بقلم يسري الخطيب – موقع الأمة.
ما قامت حضارة في التاريخ إلا على أُسس العلم ، وما انهارت حضارة إلا وسبق ذلك إنهيار نظامها العلمي ، حتى الإمبراطوريات العسكرية الغاشمة على مدى التاريخ كان العلم بكل أبجدياته هو الهدف…
بدايةً من العربات الحربية للهكسوس، ومرورا بالعقول الإيطالية ، والتنظيم الإنجليزي، والروح الألمانية، وحضارات الفينيقيين والأندوز والفراعنة وسبأ وبلاد الرافدين، وكل ما سبق حضارة الإسلام العظمى …. كانت الثقافة التي تحملهم جميعا هي التفكير …
وهذا ما يجعلنا نبتسم كلما تذكرنا كلمات ” جوبلز ” وزير إعلام هتلر وهو يردد: عندما أسمع كلمة ثقافة أتحسس مسدسي ….
ما الفرق بين جوبلز والإعلاميين المصريين ؟! ……..
سأترك لكم الإجابة، لأتجول في حدائق المفكر الإسلامي المدهش “فوزي محمد طايل”، هذا الرجل الذي لا ينافسه سوى ابن خلدون والعقاد وسيد قطب وجمال حمدان….
وتبقى صرخة العقاد ” التفكير فريضة إسلامية ” هي دستور كل مجتهد وطالب علم، ويأتي الرد والتأكيد من فوزي طايل ” العلم أول قيم المنظومة الإسلامية “……
فالعلم هو كل ما وصل إلى إدراك الإنسان من معارف، مرتبة بطريقة نظامية ، ومكتسبة بالملاحظة، أو التجربة، أو الإستنباط، أو التلقين، أو الإلهام …
والعلم هو القوة التي إذا أحسنا تطبيقها وتوجيهها تُبنى قُوى الأمة ؛ التكنولوجية والإقتصادية والإجتماعية والعسكرية
وقد جعل الله تعالى العلم أعلى القيم التي يحملها الإنسان بصفة عامة، إذ بدأ به تكريم الله تعالى آدم واختصاصه بالخلافة في الأرض، رغم أنه لم يكن مقدرا له أن يكون أعبد مخلوقات الله لله…..
كما جعل الله تعالى أولي العلم من ذرية آدم في معيته جل شأنه ، للشهادة بوحدانيته ، فقال ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) 18 آل عمران
وكان هذا بمثابة تشريف ثان لطائفة من بني آدم ، أن كانوا ممن فضلهم الله تعالى بالعلم ….
( فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ) 114 طه
وعلى الرغم من عظم قيمة الإيمان، فإن الإيمان لا يُتصور إن لم يسبقه العلم، فبالعلم تُعرف وحدانية الله تعالى وصفاته … والعلماء هم أكثر الخلق معرفة بقدرة الله ؛ فالمؤمنون منهم هم أخشى الخلق لله تعالى، وجزاءً لهذا تكون مكانتهم هي المكانة العالية ، حتى وإن قلّ قدر ما يأتون من النوافل عن غيرهم من المؤمنين …..
(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) 9 الزمر
لقد جعل الله تعالى من الأدلة على صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم – أن حَوَى القرآن الكريم إشارات علمية، لم تبلغ إدراك البشر إلا بعد تنزيله بأكثر من ألف عام أو يزيد ، فجاءت كما وصفها القرآن الكريم ، ولا يزال القرآن الكريم يحتوي آيات كريمة لا يمكن للعقل البشري إدراك تفسيرها ، لأن الله لمّا يشأ بعد أن يعلم الإنسان ما تصفه هذه الآيات من علم وسنن كونية …….
(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) 11 المجادلة
(وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ) 15 النمل
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ) …. رواه الترمذي
وإذا كان للعلم وعاء وموضوع ، فإن وعاء العلم وموضوعه في الإسلام هما الإنسان، الذي يسّر الله تعالى له سُبل البحث، بل وجعل العلم فريضة عليه، وأجرى سُنة الكون إلى غاية، هي تسخير ما في السماوات وما في الأرض للإنسان بإذن الله تسخيرا لا حدود له إلا أن يشاء الله …
( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ ) 33 الرحمن
( إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) 24 يونس
وطلب العلم عملية مستمرة لا تتوقف منذ الولادة وحتى الممات، ومن ظن أن علمه اكتمل فقد بدأ رحلته إلى الجهل، والحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها، ولا يبالي من أي وعاء خرجت، فإنها من الله ، الذي لم يحدد صفة لمن ينعم عليه بها، إذ يقول تعالى :
( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) 269 البقرة
وطلب العلم بصفة عامة فرض عين، كلٌ حسب ملكاته وقدراته ، وعلى العلماء وأولي الأمر في الأمة أن يُبرزوا من أبناء هذه الأمة من يدرس، ويبحث، ويتفوق، ويلبي الإحتياجات العلمية للأمة في كل مجالات الحياة، من طب وهندسة وفلك وفضاء … وغيرها …
ولذا تأخرت مصر منذ 1952 إلى يومنا هذا لأنها أبعدت وأهانت واعتقلت العلماء والمفكرين والعباقرة في شتى المجالات..
وتظل الأمة آثمة ما لم تتفوق على غيرها من الأمم في المجال العلمي والتقني …