مقالاتمقالات المنتدى

الجديد الذي قدمه المسيري في دراسة اليهود واليهودية والصهيونية “رؤية إسلامية جديدة للمسألة اليهودية”

الجديد الذي قدمه المسيري في دراسة اليهود واليهودية والصهيونية

رؤية إسلامية جديدة للمسألة اليهودية”

 

بقلم أ. عماد الدين عشماوي (خاص بالمنتدى)

قدم المسيري رؤية جديدة للجماعات اليهودية من خلال نموذجه التفسيري الاجتهادي الإسلامي رفض فيه التصور السائد بين المسلمين بأن هناك ثمة صفات أساسية (ثقافية ودينية بل وعرقية أيضاً) تسم أعضاء الجماعات اليهودية وتفصلهم عن غيرهم من الشعوب والجماعات, ورفض أن تشير كلمة (يهودي) إلى يهود العالم في الحاضر والماضي والمستقبل، كما رفض أن تشير كلمة (يهودية) إلى نظامهم العقدي في كل زمان ومكان؛ وكأن سمات اليهود الثقافية لم يطرأ عليها أي تغير جوهري وإن حدث فإنه يتم بنفس الدرجة على مستوى العالم، لأنها جميعها مسلمات تتنافى تماماً لا مع واقع الجماعات اليهودية كما درسها حسب نموذجه المعرفي التحليلي وحسب وإنما أيضاً مع الرؤية الإسلامية التي يرى أنها تنظر لليهود واليهودية من خلال منظور مختلف.

فهو يرى أن كلمة (يهودي) كما ترد في القرآن لها مجال دلالي عالمي متحرر من الزمان والمكان، وأن اليهودي هو الشخص الذي تتوفر فيه مجموعة من السمات بغض الظر عن انتمائه العقيدي أو الإثني[1]،  وأن كلمة (يهودي) ليست الكلمة الوحيدة التي تدل على اليهود في القرآن، فقد وردت عدة مصطلحات أخرى، مثل: بني إسرائيل (41 مرة) واليهود (8 مرات) وهوداً (3 مرات) والذين هادوا (9 مرات)، وأوتوا الكتاب (12 مرة)، وأهل الكتاب (31مرة)، وأن هذه المصطلحات غير المترادفة يعبر كل مصطلح منها عن وضع زماني ومكاني مختلف.

وأن القرآن الكريم، أيضاً، لا يفترض وجود هوية يهودية عالمية، ويفرق تفرقة واضحة بين اليهود الذين عاشوا في الجزيرة العربية وتعامل المسلمون معهم في فترة البعثة المحمدية من جهة وبين بني إسرائيل من جهة أخرى، فمصطلح (بني إسرائيل) جاء مخصصاً للحديث عن يهود عصر موسى وعيسى وأنبياء بني إسرائيل ولم يستخدم تخصيصاً ليهود عصر البعثة المحمدية إلا في موضعين من المواضع الأحد وأربعين التي ورد فيها، وهما: قوله تعالى:  }سَلۡ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ كَمۡ ءَاتَيۡنَٰهُم مِّنۡ ءَايَةِۢ بَيِّنَةٖۗ[2]{ وقوله تعالى: }إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ أَكۡثَرَ ٱلَّذِي هُمۡ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ{[3]، وهذين الموضعين هما إحالة إلى موروثات قديمة يمكن أن يتناقلها اليهود أيا كانت أصولهم العرقية عن بني إسرائيل؛ أي يهود عصر موسى عليه السلام، وبناء على هذه الرؤية الجديدة يمكن أن نتخلص من الموروثات التبسيطية السائدة عن اليهود ويفتح لنا الباب للتمييز بين يهود عصر موسى عليه السلام ويهود المدينة ويهود اليوم من خلال رفض وجود هوية يهودية عالمية[4].

كما طرح رؤية جديدة للعقيدة اليهودية تقوم على وجود تناقض بين تعريفها لليهودي والتعريف الإسلامي له: فكلمة (يهودي)، في الإسلام، تعني (أتباع الكتاب الذي جاء به موسى عليه السلام)، ورغم أنهم قاموا بتحريفه أو أصروا على إتباع المحرف منه إلا أن ثمة مبادئ أساسية وردت فيه لم يتم تحريفها من بينها: الإيمان بالله واليوم الآخر، وأن هذا التعريف الإسلامي لو طبق على يهود العالم الحديث لتم استبعاد ما يزيد على (90%) منهم أو إذا توخينا الدقة لاستبعدنا (50%) منهم (الملحدون واللا أدريون[5])، ولتعذر تقبل (40%) (الإصلاحيون[6] والمحافظون[7] والتجديديون[8]) كيهود، ولربما قبل (10%) الأرثوذكس (فقط) كيهود (ويبدو أن العدد قد تراجع ليصبح (7%)، وحتى هذا أمر خلافي بسبب تزايد النزعة الحلولية التي هيمنت على اليهودية، ومن ثم فإن المسلم لا يمكنه إلا أن يستبعد أولئك الذين لا ينطبق التعريف الإسلامي لليهودي؛ حتى لو سموا أنفسهم (يهوداً) وحتى لو قبلتهم الشريعة اليهودية كيهود، فالمسلم ملزم بالتعريف الإسلامي لليهودي وليس بالتعاريف اليهودية والصهيونية المتعددة والمتناقضة لليهودي.

كما تشير رؤيته أيضاً إلى ضرورة إدراك التناقض بين مفهوم الهوية اليهودية العالمية ومفهوم الفطرة في الإسلام، حيث أن افتراض وجود هوية يهودية عالمية (إثنية كانت أم عرقية) يتناقض مع مفهوم الفطرة[9] في الإسلام، فالإنسان حسب التصور الإسلامي يولد على الفطرة؛ التي تعني الاستعداد لعمل الخير أو الشر، وهو مفهوم يضع على الفرد عبء المسئولية الخلقية ويطرح إمكانية التوبة الدائمة (من جانب المخلوق) وإمكانية المغفرة (إن شاء الخالق)، في حين أن فكرة الهوية اليهودية العالمية تشكل سقوطاً في المنطق العنصري العلماني الشامل الذي يرى الإنسان محكوماً بموروثه البيولوجي أو الاقتصادي أو العرقي أو مجموعة من الحتميات المادية الأخرى، في حين أن النص القرآني قد حذر من ذلك ففرق بين اليهود عموماً من ناحية وبين الصالحين والطالحين منهم من ناحية أخرى وحكم على كل فريق منهم بما يستحقه من خير أو شر ملتزماً في ذلك طريق العدالة والصدق[10].

الارتباط المصيري بين الإمبريالية والصهيونية

علاقة الارتباط المصيري بين الصهيونية والإمبريالية تعد من الجديد الذي تضمنته موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، فالمسيري يذهب إلى أن مصير يهود العالم أصبح مرتبطاً تماماً بالإمبريالية بعد أن تركز يهود العالم في العالم الغربي؛ وبخاصة في الولايات المتحدة، ومن ثم أصبح المصير اليهودي هو نفسه مصير الإمبريالية، ومن هنا دعا إلى رؤية الصهيونية وحلم اليهود بالعودة إلى أرض الميعاد داخل هذا السياق الاستعماري الإمبريالي، فالعودة الجماعية لم تكن مطروحة أساساً على المستوى الديني ولكن الاستعمار الغربي وجد أن الحل الوحيد الممكن لمسألة الغرب اليهودية هي تصديرهم (عودتهم في المصطلح الديني) إلى آسيا وأفريقيا لأن ذلك يتسق تماماً مع الرؤية الغربية الإمبريالية للكون التي حولت العالم إلى مادة استعمالية يوظفها القوي لصالحه؛ ومن ضمنها اليهود الذي وظفوا من خلال الصهيونية لاستغلال العرب وسلب أرضهم وتفتيت شملهم ووحدتهم[11].

رؤية جديدة للمسألة الصهيونية

من ضمن الجديد الذي أتى به المسيري تبنيه نموذجاً تفسيرياً معرفياً لفهم الصهيونية حاول من خلاله تخليص الخطاب التحليلي العربي من نقائص كثيرة في معالجته للصهيونية الغازية لأوطاننا كدولة وظيفية تدافع عن مصالح الإمبريالية الغربية، ويأتي على رأس هذه النقائص:

1- التعامل مع كثير من المفاهيم والمسلمات والمقولات التحليلية الإنجيلية والعلمانية التي يتعامل العالم الغربي من خلالها مع الجماعات اليهودية في العالم دون أي نظرة نقدية مما أدى إلى تسرب كثير منها إلى الرؤية العربية والإسلامية لها؛ ولعل من أهمها مقولة التاريخ اليهودي، ولذلك دعا إلى عدم التسليم لها حتى لا نسقط ضحية لما يسمى (إمبريالية المقولات)؛ أي أن نتبنى مقولات الغرب التحليلية عن الصهيونية دون وعي منا، ودعا بدلاً من ذلك إلى دراستها من خلال النموذج المعرفي ومن وجهة نظرنا العربية الإسلامية مع إخضاع تحيزاتنا (ونماذجنا التحليلية في الوقت ذاته) للاختبار المستمر لنرى مقدرتها التفسيرية بالمقارنة مع تلك النماذج التحليلية الأخرى حتى نتوصل إلى أكثر النماذج تفسيرية لها والقادرة على تخليصنا من الاحتلال الغاصب لبلادنا[12].

2- ابتعد عن منهج عن الموضوعية المتلقية المستندة إلى قوالب اختزالية جاهزة واستخدم بدلأ منه النماذج كأداة تحليلية لبنية الكيان الصهيوني: تتجاوز النوايا الحسنة والسيئة، والسياسات المتغيرة، وتتعامل مع المتغيرات في ضوء الثوابت، من خلال تحليل مركب متعدد الأبعاد للظاهرة الصهيونية ودولتها يأخذ العام والخاص والخارج والداخل في الحسبان.

3- أكد أن قراءة أي نص صهيوني تتطلب فك شفرته بأن نقرأ ما بين السطور ونملأ الفراغات ونحاول التوصل للمعنى الدقيق للمصطلحات ونحدد العلاقة بين الأسماء والمسميات، وأن نستخدم ما أسماه (الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة والمهودة) لأنها تشكل الأساس الراسخ والمقولات الثابتة وراء كل الديباجات والحيل البلاغية الأخرى للخطاب الصهيوني، لأننا من خلال تلك العملية نقوم بعملية استنطاق النص؛ أي أن نجعله ينطق بما هو متخف وكامن فيه ولا يفصح عنه (المسكوت عنه)، فيتم تفكيك العبارات الصهيونية وصولاً إلى المقولات الثابتة وراءها ثم يعاد تركيب العبارات والنصوص والتصريحات في ضوء هذه المقولات ومن ثم ندرك حقيقتها ولا ننساق وراءها، ومن خلال ذلك كله استطاع إعادة تعريف الصهيونية[13].

المطلب الرابع: ما هي الصهيونية؟

أدى النموذج التفسيري الجديد الذي تبناه المسيري إلى رفضه لكافة التعريفات الشائعة للصهيونية في المعاجم الغربية التي تتسم بضعف قدرتها التفسيرية وتقوم على ادعاءات كاذبة مثل أن: الصهيونية هي حركة القومية اليهودية، وأن عودة اليهود هي عودة لأرض الأجداد، لأنها تعجز عن تفسير: لماذا أغلبية هذا الشعب اليهودي الساحقة لا تزال تعيش في المنفى متمسكة به وتدافع عن حقوقها فيه؟ ولا تفسر كيف تمتلأ مخيمات اللاجئين بملايين الفلسطينيين؟ ولا تفسر ما يقومون به من مقاومة؟[14] فالصهيونية في نموذجه التفسيري: ليست جزءاً من العقيدة اليهودية وإنما هي تجل إمبريالي للحلولية والعلمانية الشاملة يستخدم اليهود كجماعات وظيفية؛ لها دور وهي مجرد وسيلة لتحقيقه، تحقق مصالحه في الشرق العربي المسلم عن طريق تفتيت وحدته وتسهيل الاستيلاء على ثرواته، وهي ليست القومية اليهودية وليست القومية الإسرائيلية كما يدعي الصهاينة لكنها أيديولوجيا سياسية غربية ذات توجه استعماري إحلالي وديباجات يهودية زائفة تهدف لسرقة فلسطين وطرد أهلها وتفتيت وحدة العرب ومنع اتحادهم وسرقة مواردهم وتحقيق مصالح الغرب الاستراتيجية في مجتمعاتنا العربية المسلمة.

ولذلك أكد على ضرورة الوصول إلى تعريف جديد للصهيونية له مقدرة تفسيرية عالية يمكننا من فهمها والتنبؤ بحركتها والتعامل معها سلماً والتصدي لها حرباً؛ خاصة وأن كلمة (صهيونية) كلمة شائعة يستخدمها الجميع في الشرق والغرب بمدلولها الخاطئ[15]، ولإنجاز ذلك شًدد على:

1- ضرورة أن نرى الصهيونية باعتبارها ظاهرة مركبة دخل في تركيبها عناصر كثيرة: بعضها خاص بالدوافع، وبعضها خاص بالأفكار، ولكن بعضاً ثالثاً وهو الأهم خاص بالبنية وبما تحقق في الواقع.

2- كما أننا يجب ألا نقع في الخطأ المنهجي الذي يقع فيه كثير من الباحثين الذين يتصورون الصهيونية على أنها ظاهرة يهودية وأنها نتاج التوراة والتلمود والبروتوكولات، ولذلك فهم حين يدرسون الصهيونية وإسرائيل فإنهم يسارعون بالبحث في التوراة وليس في الواقع الإسرائيلي، فالصهيونية ليست ظاهرة يهودية ولا ظاهرة عالمية؛ وإن سمت المنظمة الصهيونية نفسها المنظمة اليهودية العالمية، بل هي فكرة غربية أولاً وأخيراً نشأت في العالم الغربي وتبناها من أجل تحويلها من مجرد فكرة إلى واقع وظاهرة ثم قام بتحقيقها ودعمها على مر الأيام لتحقيق مصالحه في الشرق العربي المسلم[16].

3- رفض الرؤية السائدة القائلة أن الحركة الصهيونية بدأت مع التاريخ اليهودي ذاته، وأنها لازمت اليهود عبر تاريخهم بعد تحطيم الهيكل، وأن ظهورها يعود لسببين: أحدهما سلبي يتعلق بظاهرة العداء لليهود والمذابح والاضطهاد الذي تعرضوا له في كل مكان وزمان وهي ظاهرة حتمية من المنظور الصهيوني، وسبب آخر إيجابي يتعلق بالرغبة العارمة لدى اليهودي في العودة إلى فلسطين حيث أنه يشعر بالاغتراب العميق في أرض المنفى، لأن اليهود حسب هذا الزعم يشكلون قومية رغم أنهم لا يوجدون في مكان واحد ولا يتحدثون نفس اللغة ولا يتسمون بنفس السمات العرقية أو النفسية ولا يخضعون لنفس الظروف الاقتصادية. 4- رفض الرؤية الكاذبة السائدة القائلة أن المسألة اليهودية قد بدأت يوم أن ترك اليهود وطنهم قسراً، وأن الصهيونية هي التي ستضع نهاية لهذا الوضع المأساوي عبر رفض سلبية اليهود الحاخامية وخنوع الشخصية اليهودية عبر تحريض اليهود على العودة بأنفسهم إلى فلسطين ليحققوا تطلعهم القومي، ومن ثم تنظر إلى نفسها باعتبارها التعبير الحقيقي والوحيد عن مسار التاريخ اليهودي[17].

رفض المسيري كل التعليلات السابقة، ومن خلال عملية تفكيك وتحليل للظاهرة الصهيونية من خلال نموذجه المعرفي توصل إلى تعريف جديد لها يكشف ما تصور أنه الثوابت البنيوية أو المسلمات الأساسية الكامنة فيها وتوصل إلى ما سماه (الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة)[18]، وهو تعريف لا يخدع بالاعتذاريات والديباجات[19](المؤيدة أو المناهضة للصهيونية)، وإنما يبدأ من خلال (الفعل) ذاته الذي نادى به الصهاينة وتم فيما بعد برعاية بريطانيا من خلال خلق وطن قومي لهم في فلسطين والذي ترك أثراً عميقاً في حياة اليهود الذين استوطنوا فلسطين وفي حياة الفلسطينيين العرب.

فالصهيونية هي (الحركة التي قامت في العالم الغربي ودعت إلى نقل كل أو بعض أعضاء الأقليات اليهودية من أوطانهم وتوطينهم خارج أوروبا) وكان هناك ما يشبه الإجماع بين الدول الغربية الاستعمارية على (أن يتم نقل اليهود إلى فلسطين)، وتطلبت عملية النقل الديموغرافي (الترانسفير)[20] عملية أخرى هي (التخلص من سكان فلسطين) بنقلهم من وطنهم إلى مكان آخر أو بتذويبهم في العنصر الديموغرافي الجديد أو حتى إقناعهم بالاختفاء وبالتحول إلى (دياسبورا[21]) أي أقليات مشتتة[22].

وهذا التعريف، كما يرى المسيري، يصلح إطاراً لكتابة تاريخ عام للصهيونية باعتبارها حركة فكرية سياسية اقتصادية اجتماعية في الحضارة الغربية (لا بين أعضاء الجماعات اليهودية وحسب)، بحيث لا يتم الفصل بين صهيونية اليهود وصهيونية غير اليهود كما هو متبع وإنما ينظر إليهما كمراحل مترابطة في سياق تاريخي حضاري واحد، وهو الأساس الذي يستند إليه العقد الصهيوني الصامت بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية بشأن يهود الغرب والذي: يتيح الفرصة أمام يهود الغرب لأن يحققوا من خلال الخروج من العالم الغربي ما فشلوا في تحقيقه من خلال البقاء فيه، وأن يحقق الغرب مصالحه الاستعمارية في عالمنا العربي والإسلامي من خلال الاستخدام الوظيفي للجماعات الصهيونية.

كما أن هذا التعريف له قيمة تفسيرية عالية في تفسير المسألة الفلسطينية والحروب المستمرة بين الصهاينة والعرب والدعم الغربي المستمر للدولة الصهيونية والتفات معظم اليهود العالم إلى إسرائيل ورفض معظمهم في الوقت نفسه الهجرة إليها، كما أنه يفسر هذا التلاقي الذي يبدو غريباً بين الصهاينة والمعادين للسامية (اليهود)، ويفسر الطبيعة الاستعمارية الاستيطانية الإحلالية للدولة الصهيونية وديباجاتها اليهودية الفاقعة في الوقت ذاته، كما أنه يلقي الضوء على أسباب ظهور الأزمة الصهيونية اليوم في الكيان الصهيوني اليوم[23].

رؤية جديدة للدولة الصهيونية

ومن الجديد الذي جاء به نموذج المسيري التفسيري معالجته لوضعية الدولة الصهيونية المحتلة لفلسطين وادعائها أنها قد أُسست تحقيقاً لفكرة القومية اليهودية، ودحض مقولة أنها دولة يهودية، ونبهنا إلى خطورة تقبل ذلك لأنه يجعلنا نسقط في فخ المصطلح الصهيوني المعبأ بالتحيزات الصهيونية، ويجعلنا لا ندرك طبيعتها الاستعمارية الاستيطانية الإحلالية، وأنها دولة وظيفية تابعة للغرب وللولايات المتحدة خصوصاً.

كما بًين خطورة إصرار الخطاب الصهيوني على تسمية إسرائيل دولة يهودية، لأن ذلك يجعل الصراع دينياً بين اليهود والمسلمين، ويدعم أسطورة التراث الديني اليهودي المسيحي المشترك فيصبح الغرب كله طرفاً في الصراع ضد العالم الإسلامي، لأنه إذا كانت إسرائيل دولة يهودية تمثل كل يهود العالم وكان اليهود شعباً يعود إلى أرض الأجداد فإن المقاومة دون شك تصبح إرهاباً[24].

وشًدد على أن إسرائيل ليست دولة يهودية وأن الادعاء الصهيوني بأنها تنبع من التوراة والتلمود والتطلع اليهودي الأزلي للعودة لا أساس له من الصحة ومن الخطأ قبول ذلك الادعاء الصهيوني، فهي في الواقع الأمر دولة استعمارية استيطانية إحلالية لا يمكن فهم آلياتها وحركياتها إلا في هذا الإطار، وفي ضوء هذا الفهم قام بتعريف دولة الكيان الصهيوني المسماة (إسرائيل).

