بقلم د. عادل رفوش
أرى -والله أعلم- أنه لا يجوز في عصرنا استخدام لفظ الخوارج كتصنيف عقدي، ولا أن يلصق بأناس ثم تنزل عليهم أدلة الوعيد؛ إلا لمن حمل أفكارهم الاعتدائية الترويعية..
أما سياسيا فلا يجوز -وكذلك شرعيا- إلا لمن تسلَّح ضد جماعة المسلمين يضرب برها وفاجرها أو تجسس لصالح أعداء الأمة إرصاداً لمن حارب الله ورسوله والمؤمنين …
ومن هنا فاستعمال هذا المصطلح ضد المصلحين ممن يصدعون بالحق وينتقدون الشأن العام بحكمة أو إطلاقه على كل مُعارضٍ لنِظامٍ معارضةً سلميةً نزيهةً.
وإقحام المدلولات الشرعية الثابتة الموقرة في المدلولات السياسية الاجتهادية السائغة؛ هو من الاستهزاء بالدين ومن الكذب باسم العلم ومن الافتراء على السلف ..
وإن كان ولا بد -من باب الإلزام للمتلاعبين به- فلا أحد أقرب إلى أوصاف الخوارج وأن ينسب إليهم من أولئك الذين يخرجون عن شريعة رب العالمين بالتحريف كما بيناه مفصلا في مقالات ومرئيات نقلا عن الرازي في تفسير الفاتحة..
ولا أحد أولى من أولئك الذين يجوبون الشوارع بالمخدرات وقطع الطرق والاعتداءات..، ولا أحد أولى أيضا بوصف الخوارج من أولئك الذين يستعملونه ضد خصومهم المخالفين؛ كما هو شائع عند “أدعياء السلفية” حيث ضاقت عليهم حجج الشريعة واستحكمت في نفوسهم شبه الجبناء؛ فصاروا يوزعون الصكوك على كل ذي غيرَة معارضٍ بحق منتقد للظلمة المستبدين بعدل منافح عن دين الله وعن المظالِم؛ هذا “إخونجي مبتدعٌ”، فهو “خارجي مارق”؛ إذا فاقتلوه قتل عادٍ وإرم فإن في قتله أجراً!!
ولو كانوا عقلاء لعرفوا أنهم أولى بهذا الوصف إن جاز استخدامه اليوم أو طابق التوصيف النبوي الصادق أحداً فهم به أحق عياذاً بالله؛ لأنهم جمعوا من علاماتهم أغلبها؛ من تأييد الظلم والتكفيرِ بأمور غير مجمع عليها وتضخيم قضايا بإدراجها في مسمى التوحيد، وابتداع منهج ضلالي عليه يوالون وعليه يعادون، والعناية بظواهر العبادة والاحتقار للمسلمين ..الخ الخ..
بل لقد رأيتُ بعض صبيانهم يقول دون حياء: (من كان في منصة رابعة يعتبر من الخوارج ومن كان يؤيدهم فهو من البغاة فقط)!!
ثم راح يجمع نصوصا من كتب الفقهاء لا يفهم -ظواهرها ولا مقاصدها- وعمم هذا الفقه الصبياني الشيطاني فقال: وهو القول في عموم أصحاب المظاهرات؛ فإما “بغاة” وإما “خوارج” لا ثالث لها!
فكيف لا يطغى المستبدون وقد وجدوا مثل هؤلاء المُسْتَخَفَّينَ الأغمار؟!
ولذا كنت أقول: كل داعشي فهو “خارجي كبير”، وكل دعي من أدعياء السلفية فهو “خارجي صغير” ..
وكلاهما خادم “للخارجي الأكبر” وهو المفسد المستبد … كفانا الله شر الخوارج والدواخل.
إذاً فأحق الناس باسم الخوارج والبغاة ليس المعارضون بسلمية وبالقانون ولا المطالبون بالحقوق بل الناشرون للضلال وللعقوق وهم ثلاثة أصناف:
1-عصابات أنظمة المستبدين المفسدين
2-عصابات الدواعش كالحفتريين وأدعياء السلفية
3-عصابات المخدرات ومافيات المشرملين…
وإن كان أحد أحق بالبراءة منها ظاهرا وباطناً حقا وصدقا فهم عموم الإصلاحيين الذين يتهمون بها اليوم وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمون فك الله محنتهم؛ فنحن مهما اختلفنا معهم ما كان لنا أن نقر الباطل عليهم ولا أن نسكت عن الظالم لهم ..
بل هم من أقوم الناس بالدعوة الإسلامية في العصر الحديث عِلْماً وعملاً واعتدالاً …
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم …
(المصدر: موقع د. عادل رفوش)