الحكمة من الموت
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)
إنّ الموتَ مرحلةٌ يمرُّ بها الإنسانُ، ومنزلةٌ يَرِدُها، وحقيقةٌ لا يتخطّاها، وكأسٌ يتجرَّعها، ومنهلٌ يستقي منه، فمن حِكَمِ الموتِ :
1 ـ في الموت تتجلى كمال قدرة الله الخالصة سبحانه، وعظيم حكمته في تصريف أطوار الخلق: فهو الذي أنشأ هـذا الإنسان من عدم، ثم أوجده طوراً بعد طور، وخَلْقاً بعد خَلْقِ، حتى صار بشراً سوياً، يسمع، ويبصر، ويعقل، ويتكلَّم، ويتحرك، ويسالم، ويخاصم، ويتزاوج، ويتناسل، يعيشُ على أرضِ الله، وينالُ من رزق الله، ثم بعد ذلك كلِّه يميتُه الله تعالى، فلا يأكلُ، ولا يشربُ، ولا يسمعُ، ولا يبصرُ، ولا يعقلُ، ولا يتحرّكُ، فيزولُ بعدَ بقاءٍ، وينتفي بعد وجودٍ، وكلُّ ذلك بتصريفِ الله وقدرته، وبالغ حكمته في خلق الأمور المختلفة، والأحوال المتضادّة. (الألباني،1988، 1 / 388)
قال تعالى: ﴿فَلَوْلاَ إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينِ *تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *﴾ [الواقعة: 86 ـ 87] تضمّنتِ الايتان تقريراً وتوبيخاً واستدلالاً على أصول الإيمان: من وجودِ الخالق سبحانه، وكمالِ قدرته، ونفوذِ مشيئته وربوبيّته، وتصرّفهِ في أرواح عباده، حيث لا يقدرون على التصرف فيه بشيء، وأنّ أرواحَهم بيدِه، يذهبُ بها ذا شاء، ويردّها إليهم إذا شاء، ويُخْلِي أبدانهم منها تارةً، ويجمع بينها وبينهم تارة.
2 ـ إن الله تعالى خلق الموت والحياة ابتلاءً لعباده واختباراً لهم ليعلمَ من يطيعه ممن يعصيه: قال سبحانه: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ [الملك: 2] .
3 ـ لم يخلق الله البشر في الدنيا على خلقة قابلة للدوام: بل جعلهم خلائفَ في الأرض، يخلفُ بعضُهم بعضاً، فلو أبقاهم لفاتتِ المصلحةُ والحكمةُ في جعلهم خلائف
4 ـ في الموت نعمٌ عظيمةٌ لا تتأتى للناس إلا به: فلولا الموت لما هنأ لهم العيش، ولا طابَ في هـذه الأرض، ولا وسعتهم الأرزاقُ، ولضاقتْ عليهم المساكنُ والمدنُ، والأسواقُ والطرقاتُ .
5 ـ الموت يخلّص المؤمن من نكد هـذه الحياة التي حشيت بالغصص: وحفّت بالمكاره والالام الباطنة والظاهرة، إلى نعيم لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، وسعادة لا تنتهي، في ظلال وارفة، وبساتين مؤنقة، وجنات دائمة، مع خيرة الرفقاء، وأطيب الأصفياء (العتيبي، 1991، ص 213)
عن أبي الدرداء رضي الله عنه كان يقول: ما مِنْ مؤمن إلا والموتُ خيرٌ له، وما مِنْ كافرٍ إلا والموتُ خيرٌ له، ومَنْ لم يصدّقني فإن الله يقول: ﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأَبْرَارِ *﴾ [آل عمران: 198] ويقول: ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأِنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ *﴾ [آل عمران: 178].(الصادق،2002، 2 / 976)
6 ـ بالموت تصل النفس إلى اليقين: وتتعرّف على حقيقتها من حيث إنّها مخلوقةٌ للخالق سبحانه، وإنّها مخلوقةٌ لغاية. (الصادق،2002، 2 / 977)
مراجع البحث:
علي محمد الصلابي، سلسلة أركان الإيمان، الإيمان باليوم الآخر، دار المعرفة، بيروت، 1432ه-2011م صص 43-47
عمر العتيبي، القيامة الصغرى، دار النفائس للنشر والتوزيع، الأردن، 1411ه-1991م
محمد ناصر الألباني، صحيح الجامع الصغير، المكتب الإسلامي للطبع والنشر،بيروت، 1408ه-1988م
الامين الصادق، الثبات على دين الله، رسالة دكتوراه جامعة أم القرى، المملكة العربية السعودية، 1423ه-2002م