مقالاتمقالات مختارة

الحج مؤتمر جامع للمسلمين من مختلف بقاع الأرض

الحج مؤتمر جامع للمسلمين من مختلف بقاع الأرض

بقلم د. زغلول النجار

“‏ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ” (‏ آل عمران‏:97)‏”.

كنا قد تحدثنا في مقالين سابقين عن (1- التعريف بالحج ومقاصد الحج،، 2- تذكير الحاج بمرحلية الحياة‏,‏ وبحتمية الرجوع إلى الله ـ تعالى‏،، 3-خروج الحاج من هذه الرحلة المباركة بعدد من الخصال الحميدة).

واليوم نواصل ونتحدث عن:-

4- الاستفادة بهذا المؤتمر الدولي الأول في تاريخ البشرية لمناقشة قضايا المسلمين بخاصة وقضايا الإنسانية عامة.

فالحج هو أول صورة من صور المؤتمرات الدولية، وهو مؤتمر جامع للمسلمين من مختلف بقاع الأرض‏,‏ يجدون فيه توحَّدهم في عبادة إله واحد‏,‏ لا شريك له في ملكه‏,‏ ولا منازع له في سلطانه‏,‏ ولا شبيه له من خلقه‏,‏ ويتوحدون إلى قبلة واحدة، هي تلك البقعة المباركة التي بُنِيَت الكعبة عليها‏,‏ ويتوحَّدون تحت راية القرآن الكريم وهو الكتاب السماوي الوحيد المحفوظ بين أيدي الناس بنفس لغة وحيه.

ويتوحدون تحت لواء خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلى الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين ـ وفي نور هديه وسنته‏,‏ فتتلاشى في نور الإسلام العظيم كل فوارق العرق‏,‏ واللون‏,‏ واللغة‏,‏ والوطن‏,‏ ويتجسد معنى الأخوة الإسلامية في الله ولله‏,‏ وهو من أعظم عناصر القوة في زمن التكتلات الذي نعيشه ‏.‏فما أحرى حكام الدول الإسلامية، ومستشاريهم، وعلمائهم، وأصحاب القرار فيهم أن يحرصوا على المشاركة في هذا المؤتمر الإسلامي الدولي مشاركة فعالة، يناقشون فيها مشاكلهم ومشاكل دولهم‏,‏ و يتدارسون وسائل التعاون في مختلف أنشطة حياتهم تمهيداً لتحقيق الوحدة الكاملة بينهم ـ ولو على مراحل متدرجة مدروسة .وما أحرى علماء الأمة الإسلامية، ومفكريها، وقادة الرأي من بين أبنائها، وإعلامييها أن يحرصوا على المشاركة في اجتماعات الحج‏,‏ قبل أو بعد أداء المناسك‏,‏ أو في أيام التشريق لمناقشة أهم القضايا الشرعية والعلمية والإعلامية المختلفة التي تهم الأمة الإسلامية ‏.‏

وما أحرى رجال الأعمال المسلمين أن يستغلوا فرصة الحج لمزيد من التعارف والتعاون والتكامل فيما بينهم‏،  حتى تتوحد الأمة وتترابط في جسد واحد‏,‏ ويبقى الحج بعد ذلك أعظم المؤتمرات الدولية للتعارف بين المسلمين، وتبادل الآراء والخبرات، والتشاور‏,‏ والتنسيق‏,‏ والتخطيط في مواجهة كل أمورهم ومشاكلهم وتحدياتهم ومختلف قضاياهم؛ وذلك من أجل تحقيق التكامل الاقتصادي‏,‏ والإداري‏,‏ والإعلامي‏,‏ والسياسي بينهم حتى ينتهي ذلك بوحدة كاملة على أسس راسخة مدروسة‏ إن شاء الله -تعالى-.وكون ذلك يتم في جو من الروحانية العالية‏,‏ والعبادة الخالصة، والقرب من الله ـ تعالى ـ والذكر الدائم لجلاله في أشرف بقاع الأرض وأشرف أيام السنة، يجعل من دواعي نجاح ذلك المؤتمر السنوي ما لا يمكن توافره لمؤتمر سواه. ويخالط هذه العبادة الجليلة شيء من التعارف‏,‏ والتواصل‏,‏ والتعاون‏,‏ والتنسيق والتكامل على مستوى الأفراد والمؤسسات والحكومات‏,‏ وعلى ذلك فالحج فريضة تلتقي فيها الدنيا والآخرة‏,‏ كما يلتقي فيها أول النبوة بخاتمها‏,‏ وتلتقي فيها مسيرة النبوة والرسالة السماوية‏,‏ بل ومسيرة البشرية كلها عبر التاريخ.‏

فأصحاب الدعوة إلى الله‏,‏ وزعماء الإصلاح في العالم الإسلامي يجدون في موسم الحج فرصة ذهبية لعرض أفكارهم على الناس‏,‏ وأصحاب كلٍ من الزراعة والصناعة والتجارة يجدونها فرصة كذلك لعقد الصفقات أو لترويج ما معهم من منتجات تحمل إلى هذا المكان الطيب الطاهر من مختلف بقاع الأرض، فتحوِّله إلى سوق عالمي سنوي في ظل القيام بأداء شعائر الله‏,‏ والعمل على ترسيخ دينه في الأرض ،‏ ولذلك قال تعالى‏ :‏﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ﴾ (الحج:48) .وإقبال الحجيج لأداء هذه الشعيرة من مختلف بقاع الأرض شهادة للقرآن الكريم بأنه كلام الله، وشهادة للنبي الخاتم بالنبوة وبالرسالة. فصلِ اللهم وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن تبع هداه، ودعا بدعوته إلى يوم الدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.

(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى