مقالاتمقالات مختارة

الحركات الباطنية.. غلاة الشيعة (10)

الحركات الباطنية.. غلاة الشيعة (10)

بقلم فاتن عبد المنعم فاروق

نشأة الدروز وعلاقتهم بالإسماعيلية:

هي طوائف باطنية انشقت عن الإسماعيلية في عصر الدولة العبيدية، ظاهريا لهم مباديء مخالفة للإسماعيلية وباطنيا لم تخالف جوهر الإسماعيلية.

الدروز في اللغة فارسي معرب ويقال للقمل والصئبان بنات الدروز، وبنو درز هم الخياطون والحاكة، وأولاد درزة هم الغوغاء.

والعرب تقول للدعي ابن درزة، إذا كان ابن أمة تساعي وجاءت من المساعاة فلا يعرف له أب.

هم يقيمون في مناطق شتى ببلاد الشام، سوريا وفلسطين ولبنان،

وهم يزعمون أنهم من القبائل العربية التي هاجرت إلى وادي تيم ببلاد الشام واعتنقوا الإسلام،

وانتشر بينهم المذهب الإسماعيلي أيام الدولة العبيدية عندما هاجر إليهم محمد بن إسماعيل الدرزي،

أحد دعاة تأليه الحاكم بأمر الله، والذي يقوم على هذا الاعتقاد المذهب الدرزي، رغم كراهتهم له في الوقت الحاضر.

الحاكم بأمر الله:

تولى الحاكم بأمر الله الحكم وعمره أحدى عشر سنة، وعهد والده إلى ثلاثة من كبار رجال الدولة برعايته وتولي شئون الدولة،

وبقى الأمر كذلك حتى عام 390هـ عندما تمكن من قتل أحد الأوصياء عليه، وتولى زمام الحكم منذ ذلك الحين،

وبدأ حكمه بقتل عدد من رجال الدولة، وتحريم بعض الأمور ثم إباحتها مرة أخرى،

وكان أثناء ذلك قد قتل الكثير من موظفي القصر وعامة الناس تمهيدا لادعائه الربوبية.

أنشأ مركزا لإعداد وتوجيه دعاة الإسماعيلية أسماه «دار الحكمة» وهذه التسمية لها من الدلالة والإشارة وهي الأخذ بالاتجاه الفلسفي والذي يعتبر محور العقيدة الإسماعيلية.

احتشد دعاة الإسماعيلية الملاحدة في دار الحكمة يزينون له سوء عمله بادعائه الألوهية

والتي كانت تعتمل في نفسه، مما جعله يرقب هذه الدعوة ويطورها، ويتصرف على ضوءها.

واتخذ من النساء اللآتي تدخلن البيوت لأمر ما من تنقل له أخبار هذه البيوت،

واتخذ بعض الجواسيس ليمروا بين الناس في الأسواق والطرقات لينقلوا إليه ما يتناقلونه بينهم من أحاديث وأخبار،

فإذا التقى العوام في أي مجلس حدثهم بما يدور بينهم ليقال عنه أنه يعلم الغيب.

أقوال بعض المؤرخين عنه:

يروي ابن خلكان عن الحافظ أبي الطاهر السلفي “أن الحاكم كان جالسا في مجلسه العام وهو حفل بأعيان دولته، فقرأ بعض الحاضرين قوله تعالى

 “فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِىٓ أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا ” 65 النساء

 والقاري في أثناء ذلك يشير إلى الحاكم، فلما فرغ من القراءة قرأ شخص آخر يعرف بابن المشجر، وكان رجلا صالحا

{يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُۥٓ ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَابًا وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُۥ ۖ

وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْـًٔا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ} 73 الحج

«فلما أنهى قراءته تغير وجه الحاكم، ثم أمر لابن المشجر المذكور بمائة دينار،

ولم يطلق للآخر شيئا، ثم أن بعض أصحاب ابن المشجر قال له أنت تعرف الحاكم وكثرة استحالاته،

وما نأمن أن يحقد عليه، وأنه لا يؤخذك في هذا الوقت، ثم يؤاخذك بعد هذا فتتأذى معه،

ومن المصلحة عندي أن تغيب عنه، فتجهز ابن المشجر للحج، وركب في البحر فغرق، فرآه صاحبه في النوم فسأله عن حاله،

ما أقصر الربان معنا، أرسى بنا على باب الجنة، رحمه الله تعالى، وذلك ببركة نيته وجميل قصده»

ويقول السيوطي عنه:

«أن الحاكم أمر الرعية إذا ذكره الخطيب على المنبر أن يقوموا على أقدامهم صفوفا إعظاما لذكره، واحتراما لإسمه،

فكان يفعل ذلك في سائر ممالكه حتى في الحرمين الشريفين، وكان أهل مصر على الخصوص إذا قاموا خروا سجدا،

حتى أنه يسجد بسجودهم في الأسواق وغيرهم، وكان جبارا عنيدا، وشيطانا مريدا، كثير التلون في أقواله وأفعاله»

كان كثير القتل والإرهاب بين الوزراء والكتاب وعوام الناس،

لأسباب واهية ليدخل في روعهم الخوف والرعب حتى أن المسبحي صديق الحاكم ومؤرخه يروي حادثة من حوادثه فيقول:

 «حينما أمر الحاكم بعمل مقصلة كبيرة للإعدام ارتاع الناس لأن كل منهم ظن أنها معدة له مما جعلهم يسترحمونه ويقبلون الأرض بين يديه،

طالبين العفو والرحمة، بسجل مكتوب وموقع من الحاكم»

ومما يذكر له أنه كتب على أبواب المساجد والمقابر والحوانيت سب السلف الصالح من أبي بكر وعثمان بن عفان وعمر الخطاب،

كما أصدر مكتوبا يقضي بإلغاء صلاة الضحى والتراويح وأمر في آذان صلاة الفجر باستبدال «حي على خير العمل» بـ«الصلاة خير من النوم»

الجهر بالدعوة لألوهية الحاكم بأمر الله 408هـ:

تبنى الدعوة جهرا ثلاثة وهم حمزة بن علي الزوزني، ومحمد بن إسماعيل الدرزي المعروف باسم «نشتكين» والحسن بن حيدرة الفرغاني،

بينما هذه الدعوة يتم الدعوة لها بشكل سري منذ عام 400هـ

يقول الأستاذ مصطفى غالب وهو كاتب إسماعيلي معاصر «إن حمزة بن علي بن أحمد الزوزني وفد على مصر عام 405،

وانتظم في سلك دعاة الفرس الذين كانوا يترددون إلى دار الحكمة لحضور مجالس الحكمة التأويلية،

وما عتم أن أصبح من دعاة الفرس وهمزة الوصل بينهم وبين الحاكم بأمر الله الذي ضمه إلى حاشيته، وأسكنه في قصره،

وفي بعض الوثائق السرية لدعاة الإسماعيلية إلى أنه أصبح من الدعاة الذي يحظون بمعية الإمام، وخاض غمار الجدل الدائر حول المذهب الإسماعيلي.

أنكر دعاة الإسماعيلية الدعوة إلى تأليه الحاكم لأنهم يرون أن هذه الدعوة ينبغي أن تكون باطنية؛

لا يجوز البوح بها لذا تم قتله على يد أخته ست الملك بالاتفاق مع أحدهم،

والذي أرسل عبدين استدرجا الحاكم بالمقطم وأحدثوا فيه القتل حفاظا على بقاء الدولة الفاطمية،

ويرى المؤرخون أن هذا وضع طبيعي لأن ادعائه الألوهية نشر الإلحاد بين العوام كما رفع السافل ووضع العالي،

وكثرت الاتهامات بين الناس بالكفر والزندقة، كما هدده الجنود الأتراك والمغاربة بأنهم سيقتلوه لكثرة ما أحدث من القتل والترهيب وتغيير دين الناس.

معبود الإسماعيليين الحقيقي هو العقل حيث يقولون:

«إذا كان لا يصلى لكائن لا يدرك، فإن الصلاة تتجه نحو صورتها الخارجية وهي العقل»

ومن ذلك أيضا يقولون أن جميع مناقب العقل الكلي تطلق أيضا على الإمام، فهو الواحد الأحد، الفرد الصمد، والمحيي المميت.

أما دعاة تأليه الحاكم بأمر الله، فقد نشروا بين العوام أن الحاكم سيعود مرة أخرى قبل القيامة،

وينكرون جميع الأنبياء والرسل ولكنهم يتظاهرون أمام المسلمين بأنهم مسلمون لأنهم نشأوا في وسط إسلامي،

ويدعون قربهم من النصارى لأن حمزة بن علي عندهم هو  المسيح، ويقربون لليهود،

وبعض كبار مفكريهم المعاصرين يحجون إلى الهند مدعين أن الحكمة منبعها الهند، ويعتقدون أن الشياطين هم باقي الملل،

 كما أن القرآن الكريم هو من صنع سلمان الفارسي، والذي هو حمزة في زمن الحاكم،

أما تلك الخلطة السحرية لهي الدليل القاطع على فساد معتقدهم وأنهم غير مسلمون.

حامي النصارى في الشرق:

أطلقت أوروبا هذا التوصيف على الأمير فخر الدين لأنه أفسح المجال للإرساليات الأوروبية (ذات أنشطة مختلفة لكنها في حقيقة الأمر للتنصير) بإنشاء مراكز لها في لبنان وفلسطين في البقاع

التي يتواجد بها المسلمين، فضلا عن أنه بسط يد الحماية للنصارى في بلاد الشام،

ومن أجل عوامل هجرة الموارنة لأماكن تواجد المسلمين هو تعاطفه معهم واتخاذ سياسات تدعمهم مما جعلهم يسيطرون على أكثر من ثلثي لبنان مما قوى نفوذهم،

وعندما ضعفت الدولة العثمانية عملت أوروبا على استمالة الأقليات والتي ارتأتهم مدخلا جيدا لاختراق الدولة العثمانية

لدرجة أن فرنسا كانت ترى في نفسها مسئولة عن موارنة لبنان،

وبالتوازي قامت انجلترا بإقامة علاقات ودية مع زعماء الدروز عندما علمت أنهم يرغبون في إقامة دولة مستقلة،

وعلى إثر الاستقواء بانجلترا امتنع الدروز عن دفع الضرائب للدولة العثمانية فجرد والي لبنان حملة لفض ثورتهم،

فلما تدخلت انجلترا رضخت الدولة وهدأت الأوضاع لصالح الدروز

الذين كانوا يقطعون العهد على عدم التمرد على الدولة ولكنهم سرعان ما كانوا ينقضون العهود رغبة منهم في إقامة دولة مستقلة لهم.

دور الدروز في موالاة الأعداء ضد المسلمين:

عندما قدم المغول إلى الشام عام 657هـ كان التنوخيين الدروز هم المسيطرون على لبنان،

فجاء الأمير التنوخي جمال الدين حجي الثاني إلى كتبغا ابن هولاكو معلنا خضوعه له فعينه أميرا على مقاطعة الغرب،

بينما قام الأمير زين الدين الدرزي بمولاة بيبرس الذي قاد جيش مصر لملاقاة المغول بالشام،

فإذا انتصر أيهما أعلن الدروز أنهم كانوا يوالونه من البداية، وعندما انتصر المماليك على المغول لم يمسوهم بسوء ليتفرغوا للمناطق الساحلية التي مازالت بيد الصليبيين،

وغدا بيبرس يملؤه الشك منهم ولا يأمن جانبهم،

وبعد ذلك نما إلى علمه أن أمراء الدروز على اتصال بوالي طرابلس الصليبي فأمر بيبرس بسجنهم كي يتفرغ للصليبيين،

وبعد قيام الدولة العثمانية راودتهم أحلامهم القديمة بإنشاء دولة مستقلة لهم مستغلين حرب الدولة العثمانية مع أوروبا،

وتجلت خيانتهم عندما عقد زعيمهم فخر الدين معاهدة مع دوق توسكانا تضمنت بنودا عسكرية ضد الدولة العثمانية،

فقرر السلطان العثماني التخلص منه فجرد له حملة توجهت إليه ولكنه نجح في الفرار إلى أوروبا،

وقام بتقليب مختلف الدول الأوروبية على الدولة العثمانية ولكن الظرف التاريخي في ذلك الوقت لم يكن في صالحه فباءت مسعاه بالفشل.

كمال جنبلاط:

هو زعيم لبناني درزي قتل عام 1977م حاول تطوير عقيدة الدروز من خلال إثباته أنها مرتبطة ارتباط وثيق بحكماء الهند

لأن الحكمة في نظره واحدة في كل زمان ومكان،

ثم يذكر تأثرهم بالفرعونية والبابلية واليونانية والأشورية والإيرانية واليهودية والنصرانية وأخيرا الإسلام،

ولا غرو أن كتب بنفسه فيما بعد «المصحف المنفرد بذاته»

كي يثبت أن مذهبهم مستقل لا يتبع أي مذهب آخر بينما مصحفه الملفق من القرآن وعقائد الباطنية بما فيها تأليه الحكم، يحتوي على كل هذا الإفك.

وللحديث بقية إن شاء الله

المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى