بقلم أحمد بغدادي
(4)
لم يقتصر دور بعض رجال السلطة السوريين والمشايخ الإيرانيين وغيرهم على نشر التشيّع في المدن السورية وقراها، بل إن هنالك أذرعاً منها خفيّة، ومنها عملت على التبشير بشكل علني وممنهج. فعلى سبيل المثال في محافظة دير الزور الشمالية الشرقية، اعتمد الإيرانيون _ رجال ولاية الفقيه _ على عدّة أساليب مدروسة، بدايةً من استقطاب رجال العشائر ووجهاء القرى والمناطق في المحافظة، وصولاً إلى السكان المحليين من العوام. فمثل عضو مجلس الشعب “محمد أمين” ووالده “حسن الرجا” كانت لهما صولة وجولة في ظاهرة التبشير الشيعي، وكذلك شيخ قبيلة “البكَـارة” في سورية “نواف البشير“، لعبَ دوراً خطيراً أيضاً، حيث اشتغل الأخير على العواطف الدينية مستغلاً بساطة الناس هناك من أبناء (عشيرته) ناشراً أقاويلَ وحكايات عن صلةِ العشيرة ونسبها للإمام “محمد الباقر” من آل بيت النبي محمد (ص)، وهذا بحثٌ آخر بالنسبة للأنساب؛ واستغلَ مع أزلامه حاجة الأهالي المادية وفقرهم، التي كانت ممرّاً واسعاً لدخول ملف التشيّع في تلك القرى وبعض المناطق في المحافظة.
لنقل إنّ التبشير الشيعي في محافظة دير الزور ليس جديداً، فمنذ عام 1987 شرعت إيران ببدء مشروعها بشكل واسع على الجغرافيا السورية، حيث ارتكز عملها على القرى والمناطق والأرياف بسبب تفشّي الجهل الذي دعّمه نظام الأسد، وقلة الوعي بين الناس هناك. وكما ذكرنا في الأجزاء الأولى من الملف دور “جمعية المرتضى” التي أسسها “جميل الأسد” شقيق رأس الهرم “حافظ الأسد” في نشر التشيع ضمن أرياف حمص وحماة والبادية السورية، كان دور رجالات النظام وبعض وجهاء العشائر منوطاً بالمنطقة الشرقية من سورية.
وبإشارتنا إلى التوجّه الإيراني التبشيري في محافظة دير الزور، من ناحية العمل على الجماعات والأفراد، يجب ألا نغفل المخطط الموازي لهذا التوجّه من حيث بناء “الحسينيات والحوزات” في مناطق وقرى المحافظة، ومنها “قرية الصعوة _ قرية حوايج بومصعة _ قرية مرّاط _ حطلة _ مدينة البوكمال”.. وهذه الاستراتيجية تعدّ أخطر بكثير من الدعوة الشفويّة، فبناء أمكان “عبادة” يعتبر من مخططات التغيير الديمغرافي وتغيير معالم المناطق المستهدفة عبر المشروع الإيراني؛ طبعاً قد يسأل البعض عن سبب التغوّل الإيراني في المحافظة، والاهتمام بتغيير الطابع المذهبي لأغلب مدن وقرى المحافظة!
الإيرانيون يطمحون منذ سيطرتهم على المشهد العراقي في عام 2004 بفضل الغزو الأمريكي 2003 لضمّ ودمج القرى السورية والبلدات الحدودية مع العراق إلى النسيج _الشيعي_ لترك موطئ قدم والسيطرة على الطريق البرّي بين البلدين كون محافظة دير الزور لصيقة بالعراق، علاوةً على ذلك، أغلب سكان المحافظة لهم امتداد عشائري ومصاهرات وقرابة بين البلدين تاريخياً.. وهذا ما دفع أهل العمائم السوداء إلى _الاستذئاب_ واللهاث بشكل جنوني للسيطرة على أكبر عدد ممكن من عقول أبناء المحافظة وتحويلهم إلى موالين “مذهبيين” لهم، كي يضمنوا تحقيق مشاريعهم الخبيثة وتمرير مصالحهم في سورية.
لم نرَ استهجاناً أو حتى وقفةً صارخة وصريحة لــ”مشايخ الشام” وغيرهم في وجه هذا التمدّد الشيعي التبشيري في سورية!! فمنهم من يعزو ذلك إلى حريّة اختيار العقيدة الدينية والمذهب، ومنهم بقيّ صامتاً لمعرفته بالجانب الأمني السوري المصاحب لهذا المشروع؛ فكبار رجال المخابرات السورية والمسؤولين في الدولة، يقفون مع هذا المشروع ويدعمونه حتى (عسكرياً) بالاعتقالات في حال خرجت أمامهم ألسنةٌ وأفواهٌ تدعو إلى وقف هذا المخطط الخبيث؛ ففي عام 2006 أكتوبر/ تشرين الأول، أثارت تصريحات الداعية السعودي الشيخ “سلمان العودة” جدلاً في الساحة السورية حول انتشار المدّ الشيعي في بلاد الشام وسورية تحديداً على خلفية قيام مؤسسات إيرانية ببناء مرقدي الصحابي “عمار بن ياسر” والتابعي “أويس القرني” في محافظة الرقّة، وافتتاح مركز ثقافي ضمنها. وردّاً على “العودة” اعتبرت بعض الرموز الدينية _شيعيّة، سنيّة _ هذه التصريحات “مبالغة” فيها ،وما يسمى بالتشيّع في سورية هو فقط حالات فرديّة!
وبدافع لجم الأفواه و”تطميش” الأعين، وبسبب الهواجس المنتشرة بشأن التشيّع في سورية، أعلن في نوفمبر/ تشرين الثاني 2006 عن تأسيس “جمعية التآخي بين المذاهب الإسلامية في سورية” برئاسة الدكتور “صلاح الدين كفتارو” الذي التقى بــ” آية الله الشيخ محمد علي التسخيري” الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية في إيران؛ فجاءت هذه الحركة الحكوميّة غطاءً مناسباً لإكمال مخطط التبشير الشيعي في سورية، إضافةً إلى ذلك، أتاح للمستشارية الثقافية الإيرانية في دمشق دوراً أكثر بروزاً بدعم المخطط، ولا ينحصر ضمن ذريعة النشاطات الدينية والثقافية لدسّ السموم الطائفية!
نستنتج هنا، أنّ بعض رجالات الدين “السنّة” لهم دور فعّال في دعم ملف التشيّع وتمريره عبر المدن السورية، وذلك لمصالح ماديّة بحتة، وسلطوية أخرى!
أما عن “جمعية البستان” التي أسسها “رامي مخلوف” ابن خال “بشار الأسد” عام 1999 والتي تعدّ النسخة الأخرى عن “جمعية المرتضى” لكن بمنهج آخر، بدأت بالمشاريع (الإغاثية والخيرية) في محافظة اللاذقية وريفها لتصل إلى دمشق منطقة المزة 86 ذات الطابع “العلوي” من حيث التركيبة السكّانية. فعملت الجمعية بدايةً على مشاريع خدمات بنى تحتية ودراسية واجتماعية تخص أبناء الطائفة “العلوية”، لتتحوّل فيما بعد لمنصةٍ تدعو إلى كسب الجمهور _العلوي، الشيعي _ وازداد نشاطها في دمشق ليأخذ طابعاً عسكرياً _دمويّاً _ من خلال تجنيد أبناء الطائفة وغيرهم من ضعاف النفوس لقمع الاحتجاجات السلمية إبان انطلاق الثورة السورية في آذار 2011 بكافة الوسائل الدموية.
عمد الرأس الكبير رئيس مكتب الأمن القومي _ هشام بختيار _ إلى دعم ملف التشيّع في سورية بشكل غير مسبوق، وكان له صدى في المجتمع السوري؛ إذ إنه بادر إلى تكريس التبشير ضمن المعاهد والمدارس التابعة لوزارة الأوقاف السورية بمباركة وإذعان من قبل الوزير “محمود السيد” لتصبح المعاهد والمدارس والحوزات الشيعية تضاهي السنيّة تقريباً! ومن المنفذين لهذه الخطة ساعده اليمين “عبد الله نظام” _مستشار الشؤون الدينية_ الذي كان يحمل على عاتقه مشروع التشيّع في سورية.
وضمن الخطة التي نفذها نجد أنّ:
(1) جدول إحصائي لعدد المعاهد والثانويات السنيّة _ الشيعية:
فالعامل المهمّ الذي استقطب بعض المواطنين كما ذكرنا آنفاً هو _المال_ والحاجة الماسّة لتحسين الوضع المعيشي، وقد لعبَ بعض أزلام النظام أدواراً قذرة منها الضغط والابتزاز الرخيص لأهالي بعض المساجين لإخراجهم مقابل تشيّعهم وتوظيفهم في تجنيد أناس يواظبون على تسيير أمور التبشير للمذهب الشيعي تقابله إغراءات مادية وامتيازات سلطوية على أبناء منطقتهم.
(2) رسم بياني حول توزيع المتشيعين في سورية على الطوائف:
مراجع:
- 1 كتاب البعث الشيعي في سوريا 1919-2007/ د. عبد الرحمن الحاج
- 2 تقسيم سوريا.. مئة عام من الخطط والمحاولات (1916 – 2016)/ مركز إدراك للدراسات والاستشارات
نهاية الجزء الرابع
لقراءة الجزء الأول: التشيّع في سورية “بين الماضي والحاضر” [1-5]
لقراءة الجزء الثاني: التشيّع في سورية “بين الماضي والحاضر” [2-5]
لقراءة الجزء الثالث: التشيّع في سورية “بين الماضي والحاضر” [3-5]
يتبع..
(المصدر: حرية برس)