الجودة الشاملة… هل ستجدي في المنظومة الدعوية؟!
مجال الدعوة الإسلامية يعاني كثيرا من الإشكاليات والتحديات الداخلية والخارجية ولعل من أهم تلك التحديات تأطير الوظيفة الدعوية في صورة مجال محدد المعالم، واضح الحدود نستطيع تقييمه أو الحكم على تحقيق أهدافه بصورة علمية؛ وتلك إشكالية كبرى تواجه الدعوة ليس فقط في البلاد العربية ولكن في المجتمعات الغربية؛ التي أطرت كل شيء، ووضعت معايير جودة وإتقان وقياس لكل مجالات حياتها، ولعل من أهم الاقتراحات التي بدأت تترسم خطاها إدخال الجودة إلى المجال الدعوي .
فالجودة الشاملة مفهوم تطويري إداري، يفهمه الغرب جيدا وهو بلا شك مجال جديد لم تلجه المنظومة الدعوية قبل ذلك، ولم تطرق بابه لأسباب عديدة سنتطرق لها لاحقا، وإن كان الجميع مؤمنا بأهمية إتقان الدعوة، واستنفاذ سبل نجاحها لشرفها لدقة دورها في العملية النهضوية للأمة ولما يؤدي إليه التقصير في أدائها من انعكاس سيء يتعلق بصورة الإسلام والقدوة وأثر ذلك في الالتزام بمجمل الفكرة الإسلامية لدى المسلمين أنفسهم، أو عند غيرهم من الأمم الأخرى؛ غير أن كل ذلك لم يشفع لدى مسؤولي المجال الدعوي في العالم الإسلامي، ولم يحرك ساكنهم إلى محاولة إدخال الجودة إلى الفضاء الدعوي باعتبار أن مفاهيم الجودة تعد حاليا من أهم ركائز التطوير والتجديد الفكري والإداري للمؤسسات العالمية، ولعل إفادة المجال التربوي من الجودة في تعزيز القدرة المؤسسية، والفاعلية الأدائية للعملية التعليمية والتربوية، تعد دافعا قويا لمسؤولي الدعوة في العالم؛ لاقتحام مجال الجودة ومحاولة صياغة مواصفات خاصة بمجال الدعوة في كل مجالاته.
وإذا كان ثمة جدل سيحدث حول قابلية المجال الدعوي لتطبيق مفاهيم الجودة الشاملة على منظومته، فقد وقع مثل هذا الجدل في بداية تطبيق مفهوم الجودة -الذي نشأ كنظام يطبق على الصناعات التطبيقية- على منظومة التعليم، وأثيرت أسئلة حول تنميط السلوك وتأطيره وضبطه، وكانت الإجابة آنذاك: أن المقصود بتطبيق الجودة على التعليم لا يعني بالمطلق تطبيق نظام الجودة الصناعي على التعليم وإنما المقصود هو تطبيق مبادئ وقيم وضوابط الجودة كالفاعلية والكفاءة ورضا العملاء والقياس مع مراعاة الخصوصية المهنية والفنية لمجال التعليم،
والامر ذاته سيكون في مجال الدعوة الإسلامية، حيث سيتم تطبيق المبادئ العامة للجودة الشاملة مع مراعاة خصوصية الدعوة، لا سيما فيما يتعلق بخصوصية المخرج أو خصوصية اختلاف مناهج الفكر الإسلامي المعروفة داخل إطار المدرسة السنية، وخاصة أننا -نحن المسلمين- على جانب كبير من التقصير في الأخذ بأسباب الإتقان في جميع جوانب عملنا بما في ذلك الدعوة ، على الرغم من كوننا أولى الناس بالاحتكام إلى مقاييس ومعايير الجودة التي أكد عليها وحددها الإسلام ،فضلا عن أن هذه المطالبة تزداد في مجال الدعوة؛ لأنه ترجمة لأننا مطالبون أن نتقن الدعوة الإسلامية حتى نساهم في نهضة أمتنا وانتشالها من كبوتها؛ ولا يكون هذا إلا بتقديم خطاب إسلامي منضبط تراعى فيه معايير الجودة حتى يكون مناسبا للمدعويين وحتى يحدث الأثر المأمول.
ويمكن تعريف الجودة في المنظومة الدعوية بأنها :” بناء منظومة متكاملة لمفاهيم الجودة والإتقان وفق معايير التقييم والقياس المعتمدة بقصد الحصول على عملية دعوية صالحة ومتقنة في ضوء ثوابت الدعوة وخصوصيات الهوية الوطنية “.
فقد يوجد نظام قائم بالفعل – وهو الحاصل في الكثير من المؤسسات الدعوية- ولكننا لا نستطيع الحكم عن مدى صحة هذا النظام لعدم توافقه مع المعايير الدولية والعالمية، أو قد يشوبه الكثير من النقص، أو قد لا يخضع للتقييم المستمر ومعالجة جوانب النقص من خلال إجراءات تصحيحية واضحة وسريعة، ثم إجراءات وقائية تمنع حدوث الخطأ.
والسؤال هنا هو أن مسيرة إدخال الجودة إلى الدعوة الإسلامية مسيرة طويلة ودونها عقبات وإشكاليات؛ فهل سينجح القائمون على الدعوة في الارتقاء بدعوتهم من خلال هذا المجال العالمي الذي هجرته الدعوة ولم تطرق بابه.؟
د. عثمان عبد الرحيم القميحي