الددو يتحدث عن “أولويات الاصلاح وتحديات الدعوة وواجب المسلم تجاه قضايا الأمة الإسلامية”
أجرى العلامة الشيخ محمد الحسن ولد الددو عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مقابلة شاملة مع موقع الاصلاح ستنشر على جزئين تحدث فيها عن أولويات الاصلاح وتحديات الدعوة والهجمة على الرموز والمقدسات وواجب المسلم تجاه قضايا الأمة الاسلامية
وهنئ الشيخ في بداية مقابلته موقع الاصلاح بمناسبة انطلاقته تزامنا مع ذكري الهجرة النبوية الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام
وفيما يلي نص المقابلة
المحور الأول: الإصلاح وأولوياته
س/:
ما هي الأولويات التي ينبغي أن يركز عليها الدعاة والمصلحون؟
ج/:
إن المصلح والداعية إلى الله
لابد أن يبدأ أولا بنفسه فيصلحها ثم بعد ذلك يصل نفعه إلى غيره ويتعدى، وبداءته بنفسه هي سر نجاحه، فمن لم يأطر نفسه على الصدق مع الله سبحانه وتعالى وعلى الإخلاص له وحسن الأدب معه والانقياد لأحكامه واجتناب نواهيه لا يؤثر في غيره. هذه هي بداية الإصلاح، بمعنى أن يصلح الإنسان نفسه ويسعى لذلك وبداية الدعوة كذلك. ولذلك فخطيب الأنبياء شعيب عليه السلام قال فيما حكى الله عنه ((وما اريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب)). وقد قال ابو الأسود الدؤلي رحمه الله:
يا أيها الرجل المعلم غيره
هلا لنفسك كان ذا التعليم
نصف الدواء لذي السقام وذي الضنا
كيما يصح به وأنت سقيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك تعذر إن وعظت ويقتدى
بالقول منك ويقبل التعليم
لا تنه عن خلق وتأتيَ مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم
وبعد ذلك ينظر إلى مالا يستقيم الدين إلا به فيبدأ به. والله سبحانه وتعالى جعل الدين متفاوتا فرتب الأحكام؛ فبدأ بفرائضه ثم بعد ذلك بالسنن والمندوبات، ورتب المنهيات
بدأها بكبائر الإثم والفواحش ثم بعد ذلك اللمم. ولهذا صح في الحديث القدسي “وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي من ما افترضته عليه”
فإذا كان المستهدفون والمدعون المراد إصلاحهم مفرطين في بعض الأركان الكبرى من أمور الدين فمن السفه الاشتغال بتربيتهم ودعوتهم إلى امور دونها أو أصغر منها، فالذي لديه خلل كبير، تجاوُزُ ذلك الخلل الكبير لإصلاح خلل دونَه سَفهٌ. فلا بد إذن من البداءة بالأركان والمهمات التي هي شرط لصلاحه، ثم بعد ذلك يترقى به الداعية في درجات الكمال بما يستطيع.
كذلك هذه الأولويات تختلف باختلاف مجالات الحياة، فمجالات الحياة التي يعيشها الناس، ومنها المجال العلمي والثقافي والمجال التربوي والتعبدي والعملي والمجال التكويني في الإنتاج الدنيوي والمهارات والخبرات والمجال السياسي والمجال الاجتماعي والمجال الاقتصادي والمجال الاعلامي الذى يخدم كل هذه المجالات. فهذه المجالات كلها فيها أولويات كثيرة ولا بد من مراعاتها جميعا ولا يصلح أن يشتغل الإنسان بإصلاح في جانب واحد منها ويترك البقية أو أن تشتغل مؤسسة بإصلاح جانب واحد وتهمل الباقي.
فإن البناء لا يمكن أن يصل جانب منه إلى منتهاه ويكمل ومازالت البقية تحتاج إلى حفر وتأسيس، فمن المهم في البنيان أن يكون على قدم المساواة وساقها، هذا هو المعروف في سنة البناء كله. فبناء الشعوب والمجتمعات والدول هو مثل بناء البيوت نحتاج فيه إلى مثل هذا…
س/:
ما سمات المنهج الإصلاحي ومعالمه؟
*ج/:
إن أهم سمات ومعالم هذا المنهج الإصلاحي المنشود المطلوب هي أنه رباني، أي يقصد به وجه الله وينطلق من شرع الله، فهو مرجعه في كل شيء ويقيس الأمور بمعيار واحد هو رضى الله، يعني كل ما يحقق رضوانه تعالى هو بغيته ومنتهاه.
وما يحقق سخط الله تعالى لابد من اجتنابه والابتعاد عنه بالكلية.
والسمة الثانية هي سمة الوسطية والاعتدال وعدم الإفراط والتفريط وعدم الغلو وعدم التنازل، والسير على وفق المنهج السوي الذي لا إفراط فيه ولا تفريط ولا وكس فيه ولا شطط. وذاك مقتضٍ لمعرفة أحوال الناس حتى يعرف الانحراف سواء كان إلى جهة التنازل والميوعة او إلى جهة التشدد والإفراط،
ذلك ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال: “إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وابشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة.
ومن هذه السمات أيضا الشمول
فهذا المنهج لا بد ان يكون شاملا يغطي كل احتياجات الناس، لأنه منطلق من هذا الدين الشامل الذي يغطي كل احتياجات الناس وأحاط بكل جوانب الحياة. فما لم يكن المنهج الإصلاحي يغطي كل جوانب الحياة، فإن إصلاح جانب واحد مع بقاء الفساد على حاله في بقية الجوانب مستحيل، وقديما قال الحكيم:
متى يبلغ البنيان يوما تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
فلابد أن يكون الإصلاح متساوقا وأن يكون في كل جوانب الحياة وأن يكمل بعضه بعضا.
ولا ينافي ذلك التخصص، كتخصص بعض الدعاة في بعض الجوانب، كما أن دعوات بعض الأنبياء في بعض الأحيان يكون فيها التركيز على إصلاح جانب معين حصل فيه خلل واضح، قد لا يكون الخلل متعينا في غيره، فمثلا دعوة شعيب للإصلاح في الجانب الاقتصادي في الكيل والوزن وعدم بخس الناس اشياءهم وعدم استخدام الكذب لترويج البضائع ونحوه. هذا إصلاح اقتصادي وهو الذي كان أهل مَدْيَنَ يحتاجونه في ذلك الوقت.
ثم إن من هذه السمات أن يكون المنهج جامعا بين الأصالة والمعاصرة
فهو ضارب بأعماقه في الأصالة لأنه معتمد على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهدي السلف الصالح من هذه الأمة وعلمهم وتراثهم. هو مهتم بالمعاصرة والتطوير لأنه يعلم أن كل ما يحدث من التطوير والإنجازات الحضارية هو من نعم الله على أهل هذه الأرض ولابد من استغلاله في ما يرضي الله سبحانه وتعالى. وهذا مقتضى عدم مصادرة آراء الآخرين، وعدم الانكماش عنهم.
فلابد في هذا المنهج الإصلاحي المنشود من الانفتاح على الآخرين قليلا حتى تعرف ما لديهم من الخير وتنتفع به وحتى تعرف ما لديك أنت من القصور والنقص وتنتفع بإصلاح ذلك. وقديما قال الشاعر الحكيم:
عدائي لهم فضل عليَ ومنة
فلا أبعد الرحمن عن الاعاديا
همُ بحثوا عن زلتي فاتقيتها
وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا
والإنسان إنما يكتشف أخطاءه من خلال الآخرين، ومادام منعزلا لن يكتشف كثيرا من ما وصل إليه الآخرون، ولا يكتشف كثيرا من أخطائه. لذلك لابد من الجمع بين الأصالة والمعاصرة وعدم الانعزالية.
يتبع .. (في الجزء الثاني من حوارنا مع الشيخ الددو : الهجمة على الرموز والمقدسات وسبل المواجهة)
(المصدر: الاتجاد العالمي لعلماء المسلمين)