التكوير على التحرير والتنوير (5)
الشيخ محمد خير رمضان يوسف
(خاص بمنتدى العلماء)
الجزء الخامس
(تابع لسورة النساء)
24- {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}.
{كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ} أي: كتبَ الله عليكم تحريمَ هؤلاء كتابًا، وفرضَهُ فرضًا. (روح البيان).
{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا} بما يُصلحُ أمرَ الخَلق، {حَكِيمًا} فيما شرعَ لهم، ومِن ذلكَ عقدُ النكاح، الذي يحفَظُ الأموالَ والأنساب. (روح المعاني).
29- {إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}.
أي: فيما أمرَكم به، ونهاكم عنه. (ابن كثير).
وكان اللهُ رحيماً بكم عندما نهاكم عن أكلِ الحرامِ وإهلاكِ النَّفس. (الواضح).
30- {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}.
… وكان إصلاءُ فاعلِ ذلك النارَ وإحراقهُ بها على الله سهلاً يسيرًا، لأنه لا يقدرُ على الامتناعِ على ربِّهِ مما أرادَ به من سوء… (الطبري).
33- {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا}
يعني بذلكَ جلَّ ثناؤه: فآتُوا الذينَ عقدتْ أيمانُكم نصيبَهم مِن النصرةِ والنصيحةِ والرأي، فإن اللهَ شاهدٌ على ما تفعلونَ مِن ذلك، وعلى غيرهِ مِن أفعالكم، مراعٍ لكلِّ ذلكَ حافظ، حتى يجازيَ جميعَكم على جميعِ ذلكَ جزاءه، أما المحسنُ منكم المتَّبِعُ أمري وطاعتي فبالحُسنَى، وأما الـمُسيءُ منكم المخالفُ أمري ونهيي فبالسوأى.
ومعنى قوله: {شَهِيدًا}: ذو شهادةٍ على ذلك. (الطبري).
35- {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا}.
يعني جلَّ ثناؤه: إنَّ اللهَ كانَ عليمًا بما أرادَ الحكمانِ من إصلاحٍ بين الزوجينِ وغيره، خبيرًا بذلكَ وبغيرهِ مِن أمورهما وأمورِ غيرهما، لا يخفَى عليه شيءٌ منه، حافظٌ عليهم، حتى يجازيَ كلاًّ منهم جزاءَهُ بالإحسانِ إحسانًا، وبالإساءةِ غفرانًا أو عقابًا. (الطبري).
36- {وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ}.
تقدَّمَ تفسيرهُ في الآيةِ (177) من سورةِ البقرة، وكان ملخصُ ما قالَ هناك: … اليتامى، وهم مظنةُ الضعف، لظهورِ أن المرادَ اليتيمُ المحتاجُ حاجةً دون الفقر، وَإنما هو فاقدُ ما كان ينيلهُ أبوهُ من رفاهيةِ عَيش، فإيتاؤهم المالَ يجبرُ صدعَ حياتهم. والمسكين، وهو الفقيرُ الذي أذلَّهُ الفقر، قال: وقد اتفقَ أئمةُ اللغةِ أن المسكينَ غيرُ الفقير، فقيل: هو أقلُّ فقراً من الفقير، وقيل: هو أشدُّ فقراً، وهذا قولُ الجمهور، وقد يطلقُ أحدُهما في موضعِ الآخَرِ إذا لم يجتمعا…
37- {وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا}.
يعني العقابَ المذلّ. (الطبري).
38- {وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا}.
خليلاً وصاحباً. (الطبري).
43- {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا}.
يقول: فلم يزلْ يسترُ عليهم ذنوبَهم بتركهِ معاجلتَهم العذابَ على خطاياهم، كما سترَ عليكم أيها المؤمنون بتركهِ معاجلتَكم على صلاتِكم في مساجدكم سكارى. (الطبري).
44- {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيل}.
{نَصِيبًا}: ذكرَ أنه تقدَّم.. وقد بيَّنَ في الآيةِ 23 من السورة، أن معناهُ القسطُ والحظّ.
{الضَّلاَلَةَ}: ذكرَ تقدُّمها أيضًا، في الآيةِ (16) من سورةِ البقرة، وقد قالَ في آخره: … باعتبارِ أنهم بلغوا الغايةَ في اشتراءِ الضلالةِ والحرصِ عليها، إذ جمعوا الكفرَ والسفهَ والخداعَ والإفسادَ والاستهزاءَ بالمهتدين.
46- {وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ}
واسمعْ منا، وانْظُرنا ما نقول، وانتظرنا نفهمْ عنكَ ما تقولُ لنا. (الطبري).
47- {أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولا}.
ذكرَ أن أصحابَ السبتِ هم الذين في قوله: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِين} [سورة البقرة: 65]، وقد قالَ هناك: كانت طائفةٌ من سكانِ أيلةَ على البحرِ رأوا تكاثرَ الحيتانِ يومَ السبتِ بالشاطئ، لأنها إذا لم ترَ سفنَ الصيادين وشباكهم أمنتْ فتقدمتْ إلى الشاطئ تفتحُ أفواهها في الماءِ لابتلاعِ ما يكونُ على الشواطئ من آثارِ الطعامِ ومن صغيرِ الحيتانِ وغيرها، فقالوا: لو حفرنا لها حياضًا وشرعنا إليها جداولَ يومَ الجمعة، فتمسكُ الحياضُ الحوتَ إلى يومِ الأحدِ فنصطادها. وفعلوا ذلك، فغضبَ الله تعالى عليهم لهذا الحرصِ على الرزق، أو لأنهم يشغلون بالهم يومَ السبتِ بالفكرِ فيما تحصَّلَ لهم، أو لأنهم تحيَّلوا على اعتياضِ العملِ في السبت. وهذا الذي أحسبه؛ لما اقترنَ به من الاستخفاف، واعتقادهم أنهم علموا ما لم تهتدِ إليه شريعتهم، فعاقبهم الله تعالى بما ذكرَهُ هنا.
49- {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلا}.
يزكِّي: يُطهِّرُ ويُبرِّئ من الذنوبِ ويُصلِحُ مَن يشاء. (البغوي).
50- {انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا}.
{يَفْتَرُونَ}: ذكرَ عند تفسيرِ الآيةِ (94) من سورةِ آلِ عمران، أن الافتراءَ هو الكذب، وهو مرادفُ الاختلاق، وكأن أصلَهُ كنايةٌ عن الكذبِ وتلميح، وشاعَ ذلك حتى صارَ مرادفًا للكذب.
{إِثْمًا مُّبِينًا}: لا يخفَى كونهُ مأثمًا مِن بين آثامِهم. وهذا عبارةٌ عن كونهِ عظيمًا منكرًا. (روح المعاني).
52- {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا}.
أخزاهم اللهُ فأبعدهم مِن رحمته، بإيمانهم بالجبتِ والطاغوت، وكفرهم باللهِ ورسوله، عنادًا منهم للهِ ولرسوله. ومْن يُخزهِ اللهُ فيُبعِدهُ مِن رحمته، فلن تجدَ له ناصرًا ينصره… (الطبري، باختصار).
55- {وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا}.
سعيرًا: وقودًا. (البغوي).
أي: وكفَى بالنارِ عقوبةً لهم على كفرهم وعنادهم، ومخالفتِهم كتبَ الله ورسله. (ابن كثير).
56- {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا}.
آياتِ تنزيلهِ ووحي كتابه، وهي دلالاتهُ وحججهُ على صدقِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم. (الطبري).
57- {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}.
والذين آمنوا بآياتِنا، وأتْبَعوا إيمانَهم بالأعمالِ الصَّالحةِ والطَّاعاتِ المقبولة، سنُدخِلُهم جنّاتٍ كبيرةً وارفةَ الظِّلال، تجري مِن تحتِها الأنهار، مع خلودٍ دائمٍ فيها. (الواضح).
61- {رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا}.
أي: يُعرضون عنكَ إعراضاً كالمستكبرين عن ذلك. (ابن كثير).
64- {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}.
… وجاؤوا إليكَ معترفينَ بذلك، وأبدَوا ندمَهم فاستغفَروا اللهَ مِن ذنبِهم، واستغفرَ لهم نبيُّهم محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، لتابَ اللهُ عليهم ورَحِمَهم. (الواضح).
65- {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
أي: وينقادوا لأمرِكَ انقياداً. (البغوي).
67- {وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيمًا}.
يعني بذلك جلَّ ثناؤه: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ} [سورة النساء: 66]؛ لإيتائنا إيّاهم على فعلهم ما وُعظوا به من طاعتِنا والانتهاءِ إلى أمرنا {أَجْراً} يعني: جزاءً وثواباً عظيماً، وأشدَّ تثبيتاً لعزائمهم وآرائهم، وأقوى لهم على أعمالهم. (الطبري).
74- {وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}.
فلهُ عندَ اللهِ مثوبةٌ عظيمةٌ وأجرٌ جزيل. (ابن كثير).
76- {الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}.
ذكرَ في الآيةِ (75) من السورة، أن معنى: {فِي سَبِيلِ اللَّهِ}: لأجلِ دينهِ ولمرضاته. اهـ.
{فَقاتِلُوا} أيها المؤمنون {أوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ} يعني بذلك: الذين يتولَّونهُ ويطيعونَ أمرَهُ في خلافِ طاعةِ الله والتكذيبِ به، وينصرونه. {إنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كانَ ضَعِيفًا} يعني بكيده: ما كادَ به المؤمنين، من تحزيبهِ أولياءَهُ من الكفارِ باللهِ على رسولهِ وأوليائهِ أهلِ الإيمانِ به، يقول: فلا تهابوا أولياءَ الشيطان، فإنما هم حزبهُ وأنصاره، وحزبُ الشيطانِ أهلُ وهنٍ وضَعف.
وإنما وصفَهم جلَّ ثناؤهُ بالضعف، لأنهم لا يقاتلون رجاءَ ثواب، ولا يتركون القتالَ خوفَ عقاب، وإنما يقاتلون حميَّةً أو حسدًا للمؤمنينَ على ما آتاهم اللهُ من فضله، والمؤمنونَ يقاتلُ مَن قاتلَ منهم رجاءَ العظيمِ من ثوابِ الله، ويتركُ القتالَ إنْ تركَهُ على خوفٍ من وعيدِ الله في تركه، فهو يقاتلُ على بصيرةٍ بما له عندَ اللهِ إنْ قُتل، وبما له من الغنيمةِ والظفرِ إنْ سَلم. والكافرُ يقاتلُ على حذرٍ من القتل، وإياسٍ من مَعاد، فهو ذو ضعفٍ وخوف (الطبري).
77- {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلا}.
{وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ} يقول: وأدُّوا الصلاةَ التي فرضَها الله عليكم بحدودها، {وَآتُواْ الزَّكَاةَ} يقول: وأعطُوا الزكاةَ أهلَها، الذين جعلها الله لهم من أموالِكم، تطهيراً لأبدانكم وأموالكم.
{وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى} يعني: ونعيمُ الآخرةِ خير، لأنها باقية، ونعيمها باقٍ دائم، لمن اتقَى الله بأداءِ فرائضهِ واجتنابِ معاصيه، فأطاعَهُ في كلِّ ذلك. (الطبري، باختصار).
79- {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}.
أي: على أنه أرسلك، وهو شهيدٌ أيضاً بينك وبينهم، وعالمٌ بما تبلِّغُهم إيّاه، وبما يردُّون عليكَ من الحقِّ كفراً وعناداً. (ابن كثير).
84- {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا}.
البأسُ في الأصل: المكروه، ثم وُضِعَ موضعَ الحربِ والقتال، قالَ تعالى: {وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا} [سورة الأحزاب: 18]. (روح البيان).
87- {اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا}.
{ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ}: إخبارٌ بتوحيدهِ وتفردهِ بالإلهيةِ لجميعِ المخلوقات، وتضمنَ قسَماً؛ لقوله: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ}، وهذه اللامُ موطِّئةٌ للقسَم، فقوله: {ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ}: خبرٌ وقسَمٌ أنه سيجمعُ الأولين والآخِرين في صعيدٍ واحد، فيجازي كلَّ عاملٍ بعمله، وقولهُ تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً} أي: لا أحدَ أصدقُ منه في حديثهِ وخبره، ووعدهِ ووعيده، فلا إله إلا هو، ولا ربَّ سواه. (ابن كثير).
88- {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا}.
ومَن خذلَهُ عن دينهِ واتِّباعِ ما أمرَهُ به، مِن الإقرارِ به وبنبيِّهِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وما جاءَ به مِن عنده، فأضلَّهُ عنه، فلن تجدَ له يا محمدُ طريقًا تهديهِ فيها إلى إدراكِ ما خذلَهُ اللهُ عنه، ولا منهجًا يصلُ منه إلى الأمرِ الذي قد حرمَهُ الوصولَ إليه. (الطبري).
91- {كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ}.
{أُرْكِسُواْ}: قالَ في معنى {أَرْكَسَهُم} في الآيةِ (88) من السورة: ردَّهم إلى حالهم السوأى، لأنّ معنى أركس: رَدَّ إلى الرّكْس، والركسُ قريبٌ من الرجس. وفي حديثِ الصحيحِ في الروث: “إنّ هذا رِكْسٌ”. وقيل: معنى أركسَ نكس، أي: ردَّ ردًّا شنيعاً، وهو مقاربٌ للأول. وقد جعلَ الله ردَّهم إلى الكفرِ جزاءً لسوءِ اعتقادهم، وقلَّةِ إخلاصهم مع رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنّ الأعمالَ تتوالدُ من جنسها، فالعملُ الصالحُ يأتي بزيادةِ الصالحات، والعملُ السيّءُ يأتي بمنتهى المعاصي. اهـ.
{فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ}: فإذا لم يَكفُّوا عن التعرُّضِ لكم بوجهٍ ما، ولم يُلقُوا إليكم الصُّلحَ والمهادنة، ولم يَكفُّوا أنفسَهُم عن قتالِكم، فخُذوهم أُسرَاءَ واقتُلوهم أينما وجدتُموهم. (الواضح في التفسير).
92- {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}.
{وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً} بمن قتلَ خطأً، {حَكِيماً} فيما حكمَ به عليكم. (البغوي).
93- {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}.
… وغضبَ اللهُ بقتلهِ إيَّاهُ متعمِّدًا، وأبعدَهُ من رحمته، وأخزاه، وأعدَّ له عذابًا لا يعلمُ قدرَ مبلغهِ سواهُ تعالى ذكره. (تفسير الطبري، باختصار).
94- {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}.
{عَرَضَ}: عرَضُ الدنيا ما يُتمتَّعُ به فيها من المال، نقدًا كان أو غيره، قليلًا كان أو كثيرًا، يقال: الدنيا عرَضٌ حاضرٌ يأكلُ منها البَرُّ والفاجر، وتسميتهُ عرَضًا تنبيهٌ على أنه سريعُ الفناء، قريبُ الانقضاء. (روح البيان).
{إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}: إنَّ اللهَ كان بقتلِكم مَن تَقتلون، وكفِّكم عمِّن تكفُّونَ عن قتلهِ مِن أعداءِ اللهِ وأعدائكم، وغيرِ ذلكَ مِن أمورِكم وأمورِ غيرِكم، {خَبِيرًا}: يعني ذا خبرةٍ وعلمٍ به، يحفظهُ عليكم وعليهم، حتى يجازيَ جميعَكم به يومَ القيامة، جزاءَ المحسنِ بإحسانه، والمسيءِ بإساءته. (الطبري).
95- {وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى}.
{وَكُـلاًّ}: من القاعدين والمجاهدين، {وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى} أي: المثوبةَ الحُسنَى، وهي الجنة؛ لحُسنِ عقيدتهم، وخلوصِ نيَّتهم، وإنما التفاوتُ في زيادةِ العملِ المقتضي لمزيدِ الثواب. (روح البيان).
96- {دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}.
{دَرَجَـٰتٍ مِّنْهُ}: فضائلَ منه ومنازلَ من منازلِ الكرامة… ثم قال: وأولَى التأويلات بتأويلِ قوله: {دَرَجَـٰتٍ مِّنْهُ} أن يكونَ معنيًّا به درجاتِ الجنة، {وَمَغْفِرَةً}: وصفحَ لهم عن ذنوبهم، فتفضَّلَ عليهم بتركِ عقوبتهم عليها، {وَرَحْمَةً}: ورأفةً بهم، {وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}: ولم يزلِ الله غفورًا لذنوبِ عبادهِ المؤمنين، فيصفحُ لهم عن العقوبةِ عليها، رحيمًا بهم، يتفضَّلُ عليهم بنعمه، مع خلافهم أمرَهُ ونهيه، وركوبهم معاصيه. (الطبري، باختصار).
97- {وَسَاءَتْ مَصِيرًا}
وساءتْ جهنمُ لأهلِها، الذين صاروا إليها مصيرًا ومسكنًا ومأوى (الطبري).
99- {وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا}.
معنى كونهِ عفوًّا: صفحهُ وإعراضهُ عن العقوبة، ومعنى كونهِ غفورًا: سترُ القبائحِ والذنوبِ في الدنيا والآخرة، فهو كاملُ العفو، تامُّ الغفران. (روح البيان).
100- {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}.
يقول: ولم يزلِ الله تعالى ذكرهُ غفورًا، يعني ساترًا ذنوبَ عبادهِ المؤمنين، بالعفوِ لهم عن العقوبةِ عليها، رحيمًا بهم، رفيقًا. (تفسير الطبري).
101- {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ}.
أي: حرجٌ وإثم. (البغوي).
103- {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا}.
واجبًا مفروضًا. (البغوي).
104- {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}.
{وَلَا تَهِنُوا} أي: لا تضعفوا.
{وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} أي: هو أعلمُ وأحكمُ فيما يقدِّرهُ ويقضيه، وينفذهُ ويمضيه، من أحكامهِ الكونيةِ والشرعيةِ، وهو المحمودُ على كلِّ حال. (ابن كثير).
106- {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}.
إنَّ اللهَ لم يزلْ يصفحُ عن ذنوبِ عبادهِ المؤمنينَ بتركهِ عقوبتهم عليها إذا استغفروهُ منها، رحيمًا بهم، فافعلْ ذلكَ أنتَ يا محمَّدُ يغفرِ اللهُ لكَ ما سلفَ مِن خصومتِكَ عن هذا الخائن. (الطبري).
107- {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا}.
{إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ}: عدمُ المحبةِ كنايةٌ عن البغضِ والسخط. (روح البيان)، {مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا}: كثيرَ الخيانةِ مفرطًا فيها، منهمكًا في الإثم (روح المعاني).
108- {وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا}.
أي بعملِهم، أو بالذي يعملونَهُ من الأعمالِ الظاهرةِ والخافية، حفيظًا، أو عالمـًا، لا يعزبُ عنه شيءٌ ولا يفوت. (روح المعاني، بشيء من الاختصار).
109- {هَاأَنتُمْ هَـؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلا}.
الاستفهامُ للإنكارِ والتوبيخ، أي: فمن يخاصمُ ويجادلُ الله عنهم يومَ القيامةِ عند تعذيبهم بذنوبهم؟ {أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً} أي: مجادلاً ومخاصماً، والوكيلُ في الأصل: القائمُ بتدبيرِ الأمور. والمعنى من ذاك: يقومُ بأمرهم إذا أخذهم الله بعذابه. (فتح القدير).
111- {وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}.
{يَكْسِبْ}: يعني بذلك جلَّ ثناؤه: ومن يأتِ ذنباً على عمدٍ منه له ومعرفةٍ به.
وأما قوله: {وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} فإنه يعني: وكان الله عالماً بما تفعلون أيها المجادلون عن الذين يختانون أنفسهم في جدالكم عنهم، وغيرِ ذلك من أفعالكم وأفعالِ غيركم، وهو يُحصيها عليكم وعليهم، حتى يجازيَ جميعكم بها.
{حَكِيماً}، يقول: وهو حكيمٌ بسياستكم وتدبيركم، وتدبيرِ جميعِ خلقه. (الطبري).
112- {وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا}.
ذكرَ في تفسيرِ الآيةِ السابقة، أن الإثمَ هو الكبيرة.
113- {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}.
{وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ} أي: وما يضرُّونكَ شيئاً من الضرر؛ لما أنه تعالى عاصمُكَ عن الزيغِ في الحكم، وأما ما خطرَ ببالِكَ فكان عملاً منكَ بظاهرِ الحال، ثقةً بأقوالِ القائلين من غيرِ أن يخطرَ لكَ أن الحقيقةَ على خلافِ ذلك…
{وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}: لا تحويهِ عبارة، ولا تحيطُ به إشارة، ومن ذلكَ النبوَّةُ العامَّة، والرئاسةُ التامَّة، والشفاعةُ العظمَى يومَ القيامة (روح المعاني).
114- {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}.
فسوفَ نعطيهِ جزاءً لما فعلَ مِن ذلكَ عظيمًا، ولا حدَّ لمبلغِ ما سمَّى اللهُ عظيمًا يعلمهُ سواه. (الطبري).
115- {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.
قال ابنُ كثير رحمَهُ الله: جعلَ النارَ مصيرَهُ في الآخرة؛ لأن مَن خرجَ عن الهُدَى لم يكنْ له طريقٌ إلا إلى النارِ يومَ القيامة.
116- {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}.
ذكرَ أنه تقدَّمَ تفسيره، ويعني في الآية (48) من السورة، وقد أطالَ هناك وتوسَّع.
وقال الإمامُ الطبري مختصرًا وبما يناسبُ الموقف: إنَّ اللهَ لا يغفرُ لـ “طعمة” إذْ أشركَ وماتَ على شركهِ بالله، ولا لغيرهِ مِن خلقهِ بشركهم وكفرهم به، ويغفرُ ما دونَ الشركِ باللهِ مِن الذنوبِ لمن يشاء.
119- {وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا}
أي: فقد خسرَ الدنيا والآخرة، وتلكَ خسارةٌ لا جبرَ لها، ولا استدراكَ لفائتها. (ابن كثير).
120- {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا}.
هذا إخبارٌ عن الواقع، فإن الشيطانَ يَعِدُ أولياءه، ويمنِّيهم بأنهم هم الفائزون في الدنيا والآخرة، وقد كذبَ وافترى في ذلك، ولهذا قالَ الله تعالى: {وَمَا يَعِدُهُمْ ٱلشَّيْطَـانُ إِلاَّ غُرُوراً}، كما قالَ تعالى مخبراً عن إبليسَ يومَ المعاد: {وَقَالَ ٱلشَّيْطَـانُ لَمَّا قُضِىَ ٱلأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَـانٍ}، إلى قوله: {إِنَّ ٱلظَّـالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [سورة إبراهيم: 22]. (ابن كثير).
وقالَ العلّامة إسماعيل حقي في أوله: {يَعِدُهُمْ} ما لا ينجزه، من طولِ العمر، والعافية، ونيلِ لذائذِ الدنيا، من الجاهِ والمالِ وقضاءِ شهواتِ النفس، {وَيُمَنِّيهِمْ} ما لا ينالون، نحو: أنْ لا بعثَ ولا حسابَ ولا جزاء، أو نيلِ المثوباتِ الأخرويةِ من غيرِ عمل.. (روح البيان).
121- {أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا}.
أي: مصيرُهم ومآلهم يومَ القيامة. (ابن كثير).
122- {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}.
{وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}: صلاحُ الأعمالِ في إخلاصها، فالعملُ الصالحُ هو ما أريدَ به وجهُ الله تعالى، وينتظمُ جميعَ أنواعه، من الصلاةِ والزكاةِ وغيرهما، {سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} أي: أنهارُ الماءِ واللبنِ والخمرِ والعسل، {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} أي: مقيمين في الجنةِ إلى الأبد. (روح البيان).
124- {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}.
ومَن يعملِ الأعمالَ الصالحةَ مِن عباده، ذكوراً أو إناثاً، مع الإيمانِ الصحيح، فأولئكَ يدخُلونَ الجنَّةَ جزاءَ أعمالِهم، ولا يُنقَصُونَ شيئاً مِن ثوابِها، ولو كانَ شيئاً قليلاً جدّاً، حتَّى لو كان مثلَ الخيطِ الذي في شِقِّ النَّواة. (الواضح).
126- {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}.
الجميعُ مُلكهُ وعبيدهُ وخَلقه، وهو المتصرِّفُ في جميعِ ذلك، لا رادَّ لما قضَى، ولا معقِّب لما حكم، ولا يُسألُ عمّا يفعل، لعظمتهِ وقدرتهِ، وعدلهِ وحكمته، ولطفهِ ورحمته. (ابن كثير).
127- {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا}.
{وَيَسْتَفْتُونَكَ} أي: يستخبرونك. (البغوي).
وقوله: {وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً} تهييجًا على فعلِ الخيرات، وامتثالِ الأمر، وأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ عالمٌ بجميعِ ذلك، وسيجزي عليه أوفرَ الجزاءِ وأتمَّه (ابن كثير).
128- {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}.
{نُشُوزاً}: تجافياً عنها وترفعاً عن صحبتها؛ كراهةً لها ومنعاً لحقوقها، {أَوْ إِعْرَاضاً}: بأن يقلَّ مجالستَها ومحادثتَها.
{وَإِن تُحْسِنُواْ} في العشرة، {وَتَتَّقُواْ} النشوزَ والإِعراضَ ونقصَ الحق، {فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ} من الإِحسانِ والخصومةِ {خَبِيراً}: عليماً به، وبالغرضِ فيه، فيجازيكم عليه. (البيضاوي).
129- {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا}.
{وَلَوْ حَرَصْتُمْ} أي: على تحرِّي ذلك وبالغتُم فيه.
{وَإِن تُصْلِحُواْ} ما كنتم تفسدون من أمورهنّ، {وَتَتَّقُواْ} فيما يُستقبَلُ من الزمان، {فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً}: يغفرُ لكم ما مضَى من ميلكم. (البيضاوي)، {رَّحِيمًا}: يتفضَّلُ عليكم برحمته. (روح البيان).
130- {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا}.
{مِّن سَعَتِهِ}: غناهُ وقدرته، {وَكَانَ ٱللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً}: مقتدراً، متقناً في أفعالهِ وأحكامه. (البيضاوي).
133- {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآَخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا}.
أي: هو قادرٌ على إذهابِكم وتبديلِكم بغيركم إذا عصيتُموه. (ابن كثير).
134- {مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}
وكان الله سميعًا لما يقولُ هؤلاءِ المنافقون، الذين يريدونَ ثوابَ الدنيا بأعمالهم، وإظهارِهم للمؤمنينَ ما يُظهِرونَ لهم إذا لَقُوا المؤمنينِ وقولِهم لهم آمنّا. {بَصِيرًا}: يعني وكان ذا بصرٍ بهم وبما هم عليه منطوونَ للمؤمنينَ فيما يكتمونَهُ ولا يُبدونَهُ لهم مِن الغِشِّ والغلِّ الذي في صدورهم. (الطبري).
135- {فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ}.
قالَ الإمامُ الطبري: فلا تتبعوا أهواءَ أنفسكم…
وقالَ ابنُ كثير: فلا يحملنَّكم الهوى والعصبيةُ وبغضُ الناسِ إليكم…
136- {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}.
معناه: ومَن يكفرْ بمحمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم، فيجحدُ نبوَّته, فهو يكفرُ باللهِ وملائكتهِ وكتبهِ ورسلهِ واليومِ الآخر, لأنَّ جحودَ الشيءِ مِن ذلكَ بمعنى جحودهِ جميعه، وذلكَ لأنه لا يصحُّ إيمانُ أحدٍ مِن الخلقِ إلا بالإيمانِ بما أمرَهُ اللهُ بالإيمانِ به, والكفرُ بشيءٍ منه كفرٌ بجميعه, فلذلكَ قال: {وَمَنْ يَكْفُرْ باللّهِ وَمَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الاَخِرِ} بعقبِ خطابهِ أهلَ الكتاب, وأمرهِ إيّاهم بالإيمانِ بمحمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم تهديدًا منه لهم, وهم مقرُّون بوحدانيةِ اللهِ والملائكةِ والكتبِ والرسلِ واليومِ الآخرِ سوَى محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم وما جاءَ به مِن الفرقان.
وأما قوله: {فَقَدْ ضَلّ ضَلالاً بَعِيدا} فإنه يعني: فقد ذهبَ عن قصدِ السبيل, وجارَ عن محجَّةِ الطريقِ إلى المهالكِ ذهابًا وجورًا بعيدًا, لأنَّ كفرَ مَن كفرَ بذلك خروجٌ منه عن دينِ اللهِ الذي شرعَهُ لعباده, والخروجُ عن دينِ الله: الهلاكُ الذي فيه البوار, والضلالُ عن الهُدَى هو الضلال. (الطبري).
138- {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}.
يعني: بأن لهم يومَ القيامةِ من الله على نفاقهم عذابًا أليمًا، وهو الموجِع، وذلك عذابُ جهنم. (الطبري).
139- {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا}.
{أَوْلِيَاء}: أولياءَ وأنصاراً أو بطانة.
{الْعِزَّةَ}: أي: المعونةَ والظهورَ على محمدٍ صلَّى الله عليه وسلم وأصحابه. وقيل: أيطلبون عندهم القوةَ والغلبة؟ (البغوي).
142- {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ}.
ذكرَ أنه تقدَّمَ الكلامُ على معنى مخادعةِ المنافقين اللهَ تعالى في سورةِ البقرة، عند قوله: {يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [الآية 9]، وقد أطالَ فيه، ومما قاله: … فهم قصدوا خداعَ المؤمنين؛ لأنهم يكذِّبون أن يكونَ الإسلامُ من عند الله، فلمّا كانت مخادعتهم المؤمنين لأجلِ الدِّين، كان خداعُهم راجعاً لشارعِ ذلك الدين..
143- {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا}.
أي: يخذله، ويسلبهُ التوفيق. (فتح القدير).
144- {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}.
يعني مصاحبتهم، ومصادقتهم، ومناصحتهم، وإسرارَ المودةِ إليهم، وإفشاءَ أحوالِ المؤمنين الباطنةِ إليهم.. (ابن كثير).