1- ماهية الدولة الوظيفية الصهيونية

أعاد المسيري تعريف دولة الكيان الصهيوني من جديد من خلال نموذج الجماعات الوظيفية باعتبارها دولة وظيفية أُسست لتضطلع بوظيفة معينة، فإسرائيل دولة وظيفية نتاج الجماعة الوظيفية اليهودية التي يدعمها الغرب الإمبريالي لتضطلع بوظيفة عسكرية محددة لصالحه تحمي مصالحه في المنطقة العربية[25]، وهي تتسم بكل سمات الجماعات الوظيفية: فهي تدخل في علاقات تعاقدية نفعية مع الغرب (خدمة المصالح الغربية نظير أن يقوم الغرب بحمايتها)، وهي دولة جيتو/ قلعة منعزلة عن محيطها الحضاري ذات رؤية حلولية كمونية تتصور أنها منفصلة عن الزمان والمكان، ولديها إحساس عميق بتفوقها ورسالتها المقدسة، وتتبنى أخلاقيات مزدوجة في علاقتها مع الذات ومع الآخر[26]، وهي قاعدة استراتيجية ممولة من الخارج معزولة عن محيطها العربي لأنها عنصر غريب يقوم بالاحتلال والقتال نظير المال[27]، كما أنها تجمع استيطاني إحلالي يوظف الديباجات اليهودية، ونقطة انطلاقه هي الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة المهودة التي تذهب إلى أن اليهود شعب عضوي يعيش في الغرب ولا ينتمي إليه ولذا يجب أن يوطن في أرض أجداده أي فلسطين التي يجب أن تفرغ ممن قد يتصادف وجوده فيها من البشر وقد ترجمت هذه الصيغة إلى الشعار (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)[28].

وقد عبرت هذه الوظيفية عن نفسها في بنية متكاملة من القوانين العنصرية والمفاهيم العدوانية، فالمجتمع الإسرائيلي لا يخضع لقوانين أزلية تعبر عن الجوهر اليهودي أو التاريخ اليهودي وإنما يخضع للقوانين التي يخضع لها معظم أعضاء الجيوب الاستيطانية مثل: الإحساس بعدم الأمن، ومحاولة إنكار تاريخ السكان الأصليين ووجودهم والرغبة في التخلص منهم، كما أنه لا يختلف عن كل الجيوب الاستيطانية في شهوته المتزايدة للتوسع والاستيلاء على أراضي الآخرين، كما يخضع أعضائه للقوانين التي يخضع لها أعضاء المجتمعات الغربية الاستهلاكية (التوجه الشديد نحو اللذة، والتركيز على المصلحة الاقتصادية المباشرة، والتمركز حول الذات الأوروبية)[29]، ومن هنا ما نراه من نجاحات وإخفاقات هذا الكيان الدخيل على أمتنا والتي تعود لأسباب واقعية لا أسطورية يمكن التغلب عليها وإنهاء هذا الكيان.

لماذا نجحت الصهيونية؟

في ظل نموذجه التفسيري الشامل لواقع ومستقبل دولة الكيان الصهيوني أكد المسيري أن السر الحقيقي لنجاح الصهيونية لا يعود إلى: سيطرة اليهود على الإعلام، أو لباقة المتحدثين الصهاينة أو إلى مقدرتهم العالية على الإقناع والإتيان بالحجج والبراهين، أو إلى ثراء اليهود وسيطرتهم المزعومة على التجارة والصناعة، وإنما يعود إلى أن صهيون الجديدة جزء من التشكيل الاستعماري الغربي، وإلى أنه لا يمكن الحديث عن مصالح يهودية وصهيونية مقابل مصالح غربية، وإلى أن الإعلام واللوبي الصهيونيين يمثلان أداة الغرب الرخيصة، فنجاح اللوبي اليهودي والصهيوني في أمريكا وأوروبا يعود لأنه يدور في إطار المصالح الاستراتيجية الغربية وأنه يعرض دولته الصهيونية باعتبارها أداة؛ أي أن مصدر نجاحه لا يعود لقوته الذاتية أو لعناصر كامنة فيه وإنما بسبب اتفاق مصلحته مع مصلحة الغرب الاستراتيجية[30].

ومن ثم فإن تضخيم قوة اللوبي والإعلام الصهيوني وجعلهما مسئولين عن كل ما يحدث في الغرب والعالم هي أسطورة: قد يكون لها علاقة ما بالواقع ولكنها ذات مقدرة تفسيرية ضعيفة لعدم إحاطتها بهذا الواقع ولعجزها عن التمييز بين ما هو جوهري وما هو فرعي فيه، بل يمكن القول بأن هذه الأطروحة الشائعة في أشكالها المتطرفة هي امتداد للرؤية التآمرية الاختزالية التي تجعل اليهود مسئولين عن كل شيء وتجعل الغرب ضحية للتلاعب اليهودي الصهيوني وهذا تبسيط للأمور يعمي الأبصار.

فهل يمكن أن يتصور أحد أن التشكيل الاستعماري الغربي الذي حول العالم بأسره إلى ساحة لنشاطه من خلال جيوشه ومخابراته (والآن من خلال عملائه ومخابراته) والذي أسس تشكيلاً حضارياً وبنية اجتماعية ونظاماً سياسياً يهدف إلى استغلال المصادر البشرية والطبيعية للكون بأسره وتوظيفها لصالحه أن تحدد سياساته نتيجة تدخلات قوة سياسية مثل اللوبي اليهودي الصهيوني، وهل لو أن اليهود اختفوا تماماً ولم يعد لهم أثر ولو أن إسرائيل اختفت من على خريطة العالم هل تتغير سياسة الولايات المتحدة وتصبح قوة مسالمة تتصالح مع القوى القومية والداعية للسلام والبناء أم أنها كانت ستبحث عن عملاء آخرين وعن أشكال أخرى للتدخل؟[31]

إن توافق المصالح وتوافق الإدراك الغربي والصهيوني-كما يقول المسيري-، هو سر نجاح إسرائيل الإعلامي ومصدر قوة اللوبي الصهيوني وليس العكس وهي العوامل التي تحدد في نهاية الأمر السلوك الغربي، فالإعلام واللوبي الصهيوني لا يستمدان قوتهما من كفاءة الصهاينة وإنما من أن إسرائيل: وجدت لنفسها مكاناً داخل الاستراتيجية الغربية، ولأنها جعلت نفسها أداة طيعة رخيصة كفئاً لتحقيق هذه الاستراتيجية، وتحديد القضية على هذا النحو لا يعني التقليل من: أهمية اللوبي الصهيوني، أو مقدرته على تعبئة الرأي العام الأمريكي لصالح إسرائيل، أو من فعاليته في التأثير على صانع القرار الأمريكي (وبخاصة في أمور الشرق الأوسط والصراع العربي-الإسرائيلي)، ولكنه لا يفسر كل سلوك الغرب على أساسه إذ تظل الأولويات الاستراتيجية التي حددها صانع القرار الغربي هي التي تفسر سلوكه، ومن ثم فإن إدراكنا لهذه الحقيقة سيعمق إدراكنا للواقع وحركياته ويزيد مقدرتنا على التنبؤ والتصدي للكيان الصهيوني[32].

أزمة الصهيونية

طرح المسيري من خلال نموذجه التفسيري الجديد مصطلح أزمة الصهيونية للإشارة إلى المشاكل التي تواجهها الصهيونية كعقيدة تستند إليها الدولة الصهيونية وتدعي لنفسها الشرعية على أساسها وتؤسس علاقتها بيهود العالم والعالم الغربي من خلالها، وعناصر هذه الأزمة كثيرة من أهمها: قضية الهوية اليهودية (من هو اليهودي؟)، وتطبيع الشخصية اليهودية، وهوية الدولة اليهودية، والأزمة السكانية والاستيطانية، وتحجر الثقافة السياسية الصهيونية، وتصاعد معدلات العولمة والأمركة في المستوطن الصهيوني، وسيطرة فكرة مصير حملات الفرنجة[33] الفاشل على الوجدان الصهيوني، وهي عناصر متشابكة وكل واحدة منها تشكل تحدياً للصهيونية وتقوض شرعيتها أمام يهود العالم ويهود المستوطن الصهيوني والدول الغربية الراعية للمشروع الصهيوني، وقد أدت هذه الأزمة إلى تآكل العقد الاجتماعي الصهيوني.

وإذا أضفنا إلى ذلك انصراف يهود العالم عن تلك الدولة حيث لم تعد الصهيونية ولا دولتها تعني لهم الكثير فهم يفضلون إما الاندماج في مجتمعاتهم أو الهجرة إلى الولايات المتحدة[34]، فبعد تدهور صورة المستوطن الصهيوني إعلامياً بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى(1987م) أصبحت هذه الدولة الشرسة تسبب لهم الحرج الشديد، فلم تعد دولة إحلالية يمكن الدفاع عنها باعتبارها دولة يهودية خالصة وإنما أصبحت دولة استيطانية تستند إلى التفرقة اللونية والفصل العنصري (الأبارتاهيد[35]).

كما أن إيمان يهود العالم بالدولة الصهيونية قد تقلص تماماً على المستوى الأيديولوجي، ولذا فإن من يهاجر إليها إنما لأسباب نفعية مادية مباشرة، وفي داخلها تظهر أجيال جديدة تنظر إلى الصهيونية بكثير من السخرية، وعلى المستوى التنظيمي تفقد المنظمة اليهودية العالمية كثيراً من حيويتها وتصبح أداة في يد الدولة الصهيونية وتقابل اجتماعاتها بالازدراء من قبل يهود العالم والمستوطنين في فلسطين.

ولم تغير عملية السلام واتفاقية أوسلو من الأمر كثيراً، بل إنها سرعت بتفاقم أزمة الصهيونية فالدولة أصبحت أكثر ثباتاً واستقراراً وستتحدد هويتها كدولة لها مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية المتشعبة التي ليس لها بالضرورة علاقة كبيرة بأعضاء الجماعات اليهودية في العالم.

كما أن ازدياد عدم تجانس الإسرائيليين وتفاقم عوامل التفرقة داخل التجمع الصهيوني وتركز أهم معالم الأزمة في مجتمعه، في: الصراع الديني العلماني، والصراع الإثني (سفارد[36]– أشكناز[37]– جماعات أخرى، مثل: بني إسرائيل من الهند[38]، القراءون[39]، المهاجرون السوفييت المتمسكون بإثنيتهم الروسية[40]، الفلاشاه[41]، الفلاشاه موراه[42]) والأزمة الاستيطانية والديموجرافية (تزايد عدد العرب وثبات عدد الإسرائيليين أو تزايدهم بنسبة أقل، إحجام يهود العالم عن الهجرة، وأمركة المجتمع الإسرائيلي، تزايد التوجه نحو اللذة، تصاعد السعار الاستهلاكي، تراجع النزعة التقشفية والقتالية)[43]، بالإضافة إلى استمرار الفلسطينيين العرب في المقاومة ورفضهم الاختفاء واندلاع الانتفاضة[44] في حين تطور إسرائيل قوانين عنصرية ومفاهيم أمنية ومؤسسات قمعية هي في جوهرها عدوان على الفلسطينيين[45]، كل ذلك يجعل إسرائيل الصهيونية تعيش أزمة حقيقية تتفاقم يوماً بعد الآخر وتنذر بنهايتها المحتومة.

رؤية جديدة لنهاية إسرائيل

في ظل إدراك المسيري من خلال نموذجه التفسيري لملامح الأزمة التي يعانيها الكيان الصهيوني طرح رؤيته لنهاية إسرائيل المحتومة في المستقبل، وهو لم يكن واهماً أو حالماً عندما تحدث عن نهاية إسرائيل وحتمية سقوط الوهم الصهيوني الإمبريالي الحلولي، فقد درس الصهيونية معرفياً بمنهج بلوره على مدى أكثر من ربع قرن واختبره جيداً من خلال قراءة للتاريخ العربي والغربي والصراع بينهما وقراءة وتحليل الصهيونية كجزء لا يتجزأ منه، وأدرك جيداً الأوهام التي بنيت عليها الصهيونية كما أدرك السقطات التي وقع فيها الخطاب العربي حولها بمختلف تنويعاته، وليس ذلك وحسب لكنه من خلال متابعته شبه اليومية للكيان الإسرائيلي وللإمبريالية الغربية في تحولاتها المختلفة عبر القرن الماضي حتى بداية العقد الأول من القرن الحالي؛ عندما غادرنا إلى لقاء ربه، وأيضاً نتيجة تغيرات وتحولات القوة التي تؤثر حتماً على ميزان القوى العالمية، وكذلك تحولات الشعوب العربية وصمودها؛ وفي القلب منها الشعب الفلسطيني، أدرك من هذا كله أن نهاية إسرائيل أمر طبيعي ومتوقع في ضوء تناقضاتها الداخلية، ولم يكن  لهذا التوقع علاقة بالتشاؤم أو التفاؤل لكنه كان نتاج قراءة معطيات وحقائق استقاها من واقع هذا الكيان ذاته وواقع العرب والعالم من حولنا، ويمكن بيان رؤية المسيري الجديدة لنهاية إسرائيل من خلال النقاط التالية:

1- نهاية إسرائيل في الوجدان الصهيوني

يذكرنا المسيري بأن هناك حقيقة تاهت عن الكثيرين في العالم العربي وهي أن موضوع نهاية إسرائيل متجذر في الوجدان الصهيوني، فحتى قبل إنشاء الدولة أدرك كثير من الصهاينة أن المشروع الصهيوني مشروع مستحيل وأن الحلم الصهيوني سيتحول إلى كابوس[46]، فقد أدرك ذلك إسحق رابين[47] الجنرال المنتصر في منتصف يونيه 1967م أي بعد انتهاء حرب يونيو[48] بعدة أيام حتمية الهوة والنهاية[49]، كما جددت انتفاضة الأقصى موضوع نهاية إسرائيل في النقاشات الإسرائيلية والأمريكية و(مستقبل اسرائيل وكيف سيتسنى لها البقاء؟) و(هل ستبقى الدولة اليهودية على قيد الحياة؟ وبأي ثمن؟ وبأية هوية؟)[50]، كما أن هناك العديد من المؤلفات والأعمال الفنية والأدبية التي تصدر داخل إسرائيل تحذر من النهاية سواء من خلال منظمات مدنية أو فناني السينما[51]، كما أن الانسحاب الصهيوني من جنوب لبنان عام 2000م ثم انتفاضة الأقصى الثانية قد تركا جرحاً غائراً في الوجدان الصهيوني/ الإسرائيلي، وكل هذه الأمور مجتمعة تؤكد أن نهاية إسرائيل جزء من شعور أعضاء وقيادات هذا الكيان المحتل[52].

2- نفي التصورات الخاطئة عن نهاية إسرائيل

على الرغم من ترسخ فكرة النهاية لدى أعضاء الكيان الصهيوني وملازمتها لهم في كل مراحل نموه إلا أن المسيري يرى أن تلك النهاية المحتومة ليست قريبة أو سهلة المنال، ويرفض ما يتصوره البعض من أن أزمة التجمع الصهيوني في تنوعها واحتدامها وتصاعدها ستؤدي إلى انهياره من الداخل؛ بل إن بعضهم يتصورون أحياناً أن دراسة تناقضات المجتمع الصهيوني ورصد مشاكله وهزائمه تعني تبنى والتبشير بزواله، ويرى أن كل هذه الرؤى أوهام أبعد ما يكون عن الحقيقة، فالمجتمع الصهيوني لن ينهار من الداخل لأن مقومات حياته ليست من داخله إنما من خارجه، إذ يوجد عنصران يضمنان استمراره رغم كل ما يعتمل داخله من تناقضات، وهما: الدعم الأمريكي، والغياب العربي، ولذلك فهو يرى أن ما سيؤدي إلى انهيار الكيان الصهيوني العنصري ليست تناقضاته الداخلية، إنما الاجتهاد والجهاد العربي الذي ينهي التبعية للغرب وتحكمه في مقدرات أمتنا ومواردها وقرارات حكوماتها[53]، فهما وحدهما الكفيلان بذلك لكن هذا لا يعني تجاهل هذه التناقضات فمن الضروري فهمها وتوظيفها في صراعنا ضده لأن ذلك جزء رئيسي من جهادنا واجتهادنا العربي والإسلامي في سبيل مواجهة العدو الصهيوني الغاصب وتحرير فلسطين والقدس الشريف من دنسه[54].

3- ماذا تعني نهاية إسرائيل؟

لا تعني نهاية إسرائيل عند المسيري القضاء على الإسرائيليين وإنما تعني إزالة الإطار العنصري الصهيوني الذي تدور داخله الدولة الصهيونية وعودة الفلسطينيين إلى ديارهم وتحول المستوطنين الصهاينة إلى مواطنين في دولة فلسطينية متعددة الإثنيات والعقائد[55]، وانتهاء الوهم بأنه يمكن للمستوطنين الصهاينة التعايش مع العرب حسب شروطهم العنصرية[56]، فالانتفاضة الفلسطينية بما تحمل من معاني الخصب والاستمرار والحوار المسلح مع هذا الكيان الغاصب وداعميه هما القادران على تحويل (إسرائيل) مرة أخرى (فلسطين) كما كانت دائماً عبر التاريخ وكما ستكون بإذن الله في المستقبل[57].

يتبين لنا من خلال هذا المبحث أن نموذج المسيري التفسيري قد أثمر رؤية جديدة لليهودية والصهيونية وإسرائيل والإمبريالية الغربية الداعمة لهم وكشف طبيعة العلاقة النفعية الوظيفية القائمة بينهما، كما أسقط كل الدعاوى الكاذبة عن طبيعة الصراع العربي الإسلامي مع الكيان الصهيوني الغاصب وأنتج تعريفاً شاملاً للصهيونية ودولتها الغاصبة يعريها من أي سند قانوني أو أخلاقي يدعي شرعيتها، وأن الجهاد ضد هذا الكيان الغاصب والتحرر من التبعية لراعيه الغربي الاستعماري هما السبيل لاسترجاع فلسطين، مع ملاحظة أن مفهوم المقاومة عند المسيري يساوي مفهوم الجهاد في سبيل الله في الفقه الإسلامي، والدارس لرؤية المسيري لليهودي ومن منظور إسلامي يجد أنه لا يخرج في تعامله مع الكيان الصهيوني وكيفية التخلص منه من خارج المنظومة الإسلامية، ولكنه يستخدم أدوات الدرس العرفي ولغة الخطاب التي يفهمها العالم من حولنا دون أن يتخلى عن ثوابتنا الإسلامية في الجهاد العادل لتحرير فلسطين.

كما استطاع نموذجه التفسيري يبين أسباب نجاح الصهيونية في احتلال فلسطين وظهورها بمظهر الأمة المضطهدة أمام بقية العالم، وأن ذلك لا يعود لقوتها أو أحقيتها وإنما بسبب عنصرية الغرب المنحازة لهم وتوظيفهم أدوات القوة في أيديهم بشكل صحيح، وأهم من هذا كله تخاذل العرب والمسلمين في عرض قضيتهم العادلة بشكل صحيح وتهاونهم في استخدام أدواتهم المتاحة لديهم لجهاد الصهاينة وكشف زيوفهم أمام العالمين، كما أن نموذجه هذا ينفي التصورات الخاطئة عن نهاية إسرائيل التي يرتكن إليها البعض في تمنيات واهمة بزوالها دون عمل حقيقي لإنجاز ذلك مؤكداً أن نهايتها لن تكون إلا على يد العرب بمعاونة المسلمين وكل صاحب مبدأ إنساني يرفض الظلم من بني آدم، وهو جهد يقع كله على عاتق العرب أولاً والمسلمين والعالمين ثانياً، وفي ضوء ذلك كله طرح المسيري رؤيته لحل المسألة الفلسطينية.

 

 

 

 

[1] المسيري، عبد الوهاب. من هم اليهود؟ وما هي اليهودية؟. ط2. القاهرة: دار الشروق، 2008م، ص341.

[2] البقرة: 211.

[3] النمل: 76.

[4] تحتاج رؤية المسيري الإسلامية لليهودي واليهودية إلى دراسة موسعة يأمل الباحث في إنجازها فيما بعد.

[5] اليهود الملحدون (Atheists) واللا أدريون (Agnosticism)، يقصد بهم هؤلاء الذين لا يؤمنون بالله أو لا يعرفون على وجه التأكيد أنه موجود أو غير موجود. انظر. المسيري، عبد الوهاب. موسوعة المصطلحات والمفاهيم الصهيونية: رؤية نقدية، ص452-454.

[6] اليهود الإصلاحيون، هم اليهود ثمرة حركة الاستنارة اليهودية الذين حاولوا  أن يصلوا إلى صيغة  معاصرة لليهودية تلائم العصر وتتخلص من آثار المطلقات اللا تاريخية التي كانت تدور في فلكها الديانة اليهودية. المصدر نفسه، ص452-454.

[7] اليهود المحافظون، هم اتجاه ديني عام داخل الديانة اليهودية حاولوا الاستجابة لوضع اليهود الجديد في العالم دون المساس بأسس الديانة. ولهذا ناهض تيار الإصلاحيين ورفض أي تطوير أو إصلاح لليهودية من خارجها. انظر: المصدر نفسه، ص458-459.

[8] اليهود التجديديون، هم تيار داخل اليهودية من المفكرين العلمانيين وشبه العلمانيين حاووا إعادة صياغة النسق الديني اليهودي  حتى يتكيف مع العلمانية، وتصبح كل منطلقات اليهودية الدينية= والفلسفية ذات طابع نسبي تاريخاني. انظر: المسيري، عبد الوهاب. موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية: الموسوعة الموجزة. ط6. القاهرة: دار الشروق،2010م، ج1،  ص162-163.

[9] استخدام المسيري لمفهوم الفطرة يحتاج لدراسة مقارنة مع الاستخدام القرآني والنبوي.

[10] المسيري، عبد الوهاب. من هم اليهود؟ وما هي اليهودية، ص336-344.

[11] المسيري، عبد الوهاب. الصهيونية والحضارة الغربية. ط1. القاهرة: دار الهلال، 2003م، ص23-25.

[12] المسيري، عبد الوهاب. تاريخ الفكر الصهيوني. ط1. القاهرة: دار الشروق، 2010م، ص11-12.

[13] المسيري، عبد الوهاب. موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، ج6، ص80.

[14] المصدر نفسه، ص29.

[15] المسيري، عبد الوهاب. تاريخ الفكر الصهيوني، ص17.

[16] المسيري، عبد الوهاب. مقدمة لدراسة الصراع العربي الإسرائيلي. ط1. بيروت: دار الفكر، 2002م، ص67-68.

[17] المسيري، عبد الوهاب. الموسوعة المختصرة اليهود واليهودية والصهيونية، ج2، ص19-20.

[18] المسيري، عبد الوهاب. موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، ج1، ص47.

[19] الاعتذاريات والديباجات، مصطلحان يقصد بهما المسيري ما يلي: الاعتذاريات هي محاولة تشويه الحقائق من خلال فرض تفسير ما على حدث أو فعل بما يتفق ومصلحة من يقوم بذلك وبما يمليه عليه موقعه، مثل اعتذاريات الصهيونية التي تحاول تبرير طرد الفلسطينيين من أرضهم بادعاء أن تلك الأراضي الفلسطينية هي أرض الأجداد اليهود، أو أنها أرض بلا شعب لتبرير إجرامهم. بينما الديباجات هي كلمات تعبر عن المسافة بين الكلمة ومعنها، فالديباجة تضاف إلى النص فيمكن أن توضحه ويمكن أن تخفي معالمه ويمكن أن تبرره عن حق أو عن باطل، مثل قولنا (الصهيونية ذات الديباجة المسيحية) بمعنى أنها صهيونية تدعي أن لها أسساً مسيحية وهي في الواقع ليست كذلك. انظر: المصدر نفسه، ص51، ص121-122.

[20] الترانسفير (Transfer)، هي عملية نقل الإنسان قسراً من وطنه إلى أي مكان آخر بدون سعي منه أو بدون موافقته، والمقصود هنا اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم وطردهم من فلسطين لإحلال اليهود الصهاينة مكانهم. انظر: المسيري، عبد الوهاب. موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، ج7، ص86-87.

[21] دياسبورا (diaspora)، كلمة يونانية تعني الشتات أو الانتشار، وهي تعني هنا أن اليهودي الموجود خارج فلسطين هو في المنفى حتى يعود إلى أرض إسرائيل. انظر: المسيري، عبد الوهاب. الموسوعة المختصرة اليهود واليهودية والصهيونية، ج2، ص71.

[22] المصدر نفسه، ج1، ص31-32.

[23] المسيري، عبد الوهاب. مقدمة لدراسة الصراع العربي الإسرائيلي، ص143.

[24] حرفي، سوزان. حوارات الدكتور عبد الوهاب المسيري: الصهيونية واليهودية، ج4، ص128.

[25] المسيري، عبد الوهاب. مقدمة لدراسة الصراع العربي الإسرائيلي، ص25.

[26] المصدر نفسه، ص77.

[27] المسيري، عبد الوهاب. موسوعة تاريخ الصهيونية. ط1. القاهرة: دار الحسام، 1996م، ج3، ص63-64.

[28] المسيري، عبد الوهاب. موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، ج7، ص13.

[29] المسيري، عبد الوهاب. رحلتي الفكرية: في البذور والجذور والثمر، ص613.

[30] المسيري، عبد الوهاب. موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، ج6، ص347-348.

[31] المسيري، عبد الوهاب. رحلتي الفكرية: في البذور والجذور والثمر، ص35.

[32] المسيري، عبد الوهاب. موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، ج6، ص35.

[33] حملات الفرنجة، هي الحملات الأوروبية التي احتلت فلسطين في العصر الوسيط وفشلت ولم تترك وراءها سوى بعض القلاع المخربة التي يزورها السائحون ويدرسها علماء الآثار. ومصير حملات الفرنجة الذي يخشاه الصهاينة نابع من إدراكهم لطبيعة دورهم كدولة وظيفية تمثل أداة في يد الغرب يمكن الاستغناء عنها في أي وقت وبالتالي فهي مهددة بالزوال الحتمي. انظر: المسيري، عبد الوهاب. تاريخ الفكر الصهيوني، ص182-206.

[34] المسيري، عبد الوهاب. موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، ج6، مصدر سابق، ص277.

[35] الأبارتاهيد (Apartheid)، هو نظام الفصل العنصري الذي حكمت من خلاله الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا من عام 1948م وحتى تم إلغاء النظام بين الأعوام (1990- 1993م) وأعقب ذلك انتخابات ديموقراطية عام 1994م. هدف نظام الأبارتاهيد إلى خلق إطار قانوني يحافظ على الهيمنة الاقتصادية والسياسية للأقلية ذات الأصول الأوروبية. انظر: موسوعة بريتينكا، تاريخ الدخول (12/10/2019م)، على الرابط التالي: https://www.britannica.com/topic/apartheid

[36] سفارد، مصطلح مأخوذ من الأصل العبري (سفارديم)، استخدم ابتداء من القرن الثامن الميلادي للإشارة إلى يهود إسبانيا، ويستخدم حالياً للإشارة إلى اليهود الذين عاشوا فيها وفي البرتغال ثم انتشروا بعد طردهم منها في بلدان العالم الإسلامي، حتى أصبح يعني اليهود الشرقيين أو يهود العالم الإسلامي تمييزاً لهم عن اليهود الأشكناز (الغربيين). انظر: المسيري، عبد الوهاب. الموسوعة المختصرة: اليهود واليهودية والصهيونية، ج1، ص82.

[37] أشكناز، تختلف المصادر الغربية والتاريخية واللغوية في تحديد أصل كلمة  الأشكناز ومعناها، وهي تعني في الاستخدام الحالي اليهود الغربيين؛ وخاصة ذوي الأصول الفرنسية والألمانية والبولندية. انظر: المصدر نفسه، ص83-84.

[38] بنو إسرائيل من الهند، هم مجموعة من اليهود القاطنين حول بومباي ، وهم لا يعرفون التلمود ويشتغلون بالتجارة. وقد هاجر بضعة آلاف منهم إلى إسرائيل حيث عانوا من التفرقة العنصرية وغادروها ثانية إلى الهند إلا قليلاً منهم. انظر: المسيري، عبد الوهاب. موسوعة المصطلحات والمفاهيم الصهيونية: رؤية نقدية، ص107-108.

[39] القراءون، طائفة يهودية أسسها عنان بن داود في العراق في أواخر القرن الثامن، ويتلخص مذهب القرائين في جعلهم النص المقدس المكتوب؛ أي العهد القديم، هو المرجع الأول والأخير والمنبع لكل عقيدة أو قانون، وقد كانت التوراة وما زالت تسمى بالمقرا أي المقروءة، من هنا جاءت تسميتهم بالقرائين. انظر: المصدر نفسه، ص293.

[40] المهاجرون السوفييت المتمسكون بإثنيتهم الروسية، مصطلح يشير إلى اليهود السوفييت الذين هاجروا من الاتحاد السوفيتي السابق، ويشكلون  كتلة قوية مستقلة بتقاليدها ولها حضورها وتميزها الخاص داخل الكيان الصهيوني كإثنية مستقلة. انظر: المسيري، عبد الوهاب. موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، ج7، ص108-109.

[41] الفلاشاه، مصطلح يعني الغرباء أو غريبي الأطوار، وهم جماعة إثنية إفريقية من أثيوبيا تؤمن بشكل من أشكال اليهودية، رفضت إسرائيل هجرتهم إليها في بداية احتلالها لفلسطين ثم عادت فقبلت هجرتهم. انظر: المسيري، عبد الوهاب. الموسوعة المختصرة: اليهود واليهودية والصهيونية، ج1، ص92-93.

[42] الفلاشاه موراه، جماعة قبلية أثيوبية تعني المنفيين أو الغرباء، تنصروا على يد المبشرين المسيحيين، وحاولوا الهجرة إلى إسرائيل لكنها رفضتهم. انظر: المصدر نفسه، ص93.

[43] تظهر اليوم الأزمة الصهيونية وقد تفاقمت داخل اليهود أنفسهم، وحتى بين يهود أمريكا. ففي دراسة إحصائية ظهرت سنة 2012م في الكتاب السنوي لـ (يهود أمريكا) جاء أن أكثر من (50%) من يهودها لا ينتمون إلى أي منظمات يهودية، وأن أكثر من (70%) ممن هم دون الثلاثين من أعمارهم ليس لديهم أي توجهات أو علاقات تنظيمية يهودية. انظر: رشيد، فايز. “الصهيونية تعاني بدء أزمتها التاريخية”، صحيفة القدس العربي، تاريخ الدخول (22/5/2019م)، على الرابط التالي: http://www.alquds.co.uk/?p=910582

[44] الانتفاضة، مصطلح مشتق من الفعل (ينتفض)، ويرمز هذا المصطلح للانتفاضة الفلسطينية الأولى أو انتفاضة الحجارة، التي سمّيت بهذا الاسم لأن الحجارة كانت أداة الهجوم والدفاع التي استخدمها المقاومون ضد عناصر الجيش الإسرائيلي، كما عُرف الصغار من رماة الحجارة بأطفال الحجارة. والانتفاضة شكل من أشكال الاحتجاج العفوي الشعبي الفلسطيني على الوضع العام المزري بالمخيمات وعلى انتشار البطالة وإهانة الشعور القومي والقمع اليومي الذي تمارسه سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين. انظر: المسيري، عبد الوهاب. الانتفاضة الفلسطينية والأزمة الصهيونية: دراسة في الإدراك والكرامة.  ط1. القاهرة: المطبعة الفنية، 1989م، ص13-20.

[45] المسيري، عبد الوهاب. تاريخ الفكر الصهيوني، ص52-53.

[46] المسيري، عبد الوهاب. “نهاية إسرائيل“. مجلة منبر الشرق، العدد (20) صفر 1428ه، مارس 2007م، القاهرة، المركز العربي للدراسات، ص7.

[47] إسحق رابين (1922-1995م)، عسكري وسياسي صهيوني بارز، ولد في القدس، وتولى عدة مناصب عسكرية ووزارية، آخرها منصب رئيس الوزراء حيث قتل على يد متطرف صهيوني. انظر: الكيالي، عبد الوهاب. موسوعة السياسة، ج2، ص777-778.

[48] حرب يونيو، هي الحرب العربية- الإسرائيلية الثالثة (5-11 يونيو 1967م)، وقد نتج عنها هزيمة مصر وسوريا واستيلاء الكيان الصهيوني على قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان والقدس الشرقية والضفة الغربية من نهر الأردن. انظر: غربال، شفيق (إشراف وتحرير). الموسوعة العربية الميسرة، ج3، ص1342.

[49] المسيري، عبد الوهاب. رحلتي الفكرية: في البذور والجذور والثمر، ص482.

[50] المسيري، عبد الوهاب. الصهيونية وخيوط العنكبوت. ط1. دمشق: دار الفكر، 2006م، ص541-543.

[51] ظهر حديثاً كتاب توثيقي لمنظمة إسرائيلية بعنوان (كسر الصمت)، وفيلم عنوانه (2048)، يعلنان  زوال هذا الكيان المسمى (إسرائيل)، فإسرائيل ستأكل نفسها، وستصبح مجرد عاديات أثرية في متجر رجل فلسطيني يحكي عن تاريخ قديم لم يعرفه أحد، وقد عاد الفلسطينيون إلى أراضيهم وإقامة دولتهم= حسب دورة التاريخ وحتميته. راجع في ذلك عبد الرحيم، محمد. “ما بين (كسر الصمت) و(2048): فضح المؤسسة العسكرية”، جريدة القدس العربي، تاريخ الدخول (1/10/2019م)، على الرابط التالي: http://www.alquds.co.uk/?p=947068

 [52]المسيري، عبد الوهاب. الأكاذيب الصهيونية: من بداية الاستيطان حتى الانتفاضة الفلسطينية، ص5.

[53] تحتاج عملية التفرقة الواضحة في كتابات المسيري بين العرب والمسلمين واستخدامه لمفهوم المقاومة بدلاً من الجهاد جهداً بحثياً مفصلا ًيأمل الباحث القيام  به في المستقبل.

[54] المسيري، عبد الوهاب. من هو اليهودي؟ ومن هم اليهود، ص14.

[55] حرفي، سوزان. حوارات الدكتور عبد الوهاب المسيري: الصهيونية واليهودية، ج3، ص49.

[56] المسيري، عبد الوهاب. الأكاذيب الصهيونية من بداية الاستيطان حتى الانتفاضة الفلسطينية، ص177-179.

[57] المسيري، عبد الوهاب. نهاية إسرائيل، ص81-82.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى