مقالاتمقالات المنتدى

الدكتور طه جابر العلواني وإعادة الشهود الحضاري لأمة الإسلام

الدكتور طه جابر العلواني وإعادة الشهود الحضاري لأمة الإسلام

 

بقلم أ. عماد الدين عشماوي (خاص بمنتدى العلماء)

 

الشهود الحضاري، هو الرؤية الكلية للكون: إلهه وإنسانه وأشيائه، المستمدة من القرآن والسنة الصحيحة الثابتة، التي أسهمت في بناء حضارة الإسلام، وتقديمه نظاماً اجتماعياً بنى أمة ومهد لنظام عالمي، يقوم على العدل والإحسان والكرامة والمساواة بين أبناء آدم. وتمكين الإنسان المسلم، من الحضور في عالمه الاجتماعي الإسلامي، فاعلاً أصيلاً في نموه وارتقائه والمحافظة عليه من عوادي المحتلين، والقيام بدوره في الحفاظ على أمته مهما كانت صعوبة الظروف التي تمر بها الأمة[1].

وقد لعب المفهوم، دوراً رئيسياً في بناء وعي الإنسان المسلم بمهامه في هذا الكون، ويمكن أن يكون للمفهوم، دوره الكبير في بناء وعي المسلم تجاه القدس والمسجد الأقصى اليوم، إن استطعنا إعادة بنائه على قواعده القرآنية السليمة.

وفي هذا المقال، في ذكرى وفاته (4 مارس 2016م)، نحاول بيان إسهام الدكتور طه جابر العلواني-رحمه الله-، في بناء المفهوم.

أولاً: الدكتور طه جابر وإعادة بناء المفاهيم الإسلامية

يرى الدكتور العلواني، -رحمه الله-، أن عملية بناء المفاهيم من أهم عمليات تأسيس المعرفة العلمية، فالمفاهيم هي اللبنات التي نبني بها صروحنا النظرية والفكرية؛ فإن لم تستوف هذه المفاهيم شروط تحديدها وصياغتها هوت النظريات المؤسسة عليها هشيماً تذروه الرياح[2].

كما، يؤكد أن حال المفاهيم، هو تعبير عن طبيعة المرحلة الحضارية التي تمر بها الأمة، حيث تظهر أعراض الانحطاط أول ما تظهر على مفاهيم الأمة فتعتريها الميوعة والغموض فتقع في الإجمال والإبهام وتتأثر بذلك سائر العمليات المعرفية الأخرى، ومن ثم تغيب إمكانات الحوار المشترك بين عقول الأمة وتضعف قدرات التقويم والنقد وعليه تضعف مناعة الأمة الفكرية وتصبح المفاهيم حمى مستباحًا من المفاهيم الوافدة[3].

ويؤكد العلواني، على أن تحقيق المشروع الحضاري المستقل، يجب أن يبدأ من إعادة بناء قيم الإنسان والمجتمع المسلم على هدي القرآن المجيد. ومن ثم كان التوجه إلى القرآن الكريم بالسؤال، عن كيفية إعادة بناء الأمة وتحقيق شهودها الحضاري وبناء عمرانها الإيماني المحقق لوحدتها وقوتها وحياتها الطيبة وشهادتها على العالمين، هو المخرج مما تمر به الأمة.

الدكتور طه ومفهوم الشهود الحضاري

ويعد الدكتور طه جابر العلواني، من أهم المفكرين المسلمين الذين أسهموا بنصيب وافر في الترويج والتأصيل لمفهوم الشهود الحضاري، من خلال التدريس والكتابة ومن خلال مؤسسة المعهد العالمي للفكر الإسلامي، التي أسهمت بقسط وافر في نشر الكتابات المتعلقة بالشهود الحضاري؛ فنظمت الندوات والمؤتمرات وطبعت الكتب من أجل ذلك.

ومن هنا، كانت دعوته للعودة للقرآن لتجديد مفاهيمنا وفق منظومته المقاصدية التوحيدية العمرانية المزكية للإنسان حتى يتحقق الإنسان والأمة المسلمة بالشهود الحضاري، وهو إن لم يستخدم المفهوم، وإنما يفضل أن يسميه “العمران الإسلامي” الذي يتحقق من خلال التوحيد والتزكية.

ولهذا يقترح العلواني، حسب رؤيته القرآنية المنطلقة من المقاصد العليا: التوحيد والتزكية والعمران، الخطوات التالية للمشروع الحضاري المستقل لإعادة بناء الأمة والدعوة في عصرنا الحالي، ومن ثم تحقيق شهودها الحضاري:

أولاً: إجراء دراسات تاريخية على هدي منهجية القرآن المعرفية، تبين كيف وقع الخلل؟ وذلك من خلال تقسيم تاريخ الأمة إلى مراحل ثلاثة[4]:

المرحلة الأولى: هي المرحلة الممتدة من عصر النبي– صلى الله عليه وآله وسلم– وحتى عصر التدوين.

المرحلة الثانية: من عصر التدوين حتى بداية مرحلة الاحتكاك بالغرب.

المرحلة الثالثة: وهي التي بدأت فيها الأمة محاولة اللحاق بالركب الغربي الأوربي.

ومن خلال الإجابة على الأسئلة التالية، يمكننا الإجابة على الأسئلة التي حيرت أمتنا طويلاً، والمتمثلة في[5]:

1- كيف بنى الله – جل شأنه–هذه الأمة، وكيف صنعها على عينه؟ وما هي دعائم ذلك البناء، وما هي الخصائص الذاتية التي أودعها الله ذلك الكتاب، وأناط بها بقاءه واستمرار تقدمه ودوامه، أو غرس فيها قابليات التجدد وقابليات الانهيار، واستعدادات الاستقامة، وبذور الانحراف؟

2- كيف يمكن أن نصحح العقيدة والرؤية الكلية القائمة عليها، بحيث نجعل منهما وسيلة ومنطلقاً لإيجاد وعي عقيدي صادق لدى المسلم المعاصر، يتسم بالحيوية والحياة والحركة، قادر على فهم التاريخ، وتحليل عناصره، واستيعاب دروسه، وتحويلها إلى رافد يرفد الوعي، ويزيد في حركيته، نحو إعادة بناء الأمة؟

3- كيف يمكننا الكشف عن سائر العناصر السلبية في فكر الأمة، وكيف نشأت، ومم نشأت، وما الذي أدت إليه، وكيف يمكن تطهير عقلية ونفسية الأمة من تلك الإصابات؟ وكيف يمكن إيجاد جهاز مناعة يمنع من إصابة العقلية والنفسية الإسلامية بهذه السلبيات في المستقبل؟ والكشف عن مبادئ ووسائل تكوين آلية عقلية ونفسية تعمل على تشكيل طاقة فكرية سليمة ومعطاء، تؤدي إلى توليد ذاتي لعناصر المناعة والقوة، وإيجاد الأفكار السليمة باستمرار لئلا يكون هناك فراغ تمتد الأفكار السلبية فيه؟

4- كيف ندرك فعل الزمن وصيرورته، في تغيير مستويات القوة والتفوق، وأثر ذلك في تغيير الوسائل والإمكانات التي تمكن من توظيف مؤشرات الوحي وقوانين الكون وسننه، والطاقات الإنسانية بشكل علمي منهجي مترابط قادر على توليد عناصر القوة المناسبة للمستويات المختلفة، فلا يحدث خلل أو فراغ أو تعطيل في أي جانب؟

5- كيف يمكن إدراك العلاقات الجدلية القائمة بين الغيب والإنسان والكون، والذي بدونه يتعذر أن يتمكن العقل المسلم من القيام بمتطلبات النقد والمراجعة التي تقود الإنسان المسلم إلى حالة التجدد والتجديد والتحقيق الشهود والعمران الحضاري؟

ويمكننا من خلال الإجابة على هذه الأسئلة أن نضع أقدامنا على سبل بناء الأمة ومشروعها الحضاري المستقل. وهو الأمر الذي يقع في صلب عملية إعادة بناء مفهوم الشهود الحضاري الذي يعيد الإنسان والأمة المسلمة لوعيهم وشهودهم الحضاري على العالمين من جديد.

[1] يقوم الباحث، حالياً، بعمل دراسة وافية لمفهوم الشهود الحضاري وكيف يمكن إعادة بناؤه اليوم والاعتبارات العملية المترتبة على هذا المفهوم في حاضر المسلمين ومستقبلهم، لتعود أمتنا لشهودها الحضاري من جديد.

[2] العلواني، طه جابر. أهمية بناء المفاهيم، على الرابط التالي:

 http://tewassoul.mr/node/1159

[3] المرجع سابق

[4]العلواني، طه جابر.العراق الحديث، القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، ط1، 2005م، ص83-84.

[5] المصدر السابق، ص84-86.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى