التسويق الشبكي الهرمي: كيف تخترق الشركات المجتمعات وتستعبد اليد العاملة
بقلم قصي أبو يوسف
صاح سامي: “هذه هي الطريقة التي سوف أحصل فيها على الثراء السريع وأشتري به السيارات والعقارات” عندما عرض عليه ابن عمه خالد العمل معه في التسويق الشبكي الهرمي، ولكن لم يكن سامي على علم بالمصيبة التي وقع بها والكارثة التي حلت عليه وعلى وظيفته المتواضعة في الشركة الصغيرة التي يعمل بها كموظف استقبال.
فما هو التسويق الشبكي الهرمي؟ وكيف يجني هذا النوع من الاحتيال على اليد العاملة البسيطة؟ فيستعبدها ويستغلها ويسرق كل مدخراتها، بل ويغرقها بالديون الكبيرة التي لا تُحتمل.
ما هو التسويق الشبكي “الهرمي”؟
التسويق الشبكي الهرمي مشروع احتيال قائم على بناء هرم بشري وهمي يدخل فيه الشخص مقابل دفع مبلغ ضخم نسبيًا، قد يصل لما يقرب من 2000 دولار في بعض الدول، وفي الدول النامية قد يصل لما يقرب من 200 دولار أمريكي، فيُعطى الشخص المنتسب الجديد منتجًا بخس الثمن لقاء هذا المبلغ ويوعد بالأرباح المركبة على كل شخص يقنعه بالانضمام لهذا الهرم.
فإن عدنا إلى خالد نجد أنه قد دفع مبلغًا وليكن 2000 دولار لقاء ساعة لليد كشرط انتساب لهذا الهرم، ووُعد بأرباح على كل شخص يأتي من طرفه، فحاول أن يقنع ابن عمه سامي بهذا المشروع، وفعلًا قَبِلَ سامي ودخل في المشروع، ودفع سامي كذلك 2000 دولار أيضًا، وكسب خالد 100 دولار فقط! كأرباح له لقاء جلب سامي (نسبة الأرباح مختلفة حسب ترتيب الشخص في الهرم ومعايير أخرى، ولكن الرقم المذكور للتوضيح فقط -طبعًا الأرباح تظل بخسة بمقابل المبلغ المدفوع-).
يقوم هذا المشروع الهرمي على جلب أكبر عدد من الناس للهرم ليكبر فيزداد أرباح رأس الهرم وهم المؤسسون له، فالهرم يعتمد كما في الصورة المرفقة على الربح بالتدرج وفق الهرم، فرأس الهرم يحظى بالكم الأكبر، ومن تحته يحصلون على الفتات حسب طبقتهم في هذا الهرم، فيسعى المنتسبون الجدد إلى زيادة الناس الآتين من طرفهم علّهم يعوّضون بعضًا مما خسروه في البداية.
الإقناع والإيقاع في التسويق الشبكي الهرمي
صاحبنا سامي كان يعمل في تلك الشركة المتواضعة -كما ذكرنا- إلى أن جاء إليه ابن عمه خالد بهذا العرض، فبدأ محاولة إقناعه بترك العمل الوظيفي، وأنه يجب أن يبدأ بتحقيق أحلامه بالزواج، شراء البيوت، العقارات، والسفر إلى السواحل، والمناطق السياحية لقضاء صيفه مسترخيًا على أحد الشواطئ الدافئة.
وأن العمل ضمن وظيفة هو العبودية بعينها –عبودية القرن الحادي والعشرين-، وبالفعل أقنعه بترك الوظيفة ليبدأ العمل على استقطاب الناس لهذا الهرم ليكسب المال الكثير ويحقق ما غُسل ذهنه به من أحلام الثراء السريع.
تستخدم شركات التسويق الشبكي الهرمي الإقناع بالإغراء والصدمة لتحقق أهدافها باستهداف عملاء جدد أكثر فأكثر، فيُدرَّب الضحايا الجدد في هذا الهرم على تقنيات الإقناع والتأثير ضمن دورات خاصة ومؤتمرات مغلقة؛ للحفاظ على سرية العمل، وللأسف يُسلّم الضحايا عقولهم للمسؤولين عنهم في الهرم ليبدأوا بغرس أفكار في ذهنهم عن مفهوم النجاح وتحقيق الذات كما تفعل البرمجة اللغوية العصبية والمخادع من التنمية البشرية.
تقع الضحية بين سندانين؛ سندان المبلغ الضخم الذي دفعته لهذه الشركة وسندان البدء بالإيقاع بغيرها، والأقارب أولًا طبعًا؛ فهم أكثر الناس قابلية لتصديق وقبول عرض العمل؛ بحكم مصداقية الشخص لدى أقاربه، وهذا ما يعلِّمه فراعنة هذا الهرم للضحايا.
فأنت أمام خيارين أحلاهما مرّ إما أن تترك مدخراتك -أو ما تديّنته من الناس للاشتراك بهذا المشروع- أو أن تبدأ بإيقاع الناس معك لتحاول أن تعوض ما خسرته -هذا إن وعيت أنك في الشَرَك-، فنسبة أرباحك التي يمكن أن تأخذها لا تتخطى الـ 5% فهذا يعني أنك تحتاج إلى الإيقاع بـ 20 شخصًا على الأقل لتعوّض ما دفعته للشركة! (النسبة افتراضية ولكنها منخضفة جدًا في كل الحالات).
الفقراء هم المستهدفون في التسويق الشبكي الهرمي
إن كنت تملك بيتًا وراتبًا جيدًا وحياة هادئة مترفة -نوعًا ما- فأنت لست مستهدفًا من قِبل عملاء التسويق الشبكي الهرمي، فشركات التسويق الهرمي تستهدف الفقراء والكادحين وحتى العاطلين عن العمل؛ فهم أكثر الناس قابلية لغسل دماغهم بالثراء السريع للخروج من فقرهم وبطالتهم.
وكمثال واقعي: انتشرت في تركيا في السنوات الأخيرة شركات التسويق الشبكي الهرمي بين الشباب العربي المغترب الذي أتى لتركيا تاركًا خلفه بلده، باحثًا عن لقمة عيش كريمة، فبدأت هذه الشركات باستهدافها له كلقمة سهلة، فحاولت إقناعه بالعمل المستقل والمشاريع والثراء، وبالفعل سقط المئات من الشباب في شَرَك هذه الشركات.
فجَنَت شركات التسويق الشبكي الهرمي عليهم فتركوا أشغالهم ووظائفهم ليعملوا بماذا؟ بإقناع الناس ليدفعوا بأموالهم لهذا الهرم! فأحدهم أصبح يعمل طوال الليل والنهار بالتواصل والاتصالات ليقنع أقاربه وأصدقائه ومن يثق به مع الأسف.
دورة حياة التسويق الشبكي الهرمي
دورة شركات التسويق الشبكي الهرمي مفرغة تتكرر في كل الشركات، فهي كالآتي:
مرحلة البحث: وفي هذه المرحلة يكون العميل القديم قد بدأ بالبحث في جواره عن من يضمهم للهرم، فيبدأ كما ذكرنا بالأقارب والأصحاب والموثوقين لديه.
مرحلة الإقناع: وهنا يكون الشرك قد جُهّز فيبدأ العميل -وفي قصتنا هنا هو خالد- بإقناع أقاربه والتواصل معهم ومحاولة تغيير قناعاتهم عن العمل والمال.
مرحلة الأستاذ أو “الخبير”: بعد أن وجد خالد ابن عمه سامي، واقتنع منه بجدوى العمل المستقل، وترك الوظيفة المتواضعة، أخذ خالد ساميًا إلى الأستاذ أو الخبير كما يسمونه، وهو يعتبر رأس الهرم حيث يعرض عليه الخبير مشروع التسويق الشبكي الهرمي ويجبره على دفع المبلغ الكبير لقاء دخوله في الهرم ومقابل منتجات بخسة الثمن، وإلا فإن الفرصة سوف تفوته ولن يقبلوا به مجددًا معهم ويجب أن يعطي الجواب ويدفع المبلغ في نفس اللقاء؛ حتى لا يتركوا له المجال للتفكير أو الاستشارة.
مرحلة التجنيد: بعد أن دفع سامي المال بدأ برحلة جديدة معهم، وهي التدريب والتأهيل، حيث يعمل أصحاب التسويق الهرمي على تدريب المنتسبين الجدد على تقنيات الإقناع، ويحشون أدمغتهم بتفاهات التنمية البشرية؛ ليبقوا طائعين لهم، وليستطيعوا جلب آخرين وتتكرر الدائرة مرة أخرى.
مرحلة الازدهار والفضيحة: بعد أن تجني شركات التسويق الشبكي الهرمي ملايين الدولارات من عرق الفقراء والبسطاء، ويزداد صيت نصبهم وتفوح رائحتها للناس تختفي! فيهرب رأس الهرم ومعه ملايين الدولارات تاركًا خلفه المئات، وأحيانًا الآلاف غارقين في ديونهم.
الخاتمة
تطرقنا في المقال عن التسويق الشبكي الهرمي وبيّنا ماهيته، وكيف تعمل شركاته على استغلال اليد العاملة البسيطة وطبقة الفقراء وسحب مدخراتهم، وتعرفنا على دورة حياة شركات التسويق الشبكي الهرمي، فلا قيمة حقيقية مضافة للمجتمع من هذه الشركات، فقط أوهام تُباع وسراب يُشترى لصالح رؤوس الأهرامات الذين يهربون بأموال الناس.
أخيرًا العمل مطلوب في ديننا لكثير من الشواهد في القرآن والسنة، وقد نهى الإسلام عن الكسل، والبطالة، وطلب المعونة من الناس، فالعمل منفعة للمسلم وللمجتمع؛ فينفع الشخص نفسه بالمال والخير، وينفع المجتمع بخدمة أو منتج أو ما شابه، ولكن العمل كما يحاول المحتالون إقناعك به هو المرفوض؛ الثراء السريع والبيوت والمنتجعات.
نصيحة لك أخي إياك ثم إياك أن تسلّم عقلك لهم فتخسر الكثير، واعلم أن المال الذي يدوم هو ما تتعب به لا السراب المغشوش.
المصادر
المصدر: موقع تبيان