الحنين للطغاة.. ثقافة الانهزام التي تتبع الثورات
بقلم راني ناصر
منذ الربيع العربي نسمع بين الحين والآخر من بعض الشعوب التي أصيبت ثوراتها ببعض التشوهات والعقبات والنكسات عبارات خطيرة كالحنين الى زمن الطغاة المخلوعين الذين اغرقونا بالظلام، وأعادونا الى العصر الحجري، وأجبرونا بظلمهم واستبدادهم على العيش في كيانات غوغائية منزوعة الدسم، فحنين بعض الشعوب العربية إلى الطغاة يشكل صفعة وإهانة إلى الأرواح التي قضت دفاعا عن تطلعاتها للحرية والكرامة والازدهار، ويعبر عن ضحالة وعيها السياسي وقدرتها على تقييم وتحليل سياسات وسلوكيات أنظمتها الجديدة التي هي في الواقع ليست إلا امتدادا للأنظمة الشمولية التي لطالما عاشوا في ظلالها.
فنظام السيسي في مصر على سبيل المثال ليس سوى امتدادا لحكم الرئيس المخلوع حسني مبارك؛ فعبد الفتاح السيسي أتى من المجلس العسكري الذي حمى ودعم نظام مبارك لأكثر من ثلاثين عاما، وهو المجلس العسكري نفسه الذي يضع أفراده وسلطاته فوق القانون منذ نهاية العهد الملكي في البلاد؛ ولهذا فعندما سقط مبارك كان بديهيا أن يكون عبد الفتاح السيسي أكثر انبطاحاً للغرب من النظام السابق، وأن يقدم تنازلات أكبر لأمريكا وحليفتها إسرائيل فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ليحصل على الشرعية الدولية ليحكم مصر، وعلى المساعدات العسكرية والاقتصادية الأزمة للمحافظة على النظام ودعم أركانه من عسكر وسياسيين انتهازيين منتفعين.
أضف إلى ذلك أن كسر الشعب المصري الثائر لحاجز الخوف، وتمكنه من خلع مبارك من الحكم، وتعطشه لإقامة نظام جديد يضمن له حريته وكرامته كبقيه شعوب العالم، أثار مخاوف العسكر والطبقة الحاكمة في مصر وجعل نظام السيسي أكثر بطشاً وهتكاً من نظام مبارك بالشعب للحيلولة دون خروجه من حظيرة الطاعة، أما ما يحدث من دمار وخراب اليوم في ليبيا واليمن وسوريا فهو نتيجة تشدق حكام هذه الدول بالسلطة، ونتيجة لسياساتهم التي ساهمت في خلق جيل جديد يقدم الولاء الطائفي، أو العرقي، أو القبلي على حساب الانتماء الوطني الاشمل.
خطورة الحنين للطغاة تكمن في إعادة ثقافة الانهزام والعبودية إلى الأجيال العربية الشابة، وخلق ثقافة جديدة تبجل وتقدس الطغاة من قبل المسحوقين وليس المنتفعين فقط
ولهذا لم يكون غريبا أن يقوم الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح بالعمل على إفشال أي انتقال سلمي للسلطة في بلاده، ولم يكن غريبا أن يتحالف مع طائفة الحوثي ضد الآخرين لتدمير اليمن وترسيخ الطائفية فيه، وكذلك لم يكن غريبا أن يقوم معمر القذافي وبشار الأسد بخوض حروب مدمرة ضد شعوبهم الثائرة ضد طغيانهم، وعملهم على لتكريس القبلية، أو الطائفية وحرق الأخضر واليابس في بلدانهم من أجل البقاء في السلطة.
لذلك فإن الحديث عن أن عهد حسني مبارك أفضل من عهد عبد الفتاح السيسي، وأن ليبيا القذافي، أو سوريا الأسد، أو يمن علي عبد الله صالح كانت أفضل حالا مما عليه اليوم، ليس إلا قصور في مفهوم معنى بناء نظام جديد يلبى تطلعات الشعب الثائر، وتحليل سطحي لما يحدث في تلك الدول من أزمات سياسية واقتصادية خانقة سببها خروج أظمتها الجديدة من نفس مدرسة أسلافها السابقين، أو بسبب الأمراض الاجتماعية التي هي صنيعة أنظمتهم الحالية والغابرة.
خطورة الحنين للطغاة تكمن في إعادة ثقافة الانهزام والعبودية إلى الأجيال العربية الشابة، وخلق ثقافة جديدة تبجل وتقدس الطغاة من قبل المسحوقين وليس المنتفعين فقط لسحق الضمير الإنساني الذي يشكل مناعة ضد ظهور تماثيل عربية جديدة، وتقديم الذين حكموا بالحديد والنار، وقتلوا شعوبهم كما تقتل الحشرات بالمبيدات على انهم القادة الفاتحين والمناضلين في مناهجنا التعليمية العربية.
(المصدر: مدونات الجزيرة)