مقالاتمقالات المنتدى

الحرب على غزة ومظاهر الضعف والهوان في أمة الإسلام .

الحرب على غزة ومظاهر الضعف والهوان في أمة الإسلام .

 

الشيخ: رضوان نافع الرحالي (خاص بالمنتدى)

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبينا الكريم.
لقد أظهرت الحرب على غزة أن الأمة الإسلامية قد انحدرت إلى مستنقع خطير من الهوان والذل ، وأن المهابة قد ذهبت من قلوب أعداء الأمة كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن الامة- إن لم ترجع إلى دينها – تستقبل سنوات سينهشها الأعداء من كل جانب وسيجتمعون عليها كما تجتمع الأكلة على قصعتها.
إن من مظاهر الضعف العظيمة في الأمة التي ظهرت في هذا الوقت الذي ابتلي فيه المسلمون في غزة الأبية بهذه الحرب الشعواء أمور تأملها يجعل القلب في كمد عظيم.

أولها : ضعف صوت العلماء بل وغياب صوت كثير منهم، وتهلهل فتاويهم، وضعف همتهم في مسايرة هذه الحرب والقيام بواجبهم.
نعم أقولها بملء الفي ضعف العلماء وضعف خطابهم وهمتهم في متابعة ما يمكن أن يفعلوه في ظل هذه الحرب الشعواء على إخواننا في غزة، وما يقتضيه واجب النصرة للمسلمين . ففتاواهم وبياناتهم – إن وجدت- ضعيفة ولا ترقى إلى المستوى المطلوب الذي يعبئ الأمة ويحركها ويحرك أطيافها الفاعلة لعمل شيء ما لرفع هذا الظلم وهذا الضيم ، بل وهذه الإبادة لإخواننا في غزة. فهذا المظهر الأول من مظاهر الهوان والضعق في الأمة، فضعف النخب و قادة الأمة ورموزها و تقصيرهم في واجبهم ، يجعل الداء يسري إلى باقي أطياف الأمة من باب أولى.
ورحم الله أياما كان العلماء فيها يقودون الأمة في المدلهمات و الفتن، وكانت الأمة تجد في علمائها ركيزة قوية مثبتة وموجهة إلى أسباب النصر والفلاح .
أما اليوم فنجد كثيرا من العلماء قد تقوقعوا ونأوا بأنفسهم عن قضايا الأمة المصيرية، ولا يبالون بما ينزل بالمسلمين وانزوى كثير منهم في ركنه ودائرة راحته ، ومنصبه، ومنهم من يحابي حاكمه يدور معه حيث دار ، ومنهم من يحابي ويتحزب لجماعته وحزبه فلا يرى واجب النصرة إلا له ، بل تجد بعضهم يزيد الأمة ضعفا بتعميق جراحها وقلب حقائق الأمور فيجعل المظلوم المستضعف ظالما و يحمله مسؤولية ما ينزل به من الاستضعاف والقتل والتهجير، ويجعل من ندبوا أنفسهم لنصرة المستضعفين و استفرغوا وسعهم في دفع صائلة أعداء الله خوارج وزائغين…
ومنهم ومنهم ومنهم. وكلهم موقوفون بين يدي الله. وكلهم مسؤولون. فليعدوا للسؤال جوابا.
وما يزيد الطين بلة ضعف هؤلاء العلماء حتى وهم متكتلون في هيئات وروابط واتحادات ذات صبغة عالمية أو إقليمية أو قطرية ، فلا أثر لهم يذكر حتى وإن اجتمعوا وتكتلوا.
ولا حول ولا قوة إلا بالله .

المظهر الثاني: ضعف الحركات والتيارات الاسلامية وغياب دورهم في هذه الحرب، فقد كنا نرى لها حراكا و تفاعلا مع الأحداث التي تنزل بالأمة، وكلما ظهرت نازلة أو وجدت جبهة يقاتل فيها المسلمون الكفار إلا ووجد لهذه الحركات والتيارات إسهام و دعم ومدد للمسلمين، كما وقع في أفغانستان وفي البوسنة و غيرها من بقاع العالم؛ تجد هذه الحركات والتيارات ولابد يخرج من رحمها شباب ينافحون عن قضايا المسلمين ويجاهدون في الميدان ؛ شباب تربوا وعبئوا وملئت قلوبهم إيمانا وحبا للمسلمين وبغضا للكافرين ، واليوم هذه الحركات وكأنها غير موجودة. وكأنها ماتت. فلا خطاباتها ترقى الى المستوى المطلوب، ولا شبابها ومخرجاتها ترقى لأن تكون عونا لهؤلاء المستضعفين. او لخدمة قضايا المسلمين. فهذا هوان ما بعده هوان فهذه الحركات تزعم أنها النموذج الإسلامي الذي ينبغي للأمة أن تقتدي به وتحتذي حذوه ، فأين هي هذه الحركات من حرب غزة ، أين هي هذه الحركات والتيارات الإسلامية التي كانت تربي أبناءها على التضحية وحب العمل للأمة ، وتربيهم على طلب المعالي وتجعل شبابها يتشوف للجهاد في سبيل الله ، أين هي اليوم لتحدث ذلكم الضغط و التوازن الذي كانت تحدثه بالأمس القريب؟!. لقد أصبحنا نرى ضعفا وتهلهلا غريبا عجيبا -والعياذ بالله-. ما دور هذه الحركات؟ هل يقتصر دورها على التشغيب ورد بعضها على بعض وإشغال الشباب بالمهاترات على المواقع و وسائل التواصل ؟! ما فائدة هذه الحركات الاسلامية؟ إذا لم يكن لها دور فعال في هذه الأحداث وفي هذه النوازل؟!
كيف تغيب هذه الحركات والتنظيمات التي ينضوي تحتها مآت الألوف من أبناء الأمة وشبابها فلا نجد لها زخما ولا أنشطة تذكر وروادها يملؤون المدارس والجامعات بل ومراكز القرار أحيانا ، في حين رأينا تنظيمات و تيارات في دول كافرة كان لها حراك وضغط وزخم أحرج قادة تلك الدول و دفعها إلى اتخاذ بعص المواقف الإجابية تجاه غزة ..إنه الضعف والهوان ..

من مظاهر الضعف أيضا: ذل حكام المسلمين وهوانهم على أعدائهم. وعجز كثير منهم معنويا و ماديا عن فعل شيء إزاء هذه الحرب الشعواء التي يباد فيها المسلمون، بل تواطأ البعض منهم وظاهر الكفار على قتل المسلمين في غزة ، و باشر بعضهم حصار المسلمين في غزة ومنع المدد والنصرة بل والغوث الإنساني عنهم ، وهؤلاء لو عقلت الأمة ما حكموها يوما واحدا بعد هذا.
في تاريخ المواجهات مع الكيان الصهيوني كنا نجد من الحكام ولا بد من يكون خارج سرب المنبطحين، و من يظهر عزة وأنفة على علاته ، فيكون في وجوده ضغط على العدو الصهيوني وعلى الغرب الكافر الذي يؤيده، فالأمة لا تنس الملك فيصل ومواقفه ، وبعده صدام حسين و أنفته، بل والقذافي وتمنعه فهؤلاء على علاتهم كان لوجودهم أثر مربك للصهاينة في صراعهم مع الأمة الإسلامية . لكن اليوم نجد المنبطحين في صعيد واحد لا يكاد يخرج منهم أحد يمكن أن يشم من فعله رائحة الحمية الصادقة للمستضعفين من المسلمين في غزة.
والله إن المسلم العاقل ليعجب من صنيع هؤلاء الحكام الذين يسارعون إلى التطببيع مع عدو غادر ، علم من حاله باليقين أنه مكار مخادع لا عهد له و لا ذمة ، وأنه يخطط لتدمير دول المسلميين، وكيف لا يغتنمون فرصة حربه على غزة فلا يؤدون واجبهم في نصرة المسلمين ثم يضعفون هذا العدو بضرب مقدراته في هذه الحرب بدعم الفصائل المقاومة ولو سرا إن لم يجرؤوا على الاستعلان بها ، وكيف لا يفسحون المجال لشعوبهم للتفاعل الإجابي مع الأحداث وخلق أجواء مشحونة ترعب الاعداء ؟!

المظهر الرابع: وهو في الاغلب نتيجة طبيعية لما سبقه فلما ضعفت الرموز ضعفت هذه الشعوب المسلمة في مجملها في التعاطي مع هذه القضية العظيمة؛ فهم ينظرون إلى حرب إبادة يقتل فيها المسلمون تقتيلا عظيما؛ تفجر بيوتهم يقتل الرجال والنساء والأطفال ، يجهز على المرضى ، و يحاصر المسلمون ويضطهدون أشد الاضطهاد، و كأنك تنظر إلى ثلة من المؤمنين وقد ألقوا في أتون تحترق فيه رويدا رويدا. وهذه الأمة بكل أطيافها تتفرج بعوامها ومثقفيها ونخبها وسياسيها تتفرج على هذه الثلة من المؤمنين تباد شيئا فشيئا. ما هذا الضعف؟! ما هذا الهوان؟! الأمة الإسلامية تقارب المليارين ، لم تحرك ساكنا وإخوانهم يقتلون يوميا لمدة عام .
لقد أفرغ على غزة أطنان من القنابل والصواريخ كما لم يفعل بمكان في العالم ، وملياري مسلم استحوذ عليهم الخور والضعف والهوان ، والله لو عقلت هذه الشعوب وتحركت وشائج الإيمان وحمية الإسلام في قلوبها لكان لها فورة وثورة لا تهدأ حتى يرفع الظلم عن المظلومين و يرتدع الظالمون ، ويخنس المنافقون.
أتساءل أين غيرة هذه الامة؟ أين حميتها؟ أين تعاطفها مع أبناىها المستضعفين؟أين غيظها وبغضها وكرهها للكافرين ؟!
أليس من العار أن نرى في بلاد الكفر تعاطفا مع إخواننا بغزة أعظم مما نراه في بلاد المسلمين؟!
قامت وانتفضت جامعات الكفار ولم تنتفض جامعات المسلمين. قامت شوارع الكفار ولم تقم شوارع المسلمين. قام شباب الكفار ولم يقم شباب المسلمين. تفاعلت برلمانات الكفار ولم تتفاعل برلمانات المسلمين ، رفع الكفار قضايا إلى المحاكم الدولية ولم يفعل ذلك المسلمون ، ما هذا الضعف؟! ما هذا الهوان؟! هل ماتت حميتنا؟ هل ماتت وشائج الإيمان في قلوبنا؟!
هذه المظاهر الأربع نذير شؤم وأي نذير لهذه الامة!! والله ان استمرت الحال على ما هي عليه لطمع فينا الأعداء جميعا، وليعمنا ما يقع في غزة. فاليوم قد استقر في أذهان الكفار، وفي أذهان اليهود خاصة، أن المسلمين و العرب على وجه الخصوص قد ماتت هممهم وأنهم كلما استفردوا بقطر أو دولة فإنه لن يتحرك غيرهم لنصرتهم. وسيفعلون ما فعلوا في غزة في بلدان المسلمين واحدا تلو الاخر. وكما قيل : أكلت يوم أكل الثور الأبيض. ويزيد الامر تأكيدا أن الله توعد من خذل المسلمين في موطن يرجون فيه نصرته يبتليه الله بالخذلان في موطن مماثل .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (ما من امرئ يخذل امرءًا مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته)، [رواه أحمد وحسنه الألباني].
ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى