التعليم الإسلامي في أوروبا.. تنوع وصراع بين هويتين
إعداد محمد سرحان – هاني صلاح
يعاني التعليم الديني في أوروبا من بعض التحديات رغم مرور عدة عقود على وجود الأقليات المسلمة هناك، فبين الهوية الأم التي انحدر منها هؤلاء المسلمون، والهوية الجديدة التي وفدوا عليها؛ تعاني الأجيال الجديدة، وهو ما له تأثيره على التعليم الإسلامي بصورة خاصة.
وفيما يلي نلقي الضوء على بعض هذه التجارب في عدد من الدول الأوروبية.
فرنسا.. مساع للتنسيق
مع تنوع المناهج والمدارس الإسلامية في فرنسا، كانت الحاجة إلى مؤسسة تعمل على التنسيق بين هذه المدارس، فكانت «الفيدرالية الوطنية للتعليم الإسلامي الخاص في فرنسا»، التي يقول رئيسها «د. مخلوف مامش»: إن الفيدرالية هي منظمة تعنى بالتعليم النظامي الخاص، وتعمل على التنسيق بين المدارس الإسلامية الخاصة في فرنسا وتبادل الخبرات والتجارب، وكذلك تمثيل المدارس الإسلامية أمام وزارة التربية والتعليم، والدفاع عن حقوقها خاصة فيما يتعلق بالميزانية السنوية، بالإضافة إلى تنظيم التعليم الإسلامي الخاص، والسعي إلى توحيد المقررات وخاصة اللغة العربية والتربية الإسلامية.
بريطانيا.. صراع بين هويتين
حول واقع التعليم الإسلامي في بريطانيا، تقول «لانة الصميدعي»، داعية وناشطة مجتمعية: في حقيقة الأمر، إن التعليم الإسلامي في بريطانيا لا يقارن أبداً بنظيره الإنجليزي، فهو يأتي فقط في نهاية الأسبوع وخلال وقت قصير جداً تكاد تكون ساعة أو ساعتين في كل يوم من يومي العطلة، ولا يمكن أن يقارن ذلك بالكم الهائل من المعلومات التي يحصلها الطالب في المدارس الرسمية.
كما أن أولاد المسلمين في أغلبهم يفضلون الإنجليزية في التواصل بحكم كونها المتداولة والأسهل لديهم وممارستها على مدار اليوم، بعكس اللغة العربية التي لا يتعاملون بها سوى في المسجد أو مع أسرتهم في أوقات قليلة جداً، وهذا يشكل تحدياً كبيراً في تكوين إنسان يعرف تماماً كيف يفهم ويقرأ القرآن الكريم، وملم باللغة العربية الفصحى، وفي الوقت نفسه هو متكلم جيد ومحافظ على مستواه في اللغة الإنجليزية، وعليه فيها واجبات وارتباطات، وهي لغة التواصل مع المجتمع والصداقات.
وتوضح «الصميدعي» أن أغلب المدارس الإسلامية عبارة عن قاعات يتم استئجارها من المدارس الحكومية وقت عطلتها الأسبوعية، وهي في أغلب مناهجها مستنسخة من مناهج دول أخرى، فعلى سبيل المثال؛ مديرة المدرسة مصرية تأتي بمناهج من مصر وهكذا، وهناك مدارس تتبنى مناهج معتمدة للطلاب المسلمين في الغرب، ألّفها وأعدها مختصون تربويون بما يناسب الطلاب في بيئة غربية غير مسلمة.
وأشارت إلى أن القائمين على إدارة هذه المدارس أغلبهم مختصون، وانتقلوا إلى الغرب وبدؤوا يمارسون مهنتهم من خلال مدارس المساجد، أما المعلمات، منهن من قد تكون مؤهلة فعلياً وكانت تمارس نفس المهنة في بلدها، ومنهن أمهات تبرعن بجزء من الوقت والجهد للمساهمة في هذه المدارس.
سويسرا.. دور مستمر
يقول «د. باشكيم علي»، إمام مسجد وتزكون في زيوريخ: إن كل مسجد ملحق به مدرسة لتعليم المبادئ الإسلامية وقراءة القرآن، ولدى الألبان والبوسنيين والأتراك هذه المدارس تسمى «مكتب»، وقد بدأ نشاط هذه المدارس مع وصول العائلات المسلمة إلى سويسرا منذ الثمانينيات، وبدأ أطفالهم يلتحقون بالمدارس السويسرية ويتعلمون مهناً مختلفة في مدارس التأهيل في سويسرا، لاحقاً فكر المسلمون في فتح مساجد ومراكز إسلامية للصلاة وللتدريس لتربية أولادهم على مبادئ الإسلام وحفظ هويتهم الإسلامية، لكن المساجد كانت على أساس عرقي ولغوي، حيث إن الألبان لهم مساجدهم، والبوسنيين، والأتراك، والعرب.
وهذه المدارس بحسب “علي” تخدم الأطفال والكبار، فهي مقسمة لمراحل عمرية، ولكل مرحلة منهج يتناسب معها مع متطلباتها سواء كان تعليم القراءة أو القرآن أو اللغة العربية، ويشير إلى أن هذه المدارس تؤدي دوراً مهماً في أوساط المسلمين؛ إذ إنها تسهم في إعداد الأعضاء الجدد الذين سيلتحقون بالمساجد ويقومون على تربية النشء على المنهج الإسلامي.
رومانيا.. مدارس المسجد جدار آمن
في تصريحات لـ”المجتمع”، قال «د. أبو العلا الغيثي»، رئيس الرابطة الإسلامية في رومانيا: إن هناك تنوعاً ملحوظاً في المدارس العربية والإسلامية، لكن أغلبها مدارس خاصة، كما توجد مدارس لتعليم اللغة العربية والدين الإسلامي، وكلها تعتمد مناهج من دول عربية، وما يميزها عن المدارس الرومانية فقط هو تدريس اللغة العربية وقليل من التربية الإسلامية، لكن مادتها العلمية ضعيفة ولا تؤهل الطلاب للجامعات الرسمية كأقرانهم ممن درسوا في المدارس الرومانية.
وأشار “الغيثي” إلى أن برامج المركز الإسلامي في مؤسسة طيبة، لتعليم التربية الإسلامية، واللغة العربية، ويحضره أكثر من مائتي تلميذ، ويطمح أن تكون أنشطة المساجد بمثابة ملاذ لأبناء المسلمين الذين يدرسون بالمدارس الرومانية في محاولة لتعويضهم عما يفتقدونه في هذه المدارس.
ألمانيا.. تنوع وتحديات
«د. علي الشافعي»، نائب رئيس هيئة العلماء والدعاة وإمام مركز النور بكالسروه، يقول: إن التعليم الإسلامي في ألمانيا ينقسم إلى ثلاثة نماذج؛ المدارس الحكومية الرسمية، إذ تقوم بتدريس الدين الإسلامي، وما تتمتع به هذه المدارس من إمكانات وخبرات، لكن الإشكالية في أن الإسلام الذي يتم تدريسه يمكن أن نسميه إسلاماً هامشياً عبارة عن مجرد أفكار بسيطة للغاية، ولا يخلو من بعض الأفكار التي لا تتناسب ومعتقداتنا؛ أي يمكن أن نقول: إنه في إطار الإسلام الأوروبي الذي يراد صياغته.
وبحسب “الشافعي”، ثم تأتي المدارس الخاصة وهي مكلفة؛ إذ إن استئجار المقرات مكلف جداً؛ نظراً لغلاء الأسعار، وهذا يتسبب في رفع الرسوم الدراسية، والمدارس من هذا النوع قليلة جداً، والإقبال عليها ضعيف، بينما النوع الثالث فهو مدارس اللغة العربية ومدارس القرآن الملحقة بالمساجد، ويلاحظ أن هذا النوع من المدارس منتشر كثيراً تبعاً لانتشار المساجد، ويكاد لا يخلو مسجد من مدرسة، وتتميز مدارس المساجد بأنها غير مكلفة، فهي برسوم رمزية، كما أن تردد الطلاب عليها يربطهم بالصلاة نظراً لوجودهم بالمسجد، وهناك تحسن كبير في أداء ونشاط مدارس المساجد، وعلى سبيل المثال؛ فإن مدرستي اللغة العربية والقرآن في مسجد النور في كالسروه حالياً تستقبل 300 طالب.
ويشير “الشافعي” إلى بعض التحديات التي تواجه التعليم بالمساجد، من أهمها غياب منهج موحد، فالمناهج خاضعة لتوجه إدارة المسجد، كما أن أغلب القائمين عليها متطوعون وغير مؤهلين، لكن هناك تحديات عامة تواجه التعليم الإسلامي في هذه المدارس الثلاث، من بينها ضعف متابعة الأسرة لقلة الوقت مع انشغال الأبوين في العمل، وكذلك ضعف التمويل بالنسبة لأنشطة المساجد.
صربيا.. تاريخ ممتد
في صربيا، نكتفي بالإشارة إلى مدرسة «الغازي عيسى بك» الثانوية الإسلامية بمدينة نوفي بازار بإقليم السنجق، وهي إحدى المدارس الخمس التي ذكرها المؤرخ التركي الشهير «أوليا جيليبي» في القرن السابع عشر بمدينة نوفي بازار.
ويقول “د. رشاد بلويوفتش”، مدير المدرسة ونائب رئيس المشيخة الإسلامية: تأسست المدرسة مع تأسيس مدينة نوفي بازار على يد الغازي “عيسى بك” في القرن الـ15 الميلادي، وبطول هذه العقود واجهت مشكلات مختلفة، منها إغلاقها الإجباري وتوقف عملها من قبل النظام الشيوعي عام 1946م، لتعود إلى العمل مجدداً عام 1990م، وتواصل تخريج الأجيال، وتنقسم المواد الدراسية إلى ثلاثة أقسام: الدينية، والعامة، واللغات.
ويوضح “بلويوفتش” أن المواد الدينية مثل القرآن، الحديث، الفقه، التفسير، التاريخ الإسلامي، العقيدة، الأخلاق، بالإضافة إلى اللغات العربية والإنجليزية والتركية والبوسنية، بينما المواد العامة هي المواد التي تمكّن الطالب من الالتحاق بأي كلية يريد الالتحاق بها، سواء كانت إسلامية أو عامة في صربيا أو في العالم، وشهادتها معترف بها لدى الدولة، مشيراً إلى أن المدرسة حالياً بأقسامها للبنين والبنات بمدينة نوفي بازار، أو فروعها بمدينة روجاي بالجبل الأسود، وبريشيفو بجنوب صربيا، ويدرس بها حوالي 450 طالباً، كما أن بالمدرسة سكناً للطلاب والطالبات.
كوسوفا.. علمانية تمنع الدين
من غرب منطقة البلقان، يلفت النظر في تصريحات لـ”المجتمع”، «د. عيني سيناني»، أستاذ العلوم الإسلامية بمدرسة “علاء الدين” التابعة للمشيخة الإسلامية بالعاصمة بريشتينا، إلى أنه في كوسوفا يمنع تدريس المواد الدينية بالمدارس أو الجامعات سواء الحكومية أو الخاصة، وبالرغم من مطالبات المشيخة الإسلامية المستمرة لتدريس الدين بالمدارس مثل كثير من الدول الأوروبية؛ فإن الحكومات الكوسوفية المتعاقبة لم تبد أي استعداد لذلك بزعم أنها نظام علماني!
وأضاف: حالياً في كوسوفا يتم تدريس العلوم الدينية بمدرسة المشيخة الإسلامية “علاء الدين” بالعاصمة بريشتينا، وفرعيها بمدينتي جيلان وبريزرن، حيث يدرس مئات الطلبة والطالبات بالمراحل الدراسية قبل الجامعية العلوم الحياتية بجانب العلوم الدينية، وبالإضافة لذلك فهناك كلية الدراسات الإسلامية التي تمنح شهادة البكالوريوس والماجستير لطلابها.
وتابع: كما يتم تدريس العلوم الدينية بمساجد كوسوفا؛ وتنظم المشيخة الإسلامية بمدرسة علاء الدين مسابقة سنوية لاختيار أفضل مسجد على مستوى كوسوفا في تدريس العلوم الدينية، حيث يتم تكريم الطلاب مع الإمام الذي قام بتدريسهم.
ألبانيا.. إشكاليات «كورسات» القرى
وإلى الجنوب، ومن مدينة دورس الساحلية بغرب ألبانيا، شددت «ألما بومي»، الداعية بمكتب مفتي المحافظة، على أهمية الاهتمام بـ»الكورسات» الدينية التي يتم تنظيمها بمساجد القرى، خاصة أنه توجد وفرة في عدد معلمي العلوم الإسلامية بالمدن، وهو ما يحتم الانطلاق للقرى لتعليم الأطفال بها، إلا أنها لفتت إلى وجود إشكاليات تحد من دور المشرفين على «كورسات» القرى.
وتابعت: الإشكالية الأولى تتمثل أولاً في عدم توافر رواتب لمشرفي «الكورسات»؛ ما يجعلهم ينصرفون لأعمال أخرى يستطيعون العيش من خلالها.
وأضافت: الإشكالية الثانية التي تواجه بعض المعلمين الذين استمروا في التدريس بـ»كورسات» بالقرى هي الصعوبات التي يواجهونها في الانتقال إليها، نظراً لبعدها وعدم توافر مواصلات عامة بشكل دائم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا يجدون المكان الملائم لتدريس الأطفال بهذه «الكورسات»، حيث لا توجد فصول دراسية، وإن وُجدت فإنها تستخدم كمخازن لأدوات المسجد.
(المصدر: مجلة المجتمع)