التكوير على التحرير والتنوير (2)
الشيخ محمد خير رمضان يوسف
(خاص بمنتدى العلماء)
الجزء الثاني
143- {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ}.
أي: هداهم الله. (البغوي).
147- {الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِين}.
في التعرضِ لوصفِ الربوبيةِ مع الإضافةِ من إظهارِ اللطفِ به صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى (روح المعاني).
148- {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
يعني أن اللهَ تعالى على جمعِكم بعدَ مماتِكم مِن قبوركم مِن حيثُ كنتم، وعلى غيرِ ذلكَ ممّا يشاءُ قدير، فبادروا خروجَ أنفسِكم بالصالحاتِ مِن الأعمالِ قبلَ مماتِكم، ليومِ بعثِكم وحشرِكم. (الطبري).
149- {وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ}.
{وإِنَّهُ} أي: الاستقبال، أو الصرف، أو التولية… {لَلْحَقُّ مِن رَّبّكَ} أي: الثابتُ الموافقُ للحكمة. (روح المعاني، باختصار).
150- {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي}.
{إلاَّ الَّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْهُمْ}: فإنهم مشركو العربِ من قريش، فيما تأوَّلَهُ أهلُ التأويـل… {فَلاَ تَـخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِـي} يعني: فلا تخشَوا هؤلاء الذين وصفتُ لكم أمرهم من الظَّلَـمةِ في حجَّتهم وجدالهم، وقولهم ما يقولون من أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد رجعَ إلى قبلتنا وسيرجعُ إلى ديننا، أو أن يقدروا لكم علـى ضرٍّ في دينكم، أو صدِّكم عما هداكم الله تعالى ذكرهُ له من الحق، ولكن اخشوني، فخافوا عقابي في خلافكم أمري إن خالفتموه. وذلك من الله جلَّ ثناؤهُ تقدُّمٌ إلى عبادهِ المؤمنين بالحضِّ علـى لزومِ قبلتهم والصلاةِ إلـيها، وبالنهي عن التوجهِ إلى غيرها. يقولُ جلَّ ثناؤه: واخشوني أيها المؤمنون في تركِ طاعتي فيما أمرتُكم به، من الصلاةِ شطرَ المسجدِ الحرام. (الطبري، باختصار).
152- {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُون}.
معنى الشكر: الثناءُ على الرجلِ بأفعالهِ المحمودة، وأن معنى الكفر: تغطيةُ الشيء… (الطبري).
155- {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ}.
أي: وذهابِ ثمراتِ الكرومِ والأشجار بالبردِ والسمومِ والريحِ والجرادِ وغيرها من الآفات. وقد يكونُ نقصُ الثمراتِ بتركِ عمارةِ الضياعِ للاشتغالِ بالجهاد. (روح البيان).
160- {وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}.
{وَأَنَا ٱلتَّوَّابُ}: الرجَّاعُ بقلوبِ عبادي المنصرفةِ عني إليّ، {ٱلرَّحِيمُ} بهم بعد إقبالهم عليّ. (البغوي).
164- {وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ}.
أي: الغيمِ المذلَّل، المنقاد، الجاري على ما أجراهُ الله تعالى عليه. وهو اسمُ جنس، واحدهُ سحابة. وسمِّيَ سحابًا لأنه ينسحبُ في الجوّ، أي: يسيرُ في سرعةٍ كأنه يُسحَب، أي: يُجَرّ. (روح البيان).
165- {وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}.
… وأيقنتـُم أني شديدٌ عذابي لمن كفرَ بي وادَّعَى معي إلهاً غيري. (الطبري).
170- {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا}.
كتابَ الله الذي أنزلَهُ، فاعملوا بتحليلِ ما أحلَّ الله، وتحريمِ ما حرَّمَ الله في القرآن، ولا تتبعوا خطواتِ الشيطان. (روح البيان).
171- {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}.
فسَّرها في الآيةِ (18) من السورةِ بقوله: الصمُّ والبكمُ والعميُ جمعُ أصمَّ وأعمَى وأبكم، وهم من اتصفَ بالصممِ والبكمِ والعمي، فالصممُ انعدامُ إحساسِ السمعِ عمن مِن شأنهِ أن يكونَ سميعاً، والبكمُ انعدامُ النطقِ عمن مِن شأنهِ النطق، والعميُ انعدامُ البصرِ عمن مِن شأنهِ الإبصار.
172- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}.
ذكرَ أنه تقدمَ الكلامُ على الطيبات قريبًا. ويعني في الآيةِ (168) من السورة. {يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً}، ومما قالَهُ هناك: المرادُ بالطيبِ هنا ما تستطيبهُ النفوسُ بالإدراكِ المستقيمِ السليمِ من الشذوذ، وهي النفوسُ التي تشتهي الملائمَ الكاملَ أو الراجح، بحيث لا يعودُ تناولهُ بضرٍّ جثمانيٍّ أو روحانيّ.
174- {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
يعنـي موجع. (الطبري).
181- {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ}.
ذكرَ في تفسيرِ الآيةِ التالية، أن الإثمَ هو المعصية.
183- {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ}.
ذكرَ أن القولَ في معنى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ} ودلالتهِ على الوجوب، تقدَّمَ عند قولهِ تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ…}. [الآية 180].
قلت: وهناك أحالَ إلى الآيةِ (السابقة)، وهي في الآيةِ (178)، وقد قالَ هناك: معنى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ} أنه حقٌّ لازمٌ للأمة، لا محيدَ عن الأخذِ به.
184- {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}.
ذكرَ في الآيةِ (177) من السورة، أن المسكينَ هو الفقيرُ الذي أذلَّهُ الفقر، قال: وقد اتفقَ أئمةُ اللغةِ أن المسكينَ غيرُ الفقير، فقيل: هو أقلُّ فقراً من الفقير، وقيل: هو أشدُّ فقراً، وهذا قولُ الجمهور، وقد يطلقُ أحدُهما في موضعِ الآخَرِ إذا لم يجتمعا…
185- {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ}.
قالَ الإمامُ البغويُّ عند تفسيرِ هذه الآية: العددُ والعِدَّةُ واحد.
187- {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون}.
الآيات: دلائلُ الدينِ ونصوصُ الأحكام. (روح البيان).
188- {لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ}.
أي: طائفةً وبعضًا. (روح البيان).
189- {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى}.
أشارَ إلى الحديثِ عن “البِرّ”، في الآيةِ (177) من السورة، وأقتصرُ على نقلِ ما ذكرهُ من معناه، فقال: البِرّ: سعةُ الإحسان، وشدةُ المرضاة، والخيرُ الكاملُ الشامل، ولذلك توصَفُ به الأفعالُ القويةُ الإِحسان، فيقال: برُّ الوالدين، وبرُّ الحج، وقالَ تعالى: {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [سورة آل عمران: 92]. والمرادُ به هنا برُّ العبدِ ربَّهُ بحسنِ المعاملةِ في تلقي شرائعهِ وأوامره.
193- {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ}.
ذكرَ أن معناها كما سبق في الآيةِ (191) من السورة، وقد قالَ هناك: إشارةٌ إلى ما لقيَهُ المؤمنون في مكةَ من الأذى بالشتمِ والضربِ والسخرية، إلى أن كان آخرَهُ الإخراجُ من الديارِ والأموال.
194- {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}.
أمرٌ لهم بطاعةِ الله وتقواه، وإخبارهُ بأنه تعالى مع الذين اتقَوا بالنصرِ والتأييدِ في الدنيا والآخرة. (ابن كثير).
196- {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب}.
{فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ} أي: صيامِ ثلاثةِ أيام، {أَوْ صَدَقَةٍ} على ستةِ مساكين، لكلِّ مسكينٍ نصفُ صاعٍ من بُرّ. (روح البيان).
{أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب}: يعني لمن خالفَ أمره، وتهاونَ بحدوده، وارتكبَ مناهيه. (الخازن).
197- {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}.
الفسوق: الخروجُ عن حدودِ الشرع. وقيل: هو الذبحُ للأصنام. وقيل: التنابزُ بالألقاب. وقيل: السباب. والظاهرُ أنه لا يختصُّ بمعصيةٍ معينة، وإنما خصصَهُ من خصصَهُ بما ذُكِرَ باعتبارِ أنه قد أُطلِقَ على ذلك الفردِ اسمُ الفسوق، كما قالَ سبحانهُ في الذبحِ للأصنام: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ} [سورة الأنعام: 145]. قالَ في التنابز: {بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ} [سورة الحجرات: 11]. وقالَ صلى الله عليه وسلم في السباب: “سبابُ المسلمِ فُسوق”. ولا يخفى على عارفٍ أن إطلاقَ اسمِ الفسوقِ على فردٍ من أفرادِ المعاصي لا يوجبُ اختصاصَهُ به. (فتح القدير).
199- {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
قالَ رحمهُ الله عند تفسيرِ الآيةِ السابقة: الإفاضةُ هنا الخروجُ بسرعة، وأصلها من فاضَ الماءُ إذا كثر… وسمَّوا الخروجَ من عرفةَ إفاضةً لأنهم يخرجون في وقتٍ واحدٍ وهم عددٌ كثير، فتكونُ لخروجهم شدَّة…اهـ.
{إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}: واستغفِروا اللهَ لذنوبكم، فإنه غفورٌ لها حينئذٍ، تفضُّلاً منه عليكم، رحيـمٌ بكم. (الطبري).
201- {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً}.
جمعتْ هذه الدعوةُ كلَّ خيرٍ في الدنيا، وصرفتْ كلَّ شرّ، فإن الحسنةَ في الدنيا تشملُ كلَّ مطلوبٍ دنيوي، من عافية، ودارٍ رحبة، وزوجةٍ حسنة، ورزقٍ واسع، وعلمٍ نافع، وعملٍ صالح، ومركبٍ هني، وثناءٍ جميل، إلى غيرِ ذلك مما اشتملتْ عليه عباراتُ المفسِّرين، ولا منافاةَ بينها، فإنها كلَّها مندرجةٌ في الحسنةِ في الدنيا، وأما الحسنةُ في الآخرة، فأعلى ذلك دخولُ الجنة، وتوابعهُ، من الأمنِ من الفزعِ الأكبرِ في العرصات، وتيسيرِ الحساب، وغيرِ ذلك من أمورِ الآخرةِ الصالحة. (ابن كثير).
203- {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُون}.
{وَاذْكُرُواْ اللّهَ}: اذكروا الله بـالتوحيدِ والتعظيم. (الطبري).
وقالَ عكرمة: يعني التكبيرَ في أيامِ التشريقِ بعد الصلواتِ المكتوبات: الله أكبر، الله أكبر. (ابن كثير).
{وَاتَّقُواْ}: ذكرَ في الآيةِ (183) من السورة، أن التقوى الشرعيةَ هي اتقاءُ المعاصي.
206- {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ}.
أي: أخذتْهُ العزَّةُ من أجلِ الإثمِ الذي في قلبه، وهو الكفر. (النسفي).
214- {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء}.
ذكرَ أنه تقدَّمَ القولُ في السرّاءِ والضرّاءِ عند قولهِ تعالى: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء} [الآية 177]، وقد قالَ هناك: البأساءُ مشتقةٌ من البُؤْس، وهو سوءُ الحالة، من فقرٍ ونحوهِ من المكروه، قالَ الراغب: وقد غلبَ في الفقر، ومنه: {الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [سورة الحج: 28]. فالبأساء: الشدةُ في المال، والضرّاء: شدةُ الحالِ على الإنسان، مشتقةٌ من الضُّرّ، ويقابلها السَّرَّاء، وهي ما يَسُرُّ الإنسانَ من أحواله…
215- {قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}.
قالَ رحمَهُ الله: تقدَّمَ بيانهم في قولهِ تعالى: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ} [الآية 177 من السورة]، وكان ملخصُ ما قالَ هناك:
ذوو القربى، أي: أصحابُ قرابةِ المعطي، أمرَ المرءَ بالإحسانِ إليهم لأن مواساتهم تكسبهم محبَّتهم إياهُ والتئامهم. ثم ذكرَ اليتامى، وهم مظنةُ الضعف، لظهورِ أن المرادَ اليتيمُ المحتاجُ حاجةً دون الفقر، وَإنما هو فاقدُ ما كان ينيلهُ أبوهُ من رفاهيةِ عَيش، فإيتاؤهم المالَ يجبرُ صدعَ حياتهم. وذكرَ السائلين، وهم الفقراء. والمسكين، وهو الفقيرُ الذي أذلَّهُ الفقر، قال: وقد اتفقَ أئمةُ اللغةِ أن المسكينَ غيرُ الفقير، فقيل: هو أقلُّ فقراً من الفقير، وقيل: هو أشدُّ فقراً، وهذا قولُ الجمهور، وقد يطلقُ أحدُهما في موضعِ الآخَرِ إذا لم يجتمعا…
218- {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
واللهُ ساترُ ذنوبِ عبـادهِ بعفوهِ عنها، متفضِّلٌ علـيهم بـالرحمة. (الطبري).
219- {كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُون}.
آياتي وحُجَجي. (الطبري).
221- {وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}.
… لتتفكروا في وعدي ووعيدي، وثوابي وعقابي، فتختاروا طاعتي التي تنالون بها ثوابي في الدارِ الآخرة، والفوزَ بنعيمِ الأبد، على القليلِ من اللذَّاتِ واليسيرِ من الشهوات، بركوبِ معصيتي في الدنيا الفانية، التي من ركبَها كان معادهُ إليّ، ومصيرهُ إلى ما لا قِبَلَ له به من عقابي وعذابي (الطبري).
231- {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}.
قالَ رحمهُ الله في تفسير: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} في الآيةِ (229) من السورة: المعروفُ هنا هو ما عرفَهُ الناسُ في معاملاتهم، من الحقوقِ التي قررها الإسلام، أو قررتها العاداتُ التي لا تنافي أحكامَ الإسلام، وهو يناسبُ (الإمساك)؛ لأنه يشتملُ على أحكامِ العصمةِ كلِّها، من إحسانِ معاشرةٍ وغيرِ ذلك، فهو أعمُّ من الإحسان. وأما (التسريح) فهو فراق، ومعروفهُ منحصرٌ في الإحسانِ إلى المفارقةِ بالقولِ الحسن، والبذلِ بالمتعة، كما قالَ تعالى: {فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} [سورة الأحزاب: 49]..
233- {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
ذكرَ أنه تقدَّمَ تفسيرهُ آنفًا. وقد قالَ في مثله، في الآيةِ (110) من السورة: البصير: العليم، كما تقدَّم، وهو كنايةٌ عن عدمِ إضاعةِ جزاءِ المحسنِ والمسيء؛ لأن العليمَ القديرَ إذا علمَ شيئاً فهو يرتبُ عليه ما يناسبه، إذ لا يذهلهُ جهل، ولا يعوزهُ عجز، وفي هذا وعدٌ لهم يتضمنُ وعيداً لغيرهم؛ لأنه إذا كان بصيراً بما يعملُ المسلمون، كان بصيراً بما يعملُ غيرهم.
234- {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير}.
{يَتَرَبَّصْنَ}: قالَ في معناها، في الآيةِ (228) من السورة: يتلبَّثنَ وينتظرن.
{وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير}: واللهُ بما تعملونَ أيها الأولياء، في أمرِ مَن أنتم وليُّهُ مِن نسائكم، مِن عضلهنَّ وإنكاحِهنّ ممَّن أردنَ نكاحَهُ بـالمعروف، ولغيرِ ذلكَ مِن أموركم وأمورهم، خبـير، يعني ذو خبرةٍ وعلم، لا يخفَى علـيه منهُ شيء. (الطبري).
236- {وَمَتِّعُوهُنَّ}.
أي: أعطوهنَّ شيئاً يكونُ متاعاً لهنّ. (فتح القدير).
أي: أعطوهنَّ ما يتبلَّغن وينتفعن به. والحكمةُ في إيجابِ المتعة: جبرٌ لما أوحشها الزوجُ بالطلاق.. (روح البيان).
237- {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً}.
{وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} أي: قبلَ الجماع، {وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} أي: أوجبتُم لهنَّ شيئاً التزمتم به، وهو المهر. (زاد المسير).
239- {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}.
… كما ذكَّركم بتعليمهِ إياكم، من أحكامه، وحلاله، وحرامه، وأخبارِ مَن قبلكم من الأممِ السالفة، والأنباءِ الحادثةِ بعدكم، في عاجلِ الدنيا وآجلِ الآخرة، التي جهلَها غيركم، وبصَّركـم من ذلك وغيره، إنعامًا منه عليكم بذلك، فعلَّمكم منه ما لم تكونوا من قبلِ تعليمهِ إياكم تعلمون. (الطبري).
240- {وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
أي: واللهُ عزيزٌ في انتقامهِ ممَّن خالفَ أمرَهُ ونهيه، وتعدَّى حدودَهُ مِن الرجالِ والنساء… (الطبري).
241- {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِين}.
{مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ}: يعني بذلك ما تستمتعُ به من ثيابٍ وكسوةٍ ونفقةٍ أو خادم، وغيرِ ذلك مما يستمتعُ به.
{الْمُتَّقِين}: هم الذين اتقَوا الله في أمرهِ ونهيهِ وحدوده، فقاموا بها على ما كلَّفهم القيامَ به خشيةً منهم له، ووجلًا منهم من عقابه. (الطبري).
242- {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}.
أي: تفهمونَ وتتدبَّرون. (ابن كثير).
244- {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
يعني تعالى ذكره بذلك: {وَقَاتِلُواْ} أيها المؤمنون {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} يعني في دينهِ الذي هداكم له، لا في طاعةِ الشيطان، أعداءِ دينِكم، الصادِّين عن سبيلِ ربِّكم، ولا تجبنوا عن لقائهم، ولا تقعدوا عن حربهم، فإن بيدي حياتَكم وموتَكم، ولا يمنعنَّ أحدَكم من لقائهم وقتالهم حذرُ الموتِ وخوفُ المنيَّةِ على نفسهِ بقتالهم. (الطبري، باختصار).
245- {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً}.
عِدَةٌ من الله تعالى ذِكرهُ مُقرضَ ومُنفقَ مالهِ في سبيلِ الله، مِن إضعافِ الجزاءِ له على قرضهِ ونفقتهِ ما لا حدَّ له ولا نهاية. (الطبري).
246- {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِين}.
{نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ}: وذلك حين ظهرتِ العمالقة، قومُ جالوت، على كثيرٍ من أرضهم. (محاسن التأويل).
{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ}: فلمّا فُرِضَ عليهم قتالُ عدوِّهم والجهادُ في سبيله. (الطبري).
{نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ}: وأيُّ شيءٍ يمنعُنا أن نقاتلَ في سبيلِ الله عدوَّنا وعدوَّ الله؟
{تَوَلَّوْاْ} أي: أعرضوا وتخلَّفوا عن الجهاد، وضيَّعوا أمر الله، ولكن لا في ابتداءِ الأمر، بل بعد مشاهدةِ كثرةِ العدوِّ وشوكته. وإنما ذكرَ الله هاهنا مآلَ أمرهم إجمالًا إظهارًا لما بين قولهم وفعلهم من التنافي والتباين، {إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ}، وهم الذين عبروا النهرَ مع طالوتَ واقتصروا على الغرفة. (روح البيان).
247- {قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيم}.
{اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ}: أي: اختاره.
{مُلْكَهُ}: لما أنه مالكُ الملكِ والملكوت، فعّالٌ لما يريد، فله أن يؤتيَهُ من يشاءُ من عباده.
{وَاللّهُ وَاسِعٌ}: يوسِّعُ على الفقيرِ ويُغنيه، {عَلِيم} بمن يَليقُ بالملكِ ممن لا يَليق به. (روح البيان).
248- {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
أي: باللهِ وباليومِ الآخِر. (ابن كثير).
249- {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ}.
إنَّ جماعةً قليلةً، مؤمنةً في عقيدتِها وعزمِها وتوكُّلِها، تستمدُّ قوَّتَها من اللهِ ووعدهِ بالنَّصرِ والجزاءِ، ستَغلِبُ فئةً كبيرةً عدوَّةً لا تعتمدُ سِوى على قوَّتِها الظاهرة، بإذنِ اللهِ وتيسيرِه، فلا تُغني كثرتُهم مع خِذلانِ اللهِ لهم، ولا تَضرُّ قلَّةُ الفئةِ المؤمنةِ مع تأييدهِ ونصرهِ لهم.
250- {وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين}.
{وَلَمَّا بَرَزُواْ} أي: ظهرَ طالوتُ ومن معه وصاروا في بَرازٍ من الأرض، وهو ما انكشفَ منها واستوى، {لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ} أي: لمحاربتهم وقتالهم.
{وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين} أي: أعِنّا عليهم بقهرهم وهزمهم. (روح المعاني).
251- {فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء}.
{بِإِذْنِ اللّهِ} أي: بنصرهِ وتأييدهِ إجابةً لدعائهم.
{وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء}: أي: مما يشاءُ الله تعليمَهُ إياه، من صنعةِ الدروعِ بإلانةِ الحديد، وكان يصنعها ويبيعها، وكان لا يأكلُ إلا من عملِ يده، ومنطقِ الطير، وتسبيحِ الجبال، وكلامِ الحُكلِ والنمل، والصوتِ الطيب، والألحانِ الطيبة، فلم يعطِ الله أحدًا مثلَ صوته… (روح البيان).
والأحْكَل: الأعجمُ من الطيورِ والبهائم.
252- {تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ}.
قصصناها عليكَ من أمرِ الذين ذكرناهم {بِالْحَقِّ} أي: بالواقعِ الذي كان عليه الأمر، المطابقِ لما بأيدي أهلِ الكتاب، من الحقِّ الذي يعلمهُ علماءُ بني إسرائيل. (ابن كثير).