التكوير على التحرير والتنوير (8)
الشيخ محمد خير رمضان يوسف
(خاص بمنتدى العلماء)
الجزء الثامن
(تكملة سورة الأنعام)
112- {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ}.
أي: وذلك كلُّهُ بقدرِ الله وقضائه، وإرادتهِ ومشيئته، أن يكونَ لكلِّ نبيٍّ عدوٌّ من هؤلاء. (ابن كثير).
118- {إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِين}.
بأحكامهِ وأوامره. (ابن عطية).
119- {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}.
ذكرَ أنه تقدَّمَ بيانهُ في سورةِ المائدة، وهو في الآيةِ الثالثةِ منها: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيم}. ومما قالَهُ هناك: الاضطرار: الوقوعُ في الضرورة، وفعلهُ غلبَ عليه البناءُ للمجهول.
ثم قال: المعنى أنّه اضطرَّ غيرَ مائلٍ إلى الحرام، من أخذِ أموالِ الناس، أو من مخالفةِ الدين. وهذه حالٌ قُصِدَ بها ضبطُ حالةِ الاضطرارِ في الإقدامِ والإحجام، فلا يُقدِمُ على أكلِ المحرّماتِ إذا كان رائماً بذلك تناولها مع ضعفِ الاحتياج، ولا يَحجمُ عن تناولها إذا خشيَ أن يتناولَ ما في أيدي الناسِ بالغصبِ والسرقة…
120- {إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ}.
قالَ مؤلفُ الأصل: تقدَّمَ الكلامُ عليه عند قولهِ تعالى: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} من سورةِ البقرة [الآية 219]، وقد ذكرَ هناك أن الإثمَ بمعنى الذنب.
124- {سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ}.
يَكيدون للإسلامِ وأهلهِ بالجدالِ بالباطلِ والزخرفِ مِن القولِ غرورًا لأهلِ دينِ اللهِ وطاعته. (الطبري).
135- {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}.
إنه لا ينجحُ ولا يفوزُ بحاجتهِ عند اللهِ مَن عملَ بخلافِ ما أمرَهُ اللهُ به من العملِ في الدنيا, وذلك معنَى ظلمِ الظالمِ في هذا الموضع. (الطبري).
136- {وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا}.
ذكرَ في الآيةِ (142) من هذه السورة، أنها الإبلُ والبقرُ والشاءُ والمعز.
وقالَ عند تفسيرِ الآيةِ التي بعدها: الضأن: اسمُ جمعٍ للغنم، لا واحدَ له من لفظه، ومفردُ الضأنِ شاة، وجمعها شاء.
137- {فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُون}.
يختلقون من الكذب. (البغوي).
138- {وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ}.
ذكرَ في الآيةِ (142) من هذه السورة، أنها الإبلُ والبقرُ والشاءُ والمعز.
142- {وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِين}.
ذكرَ تقدُّمَهُ في الآيةِ (168) من سورةِ البقرة، وملخصُ قولهِ هناك: اتباعُ الخطواتِ تمثيلية، أصلها أن السائرَ إذا رأى آثارَ خطواتِ السائرين تبعَ ذلك المسلكَ علماً منه بأنه ما سارَ فيه السائرُ قبلهُ إلا لأنه موصلٌ للمطلوب… وشاعتْ هاتهِ التمثيليةُ حتى صاروا يقولون: هو يتبعُ خُطا فلان، بمعنى يقتدي به ويمتثلُ له، والإتباعُ يساوي السكونَ في الخفَّةِ على اللسان، والاقتداءُ بالشيطان: إرسالُ النفسِ على العملِ بما يوسوسهُ لها من الخواطرِ الشرِّية.
وقوله: {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِين}: العداوةُ بين الشيطانِ والناسِ معلومةٌ متقررةٌ عند المؤمنين والمشركين، وإنما كان عدوًّا لأن عنصرَ خلقتهِ مخالفٌ لعنصرِ خلقةِ الإنسان، فاتصالهُ بالإنسانِ يؤثرُ خلافَ ما يلائمه، وقد كثرَ في القرآنِ تمثيلُ الشيطانِ في صورةِ العدوِّ المتربِّصِ بنا الدوائرَ لإثارةِ داعيةِ مخالفتهِ في نفوسنا، كي لا نغترَّ حين نجدُ الخواطرَ الشريرةَ في أنفسنا فنظنَّها ما نشأتْ فينا إلا وهي نافعةٌ لنا لأنها تولَّدتْ من نفوسنا. ومعنى المبين: الظاهرُ العداوة، من أبان، الذي هو بمعنى بان، وليس من أبان، الذي همزتهُ للتعدية، بمعنى أظهر؛ لأن الشيطانَ لا يُظهِرُ لنا العداوة، بل يلبسُ لنا وسوستَهُ في لباسِ النصيحة، أو جلبِ الملائم.
144- {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ}.
{افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا}: ذكرَ عند تفسيرِ الآيةِ (94) من سورةِ آلِ عمران، أن الافتراءَ هو الكذب، وهو مرادفُ الاختلاق، وكأن أصلَهُ كنايةٌ عن الكذبِ وتلميح، وشاعَ ذلك حتى صارَ مرادفًا للكذب.
{بِغَيْرِ عِلْمٍ} ذكرَ أنه تقدَّمَ القولُ في نظيرهِ آنفًا، ويعني الآيةَ (140) من السورة: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}. قالَ هناك: فعلوا ذلك ظنًّا منهم أنَّهم أصابوا فيما فعلوا، وأنَّهم علموا كيف يَرأبُون ما في العالم من المفاسد، وينظمون حياتهم أحسنَ نظام، وهم في ذلك مغرورون بأنفسهم، وجاهلون بأنَّهم يجهلون. اهـ.
وقالَ الشوكاني: أي: لأجلِ أن يُضِلَّ الناسَ بجهل. (فتح القدير).
145- {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
فسَّرَهُ في الآيةِ (173) من سورةِ البقرة، وملخصه: {أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} أي: ما أُعلِنَ به، أو نُوديَ عليه بغيرِ اسمِ الله تعالى، وهو مأخوذٌ من (أهلَّ) إذا رفعَ صوتَهُ بالكلام، ومثله (استهلَّ).
{غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ}: البغي: الظلم، والعدوان: المحاربةُ والقتال، ومجيءُ هذه الحالِ هنا للتنويهِ بشأنِ المضطرِّ في حالِ إباحةِ هاتهِ المحرَّماتِ له، بأنه بأكلِها يكونُ غيرَ باغٍ ولا عاد، لأن الضرورةَ تُلجىءُ إلى البغي والاعتداء… فالجائعُ يأكلُ من هاتهِ المحرماتِ إن لم يجدْ غيرها أكلاً يُغنيهِ عن الجوع..
146- {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ}.
أي: بظلمهم، من قتلهم الأنبياء، وصدِّهم عن سبيلِ الله، وأخذهم الربا، واستحلالِ أموالِ الناسِ بالباطل. (البغوي).
148- {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا}.
ذكرَ أنه تقدَّمَ في سورةِ البقرة، وقد بيَّنَ هناك (الآية 177) أن الكلمةَ في الآيةِ تعني الحرب، وقالَ أيضًا: البأسُ: النكايةُ والشدةُ في الحربِ ونحوها، كالخصومة: {قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ} [سورة النمل: 33] {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} [سورة الحشر: 14]. والشرُّ أيضاً بأس.
150- {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}.
{بِآَيَاتِنَا}: بوحي الله وتنزيله، في تحريمِ ما حرَّم، وتحليلِ ما أحلَّ لهم. (الطبري).
{بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}. ذكرَ أنه تقدَّمَ في أولِ هذه السورة، ومما قالَهُ هناك: معنى {يَعْدِلُونَ}: يُسَوُّون. والعدل: التسوية… أي: يعدلون بربِّهم غيرَه، وقد علمَ كلُّ فريقٍ ماذا عدلَ بالله. والمراد: يعدلونَهُ بالله في الإلهيَّة، وإن كان بعضُهم يعترفُ بأنَّ الله أعظم.
155- {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}
فسَّرَ بعضَ الكلمات.. وتفسيرها: هذا القرآنُ أنزلناهُ على النبيِّ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، هو كتابٌ نافعٌ جليلٌ عظيمُ الشَّأن، فيه مِن الشَّرائعِ والأحكامِ ما يَضمنُ لكمُ الأمنَ والسعادةَ في الحياةِ الدُّنيا وفي الآخرة، فاعمَلوا به، واتَّقوا نواهيه؛ لتُرحَموا وتَفوزوا. (الواضح).
157- {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آَيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ}.
أي: القرآن. (روح البيان).
161- {مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
ذكرَ أنه تقدَّمَ في آيةِ سورةِ البقرة (الآية 135)، قال: هو احتراس؛ لئلّا يغترَّ المشركون بقوله: {بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} أي: لا نكونُ هوداً ولا نصارى، فيتوهَّمُ المشركون أنه لم يبقَ من الأديانِ إلا ما هم عليه؛ لأنهم يزعمون أنهم على ملَّةِ إبراهيم، وإلا فليس ذلك من المدحِ له بعد ما تقدَّمَ من فضائله. اهـ.
وفي تفسيرِ الطبري: وما كان مِن المشركينَ بالله، يعني إبراهيمَ صلواتُ الله عليه، لأنه لم يكنْ ممَّن يعبدُ الأصنام.
سورة الأعراف
8- {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
ذكرَ أنه تقدَّمَ في سورةِ البقرة (الآية 5)، ومما قالَهُ هناك: الفلاح: الفوزُ وصلاحُ الحال، فيكونُ في أحوالِ الدنيا وأحوالِ الآخرة، والمرادُ به في اصطلاحِ الدين: الفوزُ بالنجاةِ من العذابِ في الآخرة. والفعلُ منه: أفلح، أي: صارَ ذا فلاح.
26- {ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُون}.
من حججِ الله وأدلته.. (الطبري).
27- {إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُون}.
جمعُ وليّ، بمعنى الصديق، ضدِّ العدوّ، يقالُ منه تولّاه ُأي: اتخذَهُ صديقًا وخليلًا. (روح البيان).
31- {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}.
ذكرَ أنه تقدَّمَ القولُ في نظيرهِ في سورةِ الأنعام (الآية 141)، وقد فصَّلَ القولَ فيه، من ذلك قوله: بيَّن َأنّ الإسرافَ من الأعمالِ التي لا يحبُّها، فهو من الأخلاقِ التي يلزمُ الانتهاءُ عنها، ونفيُ المحبَّةِ مختلفُ المراتب، فيُعلَمُ أن نفيَ المحبَّةِ يشتدُّ بمقدارِ قوّةِ الإسراف.. اهـ.
وقالَ ابنُ كثير رحمَهُ الله: إن الله لا يحبُّ المتعدِّين حدَّهُ في حلالٍ أو حرام، الغالين فيما أحلَّ أو حرَّم، بإحلالِ الحرام، أو بتحريمِ الحلال، ولكنهُ يحبُّ أن يحلِّلَ ما أحلّ، ويحرِّمَ ما حرَّم، وذلك العدلُ الذي أمرَ به. (ابن كثير).
33- {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُون}.
{الْفَوَاحِشَ}: ذكرَ أنه تقدَّمَ معنى الفاحشةِ في سورةِ النساء (الآية 22)، وفي هذه السورة (الآية 28)، ومما قالَهُ في الأخيرة: غلبتِ الفاحشةُ في الأفعالِ الشديدةِ القبح، وهي التي تنفرُ منها الفطرةُ السّليمة، أو يَنشأُ عنها ضرٌّ وفساد، بحيث يأباها أهلُ العقولِ الرّاجحة، ويُنكرها أولو الأحلام، ويَستحيي فاعلُها من الناس، ويتسترُ من فعلها، مثلُ البغاءِ والزّنى والوأدِ والسّرقة، ثم تنهَى عنها الشرائعُ الحقَّة..
{وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُون} أشارَ إلى تقدُّمِ نظيرهِ في الآيةِ (28) من هذه السورة: {أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُون}، ومما قالَهُ هناك: أي: ما لا تعلمون أنَّ الله أمرَ به، فحُذِفَ المفعولُ لدلالةِ ما تقدَّمَ عليه، لأنهم لم يعلموا أنَّ الله أمرهم بذلك، إذ لا مستندَ لهم فيه، وإنّما قالوهُ عن مجرَّدِ التوهُّم، ولأنهم لم يعلموا أنَّ الله لا يليقُ بجلالهِ وكمالهِ أن يأمرَ بمثلِ تلك الرذائل.
36- {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا}.
وأما من كذَّبَ بأنباءِ رسلي التي أرسلتها إليه، وجحدَ توحيدي، وكفرَ بما جاءَ به رسلي… (الطبري).
37- {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا}.
ذكرَ أن الافتراءَ والكذبَ تقدَّمَ القولُ فيهما عند قولهِ تعالى: {وَلَـكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ} في سورةِ العقود (يعني سورة المائدة، 103). وقد قالَ هناك: “الافتراءُ: الكذب”. ثم ذكرَ أنه تقدَّمَ عند تفسيرِ الآيةِ (94) من سورةِ آلِ عمران، وفيه أيضًا أن الافتراءَ هو الكذب، قال: وهو مرادفُ الاختلاق، وكأن أصلَهُ كنايةٌ عن الكذبِ وتلميح، وشاعَ ذلك حتى صارَ مرادفًا للكذب.
38- {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا}.
شتمتِ الجماعةَ الأخرى من أهلِ ملَّتها تبرُّأً منها. (تفسير الطبري).
39- {وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ}.
أُخراهم: الآخِرةُ في الرتبة، وهم الأتباعُ والرعيَّةُ من كلِّ أمةٍ من تلك الأمم، لأن كلَّ أمةٍ في عصرٍ لا تخلو من قادةٍ ورَعاع، والمرادُ بـ (الأُولى): الأولى في المرتبةِ والاعتبار، وهم القادةُ والمتبوعون من كلِّ أمةٍ أيضاً، فالأُخرى والأُولى هنا صفتان جرتا على موصوفَين محذوفين، أي: أُخرى الطّوائفِ لأُولاهم، وقيل: أريدَ بالأُخرى: المتأخرةُ في الزمان، وبالأُولى: أسلافهم.
40- {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ}.
إن الذين كذَّبوا بحُجَجِنا وأدلَّتِنا، فلم يصدِّقوا بها، ولم يتَّبعوا رسلَنا, وتكبَّروا عن التصديقِ بها، وأنِفوا مِن اتِّباعِها والانقيادِ لها تكبُّرًا… (الطبري).
42- {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}
{وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}: والذين صدَّقوا اللهَ ورسولَه، وأقرُّوا بما جاءَهم به مِن وحي اللهِ وتنزيلهِ وشرائعِ دينه, وعملوا ما أمرَهم اللهُ به، فأطاعوهُ وتجنَّبوا ما نهاهُم عنه…
{هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}: هم في الجنةِ ماكثون, دائمٌ فيها مكثُهم، لا يخرجونَ منها ولا يُسْلَبون نعيمَهم. (الطبري).
43- {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ}.
ذكرَ في الآيةِ (25) من سورةِ البقرة، أن الجنةَ هي المكانُ الذي تكاثرتْ أشجاره، والتفَّ بعضُها ببعضٍ حتى كثرَ ظلُّها، وذلك من وسائلِ التنعمِ والترفهِ عند البشرِ قاطبة. والجريُ يطلقُ مجازًا على سيلِ الماءِ سيلًا متكررًا متعاقبًا، وأحسنُ الماءِ ما كان جاريًا غيرَ قارّ؛ لأنه يكونُ بذلك جديدًا… وأكملُ محاسنِ الجناتِ جريانُ المياهِ من خلالها…
44- {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}.
غضبُ الله وسخطهُ وعقوبته. (الطبري).
46- {وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُون}.
يعني أصحابَ الأعراف، لم يدخلوا الجنةَ {وَهُمْ يَطْمَعُونَ} في دخولها. (البغوي).
47- {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.
يعني: الكافرين في النار. (البغوي).
تعوذوا بالله من منازلهم. (ابن كثير).
48- {وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ}.
مما قالَهُ مؤلِّفُ الأصلِ في الآيةِ (46) من السورة: الذي ينبغي تفسيرُ الآيةِ به، أنَّ هذه الأعرافَ جعلها الله مكاناً يوقَفُ به مَن جعلَهُ الله من أهلِ الجنَّةِ قبل دخولهِ إيّاها، وذلك ضربٌ من العقابِ خفيف، فجعلَ الداخلين إلى الجنَّةِ متفاوتين في السبق، تفاوتاً يعلمُ الله أسبابَهُ ومقاديره.
49- {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ}.
معناه: لا تخافون ما يأتي، ولا تحزنون على ما فات. (ابن عطية).
51- {الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}.
{الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ} الذي أمرهم الله به {لَهْوًا وَلَعِبًا} يقول: سخريةً ولعباً. (الطبري). وهو ما زيَّنَ لهم الشيطان، من تحريمِ البَحيرةِ وأخواتها، والمـُكاءِ والتصديةِ حولَ البيت، وسائرِ الخصالِ الذميمة، التي كانوا يفعلونها في الجاهلية. (البغوي).
{وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}: قال: ومعنى جحدِ الآياتِ تقدَّمَ عند قولهِ تعالى: {وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} في سورةِ الأنعام (الآية 33). قالَ هناك: … ثم إنَّ الجحدَ بآياتِ الله أُريدَ به الجحدُ بما جاءَ به الرسولُ صلى الله عليه وسلم من الآيات. وجحْدُها إنكارُ أنها من آياتِ الله، أي: تكذيبُ الآتي بها في قوله: إنها من عند الله، فآلَ ذلك إلى أنهم يكذِّبون الرسولَ عليه الصلاةُ والسلام.
53- {أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}.
أو هل نردُّ إلى الدنيا؟ (روح البيان).
61- {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ}.
فسَّرَ (الضلال) في الآيةِ التي تسبقها بقوله: الضلال: اسمُ مصدرِ ضَلّ، إذا أخطأَ الطريقَ الموصل.
63- {لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.
وكي تتقوا عقابَ الله وبأسه، بتوحيده، وإخلاصِ الإيمان به، والعملِ بطاعته، {ولَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} يقول: وليرحمَكم ربُّكم إنِ اتَّقيتمُ اللهَ وخِفتموهُ وحذرتُم بأسَه. (الطبري).
64- {فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ}.
ذكرَ أنه تقدَّمَ في سورةِ البقرة (الآية 164). والمقصودُ السفن، قال: وهو ومفردهُ سواءٌ في الوزن.
65- {قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ}.
… فأفرِدوا له العبادة, ولا تجعلوا معه إلهًا غيرَه, فإنهُ ليسَ لكم إلهٌ غيره، {أفلا تَتَّقُونَ} ربَّكم فتحذَرونَهُ وتخافون عقابَهُ بعبادتِكم غيرَه، وهو خالقُكم ورازقُكم دونَ كلِّ ما سواه؟. (الطبري).
66- {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ}.
قالَ في الآيةِ (60) من السورة: الملأ: الجماعةُ الذين أمرُهم واحد، ورأيهم واحد؛ لأنهم يُمالىءُ بعضُهم بعضاً، أي: يعاونهُ ويوافقه، ويطلقُ الملأُ على أشرافِ القومِ وقادتهم؛ لأن شأنهم أن يكونَ رأيهم واحداً عن تشاور، وهذا المعنى هو المناسبُ في هذه الآية..
67- {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
قالَ في الآيةِ السابقة: السفاهة: سخافةُ العقل.
{وَلَكِنِّي رَسُولٌ} قالَ في مثيلتها في الآيةِ (61) من السورة: لرفعِ ما توهَّموهُ من أنه في ضلال، حيث خالفَ دينَهم، أي: هو في حالِ رسالةٍ عن الله، مع ما تقتضي الرسالةُ من التبليغِ والنصحِ والإخبارِ بما لا يعلمونه، وذلك ما حسبوهُ ضلالاً.
ثم قال: واختيارُ طريقِ الإضافةِ في تعريفِ المرسِل لما تؤذنُ به من تفخيمِ المضاف، ومن وجوبِ طاعتهِ على جميعِ الناس، تعريضاً بقومهِ إذ عصوه.
68- {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي}.
قالَ في مثلها، في الآيةِ (62) من السورة: صفةٌ لرسول، أو مستأنفة، والمقصودُ منها إفادةُ التجدُّد، وأنه غيرُ تاركٍ التبليغَ من أجلِ تكذيبهم، تأييساً لهم من متابعتهِ إياهم…
69- {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ}.
فسَّرَهُ في الآيةِ (63) من السورة، ومما قالَهُ هناك: حقيقةُ العَجَبِ أنه انفعالٌ نفسانيٌّ يحصلُ عند إدراكِ شيءٍ غيرِ مألوف، وقد يكونُ العجَبُ مشوباً بإنكارِ الشيءِ المتعجَّبِ منه، واستبعادهِ وإحالته… أي: هذا الحدثُ الذي عظَّمتموهُ وضججتم له، ما هو إلاّ ذِكْرٌ من ربِّكم على رَجُلٍ منكم. ووصْفُ {رَجُلٍ} بأنه (منهم) أي: من جنسهم البشري، فضحٌ لشبهتهم، ومع ما في هذا الكلامِ من فضحِ شبهتهم، فيه أيضاً ردٌّ لها بأنهم أحقّاء بأن يكونَ ما جعلوهُ موجبَ استبعادٍ واستحالةٍ هو موجبُ القبولِ والإيمان، إذ الشأنُ أن ينظروا في الذِّكرِ الذي جاءهم من ربِّهم، وأن لا يسرعوا إلى تكذيبِ الجائي به، وأن يعلموا أن كونَ المذكِّرِ رجلاً منهم أقربُ إلى التعقُّل من كونِ مذكِّرِهم من جنسٍ آخر، من مَلَكٍ أو جنِّي، فكان هذا الكلامُ من جوامعِ الكلمِ في إبطالِ دعوى الخصم، والاستدلالِ لصدقِ دعوى المجادل.
72- {وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا}.
ذكرَ أن تفسيرَهُ نظيرُ قولهِ: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ} في سورةِ الأنعم (الآية 45). ومن قولهِ هناك: أي: فأخذناهم أخذَ الاستئصال. فلم يُبقِ فيهم أحداً. ودابرُ الناس: آخرهم، وذلك مشتقٌّ من الدُّبُر، وهو الوراء. وقطعُ الدابرِ كنايةٌ عن ذهابِ الجميع، لأن المستأصلَ يبدأُ بما يليه، ويذهبُ يستأصلُ إلى أن يبلغَ آخره، وهو دابره. اهـ.
{كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا}: دالٌّ على المعجزة، وإن لم تتعيَّنْ لها. (ابن عطية).
73- {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}.
قالَ صالحٌ لثمود: يا قومِ اعبدوا الله وحدَهُ لا شريكَ له. (الطبري).
74- {وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ}.
نقلَ في تفسيرِ الآيةِ السابقةِ لها، أن ثمودَ قامتْ بعد عاد، فنمَتْ وعظمتْ واتَّسعتْ حضارتها، وكانوا مُوحِّدين، ولعلَّهم اتَّعظوا بما حلَّ بعاد، ثمّ طالتْ مدَّتهم، ونعمَ عيشهم، فعَتوا ونسُوا نعمةَ الله، وعَبدوا الأصنام، فأرسلَ الله إليهم صالحاً رسولاً يدعوهم إلى التوحيد..
75- {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ}.
قالَ في الآيةِ (60) من السورة: الملأ: الجماعةُ الذين أمرُهم واحد، ورأيهم واحد؛ لأنهم يُمالىءُ بعضُهم بعضاً، أي: يعاونهُ ويوافقه. ويطلقُ الملأُ على أشرافِ القومِ وقادتهم؛ لأن شأنهم أن يكونَ رأيهم واحداً عن تشاور، وهذا المعنى هو المناسبُ في هذه الآية..
79- {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي}.
أشارَ إلى تفسيرِ مثلهِ في الآيةِ (62) من السورة: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي}، قال: صفةٌ لرسول، أو مستأنفة، والمقصودُ منها إفادةُ التجدُّد، وأنه غيرُ تاركٍ التبليغَ من أجلِ تكذيبهم، تأييساً لهم من متابعتهِ إياهم…
وقالَ الإمامُ الطبري: قالَ لقومهِ ثمود: لقد أبلغتُكم رسالةَ ربِّي, وأدَّيتُ إلـيكم ما أمرني بأدائهِ إلـيكم ربِّي مِن أمرهِ ونهيه. (الطبري).
85- {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ}.
ما لكم مِن إلهٍ يستوجبُ علـيكم العبـادةَ غيرُ الإلهِ الذي خـلقَكم، وبـيدهِ نفعُكم وضرُّكم. (الطبري).
86- {وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ}.
أشارَ إلى تقدُّمِ معناهُ في الآيةِ (16) من هذه السورة، وفيه أنه بمعنى الطريق، ثم توسَّعَ بما يناسبُ السياق.