مقالاتمقالات مختارة

الثورة العربية…وفتنة علي عبدالرازق من جديد!

الثورة العربية…وفتنة علي عبدالرازق من جديد!

بقلم أ. سيف الهاجري

قال النبي ﷺ (تنقض عرى الإسلام عروة عروة أولها الحكم)

قال الفاروق عمر رضي الله عنه (سيأتي ناس يجادلونكم بشبهات القرآن فخذوهم بالسننفإن أصحاب السُنن أعلم بكتاب الله)

روج أتباع علي عبدالرازق الجدد اليوم بين الجماعات والتيارات الإسلامية وفي الساحةالسياسية والفكرية خطاب عبدالرازق القديمبمقولة (الإسلام لم يأت بنظام سياسيللحكم) وإنما جاء بمبادئ وقواعد عامة متجاهلين سيرة النبي ﷺ في إقامته للدولة للأمةونظامها السياسي (الخلافة) القائم على مرجعية الشريعة وسيادة الأمة.

لقد عطل هؤلاء الدعاة الجدد بخطابهم هذا السنة وأحكامها والتي لا يمكن فهم النظامالسياسي في الإسلام أصولا وممارسة إلا بها والتي بينها النبي ﷺ وأصحابه رضي الله عنهممع إقامتهم للدولة في العهد النبوي وعهد الخلافة الراشدة ففيهما التطبيق العملي للنظامالسياسي في الإسلام وهو ما تجاوزه هؤلاء بالرغم من حقائقه التاريخية في تطبيقهكنموذج للحكم بكل تفاصيله الشرعية والعملية لا كما يزعمون إنما هو مبادئ وقواعد عامة.

وزاد أصحاب هذا الخطاب الباطل بأن جعلوه منطلقا شرعيا للقبول بالديمقراطية الغربية التينبتت في أروقة الفلاسفة اليونان وترعرعت في قصورالرومان، ليروجوا لهذا الخطاب كدليلشرعي ومطلب ثوري.

فلماذا هذا الترويج والتأصيل لهذا الخطاب بأن (الإسلام لم يأت بنظام سياسي للحكم)والترويج للديموقراطية الغربية في ظل الثورة وسعي الأمة لعودة حكم الإسلام والتحرر منكل أشكال التبعية والهيمنة الصليبية؟

إن هذا الخطاب والدعوة له لم تأت من فراغ ولم يبرز ولم يروج له إلا عندما واجهت التياراتوالجماعات الإسلامية أزمة سياسية وفكرية بعد قيام الثورة العربية التي أحدثت هزة فيفكرها التقليدي وترتيباتها وتفاهماتها السياسية منذ عقود مع النظام الدولي والنظام العربيكما في المغرب والجزائر والعراق ومصر واليمن والأردن والخليج وغيرها، لتجد هذه الجماعاتنفسها بين تفاهمها التاريخي والتزامها السياسي مع النظام الدولي والنظام العربيوشعوب الأمة التي ثارت على هذه المنظومة الاستعمارية والاستبدادية.

ولهذا سارع أتباع علي عبدالرازق الجدد ببعث هذه الخطاب القديم لإنقاذ جماعاتهم وتياراتهممن السقوط الفكري والسياسي أمام ثورة الربيع العربي بمحاولة إعادة التأهيل الفكريوالسياسي لهذا الجماعات والتيارات أمام شعوب الأمة وأمام أتباعها وفي نفس الوقتتحافظ على تفاهمها السياسي مع النظام الدولي والنظام العربي لتصبح بعد ذلك مشاركةهذه الجماعات والتيارات في الحلول السياسية التي طرحتها القوى الدولية باسمالديمقراطية في ساحات الثورة مقبولة وشرعية كما كانت قبل الثورة.

إن طبيعة النظام السياسي والحكم من أخطر القضايا التي تمس حياة الأمة ووجودها ولايتصور أن ينزل التشريع في أبسط المسائل وتترك طبيعة النظام السياسي والحكم الخطيرةخاضعة للأهواء والتجاذب السياسي وللتنظير الإنساني ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُعَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾.

إن هذا الخطاب السياسي لهؤلاء الدعاة الجدد والقول بأن (الإسلام لم يأت بنظام سياسيللحكم) ليس جديدا على الساحة العلمية والسياسية بل سبق لكبيرهم علي عبدالرازق أنطرحه ونظر له في كتابه “الإسلام وأصول الحكم” فقال فيه (وضمنه جملة ما اهتديت إليهشأن الخلافة ونظرية الحكم في الإسلام) ص4 وقرر في كتابه بالتأكيد على أنه (ليس القرآنوحده هو الذي أهمل تلك الخلافة ولم يتصدى لها بل السنة كالقرآن أيضًا قد تركتها ولمتتعرض لها)ص27 وانتقد العلماء العرب بإهــمالهم النـظر فـي كـتب الفـلاسفـة الـيونـان فقال(ما لهم أهملوا النظر في كتاب الجمهورية لأفلاطون Republicوكتاب السياسة politcisلأرسطو، وما لهم رضوا أن يتركوا المسلمين في جهالة مطبقة بمبادئ السياسة وأنواعالحكومات عند اليونان)ص36 وبل وذهب علي عبدالرازق إلى أبعد من ذلك بالقول بأنه (ليسبنا من حاجة إلى تلك الخلافة لأمور ديننا ولا لأمور دنيانا، ولو شئنا لقلنا أكثر من ذلك، فإنماكانت الخلافة ولم تزل نكبة على الإسلام وعلى المسلمين، وينبوع شر وفساد)ص50-51 وهوما سار عليه أتباع علي عبدالرازق الجدد برفضهم للخلافة كنظام سياسي للحكم شرعه اللهورسوله ودعوتهم لجعل الديمقراطية اليونانية الغربية وعلومها السياسية مرجعية للأمة فيالحكم والسياسة.

لقد واجه حينها خطاب علي عبدالرازق هيئة كبار العلماء برئاسة شيخ الأزهر محمد ابيالفضل وحضور أربعة وعشرين عالما منهم الشيخ محمد شاكر والشيخ محمد بخيتالمطيعي رحمهم الله وقررت ثبوت التهم الموجهة له وشطب اسمه من سجلات الأزهر “انظرتفاصيل حكم هيئة كبار العلماء في كتاب الاسلام وأصول الحكم 12 أغسطس 1925م فيمجلة المنار ج5 م26 ص363-382″.

وقد أكد الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله من أن ما يطرحه علي عبدالرازق هو (ردة صريحةلأنه نفى للدين من شطر الشريعة وهو الأحكام السياسية والقضائية وتعطيل له كما أشيرإليه في حكم هيئة كبار العلماء) “المنار ج5 م26 ص380″ وقال أيضا (آرائه اشتملت الطعنفي القرآن وفي النبي ﷺ وإهانة للمسلمين وللإسلام، أي ردة وخروجا من الملة)“المنار ج5م26 ص386″ وأورد رحمه الله آراء بعض العلماء في (اشتمال كتاب علي عبدالرازق علىالكفر الإلحاد وكتب بعضهم مقالات صرحوا فيها بالتكفير والردة كالشيخ محمد شاكر والشيخيوسف الدجوي) “المنار ج5 م26 ص393″ وهذا ما حكم به علماء عصره على علي عبدالرازقوخطابه الباطل.

إن ما طرحه علي عبدالرازق في كتابه له دوافعه السياسية آنذاك عام 1924م فقد جاءخطابه في أخطر مرحلة مرت بها الأمة في تلك الفترة بعد سقوط الخلافة واحتلال بريطانياوفرنسا للعالمين العربي والإسلامي، ففي نفس السنة التي صدر فيه كتاب عبدالرازق تمإلغاء الخلافة من قبل نظام أتاتورك تنفيذا لشروط كرزون وزير خارجية بريطانيا من إلغاءالخلافة وإقصاء الشريعة “انظر مذكرات محمد أمين الحسيني ص212″ ووصف الشيخ رشيدرضا فرح تركيا العلمانية بكتاب عبدالرازق (فرح به ملاحدة الترك وقرظوه وأثنوا على مؤلفهبل وترجموه للتركية ونشروه في جرائدهم الإلحادية لأنه جاء معززا لرفضه الشريعةالاسلامية والخلافة الصورية وتأسيسهم حكومة لا دينية) “المنار ج9 م29 ص717-718″، وفينفس المرحلة تلك واجهت الاستعمار الصليبي ثورات كبرى في العراق وسوريا وليبيا ومصرودعوات من العلماء والقادة لعودة الخلافة وإقامتها من جديد لذا واجه الاستعمار وخاصةالبريطاني هذه الثورات والدعوات بالحملات العسكرية والفكرية كخطاب علي عبد الرازق.

ومن هنا تتشابه منطلقات خطاب أتباع علي عبد الرازق الجدد مع خطابهم كبيرهم فيدوافعه السياسية وفي رعاتها، فخطاب عبدالرازق رعته بريطانيا في مصر وروجت له (كانالشيخ علي عبدالرازق مغرورا بأنصاره من الافرنج والمتفرنجين والملاحدة اللادينيين)“المنارج5 م26 ص383″.

وكذلك خطاب أتباع عبدالرزاق الجدد بأن (الإسلام لم يأت بنظام سياسي للحكم) رعاهالنظام الدولي لمواجهة الثورة بخطاب سياسي باسم الإسلام ليقطع الطريق على تحررالأمة من الهيمنة الاستعمارية وعودة خلافتها كما فعل مع ثورات الشعوب من قبل في بدايةالقرن العشرين.

إن ما لم يدركه هؤلاء الدعاة الجدد ورعاتهم أن خطابهم هذا جاء في ظروف تختلف تماما عنالظروف التي طرح فيها عبدالرازق خطابه والذي جاء بعد هزيمة الأمة مباشرة في الحربالعالمية الأولى وسقوط خلافتها عسكريا قبل سقوطها سياسيا، في حين أن خطاب هؤلاءالدعاة الجدد جاء بعد نهوض شعوب الأمة بالثورة في العالم العربي والنهضة والتحرر فيتركيا.

﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَاأَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾

(المصدر: موقع أ. سيف الهاجري)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى