الحرب العالمية على المرأة
بقلم الشيخ عارف بن أحمد الصبري “عضو هيئة علماء اليمن” (خاص بالمنتدى)
لم يكن حدثاً عارضاً أو عفوياً أن يشن أعداء الإسلام حربهم المسعورة ضد الإسلام وضد العفاف واستهداف حصون الفضيلة وقلاعها، ولكنها سنة الله في الصراع الحتمي بين الحق والباطل، والمستمر ما بقي في الحياة كفرٌ وإيمانٌ، قال تعالى: (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا)، وقال تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ).
وفي ظل ضعف تَمَسك المسلمين بدينهم، وعجزهم وتخلفهم وتناحرهم وتفرقهم، تسعى دول الكفر والظلم والاستكبار إلى عولمة كفرهم وفرض قيمهم الإباحية على العالم بالقوة، وإن صدَّرتها أحياناً باسم الديمقراطية، وضمنتها في ما يسمى بالاتفاقيات والمواثيق الدولية، والإعلانات العالمية، التي تمثل إحدى أدواتها لعولمة الكفر والقيم الإباحية وجعلها شِرعةً عالميةً ملزمةً بهدف القضاء على هوية المسلمين وقيمهم الروحية وانتمائهم لدينهم وأمتهم الإسلامية الواحدة.
ولا أبالغ إن قلت: إن ما يسمى بـ “قضية المرأة” هي أسوأ مؤامرةٍ يتبناها النظام العالمي الجديد ضد الأمة المسلمة والتي صارت مبدأً وديناً يعتنقه أناس ومنظماتٌ، وتتبناه دولٌ وحكومات ويسعون لفرضه على غيرهم بالقوة، منطلقين في ذلك من فكرٍ رأسماليٍ علمانيٍ إلحاديٍ يفصلُ الدينَ عن الحياة كلها، ويُألِّه الإنسان والعقل المجرد عن هداية الله تعالى ونور الوحي ويبني نظرته للحقوق والواجبات على ركيزتين باطلتين هما: الحريةُ التامةُ بلا حدود، والمساواةُ المطلقةُ بين الذكر والأنثى؛ فأنتج هذا الفكرُ الإلحاديُ العلمانيُ صراعاً عالمياً حتمياً بين الجنسين، فأشقى البشريةَ ودمرها، وأصَّل العداء بين الذكر والأنثى، بل وبين الذكر والذكر، وبين الأنثى والأنثى بعد أن دمَّر الأسرة، وفككها وقطَّع كل الأواصر بين بني الإنسان، وأنتج قطعاناً من المجرمين من أولاد الزنا واللقطاء وأولاد الشوارع الذين لا تترتب لهم أي آثارٍ شرعيةٍ أو قانونيةٍ على أحدٍ من الرجال ممن مارس الفاحشة مع أمهاتهم.
ومن جهةٍ أخرى لا تعني علاقتهم بأمهاتهم اللائي ولدنهم سوى علاقةٍ بداعرةٍ عاهرةٍ، ألحقت بهم العارَ والفضيحةَ إشباعاً لنزوتها وشهوتها الجنسية وعرَّضتهم للظلم والاغتصاب من قبل أصدقاء الأم والأخدان الذين كانوا يمارسون معها الزنا.
فكان هؤلاء اللقطاء وأولاد الزنا لا يرون لأمهاتهم حقاً عليهم، فضلاً عن اعتبارهم إياها مجرمةً تستحق العقوبة.
فأي جنايةٍ وأي ظلمٍ للمرأة وللمجتمع كله أقبح مما أنتجه هذا الفكر الشيطاني الإلحادي؟!.
إن هذا الفكر الشيطاني الذي يتبناه النظام العالمي في مؤتمراته فكرٌ
إلحاديٌ، وثورةٌ عالميةٌ على الأديان والأعراف المحلية والثقافات الخاصة بالأمم والشعوب.
