الجوائح في الإسلام – علة بغداد
بقلم محمد فاروق الإمام
(ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) صدق الله العظيم.
اشتدت بأهل بغداد سنة (544هـ/1149م) علة قاتلة، كان من أعراضها أن الناس الذين يصابون بها لا يتكلمون، ولا يطول بهم الأمر حتى يموتون. وممن مات متأثراً من هذه العلة (أحمد بن الحسن الطوسي) و(نظر بن عبد الله الجيوشي) وامتدت هذه العلة إلى السنة القابلة.
وباء البادية
تفشى الوباء القاتل سنة (560هـ/1165م) في بادية العراق، فهلك من أهلها عالم لا يحصون. وهلكت مواشيهم. وامتد هذا الوباء إلى مكة وما حولها.
وباء السرسام
عم العراق وبلاد الشام سنة (574هـ/1179م) مرض خطير أطلقوا عليه اسم السرسام. ولم يرتفع هذا الوباء عن الناس إلا في سنة (576هـ1180م)بعد أن فني الآلاف من الناس، وأمماً لا يعلمها إلا الله.
وباء عنزة
في سنة (597هـ/1200م) وقع ببلاد عنزة – بين الحجاز واليمن – وباء شديد، وكانت حوالي عشرين قرية، بادت منها ثماني عشرة قرية لم يبق فيها ديّار ولا نافخ نار، وبقيت أنعامهم وأموالهم لا قاني لها. وبقيت هذه القرى لا تسكن ولا يدخلها أحد، فقد كان من يقترب منها يأتيه الموت من ساعته. أما القريتان الباقيتان فإنهما لم يمت منهما أحد، ولم يكن أحد منهم شاعراً بما يجري في القرى الأخرى.
الوباء العام
تواترت الأخبار بوقوع البلاء في أطراف بلاد المسلمين في سنة (749هـ/1348م). فذكر عن بلاد الروم أمر هائل، وموت كثير، ثم ذكر أنه انتقل إلى بلاد الفرنج، حتى قيل أن أهل قبرص مات أكثرهم أو يقارب ذلك. كما حل هذا الوباء بغزة وأهلك كثيراً من أهلها. وقد جاء كتاب أمير غزة إلى نائب دمشق يقول فيه: إنه مات من يوم عاشوراء إلى مثله من شهر صفر نحو بضعة عشر ألفاً، ودعا الناس برفع الوباء عن البلاد، وذلك أن الناس لما بلغهم من حلول هذا المرض في السواحل وغيرها من أرجاء البلاد ما يتوهمون ويخافون وقوعه بمدينة دمشق، وقد مات جماعة من أهلها بهذا الداء. ثم حط الطاعون رحاله بدمشق.
وكثر موت الناس بأمراض الطواعين، وزاد الأموات في اليوم على المئة. وكان إذا حل هذا المرض ببيت لا يكاد يخرج منه أحد حي. وقد مات في شهر واحد خلق كثير وجم غفير، ولا سيما من النساء، فقد مات من تفشي الطاعون فيهن أكثر من الرجال، ثم زادت الأموات في اليوم على المئتين في كل يوم، ثم تضاعف عدد الموتى، فتضرر الناس وخاصة الضعفاء والفقراء، فقد كان يؤخذ على الميت ضريبة عالية.
وفي يوم الاثنين الثالث والعشرين من ربيع الآخر، نودي في البلد أن يصوم الناس ثلاثة أيام وأن يخرجوا في اليوم الرابع – وهو يوم جمعة – إلى عند مسجد القدم يتضرعون إلى الله ويسألونه رفع البلاء عنهم، فصام أكثر الناس، ونام الناس في الجامع وأحيوا الليل كما يفعلون في شهر رمضان، فلما أصبح الناس يوم الجمعة السابع والعشرين منه، خرج الناس يوم الجمعة من كل فج عميق، واليهود والنصارى والسامرة والشيوخ والعجائز والصبيان، والفقراء والأمراء والكبراء والقضاة بعد صلاة الصبح فما زالوا هنالك يدعون الله حتى تعالى النهار، وكان يوماً مشهوداً.
وفي يوم الخميس عاشر جمادي الأولى صلى الخطيب بعد صلاة الظهر على ستة وعشرين ميتا جملة واحدة. وكان الوباء متفشياً والأموات يومياً لا تقل عن ثلاثمائة إنسان.
وفي منتصف شهر جمادى الآخرة قوي الموت وتزايد، ومات خلائق من الخاصة والعامة. وكان يصلى في أكثر الأيام في الجامع على أزيد من مئة ميت، وبعض الموتى لا يؤتى بهم إلى الجامع، وأما حول البلد وأرجائها فلا يعلم عدد من يموت بها إلا الله. وفي يوم الاثنين ثاني عشر رجب صلي في الجامع الأموي على أكثر من مئة وخمسين ميت، ويقال بلغ الأموات في بعض الأيام أكثر من ألف. واستهل شهر شعبان والفناء في الناس كثير جداً، ربما أنتنت البلد. وفي يوم الثلاثاء سابع شهر ذي القعدة تزايد الموت كثيراً، وكان في مقدمة من مات من هذا الطاعون المشؤوم كثير من العلماء والأمراء والشيوخ، وكان منهم: (زين الدين عبد الرحمن ابن الحافظ المزي، والصدر شمس الدين ابن الصباب السفار، والقاضي علاء الدين بن قاضي شبهة، والشيخ إبراهيم بن المحب، والشيخ شمس الدين ابن الصلاح، والقاضي عماد الدين ابن الشيرازي، والأمير قرا بغاد ويدار، والخطيب تاج الدين عبد الرحيم ابن القاضي جلال الدين القزويني، والقاضي شهاب الدين بن فضل الله، ونائب حلب سيف الدين قطلبشاه.
ويعتبر هذا العام من الأعوام الحزينة على المسلمين مما وقع فيه من الموت بين المسلمين.
(المصدر: رابطة العلماء السوريين)