الحضارة الإسلامية.. المفهوم والمقارنة بالحضارة الغربية
بقلم عبد الحفيظ علي تهليل
الحضارة هي مرحلة سامية من مراحل التطور الإنساني، ومن مظاهر الرقي والتطور والإبداع العلميّ والفنّيّ والأدبيّ والاجتماعي في الحضر.
وقد عرفها ابن خلدون في مقدمته بأنها: “أحوال عادية زائدة على الضرورة من أحوال العمران زيادة تتفاوت بتفاوت الرفة، وتفاوت الأمم في القلّة والكثرة تفاوتًا غير منحصر”.
ومعنى الحضارة في المعجم الغني: حضارة [ح ض ر] (مص. حَضِرَ) يَعِيشُ أَهْلُ الْمُدُنِ فِي حَضَارَةٍ: فِي تَمَدُّنٍ عَكْسَ البَدَاوَةِ. حَقَّقَتِ الحَضَارَةُ العَرَبِيَّةُ الإسلامية تقدمًا في جُلِّ الْمَيَادِينِ العِلْمِيَّةِ: مَظَاهِرُ التَّقَدُّمِ وَالرُّقِيِّ فِي مَيَادِينِ العِلْمِ وَالدِّينِ وَالفَنِّ والأدب وَالمِعْمَارِ مَعَ مُجْمَلِ خَصَائِصِهَا الْمُمَيِّزَةِ لَهَا. الحَضَارَةُ الْمُعَاصِرَةُ حَضَارَةٌ إلِيكتِرُونِيَّةٌ: التَّقَدُّمُ العِلْمِيُّ فِي الْمَجَالِ الإلكتروني.
مفهوم الحضارة في الإسلام
الإسلام له مفاهيم ومصطلحات خاصة، وفي المصطلح الإسلامي الحضارة: هي عمارة الأرض بمقتضى المنهج الرباني المتكامل. والحضارة الإسلامية لها قيم ثابتة وجمعت المادة والروح. فإذا تغير المنهج والقيم الإسلامية لا نقول إنها حضارة إسلامية؛ بل نسميها حضارة جاهلية؛ لأن الإسلام لا يعرف إلا نوعين من الحضارات والمجتمعات: مجتمع إسلامي، ومجتمع جاهلي. وحضارة إسلامية، وأخرى جاهلية.
يقول الأستاذ إبراهيم السكران في كتابه (مآلات الخطاب المدني): “لقد جاء القرآن بشكل واضح بتأسيس مركزية الآخرة في مقابل مركزية الدنيا، هذا الأمر واضح في القرآن”.
وأيضًا يقول: جاء القرآن ليحول الدنيا من غاية إلى مجرد وسيلة.
تعريف الحضارة الإسلامية
هي ما قدمه الإسلام للبشرية من علم وقيم ومبادئ، وتمكنه من التطور والازدهار في جميع جوانب حياة الإنسان. واهتم الإسلام ببناء الفرد لأنه هو اللبنة الأساسية للمجتمع، وتربية الفرد وبناؤه علميًا وعقديًا تساعد المجتمع بالتقدم والإبداع. والإنسان هو حامل الحضارة ولا حضارة بدون إنسان متحضر.
الحضارة الإسلامية أخذت من غيرها من الحضارات بعض العلوم؛ فعمل المسلمون على ترجمة ما نقلوا من حضارات الأمم الأخرى مثل الحضارة اليونانية والفارسية، وصححوا ودرسوا، ثم أضافوا فأبدعوا. وتطورت الحضارة الإسلامية بمراحل مختلفة.
وبعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بإعداد المسلم المجاهد إعدادًا قويًا وشاملًا في كل جوانب الحياة الدينية والدنيوية وتكوين قاعدة صلبة تحمل وتحمي الإسلام، ويمكن أن نقول إن هذه المرحلة هي المرحلة التي وضع فيها الإسلام قواعده الأساسية للحضارة الإسلامية.
كانت المدينة المنورة المركز الأول للحضارة الإسلامية ونقطة انطلاقها، وفيها ولدت وتمت واكتملت، وأيضًا انتقلت الحضارة الإسلامية من المدينة المنورة مع الفاتحين المجاهدين لتصل إلى كل مكان وصل إليه المسلمون.
الحضارة الإسلامية والعلم
إن الإسلام دين العلم والحضارة ويحترم العلماء ويرفع مكانتهم بين الناس. قال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة: 11].
وَعَنْ أَبي الدَّرْداءِ، قَال: سمِعْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يقولُ: “منْ سَلَكَ طَريقًا يَبْتَغِي فِيهِ علْمًا سهَّل اللَّه لَه طَريقًا إِلَى الجنةِ، وَإنَّ الملائِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطالب الْعِلْمِ رِضًا بِما يَصْنَعُ، وَإنَّ الْعالِم لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ منْ في السَّمَواتِ ومنْ فِي الأرْضِ حتَّى الحِيتانُ في الماءِ، وفَضْلُ الْعَالِم عَلَى الْعابِدِ كَفَضْلِ الْقَمر عَلى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وإنَّ الْعُلَماءَ وَرَثَةُ الأنْبِياءِ وإنَّ الأنْبِياءَ لَمْ يُورِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا وإنَّما ورَّثُوا الْعِلْمَ، فَمنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحظٍّ وَافِرٍ”. [رواهُ أَبُو داود والترمذيُّ].
يقول الأستاذ أنور الجندي في كتابه (مقدمات العلوم والمناهج): “أن الحضارة الإسلامية قد قامت على روح واحد، وأصل الأصول فيها فكر التوحيد، وتحرُّر العقل مِن كل سلطان غير سلطان الله، فهو لا يتقيَّد بنظرة المجتمع والرأي السائد إلا إذا كان من عند الله تعالى، وتهذيب النفس التي تعد أصلًا من الأصول في الحضارة الإسلامية، وتحرير الإنسان من عبودية المادة وطغيانها، واعتماد الحضارة على نظرة خاصة إلى المنهج الاجتماعي المتميز، والنظرة الخاصة إلى الفضائل الأخلاقية، واعتماد الإسلام على بناء المسلم بالنظرة الشاملة إلى الحياة”.
أقام المسلمون حضارتهم بفضل تعاليم الإسلام، وفي العصرين الأموي والعباسي عاش المسلمون بمرحلة الازدهار والصناعة، ومن أشهر الصناعات: صناعة الأسلحة والسفن وتطورات كثيرة بكل جوانب العلم.
وفتح الإسلام مساحات شاسعة في العالم لتبليغ البشرية الإسلام والحضارة الإسلامية، وامتد الحكم الإسلامي شرقًا وغربًا.
ثم عندما نتحدث عن العلم والعلماء لا بد أن نعرف منهم العلماء المسلمين؛ لأننا سمعنا في مناهج التعليم كثير من علماء الغرب أمثال أينشتاين ونيوتن وغيرهم، لكن مع الأسف لم نسمع عن مؤسسي العلم الحديث -إن جاز التعبير- وهم علماء المسلمين، ونذكر هنا البعض وإنجازاتهم العلمية:
- ابن سينا: هو واحد من علماء المسلمين عرف بتميزه في علم الطب، وأطلق عليه الغرب أبا الطب الحديث وأمير الأطباء، ومن كُتبه المشهورة: كتاب القانون في الطبّ.
- ابن النفيس: عالم مسلم وهو من أهمّ علماء الطب، ويصنف ضمن أهمّ العلماء الذين درسوا علم الفيزيولوجيا المعروف باسم علم وظائف الأعضاء.
- الكندي: عالم مسلم مشهور ويُعدّ أوّل من اهتمّ بإعداد منهج للبحث العلميّ.
- الخوارزمي: هو عالم مسلم، اشتهر بمعرفته لكثير من العلوم مثل: الفلك والرياضيات والجبر؛ حيث نقل علم الأرقام إلى دول أوروبا، وكتب كتاب المختصر في حساب “الجبر والمقابلة”.
- ابن خلدون: عالم مسلم ومؤسس علم الاجتماع أو علم العمران البشري.
- الإدريسي: عالم مسلم ومشهور؛ هو أحد كبار الجغرافيين في التاريخ ومؤسسي علم الجغرافيا.
- البيروني: عالم مسلم مشهور؛ وهو أول من قال إن الأرض تدور حول محورها.
- عباس بن فرناس: عالم مسلم مشهور؛ هو أول من قام بمحاولة للطيران عبر التاريخ.
- أبو القاسم الزهراوي: عالم مسلم واشتهر بـ اسم “عميد الجراحين”، كان أول من اخترع الكثير من الأدوات الطبية وأعظم الجراحين في الأندلس شرح الجراحة. وقد كان الناس يذهبون لإجراء الجراحة في قرطبة في وقته.
لا نستطيع أن نكتب عن كل علماء المسلمين لكن علينا أن نفتخر بهؤلاء العظماء فما تركوا مجالًا من مجالات المعرفة والعلم إلا واجتهدوا واخترعوا فأبدعوا فيه.
وأعتقد أن دراسة مثل هذه النماذج على الأقل ستخرج جيلًا فخورًا بتاريخه وبحضارته الإسلامية.
يقول الزعيم الهندي جواهر لال نهروا: “إنهم -العرب- آباء العلم الحديث، وإن بغداد تفوقت على كل العواصم الأوروبية فيما عدا قرطبة عاصمة إسبانيا العربية (الأندلس)، وإنه كان لا بد من وجود ابن الهيثم والحسن والكندي وابن سينا والخوارزمي والبيروني لكي يظهر عند الغرب (جاليليو، وكلبر، وكوبرنيق، ونيوتن)”.
ونقل الدكتور راغب السرجاني في أحد محاضراته عن تطور المسلمين من ناحية المصانع في مدينة قرطبة وفاس في فترة الحكم الإسلامي في دولة الأندلس: أن من المدن الصناعية الأولى في العالم مدينة فاس (سنة 600 هجرية) وفيها أكثر من 3000 مصنع لنسج الثياب و47 مصنعًا للصابون و86 مصنعًا لدبغ الجلود و116 دارًا للصباغة و12 مصنعًا لتسبيك الحديد والنحاس و11 مصنعًا للزجاج و135 مصنع جير للطلاء و400 مصنعًا للورق و188 مصنعًا للفخار، وكان فيها 200 مكتبة.
كما كانت الجامعات في العالم الإسلامي مفتوحة لعدة قرون قبل فتح الجامعات الأوروبية. حيث افتتحت أول جامعة في بغداد عام 830م – 215هـ، وتسمى “بيت الحكمة”. وبعدها جامعة القرويين عام 859م – 245هـ في المغرب الإسلامي. وبعدها جامعة الأزهر الشريف التي افتتحت عام 970م – 359هـ.
ثم أخذ الأوروبيون من المناهج الإسلامية وتم افتتاح أول جامعة في أوروبا عام 1090م في عهد الملك روجر الثاني. وتبعتها جامعة “بادوفا” بإيطاليا عام 1222م وكان يدرس فيها كتب المسلمين. يقول غوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب: “إن جامعات الغرب لم تعرف لها موردًا علميًا سوى مؤلفات العرب، فهم الذين مدّنوا أوروبا مادة وعقلًا وأخلاقًا، والتاريخ لا يعرف أمة أنتجت ما أنتجوه”.
صراع الهوية
واليوم كثير من المسلمين لا يعرفون حقيقة الحضارة الإسلامية وصراع الحضارات والأفكار، رغم أنهم أبناء حضارة عملاقة وقوية لكنهم فقدوا هويتهم الثقافية والحضارية وهذا من الأسباب التي تحول المسلم إلى تافه تابع مقلد يشعر بالضعف.
وتعد وسائل الإعلام في العالم الإسلامي بكل أشكالها من أكبر المحاربين للإسلام وأهله في داخل بلادنا؛ فهم وكلاء للغرب لطمس الهوية الإسلامية في عقر ديارنا، مثال على ذلك؛ في الفضائيات المصرية الخاصة ذكرت الكاتبة في صحيفة الأهرام الحكومية سامية أبو النصر: أن الصهاينة وراء تمويل الفضائيات الخاصة بالإعلانات.
وصراع الهوية هو من أخطر الصراعات، وإذا هزم الشخص أمام عدوه فكريًا فسيكون رسولًا بنشر أفكار هذا العدو، وعندنا مثال حي لهذا الأمر؛ وهو الأديب “طه حسين” الذي يقول في كتابه (مستقبل الثقافة في مصـر): “علينا أن نسير سيرة الأوروبيين ونسلك طريقهم لنكون لهم أندادًا ولنكون لهم شركاء في الحضارة، خيرها وشرها، حلوها ومرها، ما يحب منها وما يكره، وما يحمد منها وما يعاب”.
ويقول ابن خلدون في مثل هذه الحالة:
المغلوب مولع أبدًا بتقليد الغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده. والسبب في ذلك أن النفس أبدًا تعتقد الكمال فيمن غلبها.
وأيضًا يقول الأستاذ أحمد القصص في كتابه (نشوء الحضارة الإسلامية): “إن أخطر ما يمكن أن يصيب أمة من الأمم؛ هو أن تفقد هويتها الحضارية؛ فالهوية الحضارية هي أثمن ما يمتلكه أي مجتمع من المجتمعات. وقد تصاب المجتمعات بالعديد من أنواع الكوارث التي تقض مضجعها وتؤرق اطمئنانها وتجلب لها المعاناة، إلا أن المجتمع المدرك لهويته وشخصيته الحضارية من شأنه أن يواجه تلك الكوارث التي تستفزه وتدعوه إلى المواجهة ما دامت الحضارة التي ينتمي إليها تملك من المقومات والحلول ما يكفي لمواجهة أعباء الحياة بشتى أشكالها”.
وفي النصف الأول من القرن التاسع عشر استيقظ العالم الإسلامي على الفرق بين الغرب والمجتمعات المسلمة، وفي ذلك الوقت قامت كثير من الحركات السياسية والدعوية لأجل البحث عن طريق للنهضة والتغيير، ومن أشهر شخصيات ذلك الوقت “رفاعة الطهطاوي” و”جمال الدين الأفغاني” وغيرهم، لكن مع الأسف الشديد لم يسلكوا طريق الصواب بل على العكس حاولوا تأويل المعطيات الشرعية لتوافق ثقافة الغرب.
ويقول المؤرخ النصراني “ألبرت حوراني” حينما يتكلم عن حركة الإصلاح التي كان رأسها “محمد عبده” في كتابه (الفكر العربي في عصر النهضة): “كانت هذه الحركة “إصلاحية” لأنها استهدفت إحياء ما كانت تعتبره العناصر المهملة في التراث الإسلامي، غير أن عملية هذا الإحياء قد تمت تحت تأثير الفكر الليبرالي الأوروبي، فأدت تدريجيًا إلى تفسير جديد للمفاهيم الإسلامية بغية جعلها معادلة للمبادئ الموجهة للفكر الأوربي في ذلك الحين”.
فضل الحضارة الإسلامية وعلاقتها بالعلم
نعتمد بعض الكتب والأقوال لمفكري الغرب وهنا نوضح أن استخدام المفكرين الغربيين كلمة (العرب) بدلًا من (الإسلام) لتفادي استخدام كلمة الإسلام كما يقول الأستاذ “محمد قطب” رحمه الله.
قالت المستشرقة الألمانية “زيغريد هونكه” في كتابها (شمس العرب تسطع على الغرب) حينما تكلمت عن علاقة الحضارة الإسلامية والعلم تحت عنوان (طلب العلم عبادة): “لقد أوصى محمد -صلى الله عليه وسلم- كلَّ مؤمن -رجلًا كان أم امرأة- بطلب العلم، وجعل من ذلك واجبًا دينيًّا، فهو الذي يقول للمؤمنين: “اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد”، ويُرشِد أتباعه دائمًا إلى هذا، فيخبرهم بأنَّ ثواب التعلم كثواب الصيام، وأنَّ ثواب تعليمه كثواب الصلاة، وكان محمد يرى في تعمُّق أتباعه في دراسة المخلوقات وعجائبها وسيلة للتعرُّف إلى قدرة الخالق، وكان يرى أن المعرفة تُنِير طريق الإيمان، مردِّدًا عليهم: “اطلبوا العلم ولو بالصين””. ص 369.
بينما كانت أوروبا تعيش في ظلمات الجهل في القرون الوسطى كان المسلمون قادة العالم وأصحاب حضارة عالمية بلا نزاع.
يقول المستشرق الهولندي “دوزي”: “إن في كل الأندلس لم يكن يُوجَدُ رجل أمّي، بينما لم يكن يعرفُ القراءة والكتابة في أوروبا معرفة أوَّلية إلا الطبقة العليا من القُسُس”.
ويقول المستشرق غوستاف لوبون في كتابه (حضارة العرب): “وظلَّت ترجمات كتب العرب ولا سيما الكتب العلمية مصدرًا وحيدًا تقريبًا للتدريس في جامعات أوروبا خمسة قرون أو ستة قرون، ويمكننا أن نقول: إن تأثير العرب في بعض العلوم كعلم الطب مثلًا دام إلى أيامنا، فقد شُرِحتْ كتب ابن سينا في (جامعة) مونبلييه في أواخر القرن الماضي، وبلغ تأثير العرب في جامعات أوروبا من الاتساع ما شمل منه بعض المعارف… كالفلسفة مثلًا؛ فكان ابن رشد الحجَّةَ البالغة في الفلسفة في جامعاتنا منذ أوائل القرن الثالث عشر من الميلاد”.
وساهم المسلمون بتطور العلم من الطب إلى صناعة الأسلحة، وحتى اليوم ثلث النجوم في عالم الفلك يحملون أسماء عربية مثل رأس الغول وفم الحوت والطائر وغيرهم.
يقول “جاك رسلر” في كتابه (الحضارة العربية): “في غضون 500 سنة ما بين 700 و1200م ساد الإسلام على العالم بقوة حضارته وعلمه.. فكان المقاتل العربي في القرن الحادي عشر مزودًا بالقوس والقذافة قبل الغربيين بـ 200 عام وكانت القذافة تستعمل لغرضين؛ فهي لم تكن تسمح بإطلاق عدة أسهم فحسب، بل كانت قادرة على قذفها لمسافة بعيدة، ومنها ما كان يطلق من على منصات إطلاق ثقيلة”. ثم كان العرب أول من صنع البارود بعد ذلك بنصف قرن.
ويقول “ماكس فانتيجو” في كلمة له أمام مؤتمر الحضارة العربية الإسلامية المعقود في جامعة برنستون في واشنطن عام 1953م: “كل الشواهد تؤكد أن العلم الغربي مدين بوجوده إلى الحضارة العربية الإسلامية، وأن المنهج العلمي الحديث القائم على البحث والملاحظة والتجربة، والذي أخذ به علماء أوروبا، إنما كان نتاج اتصال العلماء الأوروبيين بالعالم الإسلامي عن طريق دولة العرب المسلمين في الأندلس“.
مقارنة بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية
هدف المقارنة بين الحضارتين هو فقط لتوضيح الفرق بينهما وعلى أي أساس قامت كلا الحضارتين، ونعتمد في ذلك بعض الأقوال والمقالات والكتب الغربية.
فالحضارة الإسلامية قامت على الإسلام وبتعاليم الإسلام، بينما الحضارة الغربية قامت على أساس نبذ المسيحية.
ويقول “مارسيل بوزار” في كتابه (إنسانية الإسلام): “في كلمة موجزة، فإن الإسلام حضارة أعطت مفهومًا خاصًا للفرد، وحددت بدقة مكانه في المجتمع، وقدمت عددًا من الحقائق الأولية التي تحكم العلاقات بين الشعوب.
كما أن هذه الحضارة لم تقدم فقط مساهمتها التاريخية الخاصة في الثقافة العالمية؛ ولكنها تؤكد أيضًا -ولها مبرراتها- على تقديم حلول للمشاكل الرئيسية للأفراد والمجتمعات والمشاكل الدولية التي تثير الاضطرابات في العالم المعاصر.
الإسلام معناه هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة ذلًا وخضوعًا، هذا معنى الإسلام. الإسلام هو العلاقة والاتصال بين الله والإنسان. وبهذه العقيدة يتحرر الانسان من العبودية لغير الله بكل أشكالها”.
ويقول “برنارد لويس” عن الإسلام منذ الأمس حتى اليوم: “إن المسيحية في إخلاصها إلى «إنسان – إله» إنما تلهم مُثلًا عليا دنيوية، بينما الإسلام في إخلاصه للقرآن إنما هو حضارة؛ إذ لا يمكن فصل محتواه الديني عن تنظيم حياة البشر، ذلك التنظيم الذي كان يوضع موضع التنفيذ فورًا بمجرد التنزيل”.
وفي المقابل قامت الحضارة الغربية بالعداء بين العلم والدين ونبذ المسيحية؛ فالشعوب الغربية كانت تعيش في ظلمات الجهل في القرون الوسطى بينما المسلمون كانوا قد أقاموا حضارة عالمية.
والشعوب الغربية بعد احتكاكها بالمسلمين بالحروب الصليبية تعلموا وتحققوا من تفوق المسلمين وحضارتهم وبدأ بعض المسيحيين بالذهاب إلى إسبانيا وغيرها من مراكز الحضارة الإسلامية لأجل طلب العلم.
ويقول “روجر بيكون” في القرن الثالث عشر الميلادي: “من أراد أن يتعلم فليتعلم العربية لأنها لغة العلم. وفي هذا التغيير والنهضة الأوربية اصطدمت بالكنيسة لأنها تسيطر على كافة مناحي الحياة”.
وفي ذلك الوقت كانت الكنائس توزع ما يسمى (صكوك الغفران والمكفرات) وأعلنوا الحرب على كل من يحاول الخروج عن سيطرتهم ومعتقداتهم، بل أحرقوا وأعدموا كثيرًا من العلماء مثل العالم الفيزيائي “جاليليو جاليلى” أحد أهم الفيزيائيين على مر العصور.
وبعد إصدار حكم الكنيسة بحق جاليليو قال: “يا ليتني أحرقت كل ما كتبت بيدي حتى لا أشهد يوم محاكمتي هذا” هكذا قال جاليليو قبل محاكمته سنة 1611 لاتهامه بالهرطقة من قبل الكنيسة الرومانية الكاثوليكية؛ لأنه أثبت مركزية الشمس من خلال تلسكوبه المطور، وهو ما يعارض معتقدات الكنيسة.
وهذا الصراع وانتهاك حقوق الإنسان من قِبل الكنيسة تسبب في العداء بين العلم والدين، وقامت الحضارة الغربية بأساس معاداة الدين ونبذ المسيحية.
يقول الفيلسوف البريطاني “برتراند رسل” في مقال له بعنوان (كيف أعاقت الكنائس التقدم): “قد تظن أيها القارئ أنني أذهب بعيدًا عن الواقع إذا قلت لك إن هذا لا يزال واقع الحال. فهناك طرق كثيرة جدًا تتبعها الكنيسة في الوقت الحاضر؛ لإنزال البلايا وصنوف من العذاب التي لا داعي لها بمختلف أنواع البشر، وذلك بإصرارها على ما قد اختارت أن تسميه الأخلاقيات. وكما نعلم جميعًا؛ فإن الكنيسة لا تزال في أغلبها تعادي التقدم وكل ما من شأنه تخفيف معاناة العالم، فهي قد اعتادت أن تطبع مجموعة من قواعد السلوك المتزمت والتي لا علاقة لها بسعادة الإنسان، بما تسميه الأخلاقيات”.
وكانت الكنيسة تحرق العلماء، حيث “يقول توركويمادا” (1420 – 1498)؛ رئيس محاكم التفتيش في إسبانيا وهو يبرر هذا الأمر:
نحن نحرقك في الدنيا رحمة بك حتى ننقذك من النار الأبدية في الآخرة!
وفي عام 1415م أحرقت الكنيسة “جون هس” وقد كان رئيسًا لجامعة براغ. وفي عام 1553م أحرقت الكنيسة في جنيف “ميخائيل سارفيتوس”. هكذا قامت الحضارة الغربية على أساس نبذ المسيحية والفصل بين الدين والعلم.
فشتان بين حضارة قامت على نور الإسلام والعلم فبنت الإنسان والأمم أحسن بناء، وحضارة قامت على نبذ الدين الذي تعتقده لتناقضاته وعلى الحرب على العلم فهدمت حقيقة الإنسان لتصل اليوم إلى ما وصلت إليه من انحرافات واضطرابات وظلم وفساد في الأرض تحاول مداراته بقوتها المادية.
(المصدر: موقع تبيان)