الحوثيون بين المولد المحمدي والهجرة النبوية
بقلم أ. د. فؤاد البنا
قال: لماذا يحتفي الخوثيون بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ولا يحتفون بهجرته رغم أنها حدث مفصلي في التأريخ الإسلامي؟!
فقلت: تتكون الشخصية العظيمة لمحمد بن عبدالله من بُعدين:
الأول: البعد الجثماني البشري وهو الذي ولد يوم خرج محمد من بطن أمه آمنة (المولد)، وهو ميلاد بشري وليس ميلاداً نبويا.
البعد النبوي الرسالي الذي ظهر بعد ٤٠ سنة من ميلاد الجسم وتربية الله له على عينه وتأديبه بالأحداث وفق هداه، وذلك يوم بعثته ونزول الوحي عليه مخاطبا إياه بأن الله قد اصطفاه نبيا للناس؛ نتيجة ما يمتلك من صفات خُلقية وسلوكية وليس ما يمتلك من جينات بشرية، وهذا لا ينفي وجود إرهاصات على أنه سيكون صاحب شأن عظيم، لكنه لم يكن نبيا حينما ولد ولا حينما كان طفلا أو مراهقاً أو شابا، وإنما حينما وصل إلى مرحلة النضج التام في الأربعين من عمره، عند إرسال الله لجبريل إليه ليخبره بتكليف الله له بتبليغ رسالته إلى الناس كافة!
وبرز البعد الرسالي يوم هجرته بعد ٥٣ سنة من ميلاد الجثمان، حيث كانت الهجرة النبوية انتقالا استراتيجيا من الدعوة إلى الدولة ومن البناء الفردي للأرقام الصحيحة إلى البناء الاجتماعي الذي يستهدف إيجاد خير أمة، وذلك على أسس: التوحيد، الحرية، العدالة، المساواة، العلم، العمل، الوحدة، الرحمة!
ومن ثم فإن مناسبة الهجرة تتصل بالبعد الرسالي، حيث الاحتفاء بالرسول الذي جاء بدعوة سماوية ترتقي بالإنسان من انحطاط الأعراف الجاهلية إلى سمو القيم الإسلامية ومن وضاعة الأواصر الترابية إلى شرف الروابط السماوية، ومن الواضح أن هذا الأمر لا يهم الخوثيين بدلالة أنهم يعملون ضد أغلب القيم التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم ويركزون أذاهم على من يبشرون بتعاليمه العظيمة التي بنت خير أمة وصنعت أعظم حضارة!
ومن الواضح أن الذي يهمهم هو مولد الجثمان الذي يدّعون أن جيناتهم الوراثية امتداد لجيناته، ويزعمون أنه امتلك الأمة على طريقة القياصرة والأكاسرة وورّثها لهم!
ولهذا فإن هؤلاء السلاليين سيظلون يتكلمون عن نسبه السلالي ويتكتمون على قيمه السامية وعلى تقواه التي جسدت تعاليم الرحمن في أبهى صورة، وسيبالغون في نقل أكاذيب عن فرادة سماته الخَلْقية ويتجاهلون صفاته الخُلقية التي بسببها وصفه الله بالعظمة، وسيدرسون سيرته بما فيها من تحريفات منتحلة وتأويلات باطلة ويحاربون سنته التي تدعو إلى الحرية والكرامة والعدالة والمساواة، وسيتوسعون في نسج قصص خرافية تُظهر من يزعمون أنهم أبناؤه وآله في صور أنصاف آلهة، بينما يكيلون التهم لصحابته ومن سار على نهجهم وينسبون لهم سائر النقائص ومتهمين لهم بالانحراف والضلال!