الناظمة لسير الدولة.
فالإشكالية التي أفرزها واقع الصراع بين التيارين –العلماني والديني- هي كيف يتم اختيار نموذج الحكم الصالح للجغرافيا العربية؟ هل هي القطيعة مع الماضي والتخلص من تبعاته، وحسم منطق الاختيار بالأخذ -دون تردد – بالنمّوذج الغربي وآليات الحكم التي أفرزها نشوء الدولة في الغرب، أو المحافظة على النسق التقليدي لفكرة الدولة ذات المرجعية الدينية، وهنا مكمن الفرس -كما يقال – حيث الصراع لم يعد اختلافا في الأفكار والمفاهيم، إنمّا تحوّل -الصراع – إلى حالة من التضاد، جعلت من النّظر إلى مسألة الدولة، حالة من المفاصلة الفكرية، المفضية إلى القطيعة التامة مع أي لغة حوار يمكنها أن ترجع مسار الدولة إلى حالته الطبيعية، حيث التعدد إضافة والاختلاف ثراء، وليس من المعقول أن نترك بناء الدولة التي تجمعنا، ونشغل الساحة السياسية والثقافية، بجدال عقيم مخرجاته معلومة مسبقاً، فتتشتت الجهود، وفشلت كلّ المشاريع النهضوية أمام جدار الايديولوجيا المقيتة، والخاسر الأوحد هو المجتمع والدولة.
في ثماننيات القرن الماضي، ظهرت مبادرة قيمة تداعى إليها ثلة من المفكرين الكبار في العالم العربي، سميت بالمؤتمر القومي الإسلامي، الذي جمع كبار المفكرين والمثقفين العرب من التيارين الإسلامي والقومي، وجرت مؤتمرات عديدة، طرحت فيها جملة المسائل الشائكة في الواقع العربي، واتسمت هذه اللقاءات بالصراحة التامة، في طرح هذه الاشكاليات، لكن سرعان ما توقف المشروع وانحسرت رؤيته العامة في مسائل هامشية، وخصوصاً بعد أن لعبت السياسة (الأنظمة) دورها التخريبي في تعطيل هذا المشروع الكبير، وبعد الثورات العربية، التي دفعت بجناح كبير من المثقفين العرب إلى دعمها والوقوف إلى جانب المطالب الشعبية بالتغيير، عاد الانقسام من جديد، وأصبحت لغة الحوار غائبة تماماً، ليصبح خطاب التخوين والتكفير، الخطاب المشترك بين الأطراف جميعاً، وصار الانقسام والخلاف بين الأقطار العربية، أكثر شراسة وعداوة ممّا كان عليه من قبل، وأصبح الكيان الصهيوني عدو الأمس، صديقا للكثير من الأقطار العربية، كلّ ذلك على حساب القضية الفلسطينية، التي لم تعد قضية العرب المركزية. ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.

المصدر: صحيفة البصائر الالكترونية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى