اسم الكتاب: التنمية المستدامة في المجتمع الإسلامي.
اسم المؤلف: د. نهاد إبراهيم باشا.
عدد الصفحات: 224 صفحة.
الناشر: إصدار خاص – بيروت – لبنان.
نبذة عن الكتاب:
صدر في بيروت بلبنان كتاب تحت عنوان التنمية المستدامة في المجتمع الإسلامي للدكتور نهاد إبراهيم باشا، والكتاب يحاول الإجابة عن كثير من الأسئلة التي يطرحها الكثير من المسلمين، عن إلقاء تبعة تدهور أوضاعهم على الغرب، والاستعمار، والصهيونية، بينما يرى كثير من المستشرقين وبعض من جاراهم من المسلمين أن السبب الرئيس في تخلف المسلمين، يعود إلى الدين الإسلامي وشموله مختلف نواحي الحياة.
يأتي الكتاب ردًا على هؤلاء الذين يحاولون الاستدلال على تخلف الدين الإسلامي بما أصاب أهله من تأخر وانحطاط. ويبين طبيعة التنمية المستدامة في المجتمع الإسلامي والمنهج الدافع لهذه التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مع إعلان التمسك بالقيم الإسلامية الأصيلة الثابتة في عالم يواجه تحديات محدودة، تهدد كيانه ومستقبله، مع انتشار النمط الاستهلاكي لسلوك الإنسان، ودافعه للعدوان والتسلط والاستئثار بخيرات البيئة والكون كوحدة متكاملة للجميع.
لقد أرسى الإسلام قيمًا معينة وأينما وجدت هذه القيم وجد الإسلام فقد أوصل الإسلام العرب إلى أوج نموهم عندما أخذوا بهذه القيم. كما أن الغرب أخذ بها في فترة ازدهاره فكانت سببًا في تطوره ونموه. وعندما أهمل المسلمون هذه القيم، في مرحلة تاريخهم، كان إهمالهم لها سببًا في تأخرهم.
ما هو حال العالم الإسلامي اليوم؟ أغلب الظن أنه في انحدار مستمر نتيجة تخلف في الوضع الاقتصادي في معظم البلدان الإسلامية، حيث لا يتجاوز دخل الفرد 1000 دولار في السنة، بينما يتجاوز 35000 دولار في عدد من البلدان الصناعية.
من المسئول عن هذا الوضع؟ وإذا كان الإسلام هو العقبة أمام الحرية والعلم والتطور والحداثة، كيف سنفسر أن العالم الأوروبي كان رائدًا في الميادين الثلاثة يوم كان أكثر تمسكًا بتعاليم الإسلام.
هل السبب في تطور الغرب وازدهاره هو إبعاد الدين عن الدولة وفصل الكنيسة عن الدولة على عكس شمول الإسلام مختلف نواحي الحياة؟ هل كان للدول الأجنبية وتدخلها في أمور البلدان الإسلامية الأثر السلبي الذي فتح المجال للتدخل في شؤون تلك البلدان الداخلية؟
وهل طريقة تعاطي الإسلام مع المرأة عطل عمل نصف الطاقة البشرية في المجتمع الإسلامي، وشل إمكانات التربية المستدامة ومجالاتها الإنتاجية؟
وهل السؤال الحقيقي هو ليس من فعل الإسلام المتشدد بالمسلمين، بل هو ما فعل المسلمون بالإسلام؟
كل هذه التساؤلات وغيرها يحاول الكتاب الإجابة عنها أو محاولة توضيح من المسئول.
فصول الكتاب الأربعة
جاء الكتاب في أربعة فصول:
الفصل الأول: “الإسلام والتنمية المستدامة”، ويتناول معالم التنمية المستدامة، وأسباب النمو الاقتصادي ونظرية ماكس ثيبر، وتفوق المجتمعات البروتستنتية، والمجتمع التقليدي والتكنولوجي، والقراءة والكتابة، التوفير والاستثمار والنظرة إلى المرأة، ومعالم النظام الاقتصادي من الإسلام وأركان العبادة الإسلامية والنمو الاقتصادي.
الفصل الثاني: “المعرفة والعلم والتنمية المستدامة” وفي موضوعاته العلم والتكنولوجيا القديمة، العلم والتكنولوجيا الحديثة، البحث الأساسي، والبحث التطبيقي، والتربية والتعليم في البلدان الإسلامية.
الفصل الثالث: “الآثار السلبية للتنمية الاقتصادية”.
ـ تضخم الحجم.
ـ زيادة السكان.
ـ الإجهاض، التعقيم، البيئة، تلويث الحياة، الهجرة من الريف.
الفصل الرابع: “التنمية المستدامة والعادة والإسلام” وفي ختام المحاولات الإصلاحية والإسلام ومشاكل العالم المعاصر.
إطلالة على الكتاب
يتساءل المؤلف مع هنري بيرين عما إذا كانت الذهنية التي يسميها ماكس ثيبر مثلاً بروتستنتية، ليس سوى أفكار تتمثل فيها ذهنية رجال العمال الجدد الذين أفرزتهم الثورة الصناعية الحديثة، والذين حلوا مكان الرجال التقليديين، أو بتعبير آخر أن ما يسمى بالذهنية البروتستنتية إنما هو تكييف الذهنية القديمة التي تخطى مفاهيمها الزمن مع الضرورات الاقتصادية الجديدة، وهذه الأفكار الجديدة بالذات هي التي مهدت الطريق للنمو الاقتصادي.
بمعنى آخر هو القبول بأن هناك تفاعلاً ذا اتجاهين بين الإصلاحات الدينية من جهة والتغيرات الاقتصادية من جهة أخرى، بحيث لا يبدو طبيعيًا أن نعتقد أن الإصلاحات الدينية هي وحدها أوجدت الروح الرأسمالية، كما أنه ليس صحيحًا أن نعتبر أن هذه الإصلاحات الدينية جاءت نتيجة للتغيرات الاقتصادية .
هذا يعني أن الديانة البروتستنتية رسمت لها تعاميم ومفاهيم ساعدت على النمو الاقتصادي. وكما لاحظ ماكس فيبر أن الإحصاءات المهنية في بلدان أوروبا الغربية تشير بتكرار عجيب؛ مفاده أن رجال الأعمال، وأصحاب رؤوس الأموال، وحاملي المهارات العلمية العالمية، والمدراء والفنيين والإداريين في المؤسسات العصرية ينتمون بغالبية ساحقة إلى الطائفة البروتستنتية، وكان اليكسي دو توكفيل في كتابه الشهير “الديمقراطية في أمريكا” من الذين لاحظوا ذلك.كما أن الكاتب الفرنسي آلان بيرنيت في كتابه “الداء الفرنسي” استعرض مطولاً كيف تخلفت في مطلع القرن التاسع عشر بلدان كاثوليكية كالبرتغال وأسبانيا وإيطاليا وفرنسا، بينما انطلقت في الميدان الاقتصادي البلدان البروتستنتية كهولندا وألمانيا وانجلترا والولايات المتحدة الأمريكية.
بينما يقدم المجتمع التقليدي على تمسك أفراده بالجمود ورفض التغيير، يتميز المجتمع التكنولوجي بسعي أفراده إلى الاستحداث والتجديد. فالفرد في المجتمع التكنولوجي يعمل باستمرار على تنظيم ما حوله حسب علاقات ترتكز على مفاهيم فكرية أو قيمية جديدة تخدم أهدافه بشكل أفضل من العلاقات السابقة. ذلك أنه ينظر إلى العالم الخارجي نظرة عقلانية، وإيمان بأن الأشياء التي تحيط به، تخضع لقوانين ثابتة يمكن إذا ما استنبطها وطبقها، التحكم بها وتسخيرها لحاجاته ورغباته، والسبيل إلى ذلك تقدم المعرفة وتطبيقها في ميدان الإنتاج.
بالمقابل يرى المؤلف أن الإسلام أحدث حركة اقتصادية ضخمة إذ انتقل بالمجتمع الإسلامي الواقع في الرق والرعي إلى الزراعة والتجارة والصناعة على مستوى دولي وكان له تشريعاته الاقتصادية والاجتماعية. فلا نظام فيه للطبقات كالذي عرفته أوروبا، وإنما هو مجتمع مفتوح يستطيع كل فرد فيه بوسيلة أو أخرى، أن يرتفع إلى القمة أو إلى الحضيض.
إذن الفرق هو في الإنجاز أو حافز النجاح كما يصفه دافيد ماكلسليت بحيث يستخلص إمكان تنمية مجتمع ما اقتصاديًا على طريقة حاجة الانجاز لدى أفراده، ما يساعد على النمو الاقتصادي وهي صفات الفرد العصري الصناعي الحديث إذا ما قورن بالرجل التقليدي، النموذج السائد في المجتمعات النامية.
صفات الرجل العصري
من تلك الصفات: الإيمان والعقل، والتعلم، تحسين الوضع المادي، الميل إلى التوفير والاستثمار، الثقة بالغير، الاستعداد للتعاون والتعاضد، النظرة الحديثة إلى المرأة، التحرر من سلطة الأبوة، عامل الوقت.
ويرى الكاتب أن هذه الصفات ليست غريبة عن معالم النظام الاقتصادي من الإسلام من توصيف علماء الاجتماع المعاصرين: فالإسلام ليس مجرد عقيدة، تهذيب للروح وتربية على الفضائل، بل هو إلى جانب ذلك نظام اقتصادي عادل ونظام اجتماعي متوازن وتشريع مدني وتشريع جنائي، وهو إلى ذلك عبادة ومعاملة .
ولا بد من الإيضاح أكثر أن ليس في الإسلام نظام اقتصادي معين، بل هناك مبادئ أساسية موجهة يجب أن يتقيد بها أي نظام اقتصادي إسلامي، مما يعني تصور أنظمة اقتصادية إسلامية مختلفة تختلف من مجتمع إلى آخر ومن زمن إلى آخر.. “ومن الخراج بغير عمارة أخرب البلاد واهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلاً”.
التراث مزيج سلبي وإيجابي
كما يرى الكاتب مع قسطنطين زريق أن أي تراث يتضمن العالم والناس الذي يجب أن يزول. أنه مزيج من العناصر الإيجابية والسلبية، ومن التراث العربي الإسلامي إنجاز رائع ومع سيادة العلم والفكر والعقلية الصحيحة ليست معادية للتراث، وليست هي الدفع لكل جديد لأنه جديد بل لقيمه وجدواه، ولا مجال لأي مجتمع أن ينمو، ويتطور حضاريًا، إذا التزم بأفكار ثابتة لا يجوز تغييرها أو تحويرها أو انتقادها .
بالتأكيد ينبغي الأخذ بتحولات مهمة سياسية واقتصادية واجتماعية، منها سرعة التغيير وتضخم الحجم في عدد سكان العالم، ويعتقد أن نسبة السكان في العقدين القادمين تراوح في البلدان الإسلامية بين 2 أو 3% ما يساوي تسعة عشر ضعف العدد الأساسي خلال قرن (دراسات حديثة تشير إلى العكس إلى تدني الخصوبة في البلدان الإسلامية..).
في اعتراضات لأسباب اقتصادية واجتماعية وتعليمية وصحية وللهجرة والتغريب، ومن انفراط العائلة الموسعة إلى محاولات تنظيم الأسرة وغيرها.
ويستخلص الكتاب أن ما يمكن اقتباسه من قبل المجتمعات العربية الإسلامية، من الغرب هو الحضارة التكنولوجية بتفكيرها العقلاني وأسلوبها العلمي، للوصول بالمجتمعات العربية الإسلامية إلى المستوى المطلوب وهذا يعني التخلي عن الشخصية التقليدية واكتساب الشخصية العصرية.
كما أنه من المهم استيراد أغراض الإنتاج، ونقل التكنولوجيا الغربية والعمل بدينامية على ذلك في إطار منظمة التجارة العالمية، باعتبارها مِلك الإنسانية جمعاء، ومن العبث العمل في متاهات إعادة اكتشافها لأن ذلك يستلزم ثلاثمائة إلى أربعمائة سنة استغرقتها الحداثة الغربية، ولا يمكن تحقيق هذه الحداثة الإسلامية في فترة خمسين سنة فقط، مع كل التحديات التي يواجهها الإسلام اليوم في مختلف نواحي نشاطاته.
وفي نهاية الكتاب يميز المؤلف بين السعادة وزيادة الدخل (تيبور سيتوفسكي) وإذا لم يكن للسعادة علاقة بالدخل! إذن لماذا يتهافت الناس على الكسب ويتسابقون لتجميع الثروة وامتلاك السلع؟ لكن ماذا يفعل الإنسان أيضًا عندما يشبع جميع حاجاته الإنسانية؟ لا شيء؟
المزيد من السلع يعني القلق والتوتر وعدم الراحة والرفاهية، أي عدم الشعور باللذة أو اللذة السريعة ذلك أن طاقة الإنسان الجسمانية محدودة كما هي طاقة الأرض على الاستغلال محدودة، أمام هذا التوسع الاستهلاكي، كظاهرة مرضية (اريك فروم)، فهذا النظام الصناعي الرأسمالي والاشتراكي المتمثل بالمجتمع الاستهلاكي، والقائم على النمو المستمر يحمل في طياته بذور انهياره، وإلى معاناة نظام السوق مما قد يؤدي إلى تدمير ذاتي.
إذن ما يحاول أن يقوله الكاتب هو العودة إلى القيم الروحية مع الاحتفاظ بكل المكتسبات العلمية والتكنولوجية الحديثة في محاولات إصلاحية، مما يتفق وجوهر الإسلام ومنها التحذير من أخطار طغيان المادة.
ومما يذكر أن المؤلف نهاد إبراهيم باشا مجاز في الحقوق ويحمل دكتوراه في الاقتصاد والعلوم المائية من جامعة كولومبيا في نيويورك، أستاذ محاضر في الجامعة الأمريكية في بيروت، وعضو الندوة البرلمانية السورية، ووزير الاقتصاد والتخطيط، وممثل جزر القمر الدائم في منظمة اليونيسكو في باريس.
المصدر: الاسلام اليوم.