الدور المحوري لمسلمي الخارج في نشر دعوة الإسلام في ظل أزمة كورونا
بقلم عزة مختار
يستهين بعض المسلمين بوجوده في دولة من دول أوروبا أو أمريكا لاستكمال تعليمه أو العمل أو الهجرة أو لأي سبب من أسباب الابتعاد عن الوطن، ويحسب أن غربته عن بلاده لا تلزمه بحمل فكرة الإسلام والدعوة إليه بالحركة والسلوك والأخلاق واللسان والتعامل والتعريف!
يتهاون البعض ويظن أن الحفاظ على نفسه من الوقوع في المعاصي تكفيه كدور لنصرة دينه، ويحسب أن صبره على الغربة وصعوبة المعيشة والتزامه الصدق والأمانة جهاداً في سبيل الله، وزد على ذلك أن البعض يحسب أنه بمجرد خروجه من بلاده مهاجراً أو هارباً من ظلم نظام ما وحفاظه على نفسه من الأذى أنه قد أدى ما عليه لدينه، وقد صار من حقه التفرغ للحصول على لقمة العيش والتماس الأمان حتى يتطور الأمر لتكون صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي أقل من عادية، يحكي عن نظافة شوارع أوروبا، وحضارة شعوب أوروبا وسلوكياتهم مقارنة بشعوب بلاده ونظافة الشوارع واحترام المرور وجديتهم في العمل والمستوى التعليمي ونسب الذكاء واحترام القوانين والحريات، يعدد مزايا الغرب الذي ذهب إليه لاجئاً أو ضيفاً مؤقتاً، بينما يصب اللعنات على بلاده وشعوبها التي ارتضت بالخنوع والظلم والفقر والجهل وأكلها المرض، وهو الذي لم يبذل الجهد الكافي لإخراجهم مما هم فيه.
بل تجد منهم من كان داعية مفوهاً في مسجد ثم ترك بلاده وذهب وترك معها رسالته فيها، وكأنه متخصص في دعوة المسلمين وحدهم، والملتزمين منهم دون غيرهم، يتمرد على كل ما تركه هنا، ويفتخر بكل ما هو هناك، حسب فقط أن مجرد وجوده هناك ناجياً بنفسه يكفيه عند ربه.
سنوات التيه وحاجة العالم للإسلام
في ظل أزمة كورونا العالمية يبحث العالم عن الأمان من الخوف، واطمئنان الروح من تيه الظلام الذي قادته إليه المادية العفنة على مدار قرون طويلة، لقد حدثت الثورة الفرنسية ثم الثورة الصناعية الكبرى التي أتاحت للعلم أن يحتل دوره في نقل الإنسان الغربي من الحياة البدائية وحكم الأباطرة والملوك لعصر الآلة والرئيس المنتخب والخروج من دائرة الظلم وظلمات الجهل بعدما وقفت الكنيسة طويلا في وجه أية نهضة علمية من قبل، ليحدث الانقلاب على الكنيسة على كل المحاور، الكنيسة التي ساندت الظالمين ومثلت أعباءً مضاعفة على أتباعها ليحدث الخصام الأبدي معها ونبذ الدين جملة من الحياة بغير رجعة، وتمتع الغرب بالحرية المطلقة، حرية الفكر، حرية الإبداع، حرية الإلحاد، وانقلب الإنسان الذي قيده رجال “الدين” أو رجال الكنيسة وظلموه لمئات السنوات على كل تلك الثوابت ليبدأ حياته المادية فقط، فمستقبله المال والعلم والسلطة والمكانة الاجتماعية، فنبذ الغربي العواطف والروابط الأسرية التي تنال بعضاً من متعته الذاتية، ووضع قوانينه الخاصة بما يؤكد تلك المتعة الجسدية في رد فعل عنيف ضد كل ما يتصل بالدين فصار من الصعب على الرجل أن يعرف أباه، وصارت الدولة مسؤولة -بحكم القانون- عن رعاية وحماية أبناء السفاح أو أبناء الحرية، وصار دينهم القانون الذي يحترمونه ويقدسونه، وبعد زوال سكرة التمرد على الدين المحرف ليصير بدل الدين السماوي الواحد أدياناً عديدة تخص كل فرد على حدة، منهم من يعبد المال، ومنهم من يعبد السلطة، ومنهم من يعبد المرأة، ومنهم من يعبد ذاته.
