بقلم محمد حازم محمود طباخ
والحجر هو المنع من التصرفات المالية سواء أكان المنع قد شرع لمصلحة الغير كالحجر على المفلس للغرماء وعلى الراهن في المرهون لمصلحة المرتهن، وعلى المريض مرض الموت لحق الورثة في ثلثي ماله وغيرها، أم شرع لمصلحة المحجور عليه كالحجر على المجنون والصغير والسفيه.
وفي عصرنا أرى أن يقرر حكم جديد يتعلق بالحجر السياسي، وخصوصاً بعد انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وسهولة تناقل الآراء والأفكار، وهذا الحجر متعلق بمن يتكلم في شأن العامة من طلاب العلم أو المشايخ وهو لا يتقنه أو لا يجيده أو لا يفقه أبجديات السياسة، ودهاليزها وطرقها الملتوية. فالحجر السياسي ضرورة شرعية للحد من تعدي المشايخ واقتحامهم مجالات لا يحسنونها، وهو يحمي الشريعة ويصونها من أن تطالها ألسن عوام الناس وجهالهم، فيتهمون العلماء وطلاب العلم بالنفاق ولا يميزون بين عالم وعالم، وهو يحفظ جناب الشريعة من أن تتهم بالعجز عن مقاربة الواقع، وقصورها عن حاجات الناس واهتماماتهم.
وحين نجد شيخاً أو عالماً يقحم نفسه في أمور السياسة وهو لا يحسنها ولا يجيد فنونها نجد تخبطاً واضحاً، وعدم وضوح للرؤية في الموقف المناسب من أي قضية سياسية، فبينما نجده يقف موقفاً مؤيداً في قضية معينة، نجده يقف موقفاً معارضاً في قضية مشابهة، مع أن المعطيات واحدة، وهذا سببه الخوض فيما لا يحسن ولا يتقن. وإذا كان الخوض في أمور الشرع أو الطب محظوراً على من يجهل الأحكام الشرعية، فإن الخوض في السياسة ودهاليزها يجب أن يحظر ويمنع منه من هو غير ملم بفقه الواقع، ومجريات الأمور، والتفاهمات الدولية، ومصالح الدول التي تحكم سياساتها.
ولا أريد أن يفهم من كلامي أن الشيخ أو العالم لا ينبغي له أن يتكلم في السياسة، بل ما أقصده هو منعه من الكلام فيما لا يحسنه ولا يتقنه، وكما أن السفيه يختبر في المال ليعلم رشده من عدمه، فكذلك العالم يختبر من لجنة مختصة مؤهلة تنظر في أهليته من عدمها للخوض في أمور السياسة أو عدمه.