الحداثيين وادعاء تجديد مقاصد الشريعة
إعداد الشيخ خوالدية عاطف
مقدمة:
غرضي في هذا الفصل أن أبيّن دعاوى الحداثيين في تجديد المقاصد، من خلال إبراز أفكار جديدة وقراءات حديثة تلهم المهتم بمقاصد الشريعة بضرورة الإلتفات إلى هذا الفهم الجديد وترك التراث القديم لتصبح مقاصد الشريعة مرتعا سهلا ومتنفسا لكل من يريد هدم أصول الشريعة.
لم أتوسع في هذا البحث ولم أذكر كل من تكلم في تجديد المقاصد بنظرة حداثية لكي لا يخرج البحث عن مقصوده، فأردت أن أشير إلى أشهر من تكلم في النص والتأويل والتاريخية والمصلحة والأنسنة، ثم بينت في ختام هذا الفصل الثغرات والعثرات في تقرير الخطاب الحداثي، وأن النظرة التجديدية لا تستطيع أن تزيح النظرة التقليدية ولا أن تحل مكانها.
ولأن علماء المسلمين أسسوا قواعد ومناهج ثابتة راسخة لا تتغير بتغير الزمان والمكان كالبناء فهو ثابت الأركان يمكن أن يرمم أو ينظف أو يعاد له الزينة لكن لا يهدم، فكذلك الشريعة ثابتة في الأصول متميزة في الفروع، يمكن أن نغير في الفروع ونجدد ونبدل، لكن لا يمكن بأي حال أن نلغي مثلا علم الأصول بحجة أن الذي وضعه بشر والبشر يرد عليهم الخطأ.
فهذا الفصل يكون بمثابة الرّد القوي على الحداثيين والحصن الحصين لعدم تفكيك مقاصد الشريعة، لتبقى ثابتة نافعة لكل جيل يريد أن يفهم مقاصد الشريعة فهماً وسطيا لا إفراط فيه ولا تفريط.
تعريف الحداثة:
الحداثة الغربية المعاصرة أصلها حركة للطعن في الدين وهي تمرد على الثوابت الإسلامية الأساسية، وترمي إلى فتح الطريق أمام الحرية الإباحية وهي ثورة على التراث والدين.
لذلك نرى السخرية والجرأة على الله تعالى عندهم، وعلى سبيل المثال رواية كتبها تركي الحمد ([1]) بعنوان: “الله والشيطان وجهان لعملة واحدة”.
ولديهم فكرة خبيثة وهي (موت المتكلم)، ويقصدون بذلك أن النص يفهمه ويفسره السامع والقارئ كما يشاء حتى وإن كان مخالفا لمقصود المتكلم، وهي محاولة لكي يفسر القرآن والسنة دون ضابط ولا رابط.
أما القراءات المعاصرة للقرآن الكريم: فهي استخدام النظريات الحديثة في تأويل القرآن وسموا هذه القراءات بالمعاصرة تمهيدا لأن يكون في كل عصر قراءة، جديدة للقرآن الكريم.
فالحداثة والقراءات المعاصرة وجهان لعملة واحدة، إلا أن الحداثة أكثر اهتمامها بالأدب، بينما القراءة المعاصرة تهتم بالتراث والنص الديني.
ولقد ألف الدكتور طه عبد الرحمان كتابه سمّاه روح الحداثة: المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية.
ليضع لبنات الحداثة الإسلامية بعد أن نقد الحداثة الغربية في كتابه (سؤال الأخلاق)، يود المؤلف أن يخرج الحداثيين بما هم فيه من تقليد أعمى للغرب، ويفتح لهم باب الاجتهاد في تطبيق روح الحداثة من الإطار الإسلامي،كما أن هناك حداثة غير إسلامية، فكذلك ينبغي أن تكون هناك حداثة إسلامية.
وسأبيّن في هذا الفصل فكر الحداثيين من خلال مبحث تمهيدي وثلاثة مباحث وخاتمة:
مبحث تمهيدي في شرح المصطلحات الواردة في عنوان الدراسة
أولا: المقصود من الفهم الحداثي:
الحداثة لغة: من حدث: حدوثا وحداثة فهو حديث ويقال حدث نقيض قدم.([2])
الحداثة اصطلاحا: إذا نحن لم نعرج على معنى المصطلح في بيئته الأصلية في أوروبا، وأردنا أن نقف على معناها في التداول الثقافي العربي، فإن مفهوم الحداثة في الفكر العربي مفهوم مطاط، وغير مستقر وليس له صورة واحدة أو شكل محدد، فهو مفهوم شمولي وواسع، يشمل كل التيارات الفكرية والمذاهب الفلسفية بكل فروعها التي وفدت لعالمنا العربي.([3])
ولما كان مفهوم الحداثة بهذه الدرجة من الغموض، اختلفت آراء الحداثيين العرب في بيان معناها، فعبد المجيد الشرفي([4]) يرى أن المفهوم مستعمل للدلالة على المميزات المشتركة بين البلدان الأكثر تقدما في مجال النمو التكنولوجي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي. ([5])
وإذا أردنا أن نقرب الحداثة في تعريف يجمع أهم ما قد تستعمل فيه، فإن الحداثة مذهب فكري وأدبي يحمل جذوره وأصوله من الغرب، يقوم على أساس التمرد على المروث الثقافي والحضاري والديني، ومحاولة تجاوزه بعد فهمه وتفسيره.
ومن أهم خصائص الطرح الحداثي: الثورة الهائجة على القديم وخاصة الدين وما يتصل به، حتى لو كان الدين فيه وثنية وانحراف، وكذلك الجنس والإباحية وتغطية ذلك كله بفكر أو أدب من خلال السعي إلى الجديد والبحث عن البديل.
والحداثة عند العرب: تعني انقطاعاً عن الماضي إذا كان الماضي هو ماضي الذات العربية نفسها، أما إذا كان ماضي الغرب فهي اتصال واستمرار وثيقين.([6])
وإذا أردنا أن نربط الحديث عن الحداثة، اتجه إلى الفكر العربي أصالة لأنهم من تكملوا بلغة العرب ونقدوا كل ما هو مرتبط بالقرآن والسنة.
ثانيا: المقصود بالنص الديني: نعني النص الإسلامي وهو محصور في القرآن والسنة.
ثالثا: المقصود من التجديد المتفلت: وهو ما يقوم به الاتجاه العقلاني من محاولة لتفسير النصوص الشرعية وفق مقتضيات فلسفية، وليّ أعناق النصوص ليًّا لتتفق معها، والتجديد المتفلت من الدين هو الذي يسعى دعاته إلى تغيير حقائقه الثابتة القطعية لتتفق مع أهوائهم وميولاتهم الفكرية.
يتبع
([1]) تركي الحمد: هو تركي الحمد، من مواليد 1952 بالأردن، كاتب وروائي وأكاديمي سابق، نال شهادة الماجستير من جامعة كولورادو سنة 1979 ثم نال شهادة الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا سنة 1985، من مؤلفاته:”الحركات الثورية المقارنة’ و”الثقافة العربية أمام تحديات التغيير” و” من هنا يبدأ التغير” و’السياسة بين الحلال والحرام”.
([2]) الفيروز آبـــادي، القــــامـــــوس المحيط، ص (336).
([3]) الجيلاني مفتاح، الحداثيين العرب في العقود الثلاثة الأخيرة والقرآن الكريم، ص (21).
([4]) عبد المجيد الشرفي: ولد سنة 1942 م بتونس، تحصل على شهادة الدكتورة بجامعة تونس، قسم اللغة والآداب سنة 1982 م، شغل كرسي اليونيسكو للأديان المقارنة بين سنتي (1999 م – 2003 م)، وهو أستاذ زائر بالعديد من الجامعات العربية والأوروبية، كجامعة باريس، وجامعة لايدن وجامعة روما، له عدة مؤلفات منها:”الإسلام والحداثة” و”المسلم في التاريخ” و”الثورة والحداثة والإسلام” .
([5]) عبد المجيد الشرفي، الإسلام والحداثة، ص (24).
([6]) سعيد شبار، النخبة والأديولوجيا والحداثة، ص (98).
المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين