مقالاتمقالات مختارة

“التصينن”.. تبشير بـ”دين جديد”

“التصينن”.. تبشير بـ”دين جديد”

بقلم محمد أمين

يحاول البعض التبشير بالصين، وعصرها القادم بعد أن “نجحت” في مكافحة وباء كورونا، ويستدل على ذلك بشكل صريح ومبطن بأن تجربتها في مكافحة كورونا أثبتت أن النظم الشمولية أكثر قدرة ونجاعة في مواجهة الأوبئة والصعاب، بسبب السلطات الاستثنائية التي يملكها صناع القرار فيها، ويمضي رواد هذا الاتجاه وأغلبهم من أنصار نظم الاستبداد في العالم، وخاصة العالم العربي، أو أيتام الشيوعية السوفيتية بالتبشير بالصين قائدا حتميا للعالم، ما بعد كورونا.

لا نعلم لماذا يصر أنصار الصين أو ” المتصيننون” -كما جاء في مقال لأحد الزملاء في هذه الزاوية سابقا- في سياق “تصيننهم” أن يعتبروا نجاح بلد في مكافحة وباء، معيارا أو مؤهلا له لتسيد العالم، الغريب كذلك أنك عندما تناقش ” المتصيننين” -وأستعمل هذا الوصف بتصرف- فإنهم يعمون أبصارهم عن نجاح تجارب دول أخرى ليست شمولية  في مواجهة كورونا مثل كوريا الجنوبية واليابان وهما دولتان ديمقراطيتان، ما يؤشر على انحيازهم المسبق وتحييدهم العقل في التبشير بهذا “الدين الجديد” أو ” الصين الجديد”، لماذا كذلك يصرون على اعتبار الاستبداد شرطا من شروط النهضة؟.

رغم مكانة الصين التي حصدتها في السياق الدولي، واقتصادها الضخم والصاعد، إلا أنه لا يمكن لنظام شمولي مستبد أن يكون مؤهلا لأن يسود العالم أو يقوده، ونعود في التأصيل لهذه الفكرة إلى ما قاله الكواكبي مبكرا: الاستبداد هو أًصل الفساد، وحيث أن الاستبداد لا يصنع نهضة، فإن الفساد المتأصل في نظم الاستبداد كفيل بأن يعجل بزوالها، ما يميز النظام الديمقراطي عن الشمولي، أن في الأول آليات مراجعة ذاتية مستمرة تجعله قادرا على الإفادة من الأخطاء وابتكار آليات جديدة ومتجددة للتعامل معها، وفيه كذلك نظام محاسبة ذاتية تقوم بها المؤسسات، وهذا ما أشار له الكاتب المصري الراحل الأستاذ محمد حسنين هيكل في معرض تحليله لسر استمرار تسيد أمريكا للعالم.

   

ففي كتاب هيكل “الإمبراطورية الأمريكية والإغارة على العراق”، يذكر الرجل أن عوامل المراجعة والتصحيح الذاتي داخل النظام الأمريكي هي السر في جعله قادرا على الاستمرار والنهوض بقوة من الأزمات التي تعتريه، الكاتب المصري طبعا لا يقول أن زوال الإمبراطورية الأمريكية مستحيلا، لكنه يشير إلى أن وجود هذه الخاصية فيه تأخر من سقوطه، وحيث أننا ننتقد “المتصيننين” فإننا لسنا “متأمركين”، بل نقر بما ارتكبته أمريكا من جرائم في العالم كله، وما تسببت به على وجه الخصوص من مآس في منطقتنا العربية والمسلمة، لكننا نقول أنه ليس من الحكمة في شيء تمني استبدال ظالم بظالم أكثر استبدادا وبشاعة منه، فالصين ونظامها الشمولي الذي يخلوا من تعدد الآراء، ويقمع شعبه لا يمكن أن يكون أكثر عدالة من نظام ديمقراطي فيه علات.

الصين التي يبشر بها مغرموها “المتصيننون”، تهرب من التعاون في تحقيق دولي تدعو له الأمم المتحدة، للوقوف على ملابسات انتشار الفايروس وبدايته، فلماذا تتهرب إن كانت متأكدة من براءتها وعدم اخفائها معلومات عن المجتمع الدولي؟ أم أنها تخشى من كشف ما حاولت مبكرا دفنه مع الوباء في ووهان، حيث جثة الطبيب الذي حذر مبكرا من الوباء، ليموت في ظروف غامضة، وحيث المختبرات هناك التي كانت تعمل في إجراء تجارب على الفيروسات دون توفر أدنى قدر من المعايير الصحية وفقا لما أشار له تقارير للمخابرات الأمريكية ومخابرات دولية أخرى، رجحت بشكل أو بآخر من فرضية حدوث خطأ ما غير مقصود في تلك المختبرات تسبب بهذه الكارثة وانتشار الفايروس؟

هل سيكون لكورونا وتداعيات الوباء أثرا على الاقتصاد والانتشار الصينيين كما أثر عليها سابقا الطاعون الأسود؟، أعتقد أن الجواب نعم لأن العالم بات متيقنا من أن الصين أخفت الوباء لشهرين على الأقل، وربما بتواطيء مع منظمة الصحة العالمية، ما جعل مصداقية الطرفين محل شك كبير، أختم بخلاصة أعجبتني لزميل صحافي شبه تبرع الصين بتقديم 30 مليون دولار لمنظمة الصحة العالمية لدعم جهود مكافحة وباء ‫كورونا بأنه “يشبه تبرّع شخص بدولار واحد من أجل إعادة بناء منزل أحرقه بنفسه”.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى