الدراسات الاستشرافية في العالم الإسلامي (الجزء 3 من 5)
ما قبل الدراسات المستقبلية:
رغم ما يُعتقَد للوهلة الأولى من أن الدراسات المستقبلية ربما تكون أكثر سهولة نسبية من مثيلتها الواقعية، إلا أن العكس هو الصحيح، ولتوضيح ذلك نقول: إنه على خط الزمن لا يمكن استيعاب مرحلة ما إلا بتحقيق قدر كافٍ من الاستيعاب لما يسبقها؛ فلن نفهم الحاضر إلا باستيعاب الماضي، ولن نقرأ المستقبل إلا بفهم الماضي والحاضر؛ أي أن البحث في المستقبل أكثر مشقة؛ لأنه يحتاج إلى جهود مضاعفة، ومما ينبغي مراعاته:
أولاً: البيئة القانونية: تعاني المجتمعات العربية من تدنٍّ في سرعة تدفُّق المعلومات بسبب عدم وجود قوانين كافية لتحقيق ذلك، بينما تكفل الدول الغربية حرية المعلومات بقوة القانون.
ثانياً: مصادر المعلومات: يتمتع الباحثون في الدول الغربية بتوفر عدد هائل من مصادر المعلومات، التي تشمل مراكز البحوث والدراسات، والمكتبات العامة المتاحة للجميع.
ثالثاً: ضعف القدرات البحثية: العجيب أن مراكز البحوث والدراسات العربية الكثيرة التي يُعلَن عنها ليس لها علاقة بالبحث أو الدراسة؛ فأغلبها عبارة عن دُورٍ لنشر الكتب أو مجرد مواقع على الإنترنت، كما أن حركة الترجمة عن المصادر الأجنبية تعاني من ضعف واضح وتقتصر في الأغلب على ترجمة (الأكثر مبيعاً).
رابعاً: التكوين النفسي: التكوين النفسي للشخصية العربية يعطي مساحة واسعة ومتقدمة للعاطفة، وتلك مشكلة مزدوجة عند الرغبة في حلها؛ إذ نحتاج إلى تخفيض جرعة العاطفة، وإلى تحديد دقيق لمواطن إظهارها أيضاً.
مراكز الدراسات الاستشرافية[7]:
منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية بدا واضحاً أن الحروب التالية هي حروب أفكار، وأن المنتصر في هذه الحروب الفكرية هو المنتصر على جميع الأصعدة الأخرى؛ فبدأ ظهور مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية باعتبارها مصانع لأسلحة الفكر، وليس أدلَّ على نجاح مراكز الدراسات الإستراتيجية في قيادة الولايات المتحدة إلى ما وصلت إليه الآن من شبه انفراد بالسيطرة على العالم، من أن عدد هذه المراكز الأمريكية التي أُطلِق عليها منذ ظهورها (بيوت الخبرة) يتجاوز (1750) مركزاً منتشرة في جميع الولايات الأمريكية، وتحتضن العاصمة واشنطن وحدها ما يزيد عن مائة منها، ولنا أن نتصور حجم الميزانيات الضخمة التي تُنفَق على هذه المراكز التي تضم خيرة الباحثين والمتخصصين في العلوم السياسية والإستراتيجية، وهي مبالغ طائلة، يؤكد ذلك أن الولايات المتحدة عندما قررت خفض نسبة 2% فقط من موازنة المؤسسة القومية للعلوم، كانت هذه الـ2% تزيد عن (105) مليون دولار، وهو ما يعني أن موازنة هذه المؤسسة تتجاوز (4) مليارات، والأهم من ذلك أن هذه المراكز تعمل بحرية كاملة لا تمنعها من انتقاد بعض السياسات والممارسات الحكومية، وتطرح البدائل الصحيحة وتقدِّم الأدلة الموضوعية على خطأ هذه الممارسات وصحة البدائل.
الحواشي:
[7] من مقال د. محمد بن سعود البشر، موقع الإسلام اليوم:
https://www.islamtoday.net/articles/show_articles_content.cfm?id=37&catid=185&artid=4864
المصدر: مستقبلات الأمة