لقد استبدل الغربي دينه الذي زيفه واستغله رجال الكنيسة لتحقيق مكاسب شخصية، بأديان اضطر أن يخترعها لتحقيق نوع من الشعور بالأمان ، وقديماً قال المؤرخ هيرودوت إنه وجد مدناً كثيرة بغير حصون، لكنه لم يجد أبداً مدناً بغير معابد!
فالإنسان بطبيعته في حاجة إلى إله يعبده، يطمئن إليه، يلجأ إليه وقت حاجته وعجزه، يشكره حين تنفرج عليه الدنيا، يحتاج لقوة أكبر منه وأعظم يعلم أنها تدير الكون، وأن كل شيء يدور حوله بحكمة وليس عبثاً، وأن محنة مثل أزمة فيروس كورونا التي وقف أمامها العالم عاجزاً إن هي إلا من تقديرات الله العظيم القوي القادر، يسيرها لهدف وأنها ليست مصادفة، وأن الموت والحياة بقدر وليسا متروكين لقرارات الطبيعة كما يحسب معظمهم، يحتاجون لمعرفة أن الله يعلم كل صغيرة وكبيرة، وأنه يحبه ولم يخلقه عبثاً أو انتقاماً، وفي المحن غالباً يصغي الإنسان لمن يشعر معه بالراحة والاطمئنان، لمن يحمل همه ويعينه، لمن يفسر له ويحدثه عن القدرة المطلقة، القدرة التي لا تخطئ ولا تحابي .
الإنسان بطبيعته في حاجة إلى إله يعبده، يطمئن إليه، يلجأ إليه وقت حاجته وعجزه، يشكره حين تنفرج عليه الدنيا، يحتاج لقوة أكبر منه وأعظم يعلم أنها تدير الكون، وأن كل شيء يدور حوله بحكمة وليس عبثاً
واليوم يعيش الملايين من المسلمين في الغرب بين هؤلاء المحتاجين لله، والباحثين عن وسيلة للنجاة بعد أن عاشوا بمركب الحرية المطلقة أعماراً متوالية، وما أعقبتهم تلك الحرية إلا الحسرة والندامة والانتحار والعذاب والهموم والخوف، يعيشون بينهم وهم يحملون بين أيديهم مفاتيح السعادة المطلقة، سعادة الدنيا والآخرة، سعادة الحياة، وأمان حياة أخرى بعد الموت يحملون هم رعبها، وتلك الفرصة سانحة اليوم وهم في الظلمات يسبحون، بين ممارسات حكومات تريد أن تتخلص من المرضى والمسنين وغير القادرين على العمل والإنتاج، تلك فرصة سانحة لأن يعلموا قيمة الإنسان، وقداسة الإنسان، ومهمة الإنسان، وأن الدين ليس أفيون الشعوب، وإنما ميزان الصلاح فيها، وأن الله ليس عدواً للبشرية، بل أراد بهم الخير وميزهم وأكرمهم، وأن الدين لا يخالف العلم، وإنما يحث عليه ويوظفه لخدمة الإنسان وليس العكس، وأن هناك نبياً أرسل للعالمين ترك تعاليماً تضمن للإنسان البقاء كريماً عزيزاً في الأرض.
تلك هي مهمة المسلم يحملها حيثما حل أو ارتحل، لا ينسى أنه وريث نبيه، ولا يخجل من حمل رسالته، ولا يتوانى في العمل بها وتعريف الخلق فحواها.
إن دين الإسلام هو دين السلام، كما أنه دين القوة، ونحن المسلمون أحب إلينا هداية الناس من حربهم واجتياح بلادهم والسيطرة عليهم، لسنا دعاة حروب، لكننا أقوياء أعزة لا نقبل الضيم ولا الفساد في الأرض، إن العالم بغير الإسلام يعيش في التيه ويحكمه الضلال، وهو اليوم في حاجة إلى المسلمين، فهل يؤدون رسالتهم، أم ينتظرون الاستبدال!
دول وممالك فتحت بغير حروب
لقد ردد المستشرقون طويلاً أن الإسلام انتشر بالسيف وفي ظل الحروب، وأن الأمم قد أرغمت عليه، وتلك مقولات أبطلها التاريخ نفسه، فلم نجد في عصور الانحطاط الحضاري أن الملايين التي اتبعت الإسلام قد ارتدت عنه، بل على العكس نجد ملايين أخرى تضاف لقائمة المعتنقين للإسلام برغم ضعف الأمة، وذلك لأنه الشريعة الوحيدة التي سلمت من التحريف، والفتوحات الإسلامية الموثقة لم ترغم أحداً على الدخول في الإسلام، وإنما حررت الناس ليختاروا وضمنت حرية العبادة لكل صاحب دين آخر شرط دفع الجزية؛ وذلك لأنه لا يلتحق بجيش المسلمين، وتدافع الدولة عن حياته وممتلكاته دون أن يضطر هو لفعل ذلك، والجزية ذاتها هي الدليل الأكبر على احترام الإسلام لعقائد الناس مع علمه ببطلانها ، فهو لا يجبر المسيحي أو اليهودي أو المشرك بالمشاركة في جيش إسلامي يحارب لتوسيع رقعة الحريات بالعالم ونشر كلمة الله بالحسنى وتمكين الناس من حرية المعرفة بالدين الإسلامي، إنما يفرض عليه مبلغا هو أقل من زكاة مال المسلم، أي أن تكاليف الدخول في الإسلام على الإنسان كانت أكثر مغرماً من الاحتفاظ بدينه، بالزكاة والصدقات والتكافل، وبذل النفس كذلك بالجهاد في سبيل الله، ومع ذلك دخل الناس في دين الله أفواجا.
فالإسلام لا يحتاج سيفا لينتشر، ولا يحتاج حروباً وجيوشاً للدفاع عنه، إنما يحتاج للحرية والسلام والحب والعلاقات الطيبة والسلوك المستمد من عقيدته الثابتة وشريعته السمحاء، يحتاج لتطبيق أحاديثه التي تحث على الابتسامة في وجه الناس وعليه بها صدقة، وغرس الفسيلة ولو قامت الساعة، والتوصية بالجار ولو كان كافراً.
الإسلام لا يحتاج سيفا لينتشر، ولا يحتاج حروباً وجيوشاً للدفاع عنه، إنما يحتاج للحرية والسلام والحب والعلاقات الطيبة والسلوك المستمد من عقيدته الثابتة وشريعته السمحاء
الإسلام يحتاج للحرية وهي متوفرة في الغرب، وقد فعلها رجل بمفرده فتح الأندلس وبنى أعظم حضارة عرفتها البشرية حتى اليوم وهي حضارة الأندلس التي طمسها الغرب بظلمه حين ضعف المسلمون.
إن على المسلم اليوم أن يعرف قدراته، وينطلق في رحاب الأرض مستنداً عليها ، لقد فعلها رجل مطارد من قبل وهو عبد الرحمن الداخل الأموي حين هرب بدينه إلى غرب أفريقيا وعبر المضيق سباحة ليصنع دولة بهمته وعزيمته، والمسلمون اليوم يعيدون نفس التجربة، والأجواء مهيأة لسماعهم بعد عجز المادة على إنقاذ الضعف الإنسان والعجز العلمي على مجابهة الخوف والفراغ الروحي، رجل واحد بهمته يستطيع أن يفعل، فما بالنا بالآلاف من المهاجرين.
(المصدر: موقع بصائر)