الحركة المدخلية.. والطائفة الملكانية وإثم الأريسيين
بقلم عنتر فرحات
(بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين؛ فإن أبيت فإن عليك إثم الأريسيين). البخاري.
كانت هذه إحدى أوائل الرسائل التي بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم لما بدأ مشروع الدولة الإسلامية يتجسد واقعا حقيقيا؛ لكن الغريب في الرسالة الذي لم ينتبه له الكثير، هو لماذا هرقل عظيم الروم احترم -رسول- رسول الله صلى الله عليه، وعرض على محفله أنه سيسلم، -فصاحوا صيحة كحمر النعم- ثم قال قولته المشهورة: -إنما أردت امتحان إيمانكم-.
أدرك حقيقة أنه مع رسول يأتيه خبر السماء، وإلا مثل هذه الإشارة الدقيقةُ النظرِ (إثم الأريسيين) استحالة أن يعلمها عربي يعيش في أعماق الصحراء؛ لأنها نقاشات كبار القساوسة والكهنة في المحافل والمجامع المغلقة الشديدة الخصوصة.
السؤال: لماذا ربط النبي صلى الله عليه وسلم عدم استجابة الرسالة بإثم الأريسيسن، وهو ما يحتاج بحثا مستقلا من أجل ربطه بهذه الحركة، أما الذي نريده الآن هي الجماعة اليعقوبية والتي تعتبر الحركة المدخلية محاكاة لها، والتي تعتبر النواة الأولى للكنيسة الشرقية (الأرثوذكسية) والتي كانت في صراع شديد مع الجماعة الملكانية (الكاثوليك) لأنها كانت تعتبر الممثل لدين الملك لا لدين السيد المسيح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.
لذلك لا تستغرب من تلك التغييرات الكثيرة في المذهب الملكاني، لأنه يدور مع الملك حيث دار، وفي الوقت ذاته لا تستغرب من تلك الممارسات أو ذلك التمسك الشديد من الجماعة اليعقوبية (الأرثوذوكس)، فهم بمثابة التيار السلفي المحافظ عن المسلمين، إلا أنه عند المسلمين لم يحصل ذلك التمايز الكبير بين الطوائف، وإن كانت المعتزلة أول من قام مقام الملكانية إلا إنهم كانوا يفرضون طرحهم ووجهة نظرهم المنطقية على الخليفة لا الخليفة الذي يوجههم، ودليل ذلك لما وصل عهد المتوكل للخلافة تغير كل شيء، وهذا من الأدلة على أن المذهب الاعتزالي علمي منطقي لا ملكي كما هي الحركة المدخلية اليوم أو الشيعة الاثني عشرية.
ما علاقة الملكانية بالحركة المدخلية:
منذ حرب الخليج الأولى بدأت تظهر ملامح الحركة الجامية، لا يهمنا حاليا بذرتها الأولى، لكن الغريب في هذه الحركة التي ضَلَّلَت الأمة جميعا إلا من وافقها الرأي، وكأنها نظام سياسي فاشي أو قانون تمييز عنصري لا يعترف بغيره، كل من يخالف ليس مخطئا فقط؛ بل ضال ومبتدع وغيرها من الصفات التي أصبحت ثقافة في قاموسهم، وهي في واقع الأمر ممارسة متماثلة تماما مع الجماعة الملكانية، وكأنها ليست جماعة دينية بل جماعة إعلامية تمثل نظاما معينا، وهنا كان جوهر الخلاف بينها وبين الجماعة الملكانية أن الأولى معلِنة توجهها الملكاني إلا أن الثانية (المدخلية) نصبت نفسها الممثل الوحيد للمنهج النبوي، حيث وصل بهم السفه لتضليل كل علماء الأمة الأحياء والأموات، وكل من ليس على منهجهم فهو الضلال المبين، في محاكاة للجماعة الملكانية الذين كانوا يبيعون قطعا في الجنة، فقط الملكاني يصرح بالبيع ويعطيك عَقد لقطعة الأرض التي ابْتَعْتَها منه، والمدخلي بدل عقود البيع عوضها بوثيقة التزكية، فلا تعترف الحركة المدخلية بأي شيخ أو عالم إن لم يكن قد زكاه المدخلي المتنقل أو المتغير من جماعة إلى أخرى (لأنه كان منضويا تحت جماعة الإخوان المسلمين، ثم مع الجامي كَوَّنُوا هذه الحركة الغريبة)، ولما كثر الأتباع وصار لهم مؤيدون في دول كثيرة -بفضل أجهزة المخابرات المختلفة-، وكثر الخلاف والتنازع بين هذه المجموعة الغريبة في طريقة طرحها المتماهية في تضليل الأمة والوقوف ضد أي مشروع إسلامي بحكم أنك لا تمتلك تزكية من الربيع فلا يجوز لك أن تُدرِّس أو تكتب أو تعارض، إذا ما الحل؟!
العقيدة الملكانية:
تذهب للبابا وتطلب منه المغفرة.
تذهب للربيع المدخلي أو من يمثله في بلدك، ليعطيك شهادة اعتماد وغفران، ثم من حينها لك الحق أن تدرس وتنشط وتتكلم فيمن تريد.
ولما تُسأل ما هي مؤهلاتك وإنجازاتك العلمية يكفي أن معك تزكية من المدخلي أو من ينوب عنه في تلك البلاد، في محاكاة مماثلة للمذهب الملكاني.
لكن الغريب بعد أن توسع وكثر نفوذها في أكثر من دولة وطبيعة النار تحرق نفسها بعد أكلها كل الحطب، وتبدأ هذه النار بحرق نفسها بعد أن ضللت كل الأمة الإسلامية حيث وجدنا لهم فتاوى لا تعتبر إلا مثال عملي للتشدد والتنطع والجهل المركب، فبعد أن لم يبق في الساحة غيرهم ووجودهم لم يكن إلا للتضليل والتحذير من الناس، فلما غابت الساحة شرعوا يضللون أنفسهم، أوهو عبارة عن تطور بيولوجي لتلك المهنة من الجامية إلى المدخلية إلى الصعافقة.. إلى ما الله به عليم.
النتيجة:
إن هذه الجماعة قد انتهت ولا رجعة، والذي تقوم به الآن هو مجرد رقصة موت، خاصة بعد أن أعلنت المملكة السعودية (الراعي الرسمي لهم) أنها ستغير كل المناهج التربوية والدينية، لذلك وجدنا سفارات المملكة عبر العالم تُتْلِف كل مابحوزتها من كتب الدعوة النجدية والتي يعتبرها أتباع المداخلة المرجع الرئيس لمنهجهم وإن كان لا يزيد عددها عن بعض العناويين لبعض الرسائل.
الخطر الحقيقي:
وإن كانت هذه الجماعة أو الحركة قد انتهت عمليا وما بقي هو مجرد صدى صوت، لكن الخطر الحقيقي هو في الأثر أو الشرخ المجتمعي الذي أحدثته بين المجتمع والتدين، حيث استطاعت هذه الجماعة أن تَنْزَعَ هيبة الدين وكل من يمثل الدين من نفوس الناس، فهي التي كفرت العلماء وضللتهم، وهي التي أرسلت غلمانها ليتطاولوا على العلماء ف المساجد والجامعات والملتقيات بل حتى في القنوات الفضائية، وهي التي رأها الناس تمثل الدين ولكنها تسيء لأهله في المساجد.
تسأل كيف:
من الذي أهان شيوخ المساجد؟!
من الذي أهان حملة القرآن؟!
من الذي حارب المدارس القرنية؟!
من الذي ضلل علماء الأمة وتكلم فيهم؟!
تتصور شاب لا يحسن قراءة الفاتحة ويتكلم في العسقلاني والنووي والغزالي وابن رشد، وهو ما يعطي فرصة قوية لأعداء الإسلام خاصة من الداخل لحصار الإسلام بحكم أن كل متدين متشدد.
من الذي أعطى فرصة للأنظمة والجمعيات المعادية للدين بحصار المساجد إنهم هم، سواء بلباسهم الذي أصبح علامة مميزة لهم، أو بكثرة المشاكل التي يحدثونها بحكم انهم يحاربون الضلال.
اسألوا أئمة المسلمين في أوربا والأذى الذي يتلقونه منهم.
تعلم أسلم فرنسي على يد شيخ، يأتي شاب مدخلي يقل للمسلم الجديد حذاري من الشيخ إنه ضال، فيرجع الشاب المسيحي إلى ما كان عليه، هذه هي نتائج دعوتهم.
الأمثلة كثيرة ونستطيع نكتب فيها مئات المقالات من الآثام التي شوهوا بها صورة الإسلام والمسلمين.
أمثلة عملية ما بين الملكانية والمدخلية:
الفاتيكان مركز الكاثوليكية يعترف بالزواج المثلي، وطبعا الأمر معلوم لماذا ولا غرابة في ذلك؛ لكن الغريب أن الرئيس بوتين الروسي يرفض هذا ويعلنها صراحة لن نقبل بهذا الشيء، لماذا لأن بوتين ينتمي للكنيسة الأرثوذكسية ويعلم يقينا أن هذا الأمر سياسي محض لا علاقة للكنيسة به، فلم ولن يقبله.
المدخلية:
أفتوا بضرب العراق وأفتوا بجواز الاستعانة بالكفار لضرب المسلمين وأفتوا بضرب الأفغان، وأفتوا بضرب العراق في الحرب الثانية 2003، وأفتوا بحرمة محاربة الأمريكان في العراق والأفغان.
هنا هل تشعر أن هذه فتاوى دينية أو لها علاقة بالدين الإسلامي، إنما فتاوى ملكانية سلطانية وإن كانت تصدر من شيوخ يدعون المنهج ومن خالفهم فهو ضال ومبتدع.
يتبع..
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)