الدكتور مصطفى بنحمزة يبدي رأيه في مشروع “إصلاح المدونة”.. لا يجوز أن ننتقل من “إصلاح المدونة” إلى “إصلاح القرآن”..
1-بنحمزة ومشروع “مراجعة مدونة الأسرة”
ارتأى الدكتور مصطفى بن حمزة، رئيس المجلس العلمي بوجدة، أن يتفاعل مع الخطاب الملكي الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس يوم 30 يوليوز 2022 إحياء لذكرى عيد العرش، بسلسلة حلقات.
ورأى الدكتور بنحمزة أن يخصص هذه الحلقات لمناقشة مشروع “إصلاح ومراجعة مدونة الأسرة”، من خلال عدد من المحاور: تعديل مدونة الأسرة، وقضايا المساواة فيها، والموقف الشرعي من هذا المشروع.
2-التذكير بمضامين الخطاب الملكي
في الحلقة الأولى من سلسلة حلقاته، قال الدكتور بنحمزة إن “هذا الخطاب كان خطابا قويا وازنا وكان خطابا توجه به جلالة الملك إلى أفراد شعبه أصالة، ثم إلى النخب المثقفة والسياسية والمتدينة، وتوجه به أيضا إلى الجوار المغربي وإلى المحيط الإقليمي وإلى العالم وإلى كل من يعنيه شأن المغرب تشريعيا”.
وأضاف أنه “في هذا الخطاب المكتنز الذي حمل رسائل كثيرة، فإن جلالة الملك قد تحدث أولا عن تجربة المغرب مع وباء كوفيد-19 وما حققه المغرب في تلك المرحلة من إنجازات صانت النفوس، وما انكشف من المغرب من صور التضامن والتآزر والتعاون التي قامت بها الجهات المعنية، الجسم الطبي عموما بكل تشكلاته والجسم الطبي العسكري الذي ساعد وساند، ثم الإدارة المركزية والمحلية، فكان ذلك معروفا ومشهودا، وكانت تلك اللحظة تاريخية لا تزال موشومة في الذاكرة المغربية”.
وتابع الفقيه الأصولي المغربي: “في هذا الخطاب، تناول جلالة الملك العلاقة غير الجيدة بين المغرب والجزائر، وهي علاقة ليست على النمط الصحيح ولا تساير قدر الله تعالى في المسلمين بأنهم إخوة بموجب قول الله تعالى: “إنما المؤمنون إخوة”.
وأردف بنحمز قائلا: “تناول الخطاب كذلك، أخيرا، فئة من الذين يشتغلون على تفتيت العلاقات وتفجير الصلات بما يكتبون وما ينشرون من كتابات من شأنها أنها تقطع ما أمر الله به أن يوصل من علاقات الودّ والأخوة والمحبة”.
3-“إني لست أحل حراما”
قال الدكتور مصطفى بنحمزة، في الحلقة الأولى من سلسلته، إن “في هذا الخطاب، مفاصل ومقاطع متعددة، لكن المقطع القوي الذي لم يحظ بما كان يجب أن يحظى به من عناية ومن تحليل هو تنصيص جلالة الملك صراحة وقوله: “إني لن أحل حراما ولن أحرم حلالا”.
وعلق صاحب كرسي “أصول الفقه”: “هذا طبعا تنصيص مفيد جدا ويأتي في لحظته، في لحظة يُحدِّث فيها بعض الناس أنفسهم بأنه بالإمكان أن يُذهب في المغرب إلى تغيير أحكام شرعية قارة يعرف العالم الإسلامي كله وثوقيتها وأنها تستند إلى نصوص شرعية قطعية”.
وأوضح أنه “في هذا القول، “إني لن أحل حراما ولن أحرم حلالا”، يستند جلالة الملك إلى حديث نبوي متفق عليه أخرجه البخاري في باب “فرض الخمس”، وأخرجه مسلم كذلك في باب “فضائل فاطمة”، فهو إذن من أقوى الصحيح حينما يكون الحديث متفقا عليه واتفق عليه البخاري ومسلم خصوصا، فهو من قبيل الصحيح الذي لا غبار عليه”.
وأكد الدكتور بنحمزة أن “سبب ورود الحديث أن فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتكت إلى أبيها أن عليا رضي الله عنه ربما تحدث أو أزمع أن يتزوج عليها، فجاءت تشكو ذلك، فكان جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم له شعب وامتدادات كثيرة، فقد قال: “إن فاطمة مني، وإني أتخوف أن تفتن في دينها”، وهذه جملة ليست جملة عرضية وإنما هي جملة لها معناها. لأن هذه المرأة التي كان أهلها يريدون تزويجها لعلي هي بنت أبي جهل، وهو العدو اللدود الذي تحفظ أسرته عداوة مضمرة لأسرة النبي صلى الله عليه وسلم”.
واسترسل الدكتور ساردا: “طبعا هذه الأسرة لا يمكنها أن تسيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة، ولكنها قد تعبُر إليه من خلال الإساءة إلى فاطمة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن فاطمة مني”، أي يمكن أن يُمَرّ إلي من خلال إذايتها، وهو توقع واستطلاع وهو أمر معروف”، مضيفا: “ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال بعد ذلك “إني لست أحل حراما”، ولست أفعل ما يطلب في هذا المجال، أي إذا كانت فاطمة تريد شيئا من ذلك فهذا ليس لي، وإنما قال بإمكان علي أن يطلق فاطمة ويكون له ما شاء”.
وتابع رئيس المجلس العلمي بوجدة شارحا الحديث: “لكن هذا لم يكن منعا للحكم، فربما كانت فاطمة تنتظر حكما بمنع علي من الزواج بأخرى، فلم يوافق النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما قال إن لعلي أن يطلق فاطمة لسبب معين وهو الضرر. والتطليق للضرر كان دائما ولا زال إلى الآن، الضرر الحقيق أو المتوقع”.
وأكد: “لكن صلب الحديث هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إني لست أحل حراما”. هذه الجملة جملة معبرة تنتظم فيما تنتظم النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من العلماء والحكام وكل المسلمين، ليس لواحد منهم أن يحل شيئا حرمه الله أو أن يحرم شيئا أحله الله، ذلك بأن الدين في أصله هو وضع إلهي وليس وضعا بشريا، وهكذا يعرف الدين، الدين وضع إلهي قائد لذوي العقول باختيارهم إلى خير الدنيا والآخرة”.
4-متى يكون الاجتهاد جائزا؟
قال الدكتور مصطفى بنحكزة، في ذات الحلقة، إن “المسلمين كلهم منهيون عن أن يقولوا في الدين بآرائهم إذا لم يكونوا يستندون إلى هذا الأصل الذي هو قول الله تعالى: “ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب، هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب”. فسمى هذا القول افتراء وكذبا، وقال “إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون”. هذه كلها تفيد أن هذا المجال هو مجال خاص بالإله، وأن النبي صلى الله عليه وسلم إذ يتحدث فإنما يتحدث عن وحي، ولذلك قال الله تعالى عنه: “وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى”.
وزاد: “المسلمون يعرفون معنى الاجتهاد، وليس معنى الاجتهاد أمرا يلجأ إليه عوضا عن الأخذ بالكتاب والسنة. أبدا، لأنه لا اجتهاد في معرض النص. إذا كان النص جليا فإنما نحن نجتهد في فهمه، أما أن يترك النص فذلك دين جديد، ذلك استحداث لدين جديد”.
وأبرز أن “بعض الناس لا يفهم معنى الاجتهاد ويلوح به في كل مناسبة ويرى أنه شيء ممكن في كل اللحظات، وهو ليس كذلك. الاجتهاد إنما يتم في المواضع التي هي صالحة للاجتهاد. في النصوص الشرعية، هناك نص محكم، وهناك نص مفسر، وهناك نص هو نص ونص ظاهر. هذه هي التراتبية، فما كان من قبيل الظاهر، أي يحتمل التأويل، يقع فيه الاجتهاد. وما كان من قبيل النص، فهو يحتمل الاجتهاد ولكن بمرجوحية. لكن ما كان مفسرا، فإن “خير ما فسرت به الوارد”، فإذا كان صاحب الكلام فسر كلامه فلا مدخل للغير في أن ينوب عن صاحب الكلام ويفسر له كلامه، وكذلك في النص المحكم”.
5-الاجتهاد في “مراجعة مدونة الأسرة”
وأردف الدكتور بنحمزة قائلا: “النصوص التي ليست مجالا للاجتهاد، في أصول الفقه، من أهمها وأجلاها النصوص التي فيها أعداد. “المطقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء”، “أربعة أشهر وعشرا”، وهكذا. لا أحد اجتهد في الثلاثة قروء، وخفض منها أو زاد فيها، هذا يلتزم به”.
وأكد: “أحكام الإرث من هذا القبيل، هي محكومة بأعداد معروفة: بالثلث، بالثلثين، بالسدس، بالربع، بالثمن، بالنصف؛ و”الأنصباء ستة في العرف”، معروفة وكلها لها مصادر في الكتاب والسنة؛ بمعنى أن الذي يريد أن يجتهد يجب أن يكون هو في ذاته مؤهلا للاجتهاد”.
إلى أن قال: “وأنا أقول هنا، إن فتح باب الاجتهاد لمن ليس مؤهلا له لن يكون مفيدا في هذا الباب، وسيكون مضرا في أشياء أخرى، لأن الذين اجتهدوا اجتهادات كثيرة ربما استحلوا دماء الناس، ربما استحلوا أعراض الناس، ربما ظلموا الناس، ربما أفتى بعضهم بجواز الإفطار في رمضان لداع من الدواعي… الخ”.
وبخصوص مشروع “مراجعة المدونة”، قال بنحمزة: “ما ذكره أمير المؤمنين هو شيء محكم وجميل، يضع الأمور في نصابها. أي أن هذا الإصلاح لا يمكن أن ينتقل من نقد وإصلاح المدونة إلى إصلاح القرآن”.
وختم حلقته الأولى بالقول: “لا يمكن أن يكون ذلك (أي الانتقال من إصلاح المدونة إلى إصلاح القرآن) سليما. ولو كان هذا ممكنا لما حظي بشيء، خصوصا وأن المغرب يعتبر في الصدارة من حملة المذهب المالكي، وإفريقيا التي هي الآن موالية له وتابعة له يجب أن تبقى لها الثقة في أن المذهب المالكي والشريعة الإسلامية محفوظة محروسة بعيدة من هذا العبث الذي يريد البعض أن يدخل فيه الأحكام الشرعية”.
المصدر: هوية بريس