
سقوط بعض التّيّارات الإسلاميّة في اختبار الانحياز لقضايا الأمّة:
قراءة في الأسباب والمآلات
بقلم د. عبدالسلام أحمد أبو سمحة وابن جميل( خاص بالمنتدى)
في زمن الحرب الكاشفة الفاضحة، الّتي أماطت اللّثام عن كثير من الأقنعة، وسَطّرت ملحمة جديدة من ملاحم البطولة، والمقاومة الفلسطينيّة؛ برز سؤال ملحّ: أين التّيّارات الإسلاميّة الكبرى من هذا الطّوفان؟
ولماذا سقط أكثرها في اختبار الانحياز لقضايا الأمّة، لا سيّما قضيّة فلسطين؟
هذا المقال، قراءة تحليليّة في موقف بعض التّيّارات الإسلاميّة (السّلفيّة بأنواعها، والأشعريّة والصّوفيّة)، وتفسير ما بدا من إرجاف، وتخذيل، أو صمت مخزٍ، بعيدًا عن التّعميم، أو التّخوين، وسعيًا لفهم المشهد، وتقديم رؤية إصلاحيّة.
أوّلًا: التّيّارات السّلفيّة ومواقفها المتباينة
رغم أنّ التّيّار السّلفيّ يُحسب –تاريخيًّا– على أنّه تيّار نصرة، وتمسّك بالأصول، إلّا أنّ تفريعاته المعاصرة، أبرزت تناقضات مؤلمة، ومن أبرزها:
1- المداخلة (الجاميّة):
يتبنّون طاعة مطلقة للحاكم، ولو كان ظالمـًا متخاذلًا، ويرون الخروج عليه –ولو بالكلمة– من الفتن المهلكة.
عُرفوا بمهاجمة المقاومة، واعتبارها خروجًا على السّلطان، وتسبّبًا في سفك الدّماء.
يُرجَّح أنّ جزءًا من خطابهم تحرّكه أجندات أمنيّة، وتوظيف مباشر، أو غير مباشر.
2- الحداديّة وبعض المتشدّدين:
ورثوا عن الحدّاد طابع التّبديع والتّضليل، حتّى صار جلّ خطابهم طعنًا في المجاهدين والدّعاة؛ بحجّة الحفاظ على المنهج.
3- السّلفيّة العلميّة والتّقليديّة:
كثير منهم آثر الصّمت، وانشغل بالخطب الفقهيّة، والتّنظير المجرّد، دون الانخراط في قضايا الأمّة.
سبب ذلك: غياب فقه الواقع، والخوف من التّصنيف السّياسيّ.
4- السّلفيّة الجهاديّة:
رغم أنّها تُحسب على المقاومة، إلّا أنّ بعض رموزها، فرحوا بما جرى في سوريّا من مآسٍ، أو اعتزلوا ما لم يخرج من تحت عباءتهم.
تحليل الأسباب:
- تحجّر فقهيّ، ونقص في فقه المآلات.
- غلبة خطاب الطّاعة على حساب فقه المقاومة.
- اختراقات أمنيّة، وتوظيف سياسيّ لبعض الرّموز.
- انشغال داخليّ بالخلافات والصّراعات الجانبيّة.
شواهد علميّة داعمة:
- قال الإمام ابن تيمية -رحمه الله-: «إذا تواطأ قوم على ظلم؛ وجب على كلّ أحد دفع ظلمهم بحسب الإمكان». (مجموع الفتاوى، ج28).
- وقال الإمام الشّاطبيّ -رحمه الله-: «السّكوت في موضع وجب فيه البيان؛ يُعَدُّ كتمانًا للحقّ». (الموافقات، ج4).
- وفي تفسير الإمام الطّبريّ -رحمه الله- لقوله تعالى: {فَمَا لَكُمۡ فِي ٱلۡمُنَٰفِقِينَ فِئَتَيۡنِ وَٱللَّهُ أَرۡكَسَهُم بِمَا كَسَبُوٓاْ}[سورة النّساء: 88]، أشار إلى أنّ من لم يقف مع المؤمنين في موضع النّصرة، فهو على خطر النّفاق.
- وقال عبد الله بن المبارك -رحمه الله-: «من ترك الجهاد؛ فقد نزع ربقة الإسلام من عنقه».
ثانيًا: التّيّار الأشعريّ والصّوفيّ وصمت القبور
يُفترض أن يكون التّيّار الصّوفيّ –بروحه الإيمانيّة– من أقرب النّاس إلى قضايا الأمّة؛ لكنّ الواقع خالف ذلك:
1- الصّمت التّامّ:
قلّة نادرة من الصّوفيّة والأشاعرة علّقت على ما يحدث، في حين خيّم الصّمت على الغالبيّة.
2- التّفسير المحتمل لهذا الصّمت:
- استراتيجيّة؛ لتفادي الاستهداف الأمنيّ والإعلاميّ.
- حفاظ على المكتسبات بعد سنوات من الاعتراف بهم كـ”إسلام معتدل”.
- رؤية انعزاليّة تفصل بين “الرّوحانيّة” و”السّياسة”.
- عدم اهتمام حقيقيّ بالشّأن العامّ، نتيجة تراكم تاريخيّ من الابتعاد عن ساحات التّغيير.
مفارقة لافتة:
رغم أنّ الفريق الأوّل (المـُرجف) أساء بالكلام، والفريق الثّاني أساء بالصّمت، إلّا أنّ الفريق الثّاني بدا أذكى –إعلاميًّا– لأنّه لم يحرق نفسه، وإن كانت النّتيجة واحدة: السّقوط في واجب النّصرة.
ملحوظات تحليليّة من واقع الفكر المعاصر:
تحدّث الأستاذ مالك بن نبيّ -رحمه الله- عن “القابليّة للاستعمار”، بوصفها نتيجة لغياب الوعي التّاريخيّ والرّساليّ.
أشار الشّيخ محمّد الغزاليّ -رحمه الله- إلى أنّ بعض الدّعاة انشغلوا بالقشور الفقهيّة، وتركوا همّ الأمة الأصيل، كما في كتابه جدّد حياتك.
خاتمة:
لقد كشفت الحرب، أنّ هذه التّيّارات لم تُعدّ؛ لا نفسيًّا، ولا معرفيًّا، ولا تربويًّا لخوض معارك الأمّة المصيريّة، وأنّها انشغلت بمعارك داخليّة طاحنة عن معارك التّحرير والبناء.
والمطلوب اليوم:
- مراجعة منهجيّة شجاعة داخل هذه التّيّارات.
- إعادة الاعتبار لفقه المقاومة والنّصرة.
- استدعاء فقه السّنن الكونيّة، والوعي بالواقع.
- إعادة الرّبط بين العقيدة والحركة، بين الزّهد والجهاد، بين العبادة والتّحرير.
وختامًا:
من لم يستطع أن ينصر، فلا يكن خنجرًا في ظهر من نصر.. ومن لم يُرد أن يكون في خندق الأمّة، فلا يكن في خندق عدوّها.
وما النّصر إلّا من عند الله.
التيارات الإسلامية والانحياز لقضايا الأمة
إقرأ أيضا:ضريبة الكرامة والطهارة..!!