مقالاتمقالات مختارة

الحاكم والإمام يضعون الإسلام في قفص الاتهام

الحاكم والإمام يضعون الإسلام في قفص الاتهام

بقلم أ. د. عبد الرزاق قسوم

إنّ من أبجديات القيم الإسلامية الإنسانية، القول بأن الدين والمنكر ضدان لا يجتمعان، وإن من نافل القول التسليم، بأن أيَّ عبادة في الإسلام عندما تطبق تطبيقا صحيح المقاصد، تنأى بصاحبها عن كل زيغ وظلم، وضلال.

فالصلاة تنهى المسلم عن الفحشاء والمنكر، والزكاة تطهره من كل أدران البخل، والشح، وقسوة القلب، والصوم سمو بالإنسان المسلم إلى أعلى معاني القيم الإنسانية من حب، وتضامن، وتسامح، وإيثار، والحج عبادة تعيد بناء الإنسان والمجتمع، روحيًّا وعقائديًّا، ليكون صالحا لبناء الدولة الإسلامية الفاضلة، التي لا يُظلم فيها أحد، ولا يخاف على نفسه، وماله، وعرضه، حيث يسود الأمن والأمان والإيمان.

أما الشهادة، في الإسلام فهي إخلاء للنفس من كل أنواع الطغيان، والطاغوت، فتستقر في ملكوت الله العادل، الرحمن الرحيم.

فإذا وجدت في مجتمعنا المسلم اليوم، من يُخل بهذه القيم، في أي مستوى من المستويات، فاعلم أن الخلل ليس في الإسلام الواضح الأحكام والنصوص، وإنما في المسلم الذي ينحاز بجهله إلى عالم الإجرام واللصوص.

فرُبّ تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه، ورب منتسب للإسلام والإسلام منه براء.

يحدث هذا في صور عديدة من حياتنا، نصطدم بها في أكثر من مجال من مجالات حياتنا الفردية أو المجتمعية، هذا على المستوى العامي، فكيف إذا كان على مستوى النخبة،  بمختلف تخصصاتها.

أرأيت من اتخذ إلهه هواه، فهو يعطل حكم الله، ويستنجد بحكم الشيطان، فيكون سببا في زرع الفتن، والمعاداة للعلماء الربانيين وأهل الفطن.

وهل أتاك حديث من يرفع شعار الإسلام، ويسلك سلوك الضرغام، في ممارسة العدوان والخصام والانتقام.

وتعالوا بنا إلى من يعتلي منبر خير الأنام، ليكون بين الناس زارع ود، وسلام، ووئام، كما أوصت بذلك شريعة الإسلام، فإذا هو ينأى عن كل ذلك، ويتحول إلى بوق للظَّلَمة من الأزلام، والفساق، والظُّلّام.

إن هذه النماذج البشرية ممن ابتليت بهم أمتنا، هم من يزجّون بالإسلام إلى عالم الأوهام ويضعونه في قفص الاتهام.

فماذا نقول لعالم حقوق الإنسان من غير المسلمين، عندما نقدم له الإسلام المنقوص كما يطبقه بعض الحكام، ويزكيه المثقف، والجاهل، والإمام؟

إننا -حينئذ- سنكون، أسوأ محامين عن أعدل قضية، بسبب طمس الجواهر المضيئة، لأفضل دين عرفته البشرية، وكما قيل يفعل الجاهل بنفسه وبدينه ما لا يفعله العدو بعدوه.

فما يجري على شاشة العالم من أحداث، وما تلفظه البحار، والغابات، والمؤسسات من أجداث، وفي أجزاء شتى من عالمنا المؤتمن على التراث، تجعلنا في حيرة من أمرنا، ومن مصيرنا المفضي إلى الاستئصال، والاجتثاث.

وكيف يكون الخروج من التأزم الذي نعانيه، والظلم أو الظلام الذي نحن فيه؟ ألا يصدق في حقنا قول الله تعالى:﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ…﴾[سورة الزخرف، الآية: 54].

وكيف نفسر هذه الأزمات المفتعلة، بدءًا بأزمة سلوك النواب في البرلمان، وانتهاء بحاشية أولي الأمر، من الحاكم والسلطان؟

فلو احتكمنا إلى أمر الله، ونحن الأمة الشاهدة على الناس، ولو حكّمنا العقل السليم كما يأمرنا بذلك ديننا دين العلم، والحكم بالقسطاس، لما ضاع منا المصباح والنبراس، وذلك هو الأساس.

كنا نظن، وبعض الظن ليس بإثم، أنّ هذه الفواجع، والمآسي، وهذا الاختطاف، والاغتيال، والاغتصاب، والانتحاب، لا يأتينا إلا من عدونا الصهيوني المغتصب، ولكن ها نحن نُبتلى –في كل هذا- من ولي أمرنا، الظاهر والمحتجب. إنّ ليل أمة الإسلام، الحالك السواد والظلمة، ليل طويل، ولا إخاله سينجلي، مادام فينا من لا يؤمن بالعدل، ويشتري الذمم والشرف بسوء البذل، ويستولي فينا على العقل والحقل..

ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي

بصبح، وما الإصباح منك بأمثل

إنّ الحل لكل مآسينا الحاضرة، يكمن من وجهة نظرنا في التغيير الجذري العميق، ولا يكون التغيير الصحيح إلا بزرع ثقافة التغيير السلمية التي تؤمن بحق المخالف في الوجود والحياة.. وحق المعارض في النشاط بكل أدب، واحترام وإنصاف.

ومفتاح ثقافة التغيير يبدأ من البداية، أي من صقل عقل الطفل على حسن التربية من البداية إلى النهاية، ثم نرتقي بهذه الثقافة التغييرية، إلى أن ندخل بها الجامع والجامعة، وديوان الحاكم والمحكمة، وما بين ذلك من منبر الإعلام إلى منبر الإمام، فكل هذه القطاعات إن هي صُححت ووجهت، تسهم في إحداث ثقافة التغيير، وتقوم على التجديد السليم وحسن التطوير، وتؤمن بحرية الرأي وحرية التعبير، ورشاد الحكامة وسلامة التسيير.

فأين مدرستنا وهي مفتاح ثقافة التغيير من هذه المقاصد، وأين جامعتنا، وهي قمة التحرير للعقل من كل المفاسد؟

هذه -إذن- هي أبواب الصلاح والإصلاح إذا أردنا البناء المضاد للزلازل، والمؤهل لتحصين المؤسسات والمنازل، من داء فقد المناعة، وتقطيع المفاصل، وإبعاد حبل المشانق، وشبح المنشار، والمقاصل.

أرأيت يا قارئي العزيز، كيف أنّ داء أمتنا عريق ودقيق، وهو يضرب بعمق في مختلف مستوياتها منذ عهد سحيق، وآن الأوان لأن ننفض عن عقولنا غبار الطريق، ونسير غير مكبين على وجوهنا، لنثبت وجودنا أمام العدو، وأمام الصديق والشقيق.

لقد أصيبت أمم من قبلنا، بأسوء ما أصيبت به أمتنا، ولكن صمام الأمان فيها، وهو الحاكم والإمام، لم يضلا الطريق، فجنّبا الأمة كل انفجار، وكل حريق.

إنّ الإسلام أمانة في عنق الجميع، وهو القادر على أن يوحدنا، وإن الوطن عهد في ذمتنا، وهو القادر على أن يجمعنا، فمتى نعي دورنا، ومتى نفيق من غفلتنا ونومنا؟

(المصدر: موقع البصائر)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى