مقالاتمقالات مختارة

الحركة المدخلية والعنجهية الأمريكية | عنتر فرحات

الحركة المدخلية والعنجهية الأمريكية

 

بقلم عنتر فرحات

الأصل لما نطلق كلمة سلفية فإننا نقصد تلك الروح السامية، التي ارتفعت وارتقت إلى كل سمو وكمال أخلاقي إنساني.

ولكن وخاصة في العقدين الأخيرين، كلما أطلقت هذا المصطلح، فإنه يتجه مباشرة لفئة معينة، أو لجماعة دينية تشترك في بعض الصفات، وإن صح لنا التمثيل؛ فكأننا قصدنا إحدى الطرق الصوفية التي لها بعض الأوراد الخاصة، أو جماعة سياسية عرفت بتصرفات ارتبطت بها، والأشد أنك ترى بعض الصفات أصبحت مرتبطة بهذه الجماعة ارتباط الإجرام بعصابات المافيا، حتى أننا وجدنا كثيرًا من أهل العلم والفكر يتحاشاهم ويخشاهم مثلما يخشى الغني فاقد النفوذ عصابات المافيا.

هذا جعلني أرجع بعض الخطوات للوراء حيث كنا في أحد المعاهد في دمشق وقد كان في المعهد عشرات الجنسيات، وطبيعي تجتمع فيه كثير من الاتجاهات الفكرية والسياسية والدينية، إلا أنه كان هناك تشابهه كبير وصفات تجمع جميع الطلبة، إلا  الشباب المدخلي، والشباب القادم من أمريكا؛ فإنهما قد شذا عن هذا، فمثلا في المعهد كل الجنسيات هادئة باستثناء بعض الغرور الملازم للشخصية الروسية الموروثِ من بَقَايا الفِكرِ الشُّيوعيِّ، ولكن هناك تصرفات تكاد تجزم أو تكاد تنتظرها يوميا حتى أصبحت روتين.

1- الطلبة الأمريكان:

لابد من ظهورهم يوميًا بمظهر مُغاير، ومُلفت للانتباه، فليس فقط في نوع قَصة الشعر أو طريقة مِشيته، والطريقة الغريبة في اللباس، حتى أنه يأتي إلى لمعه ،أحيانا، بحذاء عَجلات، وأصبح روتينًا، كل يوم تنتظر صفة غريبة من الطالب الأمريكي.

2- الطلبة المدخلية:

مثلما تنتظر يوميا روتينا غريبا من طالب أمريكي، الأمر نفسه روتين مدخلي، حيث أنه أصبح روتينا أنك تَجِدُهُ في عراك لدرجة رفع الأيدي، وحدث أن يحصل اشتباكات حقيقة، وشبه المؤكد أن يقع يوميا نزاع شديد بينهم وبين أحد المحاضرين، حتى أنه أصبح أمرا مألوفا، كلما وجدت طالبا أُخرج من المحاضرة وتوجه للمساءلة معروف أنه من أصحاب الفكر المدخلي، ومع النقاشات العقيمة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، والتي أصبحت صفة ملازمة لهم.

تشعر بترابط غريب بين العقلية الأمريكية والعقلية المدخلية، وإن كان في المعهد عشرات الجنسيات، فمثلا تجد الطلبة الصينيين المتميزين في دراستهم، ومستوى ثقافتهم الممتاز فإضافة إلى العربية والصينية تجد مع كل صيني أقل شيء لغة أخرى، والتميز في المجال الالكتروني، حتى أنك تجد كل واحد منهم يعتبر مدرسة خاصة، هذا إضافة إلى هذا التميز، فهو صاحب تخصص صيدلي مثلا، والثاني مهندس برمجيات، ومن المستحيل أن تعرف هذا إلا بعد أن تتعرف عليهم معرفة خاصة جدا، أو وَجدت نفسك في مشكلة فيتقدم الأخ المسلم الصيني لمساعدتك، والغريب أنني وجدت هذا التصرف حتى مع الطلبة الصينيين غير المسلمين.

طبيعي أن تستغرب من التصرفات الغريبة الصادرة من الطلبة الأمريكان في حب الظهور بأي طريقة، والأمر نفسه عند المدخلية، ولكن لو نُوَسِّع الدائرة قليلا ونرى سياسة أمريكا الخارجية، والعنجهية في تصرفاتها تدرك يقيناأن تصرفات الطلبة الأمريكان ما هي إلا امتداد للعنجهية الأمريكية، وليس بغريب هذا؛ لأن دولة فاقدة للتاريخ لا تجد شيئا تُثْبِتُ به وجودها إلا هذه التصرفات التي كلها رُعونة وإجرام، فمثلا لا تجد هذه التصرفات عند الصين أو اليابان، هذا ليس دفاعا عن هاته الدولتين الشيوعية واللا دينية، ولكن بما أن لكل دولة تاريخا حضاريا إنسانيا، فهذا يفرض عليها أحيانا أن تجعل حدا لتصرفاتها، أو هذا التاريخ يقيد حركاتها ويجعل لها ميزانا حضاريا لتصرفاتها، حتى إن اليابان لما جاوزت تلك الحدود إبان الحرب العالمية الثانية رُفْقَةَ ألمانيا وجدت مستواها الحضاري قد انحدر إلى مستوى دول ليس لها أي دور في الحضارة الإنسانية، وهو ما كلفها كَارِثَتَيْ هيروشيما وناكازاكي.

أمر أمريكا بين واضح، فقدها لتاريخٍ حضاريٍ إنسانيٍ يجعلها تفرض تلك التصرفات اللا أخلاقية، وكأنك مع إمبراطورية روما وميلاد العبودية، ولكن الغريب لماذا هذه العنجهية عند المدخلية، وهي التي تسمي نفسها بالسلفية، وهم يدركون يقينا أن لا حظ لهم من السلفية إلا الاسم، والحظ الأوفر تشويه الإسلام وتدمير كل مشروع حضاري إسلامي والجواب:

أنك لما تعرف أن هذه الحركة التي تُسمى المدخلية وتتدعي أنهم أتباع السلف، وحقيقة الأمر أنهم مجرد أو عبارة عن كتيبة في نظام سياسي، وهذا النظام السياسي الذي ظهر ليس بعد سايكس بيكو، ولكن ظهر بعد الحرب العالمية الثانية، والتي كان من مُخْرَجَاتِها حصار الدول الإسلامية، وقَتْل مَشْروع أي نهضة فكرية أو أخلاقية خَشْيَة رُجوع مَشروع الأمة العملاق (الخلافة)، فكان من مهام النظام السياسي الذي ظهر في الجزيرة العربية محاربة كل فكرة دينية، فكان خير من يحارب أي فِكْرٍ ديني، هم رجال دين، ولا ننسى أن من حَرَّف التوراة والإنجيل هم علماء تلك الأمم، ولما ظهرت هذه الحركة، بهذا الفكر السياسي الذي هو امتِدادٌ لفكر النظام العالمي الجديد والذي من أولى أولوياته محاربة الخلافة الإسلامية أولا، ومحاصرة الشيوعية ثانيا.

فكل دَارس لأدبيات المدخلية إن وجدت طبعا، فهي لا تزيد عن كونها عنجهية أمريكية، أي جماعة سياسية فاقدة لأيِّ تاريخٍ حضاري، فمثلا لو تنظر حتى في طرق الصوفية، فتجدها تتلتزم بأخلاقٍ، وهذه الأخلاق المكتسبة تعتبر امتدادا تاريخيا لهذه الطريقة، وهذا ما لا يتوفر عند هذه الحركة المدخلية، والتي هي على استعداد لتغيِير أي فكر إيديولوجي، مع تغيير النظام السياسي، فكل ما كان حراما قبل سنة أصبح حلالا هذا العام، وإن دل على شيءٍ؛ فهو يدل على أن هذه فرقة سياسية، مثلها مثل الشرطة التي تتبع لنظام سياسي معين، ومهمتها تنفيذ الأوامر لا مناقشتها.

فمن الغريب جدا أن تعتبر هذه الحركةُ حركةً دينيةً، والحقيقةُ ما هي إلا امتداد لنظام سياسي معين.

فجميل أن نضع كلا في مكانه.

(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى