مقالاتمقالات مختارة

الحرب الرابعة على غزة.. عندما استلت القدس سيفها

الحرب الرابعة على غزة.. عندما استلت القدس سيفها

بقلم أسامة عينوش

تروي أسطورة إغريقية أن «هرقل» قد تصارع مع وحش ضخم ذي سبعة رؤوس يسمى «الهيدرا»، وكان كلما قطع له رأس ينبت مكانه اثنتان، فأخذ هرقل يكوي موضع كل رأس بعد قطعه حتى يحول دون إنباته من جديد.

لقد وجد العقل الإستراتيجي الإسرائيلي في هذه الأسطورة إلهامًا له وهو المتأثر كثيرًا بالأساطير في صياغة إستراتيجية لتحجيم مختلف فصائل المقاومة، ففي سنة 2007 أعد «داني بروكفيتش» أحد كبار الخبراء الإستراتيجيين في معهد الأمن القومي بجامعة تل أبيب دراسة حملت عنوان: «هل يمكن قطع رءوس الهيدرا، معركة إضعاف حزب الله»، خلصت إلى نتيجة مفادها أن أي حرب مباشرة مع حزب الله في لبنان أو فصائل المقاومة في غزة مصيرها الفشل، فهي أشبه بالهيدرا الأسطورية تكبر أكثر مع كل استهداف مباشر، لذا يجب إضعافها بسبل أخرى.

منذ الحرب الأولى على غزة سنة 2008 التي أطلق عليها جيش الاحتلال الصهيوني اسم «الرصاص المصبوب «والتي تصدت لها كتائب القسام وفصائل المقاومة الأخرى بحرب الفرقان، فعدوان «عمود السحاب» سنة 2012 الذي قابلته «حجارة السجيل»، ثم العدوان والحرب الثالثة على غزة سنة 2014 حينما واجهت المقاومة الفلسطينية في غزة عملية «الجرف الصامد» برد عنوانه «العصف المأكول»، وصولًا إلى استلالها «سيف القدس» في وجه «حارس الأسوار» ردًا على الانتهاكات الصهيونية في القدس وداخل المسجد الأقصى لتندلع بذلك شرارة الحرب الرابعة على غزة، وفي كل هذه الحروب سعى الكيان الصهيوني لمحاصرة وإضعاف «هيدرا المقاومة» في غزة وفق خطة ممنهجة تتضمن ما يلي:

أولًا: تطبيق إستراتيجية تحمل عنوان «جز العشب» والتي تقوم على مبدأ افتعال حرب مع فصائل المقاومة في قطاع غزة بين فترة وأخرى، بهدف استنزاف القدرات الصاروخية للمقاومة التي هي في تطور من حيث الكم والنوع، بالإضافة إلى تدمير ما يمكن تدميره من بنى المقاومة الدفاعية كالأنفاق ومنصات إطلاق الصواريخ.

ثانيًا: استهداف القادة العسكريين والسياسيين لمختلف فصائل المقاومة وعلى رأسها «حركة المقاومة الإسلامية حماس» و«حركة الجهاد الإسلامي» بناءً على تقارير استخباراتية وشبكة عملاء «الموساد» في غزة، آخرهم استهداف ما وصفه نتنياهو «هيئة أركان عمليات حماس» في عملية معقدة أسفرت عن استشهاد قائد لواء غزة «باسم عيسى أبو عماد» مع رفاق له. كما أكد ذلك بيان صادر عن كتائب الشهيد عز الدين القسام.

ثالثًا: تعميق معاناة قطاع غزة أكثر وهو المحاصر منذ سنة 2005 عبر تدمير أكبر قدر ممكن من بنيته التحتية من خلال استهداف المصانع على قلتها في مسعى تعطيل الحياة الاقتصادية، وكذا تدمير الأبراج السكنية على أمل أن يُضعف ذلك من صمود أهل قطاع غزة، إذ أسفر العدوان الأخير بحسب تقرير أعدته وكالة أنباء الأناضول عن تدمير 1447 وحدة سكنية بشكل كلي، بالإضافة إلى ما يزيد عن 13 ألف تضررت جزئيًا، كما قصف جيش الاحتلال أكثر من 300 منشأة اقتصادية وصناعية وتجارية.

رابعًا: استهداف المدنيين كورقة ضغط يوظفها الكيان الصهيوني لابتزاز المقاومة وتشويه صورتها لدى الرأي العام الفلسطيني والعالمي، إذ تروج الآلة الدعائية الصهيونية أن استهدافهم هو «حتمية» يفرضها حق الدفاع المشروع عن النفس ضد ما تسميه «إرهاب حماس» الذي يتخذ من المدنيين دروعًا له، مثلما صرح «أفيخاي أدرعي» المتحدث باسم جيش الاحتلال إبان العدوان على غزة سنة 2014 قائلًا: «أنقذوا غزة من إرهاب حماس، وحماس تقاوم غزة»، وفي هذا السياق وبحسب ما أوردته وزارة الصحة الفلسطينية، فإن ضحايا العدوان الأخير على غزة قد بلغ 232 شهيدًا وتسجيل أكثر من 1900 إصابة متعددة الخطورة.

اليوم الجمعة، مع إعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد (الكيان الصهيوني) ثبت أن الرهان على تطبيق «إستراتيجية هرقل» في قطع رؤوس وحش الهيدرا لا يجدي نفعا في القضاء على المقاومة الفلسطينية أو إضعافها بالحد الأدنى، فمن حرب إلى أخرى يبدو أن القطاع المحاصر قد جعل من أشلاء شهدائه وبقايا أنقاض بيوته سلالمًا يرتقي بها عاليًا مرسخًا لصموده ومطورًا لترسانته العسكرية رغم الحصار، كيف لا وها قد استلت القدس سيفها، وهي تزأر في وجه «حارس الأسوار»: القدس قدسي والأسوار أسواري».

(المصدر: ساسة بوست)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى