مقالاتمقالات مختارة

الحرب العالمية الثالثة

بقلم أ. أشرف ربيع

كان هذا التعبير فيما مضى يشير إلى حرب افتراضية تعقب الحرب العالمية الثانية ( 1939 – 1945 ) ، وتوقع لها الكثير أن تكون حرب نووية مدمرة للطبيعة، تأتي على الأخضر واليابس.
لكن الواقع الحقيقي الذي نعيشه الآن، بعد إطلاق أكاذيب كثيرة، تفاعلنا معها، بإرادتنا أو رغما عنا، اتضحت معالم هذه الحرب بوضوح.
أ – شرارة البدء : – 
بدأت هذه الحرب بأكذوبة 11 سبتمبر 2011م،  والذي شهد مجموعة من الهجمات إثر تحويل اتجاه أربع طائرات نقل مدني تجارية وتوجيهها لتصطدم بأهداف محددة نجحت في ذلك ثلاث منها، والتي تمثلت في برجي مركز التجارة الدولية بمنهاتن ومقر وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون (.
وقد وضح  البروفيسور راي غريفين،  فيلسوف أمريكي من مواليد 8 آب/أغسطس 1939، وهو متخصص في فلسفة الدين والإلهيات، كما أنه كاتب سياسي، حيث قال في رسالة وجهها لمن يريدون الحقيقة عام 2017 م  :
إن الهجمات التي شهدتها نيويورك وواشنطن قبل ستة أعوام تركت الناس حائرين ومستعدين لقبول أية أطروحات وتفسيرات تقدمها إدارة بوش- تشيني. وقد كانت النتيجة داخل البلاد الإعلان عن عدة إجراءات تنتهك الحريات المدنية باسم قانون المواطنة “السيء الذكر” (Patriot Act).
لقد شهدنا في العالم حربا مزعومة ضد الإرهاب والتي لم تكن في الحقيقة سوى حرب عدوانية ضد المسلمين، وحربا من أجل النفط والسيطرة على ثروات الدول الإسلامية. ومعنى هذا، ست سنوات من التعذيب والإذلال ووفيات مئات الآلاف من الأشخاص في أفغانستان والعراق، سواء كانوا مدنيين أبرياء أو جنودا محاربين لاحتلال لا أخلاقي ولا شرعي.
وأشار في رسالته، إلى عدم وجود رجال الإسعاف والشرطة والأمن في البرج أثناء انفجاره، وكذلك موظفي الشركات اليهودية في البرجين، تاركين وراءهم علامات استفهام كبيرة.

ب – بداية الحرب : – 
1 – أفغانستان : – 
1 –  أعداد الضحايا الهائلة والجرحى نتيجة الإحتلال الأمريكى والذي خلف كارثة إنسانية لا يزال الشعب الأفغاني يعاني منها حتى الأن، والذي يمكن تقديره وفقا لما ذكره البروفيسور جدعون بوليا في كتابه تعداد     الجثث: قتلى كان يمكن تفاديهم على مستوى العالم منذ 1950 – Body Count: Global Avoidable Mortality Since 1950 الصادر عام 2007، والذي اعتمد على معطيات الأمم المتحدة للوفيات للتوصل إلى أرقامٍ دقيقة بشأن عدد الوفيات الإضافية، إلى أن عدد الوفيات الذي كان يمكن تجنبه في أفغانستان منذ عام 2001، يصل إلى ثلاثة ملايين، تقريبًا 900 ألف منهم أطفال دون سن الخامسة.( 1 )
2 – الإقتصاد الأفغاني الذي كان يعاني من بعض المشاكل قبل الإحتلال، فجاء الإحتلال ليدمر البنية الإقتصادية لهذا البلد     ويقضي على بنيته الأساسية.
3 – ارتفاع انتاج المواد المخدرة في افغانستان إلى خمسة أضعاف عما كان عليه قبل الإحتلال، فيما تضاعف عدد المستهلكين للمواد المخدرة من الافغانيين إلى ضعفين، وقد جاء في تقرير الأمم المتحدة العام 2014 ان افغانستان أنتجت وحدها 92 في المئة‏ من الإنتاج العالمي للأفيون‏، وتشير التقارير إلى أن أمريكا هي العامل الأساس في تسهيل بل     والتشجيع على إنتاج هذه المواد لما يتوافق مع مصالحها، التجارية خاصة، أو تفتيت بنية الشعوب.
4 – إتخذت أمريكا من أفغانستان محطة وقاعدة لها للإنطلاق بمشروعها الشرق اوسطي الجديد والذي لم يحقق منه حتى الآن لشعوبنا سوى الخراب والدمار، فالشرارة الاولى التي انطلقت منها عمليات التكفير والتخريب على أيدي الجماعات     التكفيرية في المنطقة إنما كانت نتيجة الإحتلال الأمريكى لأفغانستان حيث هيأت الأرضية لولادة هذه الجماعات ومن ثم انتشارها في بلداننا.

2 – العراق : – بدأت الحرب مبكرا  منذ عام 1991 إبان حرب الخليج الأولى وما تلاها من نظام العقوبات الذي فرضته الأمم المتحدة.
ففي دراسةٍ مبكرة أجرتها بي إس آر، وأخرى تلتها أجراها مكتب الإحصاء الديموغرافي في الحكومة الأمريكية، وجدوا أن عدد العراقيين الذين قتلوا بسبب حرب الخليج بشكل مباشر أو غير مباشر يصل لـ200 ألف عراقي معظمهم من المدنيين. في الوقت نفسه، عتَّمت حكومة الولايات المتحدة على تقريرها الداخلي.
فبعد انسحاب القوات التي تقودها الولايات المتحدة، استمرت الحرب على العراق في شكلها الاقتصادي، حيث فرضت الولايات وبريطانيا نظام عقوبات عبر الأمم المتحدة بحجّة حرمان صدام حسين من المواد اللازمة لتصنيع أسلحة دمار شامل؛ وبتلك الحجة، حُرمت العراق من العديد من السلع اللازمة للحياة اليومية.
وتُظهِر إحصائيات الأمم المتحدة، التي لا خلاف عليها، أن 1.7 مليون مدني من العراقيين لقوا حتفهم بسبب نظام العقوبات شديد الوحشية الذي فرضه الغرب، نصف هذا العدد من الأطفال!
لقد كان القتل الجماعي متعمّدًا على ما يبدو. فمن بين المواد المحظورة التي شملها نظام العقوبات كانت المواد الكيميائية والمعدّات الأساسية اللازمة لنظام معالجة المياه في العراق. وقد أظهرت الوثيقة السرية، المسربة عن وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية Defence Intelligence Agency، التي كشف عنها بروفيسور توماس ناجي، من كلية إدارة الأعمال في جامعة جورج واشنطن، أن ما حدث كان «جرائم إبادة جماعية مُخطّطًا لها ضد شعب العراق.
وفي ورقته البحثية أمام اتحاد دارسي الإبادة الجماعية Association of Genocide Scholars في جامعة مانيتوبا، وضح بروفيسور ناجي أن وثيقة وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية كشفت عن «تفاصيل دقيقة لمنهج عملي تمامًا ’لتحطيم نظام معالجة مياه‘ أمة بأكملها» على مدى عقدٍ من الزمان. لقد خلقت سياسة العقوبات «مناخًا يساعد على انتشار الأمراض، بما فيها الأوبئة واسعة النطاق، بالتالي تصفية جُزءٍ كبيرٍ من سكان العراق».
وهذا يعني، أن في العراق وحدها استطاعت الولايات المتحدة قتل ما يزيد عن 1.9 مليون عراقي في الفترة من 1991 – 2003. تلا ذلك ما يقارب المليون قتيل منذ 2003، بإجمالي 3 مليون عراقي تقريبًا لقوا حتفهم خلال عقديْن من الزمان.( 2 )

3 – سوريا : – في الفترة التي اندلعت فيها الحرب الأهلية، ولمدة خمس سنوات، وفقا للدراسة التي أعدها المركز السوري للأبحاث السياسية : –
–    1.90 مليون شخص قتلوا أو أصيبوا، بمعدل 11.50 % من إجمالي الشعب السوري.
–    تم تهجير 45% من إجمالي الشعب السوري.
–    البنية التحتية اختفت تماما.
–    الأضرار الإقتصادية تقدر ب226 مليار يورو.
–    الأطراف المتداخلة في الصراع، روسيا وأمريكا وإسرائيل، إلا أن المقتول دائما هو الشعب السوري، والغالبية العظمى من السنّة، والأطراف المتداخلة فقط تبيع السلاح وتشارك في قتل الشعب السوري وإبادته وتهجيره.

4– اليمن : – بدأت الحرب مع اجتياح مسلحي جماعة (الحوثيين) للعاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، ثم مع بدء التدخل العسكري لـ”التحالف العربي” بقيادة السعودية في 26 مارس/ آذار 2015 م، والسلاح كالعادة يأتي من الدول المصنعة، فروسيا تعطي طرف وأمريكا تعطي الطرف الآخر، والأمم المتحدة تقوم بمبادرات تحافظ على وجود الحرب وعدم إنهاءها وقد أسفرت عن : –
–    كما تتحدث التقارير الأممية عن مقتل من 30 إلى 50 ألف ما بين مقاتل ومدني.
–    تردّي الأوضاع المعيشية، ما يزيد عن 18.8 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية، بينهم 10.3 ملايين ذوي احتياجات خاصة. وهناك 17 مليوناً لا يستطيعون الحصول على تغذية بشكل كافٍ، منهم سبعة ملايين مهددون بالمجاعة
–    . وهناك وفقاً لتقارير الأمم المتحدة ما يقارب 14.8 مليوناً من اليمنيين لا يستطيعون الحصول على الرعاية الصحية الكافية.
–    دمار شبه كامل في البنى التحتية.

5 – ليبيا : – منذ بدأت الحرب في 2014 وحتى 2017 م ، وكانت حصيلتها : –
–    مقتل ما يقرب من 30 ألف مواطن ليبي.
–    انهيار في الاقتصاد.
–    انهيار في البنى التحتية.
–    وما زالت الحرب مستمرة، وكلما اقترب طرف من اإنهاء الحرب لصالحه تدخلت الأطراف المستفيدة من الصراع ليستمر الصراع وتستمر الفائدة.
6 – مصر : – الحال مختلف قليلا حيث الأمور واضحة إلى حد ما، فبعد الانقلاب العسكري، المدعوم من القوى المستفيدة منه، حيث يقوم النظام الانقلابي العميل بتصفية المعارضة بصفة عامة، والإسلاميين بصفة خاصة،  كانت الحصيلة منذ 30/6/2013 م وحتى الآن  : –
–    مقتل ما يقرب من 13 ألف مصري.
–    حوالي 60 ألف معتقل يتعرضون للقتل الممنهج في السجون.
–    تردّي اقتصادي، حيث ارتفع سعر الصرف لللدولار الأمريكي خلال عامين من 6.7 جنيه مصري ليصل إلى 17.70 جنيه مصري، في الأسعار الرسمية وهو غير موجود، و 20 جنيه مصري في السوق السوداء.
–    استيلاء العدو الصهيوني على آبار الغاز في البحر الأبيض المتوسط، والتي أعطاها النظام العميل عن طيب خاطر كثمن للمساعدة في الانقلاب.
–    تم منح المملكة العربية السعودية جزيرتي تيران وصنافير، لتصبح المياه بينها دولية، يستطيع العدو الصهيوني أن يمرح فيها كيفما شاء وبلا قيود.

7 – بلاد الحرمين : – بدأت خطة علمنة الدولة السعودية، لتسير بخطى ثابتة وفقا للمخطط الصهيوأمريكي، والذي عبّر عنه الرئيس الأمريكي ترامب عن ثقته بأن الملك سلمان وولي عهده يعلمون ما يتوجب عليهم فعله، وبالفعل كانت النتيجة في أيام قليلة : –
–    تحجيم دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
–    اعتقال ما يقرب من خمسين من علماء المملكة.
–    اعتقال 13 أمير بتهم الرشوة والفساد وغيرها من التهم التي لم يوضع لها إسم بعد.
ومازالت السعودية في أول الطريق، ولم تعرف نهايته بعد.

كل هذا إلى جانب القضايا القديمة الحديثة التي لم تنتهي ولا ينتظر لها نهاية في المستقبل القريب، مثل فلسطين و بورما و إريتريا وغيرها من البقاع التي تم إعلان الحرب على كل ما هو إسلامي فيها.
ووفقا لكل ما سبق، ندرك أن ما حدث ويحدث، إنما هي حرب عالمية ثالثة، بكل ما تعنيه الكلمة، ونتائجها لا تحتاج إلى توضيح، فهي تتمثل في : –
1 – قتل أكبرعدد من المسلمين (سبعة مليون ) حتى الآن، وفقا للإحصائيات الرسمية.
2 – السيطرة على ثروات البلاد المسلمة.
3 – قتل كل روح للمقاومة عند الشعوب المسلمة.
4 – التطبيع الكامل مع الكيان الصهيون، والضغط على الشعوب للقبول بالأمر الواقع، ونسيان ما يسمى بدولة فلسطين.
5 – تمكين التحالفات الدولية ( أمريكا – روسيا – أوروبا – الصين ) من السيطرة على البلاد الإسلامية وثرواتها ( احتلال بالوكالة).
6 – تغيير خريطة الشرق الأوسط بما يضمن السيطرة التامة على الشعوب المسلمة.
وعندما يتحدث البعض عن هاجس المؤامرة، وأننا نبالغ في قولنا أن هذه هي الحرب العالمية الثالثة، نذكره بأن:
–     الحرب العالمية الأولى كان ضحاياها تسعة ملايين، والحرب الحالية ضحاياها حتى الآن سبعة ملايين، ولم تنته بعد فالنزيف مستمر.
–    فقط شكل الحرب في هذه المرة مختلف، فالحرب العالمية الأولى والثانية كانت قائمة على التحالفات والمصالح، أما هذه الحرب فهي حرب دينية بجدارة، كما صرّح بذلك جورج بوش الإبن.
–    السلاح المستخدم في يد كل الأطراف إنتاج روسي أو أمريكي أو أوروبي، والمقتول في جمع الأحوال، مسلم.

لذلك فإن الكثيرين لا يدركون أنها حرب عالمية على الإسلام، أو أنهم يدركون ولكنهم لا يريدون تصديق أنفسهم، لأنهم لا يستطيعون فعل شيء.
ويأتي السؤال الذي يجب أن يطرح نفسه : – ماذا يجب أن نفعل؟
وللإجابة على هذا السؤال، يجب أن نعترف( وبقناعة كاملة )  أولا أنها حرب عالمية  على الإسلام، فإذا اعترفنا بهذه الحقيقة أولا، نستطيع أن ننتقل إلى السؤال التالي : ماذا نفعل؟
نسأل الله القوي العزيز أن يوقظ أمتنا من غفلتها، ويلهمها الرشد والصواب لتعود كما كانت، خير أمة أخرجت للناس.
والله ولي التوفيق.

(المصدر: رابطة علماء أهل السنة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى