مقالاتمقالات مختارة

التسامح والحوار فضيلة مجتمعية لابد منها

التسامح والحوار فضيلة مجتمعية لابد منها

بقلم أ. آمنة فداني المقرية

التسامح والحوار مبدأ قرآني نبيل ثبته الموالى تبارك وتعالى في كتابه العزيز فهو وسيلة تفتح بها القلوب المغلقة والأعين العمي قوله تعالى في سورة التغابن 14:{وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

كما بينه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في سنته الكريمة طبقه وصحابته الكرام في أرض الواقع في شكل خصال حميدة مقدسة الإحسان، الرحمن، العفو، الصفح، اللين، البر، المودة…إلخ. كل هذه الصفات وغيرها تعني ما تعنيه في ثقافة التسامح وهو يدرك أن تمام الدين من تمام الأخلاق والمعاملات، كما أن الدعوة إليهما شرف وعبادة، فمن درس سيرة هذا النبي العظيم رأى أن هديه الرفق الذي يرفض الخشونة، والرحمة التي تنافي الشدة، واللين الذي يأبى الفظاظة، وقد عفا صلى الله عليه وسلم، لمن أساء إليه من أهل مكة يوم فتحها قائلا:”من أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن…”.

إن الصعود والارتقاء منزلة رفيعة فهو في حاجة غلى جهد ومثابرة وصدق قوله تعالى في حقه صلى الله عليه وسلم في سورة الأنبياء الآية 107:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}.

التسامح قيمة أخلاقية فاضلة سواء كانت بكلمة أو معاملة، كما أنها لا تقتصر على جانب دون آخر، فهي حماية للفرد والأسرة والمجتمع في ثبات بنيانها فمن حملها وآمن بها كان رحيما كريما عزيزا.

وقد أدب المولى تبارك وتعالى عباده بأدب عظيم وتوجيه قرآني فريد في اختيار القول الحسن قائلا في سورة الإسراء الآية 53 {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً}.

التسامح يعتبر بمثابة حوار هادئ بين أفراد المجتمع كونه يؤسس لثقافة مجتمعية راقية، فهو يحمي هذا الفهم السليم الذي يجتنب التمزق والفرقة والبعد، للحفاظ على العلاقات الطيبة حتى مع المخالفين فإنه يرمم بناء.

ما سار على هذا النهج أعلام الأمة ومصلحيها عبر الزمن، وقد ساهم سلوكهم ومدادهم في نشر هذه الثقافة بين أجيال الأمة، انطلقوا من إحساس مشترك بواجبهم الذي يجمعه بين الدنيا والآخرة لنشر القيم الإنسانية النبيلة.

إن ما نهدف إليه من خلال كل هذا الطرح هو أن تسود الحكمة والعقل والتحلي بكل جميل يدعو إليه ديننا الحنيف.

إذن فليعلم السالكون لهذا الطريق أن التسامح والحوار رسالة رحمة وأنكم مساهمون في زرع لبنة صالحة في مجتمعكم، وغرس ثقافة التسامح بين أجيالكم.

إن عدم التسامح لا يأتي بخير فلا شيء يسيء أكثر من الغلظة فهي بذلك تضييع للمضمون الحسن، فأسعى لجذب القلوب النافرة وتقريب الأنفس المتباعدة ويستثمر المسعى مع الزمن بإذن الله.

التعايش السلمي الحضاري بين مكونات المجتمع المختلفة ضرورة اجتماعية يفرضها الواقع حفاظا على وحدة الصف وسلام السير.

توازن بين المنفعة العامة والخاصة وتروض الثانية في سبيل الأولى، وتنازل عن بعض ما تحبه وتغتر به النفس، فلا يكون هذا التنازل إلا إذا كان في سبيل تحقيق أكبر منفعة، ومصلحة العامة، بحيث تسع صدورنا لمن يخالفنا وهذا منطق الشجعان الحكماء.

النصيحة طمعها مر وقد تنقلب إلى فضيحة إذا أسيئت، وأحسن التأني في الأمور فاجعلها خالصة مهذبة لوجه الله تقول الحكمة  والمرء ليس بصادق في قوله حتى يؤيد قوله بفعاله”.

ادفع السيئة بالحسنة واحمل هذه الروح نحو الغير، فزينوا الأمور بميزان العقل والحكمة، ولين الجانب، وعدم التصلب في الآراء، وغض الطرف كل هذه دعائم إنسانية تؤسس للتسامح المتبادل.

لذا فالحوار والتسامح يعتبر جسد للحضارة فهو يساهم في تطوير الشؤون الحياتية وتحسينها، فعلى الإنسان أن يتصور نارا أمامه في هذه الحياة الدنيا، وأنه كلما أحيا خصلة حميدة نافعة لأمته أطفأ شعلة من لهيب هذه النار وهكذا قال تعالى في سورة إبراهيم الآية 24-25- {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

(المصدر: صحيفة البصائر الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى