“الدعاة الجدد”.. كيف ظهروا وأين هم بعد الربيع العربي؟
إعداد وائل البتيري
برز مصطلح “الدعاة الجدد” إعلامياً، قبل ثورات الربيع العربي؛ وأصبح دلالة على عدد من الدعاة، أبرزهم؛ عمرو خالد، وعلي الجفري، وخالد الجندي، ومعز مسعود، ومصطفى حسني، وعدنان إبراهيم.
وبعد ثورات الربيع العربي؛ تراجعت شعبية هؤلاء الدعاة، بحسب مراقبين أكدوا أنهم فشلوا في اختبار الشعوب، فانحاز بعضهم إلى الأنظمة القمعية، بينما دخل آخرون في غياهب الصمت تجاه بطش هذه الأنظمة بمعارضيها، وخصوصا الإسلاميين.
وما زالت هذه الظاهرة -بحسب مراقبين- بحاجة إلى مزيد من التفكيك، فكيف بدأت؟ وكيف تمددت ثم تقلصت؟ وهل لأجهزة الأنظمة العربية دور في صناعتها؟ ولماذا لم تفلح الحركات والأحزاب الإسلامية في تصدير شخصيات دعوية مؤثرة في الرأي العام، على غرار “الدعاة الجدد” غير الحزبيين؟
قبل “الربيع العربي”
يرى أستاذ الفقه وأصوله في جامعة الزرقاء الأردنية، الدكتور سمير الحراسيس، أن موجة الدعاة الجدد بدأت في مرحلة ظهر فيها تيار شبابي يتطلع إلى تغيير في النهج الدعوي، “حيث كان هذا التيار يحكم على بعض الدعاة من أهل العلم بالجمود وعدم التحضر”.
وقال الحراسيس لـ”عربي21” إن هؤلاء الدعاة الجدد ظهروا في شكل المسلم الحضاري المتمدن المتسامح لدرجة التنازل عن مقررات ومواقف علمية معروفة لدى أهل العلم القدامى والمعاصرين، مشيرا إلى أن الفراغ العلمي والفكري لدى الشباب المعاصر ساهم في تمدد هذه الظاهرة، حيث تحول هؤلاء الشباب إلى مريدين مروجين لأولئك الدعاة.
وأضاف أن مما يميز الدعاة الجدد أن الواحد منهم يظهر بصورة مروج لبضاعة يريد بيعها بربح منافس، وذلك من خلال تقمص شخصية ممثل أو مهرّج في بعض الأحيان عبر فضائيات لجذب أكبر عدد من المريدين، مؤكدا أن “مما ساعد على جذب أكبر عدد من الشباب السطحيين؛ مواعظ الدعاة الجدد التي غالبا ما كانت تحوي حكايات أسطورية مصحوبة بشيء من التباكي المصطنع”.
وعن وجود أهداف سياسية وراء ظهورهم؛ قال الحراسيس: “لا أعتقد ذلك على الأقل في بداياتهم، إنما استغلهم السياسيون، وركبوا موجتهم لتمرير قرارات رسمية، أو إقناع مريديهم بما تمليه سياساتهم”.
من جهته؛ رأى عضو مجلس الشورى في حزب جبهة العمل الإسلامي بالأردن، ثابت عساف، أن الهدف من ظهور كثير ممن يسمون بـ”الدعاة الجدد” يتمثل في “خدمة الأنظمة المستبدة، وإنتاج إسلام مشوه يحارب الإسلام الشمولي والحركي؛ ودوره في تحريك الأمة وتوجيهها وتفعيلها”.
وأضاف لـ”عربي21” أن الأنظمة ومن يقف خلفها هي التي صنعتهم، لافتا إلى أن “هذه الصناعة في الغالب ليست من الصفر، وإنما استثمار في طاقات موجودة، وتوجيهها وشراؤها وحرفها فكريا، وترميزها وإظهارها في صورة مشاهير من خلال وسائل الإعلام التي تسيطر عليها هذه الأنظمة”.
واستدرك عساف بالقول إن هناك نماذج أخرى من الدعاة الجدد ليسوا بهذه الصفة، “إنما هم دعاة حقيقيون ويحملون الفهم الحقيقي للإسلام، ولهم تأثير حقيقي، وهم كثر، لكن ينقصهم سلاح الإعلام الذي يسيطر عليه خصوم الإسلام الحركي الشمولي”.
أما الأستاذة الجامعية الدكتورة هيا الدعوم؛ فرأت أن من أهم أسباب بروز ظاهرة الدعاة الجدد قبل عدة سنوات “تراجع الحس الديني عند عامة الناس، وضعف المرجعيات الدينية، ونزوات بعض المتنفذين في رسم حياة توافق رؤيتهم، بالإضافة إلى أطماع بعض الدعاة بالمناصب السياسية”.
وقالت لـ”عربي21” إن الدعوة أصبحت عند أغلب هؤلاء عبارة عن تجارة رائجة لتحقيق الربح والشهرة والفوز والانتصار على الغير، بغض النظر عن مشروعية الوسائل من عدم مشروعيتها.
وأضافت أن الدعاة الجدد انتهجوا منهجا جديدا في الدعوة الإسلامية، وظهروا بشكل كبير في عصر الثورة المعلوماتية الصاروخية السريعة، وأغلبهم لهم عدة مواقع على السوشيال ميديا؛ استقطبوا من خلالها عددا كبيرا من المتابعين، لافتة إلى أن “متابعة الملايين لهم جعلتهم يظنون بأنفسهم الصلاح لتولي المناصب السياسية والمراكز المرموقة، ما أدى بهم إلى الانحراف عن أهدافهم الدعوية”.
ما بعد “الربيع العربي”
وشكلت مواقف كثير من الدعاة الجدد إبان ثورات الربيع العربي صدمة لدى مريديهم من الشباب، بحسب الدكتور الحراسيس، الذي أكد أن هؤلاء الشباب الذين قاموا بالثورات بهدف التغيير، “تبين لهم أن دعاتهم ما هم إلا ممثلين في مسرحية انتهت وأغلق ستارها”.
ورأى أن “هبوط شعبية الدعاة الجدد أمر إيجابي، ما دام أن بعضهم كان مجرد ممثل مسح ما على وجهه من مساحيق ملونة لامعة، وما دام شبابنا فيهم الخير الكثير إجمالاً”.
أما العساف؛ فقال إن الربيع العربي فاجأ القوى الاستعمارية والأنظمة العربية، ما جعلهم يلقون بجميع أوراقهم لإيقاف هذا الخطر الداهم وتجييره واستثمار نتائجه لصالحهم، ومن هذه الأوراق الدعاة الجدد الذين افتضحوا وأصبحوا مكشوفين بعد أن كانوا يقومون بدورهم في الخفاء.
وأكد أن “هؤلاء الدعاة مهما حاولوا أن يتدثروا بالروحانيات والبكائيات المصطنعة، إلا إنهم في أول محك يتواجه مع وجدان الشعوب العربية والإسلامية ودينها وقيمها وحريتها وثوابتها؛ تجد أنهم يهوون في نظر هذه الشعوب، وسرعان ما يُفتضح أمرهم”.
من جهتها؛ أشارت الدكتورة الدعوم إلى أسباب أخرى لـ”أفول نجم الدعاة الجدد”، منها أنهم يفتقرون لرؤية واضحة، وهدف حقيقي يمكن تحقيقه وقياسه، لافتة إلى أن “كل واحد منهم كان حريصا على الظهور كشخص فرد، ولم تكن قلوبهم مجتمعة”.
وأشارت إلى أن ضعف “الأسلحة الدعوية” لدى هؤلاء الدعاة “لغة وعلما وأسلوبا” أدى إلى تراجع شعبيتهم، بالإضافة إلى “تعلقهم بأصحاب النفوذ، واتكالهم عليهم، وطمعهم بالدنيا وشهواتها من مال وسلطة”.
واستدركت بالقول إن “هناك دعاة جددا قليلين كان يعوَّل عليهم إصلاح الأمة؛ قام أصحاب القرار في الوطن العربي بتكميم أفواههم، وحبسهم وتهديدهم بالقتل، أو نشر مقاطع مجتزأة أو مفبركة تسيء لهم، وتقنع السامع بأنهم انحرفوا وانقلبوا على أعقابهم”.
البديل الحزبي
ومن الملاحظ أن أغلب “الدعاة الجدد” ليسوا منتسبين إلى جماعات أو أحزاب إسلامية، الأمر الذي علّله الدكتور الحراسيس بأن هؤلاء الدعاة غير محتاجين لحزب يسوق لهم، حيث تقوم الحكومات بهذا الدور مقابل تأييد هؤلاء الدعاة لها ومنحها الولاء والطاعة.
وأضاف الحراسيس أنه في المقابل؛ فإن “أكثر الدعاة الحزبيين والحركيين ممنوعون ومحاصرون، وحضورهم ضيق في الغالب، ونجد أصحاب القرار يحاولون تشويه صورتهم، أو إبعاد الأضواء عنهم، وفي كثير من الدول نجدهم وراء القضبان”.
من جانبه؛ رأى عساف أن الأحزاب تجعل الداعية مؤطرا بفكر معين، “ومن يقف وراء الدعاة الجدد يريدهم أشخاصا خالين من الفكر حتى يوجههم كما يشاء”، مستدركا بأن هناك دعاة جددا مرتبطين بأحزاب، كدعاة حزب النور السلفي في مصر، مما يؤشر إلى أن هناك من كان حزبياً منهم، “لكن أصبح له دور آخر”.
وأكد أنه “ضمن مقاييس السوشيال ميديا وفكرة المشاهير؛ فإن الدعاة الجدد لهم جماهير ضخمة وتأثير كبير، وسبب هذا ارتباطهم الوثيق بالإعلام الذي يملك أدوات التأثير في الرأي العام”، متابعا: “إلا أن الأحزاب والحركات الإسلامية الأخرى لها تأثير أكبر، من حيث إنتاج العلماء المبثوثين في المناطق والمساجد، الذين ربوا أجيالا كاملة على الصحوة، وما زالوا”.
وقال عساف إن “الحركات الإسلامية تُعِدّ دعاة مؤثرين، لكن هناك تقصير وزهد في استخدام موارد مهمة جدا، مثل وسائل الإعلام والتواصل الحديثة، وتقديم لغة خطاب تتناسب مع الجيل الجديد، والأخطر من ذلك العجز المرتبط بجانب الموارد المالية”.
أما الدكتورة الدعوم؛ فحملت الأحزاب الإسلامية مسؤولية عدم تصدير الدعاة المؤثرين، قائلة إن أغلب الدعاة لم يتمكنوا من تمثيل أحزابهم لأن القائمين على هذه الأحزاب هدفهم من الدعاة دعم حزبهم إعلاميا وإبرازه ليس أكثر.
وأضافت أن “الانانية وحب الذات، وحفظ المقامات للقائمين على الأحزاب؛ هي من أهم اسباب ضعفها وقلة حيلتها، حيث إنهم غيبوا كل من يخافون من وصوله إلى مركز القيادة حتى لو كان يستحقها، فدفنوا المواهب القيادية، وأسقطوا المقامات العالية، وهمشوا حكماء الأمة ودعاتها”.
(المصدر: عربي21)