مقالاتمقالات مختارة

الحداثيون بين الانبهار والخيانة

الحداثيون بين الانبهار والخيانة

بقلم د. أحمد عجاج

يرسل لي صديق من حين لآخر مقالات واراء عن كتب كلها تتحدث عن الحاجة الملحة لمواجهة الاسلام الظلامي؛  يصلني منه كتابات تنتقد الامام مالك وتتهمه بتحريف نصوص ومنها اقواله في الرجم؛ وكتابات اخرى تتحدث عن غياب المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة وكذلك في الشهادة امام القضاء وامور من هذا القبيل.

ما يدهشني في هذا النوع من النقاش هو ما يسميه الصينيون ” عقل القرد” للتدليل على عقم الحوار؛ فكتابنا مهووسون بهذه القضايا التي هي في اساسها ليست محل خلاف بين المسلمين، ولا هي التي تشكل العقبة امام التقدم؛ فقد عادت هدى الشعراوي من فرنسا الى مصر في بدايات القرن العشرين ونزعت الحجاب تعبيرا عن حرية المرأة، وتبعها نساء كثيرات ومع ذلك لم نر في مصر او بلدان اخرى نقلة نوعية في التطور الاجتماعي، وقفزات في التقدم، بل ازداد الوضع تدهورا.

غياب التقدم يعود برأيي الى ان الحداثيين لا يعرفون فقه الاولويات فهم يركزون جهودهم على ما يعتبرونه تحرير المرأة والتخلص من احكام الشريعة في الحدود وغيرها ولا يدرون ان المرأة لا قيد عليها بل ان الانظمة الحاكمة تحثها على التنصل من الشريعة وتوفر لها كل المغريات؛ وكذلك لا تطبق هذه الانظمة احكام الشريعة في كل المعاملات ما عدا قضايا الاحوال الشخصية وفي بلدان محدودة. فلا الشريعة مطبقة ولا المرأة مقيدة ومع ذلك يستمر هؤلاء الكتاب في خوض معارك وهمية يعلنون فيها معركتهم مع التاريخ ونسف ما يعتبرونه استبدادية اسلامية ابتكرها فقهاء مسلمون وخالفوا فيها، حسب تهويماتهم، رسالة النبي محمد عليه السلام.

الغريب ان هؤلاء الكتاب يناطحون الماضي ويدعون الى سحبنا منه ولا يدرون انهم يعيشون في حاضر، اسوأ من ماضٍ، وتحت سلطات حاكمة تقتلنا، وتسلبنا، وتأسر حرياتنا، وتنهب مواردنا؛ سلطات تمتلىء سجونها بالمعذبين، والمفكرين! ورغم. ذلك  كتابنا الحداثيون لا يقولون شيئا عن هذا بل يرفعون راية محاربة الامام مالك الذي اصبح في عهدة ربه. والغريب اكثر ان هؤلاء الكتاب الحداثيين كلما طعنوا في فقهاء الامة الكبار كلما منحتهم سلطات الاستبداد الجوائز والحوافز، وإذا منعت دولة ما، ولو من باب الحياء وليس القناعة، كتب هؤلاء الحداثيين قامت الدنيا ولم تقعد دفاعا عن حرية التعبير!

إن الامم العزيزة تعتز بعلمائها وقادتها التاريخيين، وتدرس فكرهم من باب التشجيع، وكذلك النقد بينما كتابنا الحداثيون  يهدمون صرح مفكري الامة وقادتها الذين صنعوا مجدا عظيما، ويطعنون في شخوص علماء الامة، ويرفعون مكانهم مفكري الغرب، ومن دون نقد او تمحيص!
انه عمى القلوب وليس الابصار، وآفة الانبهار ان لم نقل الخيانة.

(المصدر: موقع المنهل)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى