“التطبيع” واستهداف ثوابت الأمة
الجديد مع انتشار الدراما وتأثيرها القوي هو محاولة أعداء الأمة التسلل إلى عقول شباب الأمة بمسلسلات درامية مؤثرة تستهدف إزاحة قيم إسلامية لصالح قيم أخرى فاسدة، بحيث تبدو أمور مثل مصاحبة الفتيات و»السينجل مازر» (الأم العزباء المستقلة) التي تقيم علاقات بلا رابط شرعي، والتعاطف مع يهود «إسرائيل»، وغيره، أموراً عادية.
هذا التغيير الذي يستهدف القيم بإحلال أخرى غربية وصهيونية بدلاً منها، ما هو إلا المعول الأساسي الساعي إلى ترسيخ قواعد التطبيع في المجتمع المسلم، سواء التطبيع مع الباطل أو التطبيع مع الحرام، أو التطبيع مع السلوكيات الفاسدة، وآخرها التطبيع مع العدو الصهيوني الذي تعاظم مؤخراً في صورة مسلسلين خليجيين يروجان للتطبيع.
فقد كتبت فضائية خليجية شهيرة، وصحيفة أخرى خليجية، مثلاً عن مسلسل «أم هارون» أنه «يجسّد الأخوة الإنسانية؛ يصحح صورة اليهود من خلال إظهار خليجيين يلبسون زي اليهود، ويتحدثون العبرية ويعبدون ﷲ بالطقوس اليهودية؛ ينأى عن معاداة اليهود التي تبنّاها إسلاميون، وينقّي التراث الديني الحافل بالعداء لليهود»!
هنا يجب الانتباه إلى أن مسلسل «أم هارون» جزء من «صفقة القرن»؛ لأنه يأتي ضمن محاولات كسر الحواجز من أجل التطبيع، والترويج له بقوة.
فالهدف هو التطبيع الثقافي مع الاحتلال والدعوة له، عبر جهات عربية؛ لتشويه الوعي، والسعي لتبرير التطبيع مع المحتل، ومن ثم تبرير السياسات التي تتخذها بعض الحكومات العربية أو الإسلامية بالتطبيع مع الاحتلال.
هدم المقاومة
مقابل هذا السعي لضرب قيم المجتمعات الإسلامية لفرض التطبيع مع الباطل والاحتلال، تجري محاولات حثيثة لضرب المقاومة ضد هذا التطبيع المفروض والقضاء عليها، سواء عبر استهداف المقاومة الفلسطينية المسلحة أو الشعبية (الانتفاضات).
ففي الخطاب المتصهين التطبيعي الجديد الذي يتبناه بعض المثقفين والنشطاء المتغربين العرب، يُشار إلى مقاومة الظلم في فلسطين بـ «الإرهاب»، بينما تبقى الصهيونية بعيدة عن هذا الربط، ويشيع في الخطاب السياسي والصحفي العربي التحذير من عواقب الفشل في الوصول إلى تسوية بالقول: إن ذلك سيفجّر الإرهاب (الذي يقصدون به العربي طبعاً!).
الأكثر خطورة أن من ينزعون لتأييد التطبيع يتحول بعضهم من تأييد للكيان الغاصب إلى انقضاض على الإسلام ومقدساته وعلى فلسطين ومرابطيها، فلا يرون حرجاً في قيام مستوطنين باقتحام الأقصى للصلاة فيه بحجة التسامح، وبالمقابل يهاجمون المقاومة الفلسطينية ويعتبرونها إرهاباً، وبعضهم لا يرى مشكلة في تهنئة الصهاينة في أعيادهم ومناسباتهم بدعوى أنهم «أهل كتاب».
أيضاً تجري –بالتوازي- عمليات دعم غربية وصهيونية لحكام عرب لا يرون مشكلة في التطبيع مع العدو الصهيوني، ويعادون المقاومة، ويسعون لدعم عمليات تبديل القيم في بلادهم وطمس الهوية الإسلامية وضرب أي معارض لهذا سواء كانت قوى وطنية أم إسلامية، ووصمها بالإرهاب؛ لأن هذا يضمن لهم البقاء في الكرسي.
صناعة الجهل
ويجب ألا ننسى ونحن في خضم المعركة بين المقاومة والتطبيع أن هناك صناعة تسمى «الجهل» يجري استخدامها بكثافة في العالم العربي والإسلامي من أجل تمرير هذا التطبيع عبر نشر حقائق زائفة.
فهو علم متخصص تشرف عليه مؤسسات تديرها دول عظمى لتعميق وترسيخ هذا الجهل في المجتمعات الإسلامية خصوصاً، وهو ما يفسر كثيراً من مظاهر التخلف الفكري الذي يجري استغلاله لترسيخ قيم التطبيع محل قيم المقاومة، وخلق أعداء من الداخل للإلهاء عن أعداء الخارج، أو التمهيد للتصالح مع العدو الخارجي.
(المصدر: مجلة المجتمع)