ثم هم أولاء يريدون فرضه على المسلمين كشرعةٍ عالميةٍ ملزمةٍ في صورة اتفاقيات ومواثيق دولية لما تُسمى زوراً باسم “حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وحقوق الطفل”.
لأجل ذلك كتبت هذه الوريقات للحديث عن “معالم حقوق وواجبات المرأة في الإسلام” لبيان الكمال التام والعدل المطلق والشرع المنزه عن كل معاني الجور والظلم والهوى.
كما إن مما دعاني للكتابة في هذا الموضوع المهم ما يلي:
أولاً:
القيام بواجب النصح والإرشاد والبيان الذي يحرم تأخيره عن وقت الحاجة استجابةً لقوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ)، وخشيةً من لعنة الله التي تَوَعَّد بها الساكتين عن بيان الحق عند الحاجة إليه بقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
ثانياً:
بيان خطورة هذه الأيدلوجية الإباحية الجديدة التي تهدف إلى إخراج المسلمين عن دينهم وإلغاء مبدأ التحاكم إلى الشريعة الإسلامية الغراء، وفرض هذه القيم الإلحاديةِ كمرجعيةٍ عالميةٍ تكون لها السيادة العليا والحاكمية المطلقة والهيمنة على كافة الشرائع والأديان والدساتير والقوانين والنظم والمناهج الأخرى.
ثالثاً:
بيان زيف الشعارات التي ترفعها الحركات النسوية المأجورة، كشعار “المساواة بين الجنسين” وشعار “إلغاء كل صور التمييز ضد المرأة”، والذي تمثل في حقيقة الأمر أيديولوجيا جديدة وديناً جديداً يسعى لإزالة كل الفوارق بين الجنسين في القانون والحياة الاجتماعية والإنسانية موضوعاً وشكلاً، ورفض ربط الدور الاجتماعي بالذكورة والأنوثة، وتدمير كيان الأسرة وإشاعة المثلية بين الجنسين، وغيرها من العلاقات غير المشروعة، وما تمثله من إعلان الحرب ضد الإسلام وقيمه الحميدة، وتدمير نظام الأسرة وطمس الهوية، وردم الأخلاق وتهديد الأمن والسلم الاجتماعيين.
رابعاً:
بيان أن ما تعانيه المرأة المسلمة في مجتمعاتنا من بعض صور الظلم والمشكلات لا يسأل عنها الإسلام وليست من إنتاجه، ولكنها من إنتاج نظمٍ وضعيةٍ أخرى دخيلةٍ على بلاد المسلمين، قُدِّمت على الإسلام في عقر داره، على حين غفلة من علماء الإسلام ودعاته، وبسبب ضعف الإيمان والتدين لدى عامة المسلمين، فكان ما يحدث من الظلم على المرأة والرجل معاً جزاءً وفاقاً بسبب تنحية الإسلام عن واقع الناس كما قال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
خامساً:
بيان أن مبادئ الإسلام الربانية العظيمة أكثرُ تقدماً من كل ما عرفته البشرية من مبادئ، وأقدرُ على تحقيق الخير والسعادة والطمأنينة والتقدم والرفاهية من كل أداةٍ مدنيةٍ أخرى، وأشملُ وأكثرُ مرونة من سائر الدساتير والنظم الأخرى.
وأنه لا سبيل لحصول المسلمين على حقوقهم كاملةً غير منقوصةٍ إلا إذا دانوا بالإسلام عقيدةً وشريعةً، واعتقدوه منهجاً وحيداً فريداً للنجاة من النار والفوز بالجنة، وطريقاً للسعادة والفلاح، وأنه متى طبقه المسلمون وسلموا له وحكَّموه في كل شيء سعدوا أبداً.
وأسأل الله تعالى أن يبارك في هذا الجهد وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع به الإسلام والمسلمين وأن يثيب كل من ساهم في نشره وتعليمه أحسن الثواب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذه السطور هي مقدمة كتاب (معالم حقوق وواجبات المرأة في الإسلام)، لمؤلفه: عارف بن أحمد الصبري “عضو لجنة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية بمجلس النواب اليمني”