الحضارة الإسلامية وأثرها في ميدان الفلسفة والعلوم
أورد الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله في كتابه (من روائع حضارتنا) الأثر الذي أحدثته الحضارة الإسلامية في في تاريخ التقدم الإنساني ومن ذلك ميدان الفلسفة والعلوم :
” ابتدأت عند الغربيين حركة الترجمة من العربية إلى اللاتينية، وغدت كتب علمائنا تدرس في الجامعات الغربية، فقد ترجم كتاب (القانون) في الطب لابن سينا في القرن الثاني عشر، كما ترجم كتاب (الحاوي) للرازي ـ وهو أوسع من القانون وأضخم ـ في نهاية القرن السادس عشر، أما كتب الفلسفة فقد استمرت أكثر من ذلك، ولم يعرف الغرب فلسفة اليونان إلا عن طريق مؤلفاتنا وترجماتنا، ومن هنا يعترف كثير من الغربيين المنصفين بأننا كنا في القرون الوسطي أساتذة أوروبا مدة لا تقل عن ستمائة سنة.
قال العلامة جوستاف لوبون: ظلت ترجمات كتب العرب ولاسيما الكتب العلمية المصدر الوحيد تقريبًا للتدريس في جامعات أوروبا خمسة قرون أو ستة قرون، ويمكننا أن نقول إن تأثير العرب في بعض العلوم كعلم الطب مثلا دام إلى أيامنا، فقد شرحت كتب ابن سينا في مونبلييه في أواخر القرن الماضي”، ويقول هذا العالم أيضًا: ” على كتب العرب وحدها عول روجر بيكون وليونارد البيزي وأرنو الفيلفوفي وريمون لول وسان ثوما وألبرت الكبير والأذفونش العاشر القشتالي” ..
قال مسيو رينان: ” إن ألبرت الكبير مدين لابن سينا” وسان توما مدين في فلسفته لابن رشد.
ويقول العلامة المستشرق سيديو:” كان العرب وحدهم حاملين لواء الحضارة الوسطي فدحروا بربرية أوروبا التي زلزلتها غارات قبائل الشمال، وسار العرب إلى منابع فلسفة اليونان الخالدة” فلم يقفوا عند حد ما اكتسبوه من كنوز المعرفة بل وسعوه وفتحوا أبوابًا جديدة لدراسة الطبيعة”.
ويقول: “وإذا بحثنا فيما اقتبسه اللاتيني من العرب في بدء الأمر وجدنا أن جربرت الذي أضحى بابا باسم سلفستر الثاني أدخل إلينا بين سنة 970 وسنة 980 ما تعلمه في الأندلس من المعارف الرياضية، وأن أوهيلارد الإنجليزي طاف بين سنة 1100 وسنة 1128 في الأندلس ومصر فترجم من العربية كتاب الأركان لإقليدس الذي كان الغرب يجهله، وأن أفلاطون التيقولي ترجم من العربية كتاب الأكر لتاذوسيوس، وأن رودلف البروجي ترجم من العربية كتاب الجغرافيا في المعمور من الأرض لبطلميوس، وأن ليونارد البيزي ألف حوالي سنة 1200 رسالة في الجبر الذي تعلمه من العرب، وأنكنيانوس النبري ترجم عن العرب في القرن الثالث عشر كتاب إقليدس ترجمة جيدة شارحًا له، وأن قيتليون البولوني ترجم كتاب البصريات للحسن بن الهيثم في ذلك القرن، وأن جيرارد الكريموني أذاع في ذلك القرن أيضًا علم الفلك الحقيقي المتين بترجمته المجسطي لطلميوس والشرح لجابر الخ…”.
وفي سنة 1250 أمر الأذقوش القشتالي بنشر الأزياج الفلكية التي تحمل اسمه، وإذا كان روجر الأول قد شجع على تحصيل علوم العرب في صقلية ولاسيما كتب الإدريسي، فإن الإمبراطور فردريك الثاني لم يبد أقل حضا على دراسة علوم العرب وآدابهم، وكان أبناء ابن رشد يقيمون ببلاط هذا الإمبراطور فيعلمونه تاريخ النباتات والحيوانات الطبيعي.
ويقول هومبلد في كتابه عن الكون: والعرب هم الذين أوجدوا الصيدلية الكيماوية، ومن العرب أتت الوصايا المحكمة الأولى التي انتحلتها مدرسة ساليرم فانتشرت في جنوب أوروبا بعد زمن، وأدت الصيدلة ومادة الطب اللتان يقوم عليهما فن الشفاء إلى دراسة علم النبات والكيمياء في وقت واحد ومن طريقتين مختلفين، وبالعرب فتح عهد جديد لذلك العلم، وأوجبت خبرة العرب بالعالم النباتي إضافتهم إلى أعشاب ذليفوريدس ألفي نبات، واشتمال صيدليتهم على عدة أعشاب كان يجهلها الإغريق جهلا تامًا.
ويقول سيديو عن الرازي وابن سينا بأنهما سيطرا بكتبهما على مدارس الغرب زمنًا طويلا، وعرف ابن سينا في أوروبا طبيبًا فكان له على مدارسها سلطان مطلق مدة ستة قرون تقريبًا؛ فترجم كتابه القانون المشتمل على خمسة أجزاء فطبع عدة مرات لعدة أساسًا للدراسات في جامعات فرنسا وإيطاليا.
(المصدر: إسلام أونلاين)