الجيل القادم وتحديات القيم
بقلم أحمد الشيبة النعيمي
في ظل التجريف السياسي القائم حالياً للهوية والتنكر للمبادئ الإسلامية والعربية التي قامت عليها الدولة، والإعراض عن الشريعة الغراء، والاصطفاف في خنادق أعداء العرب والمسلمين على حساب القضايا الإسلامية، في ظل كل هذا الانحراف وتداعياته المتعددة تتبلور تهديدات خطيرة تطول المنظومة القيمية والأخلاقية والعقدية للجيل القادم، وقد تفضي لا قدر الله إلى القضاء على المكونات الجوهرية الثقافية والحضارية لهذا الجيل ما لم يتحمل الجيل الحاضر مسؤوليته التاريخية في حماية الهوية القيمية للجيل القادم. التأثير الأخطر للسياسات الراهنة سيكون من نصيب الجيل القادم الذي يتعرض الآن لعملية مسخ متعمدة، ومحاولة تطبيع وعييه على تقبل الاصطفاف مع الصهاينة وأعداء الإسلام والمسلمين في مواجهة المسلمين وقضاياهم العادلة، مع الانسلاخ الكامل عن الهوية الإسلامية العربية، والاحتفاظ باسم الإسلام لاستخدام هذا القناع الاسمي في محاربة الإسلام من الداخل، والتحلل من جميع القيم الإسلامية والإنسانية، والتحلل حتى من القيم العربية في العصر الجاهلي، والتي كانت تتضمن صلة الرحم ونصرة المظلوم وإغاثة الملهوف وإكساب المعدوم وقرى الضيف والإعانة على نوائب الدهر. إذا لم يتحرك الجيل الحالي الذي عاش فترة الصراع مع الصهيونية وتربى على حب القدس وفلسطين وكراهية الاحتلال وحب الحرية والاستقلال للدفاع عن أحلامه وطموحاته واستسلم للمخططات الخبيثة التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية وتشريع وجود الاحتلال، وتعزيز الأنظمة القمعية، فإن الجيل القادم سيجد نفسه أمام مسارين خطرين: المسار الأول هو مسار ثورة تستدرك جميع مظاهر الفشل التي رافقت ثورات الربيع العربي ولا تسمح للثورات المضادة بالانقضاض على أحلام الشعوب وحرياتها، ولا أحد يستطيع أن يتوقع حدود هذا المسار ونوعية هذه الثورات وعواقبها وتوقيتها. والمسار الآخر مسار الاستسلام والانسلاخ من الهوية وظهور جيل صهيوني الهوى والهوية معادٍ لقضايا الأمة وعقيدتها وهويتها الحضارية. وفي كلتا الحالتين لن يرحم التاريخ الجيل الحالي على التقصير تجاه ما سيحدث للجيل الجديد، وتجاه أي عواقب إذا لم يتحرك هذا الجيل للحفاظ على المكتسبات والأحلام والطموحات وإيجاد مسارات للدفاع المشروع عن قضايانا العادلة وأحلامنا المشروعة، والحفاظ على منظومتنا القيمية وهويتنا الحضارية. في جميع الأحوال فإن سياسة التهافت على التطبيع لن تغير من الواقع العملي شيئاً وستسقط حتماً، وستعود فلسطين لأهلها عاجلاً أو آجلاً وسيبقى العار والشنار على المطبعين، ولكن ذلك لن يتحقق إلا بجهود متواصلة من جميع المخلصين للمسجد الأقصى وأرض الإسراء وثالث الحرمين، وجميع المناصرين للمستضعفين من المسلمين والعرب الذين تعرضوا للتهجير القسري من ديارهم من شذاذ الآفاق الذين جمعتهم العنصرية الصهيونية. وحتى يتحقق الوعد الحق يجب أن تبقى قضية فلسطين والأقصى حاضرة في وجدان الجيل القادم، وأن تتحمل مؤسسة الأسرة المسؤولية الأولى في تربية الجيل على الهوية الإسلامية الحضارية، وعلى قيم الجهاد والتضحية والعدل والمساواة والشورى والحرية وكراهية الظلم والبغي والعدوان وعلى الباغي تدور الدوائر.
(المصدر: الخليج أونلاين)