التراويح خلف النت . سؤال المنهج
بقلم الشيخ ونيس المبروك
لا أنكر على فتوى جواز الصلاة خلف الإمام من مسافة عشرات الكيلومترات عبر الأنترنت ! وإن كنت أرفضها؛ استدلالاً، ومضموناً، ومآلا. فهي صادرة عن علماء أجلاء راسخين في العلم، وسابقين في الفضل، وليس من العلم ولا الأدب، الإنكار عليهم؛ فالمسألة في الفروع، ولكل وجهة هو موليها !
ولكني تأسفت لأمور :
الأول : إن هذه الفتوى التي استبدلت صلاة الجماعة عبركل عصور الإسلام، بصلاة إلكترونية افتراضية لايربط الإمام والمأموم فيها شيء إلا ما يبثه النت على مسافة عشرات الكيلومترات، ستطرح أسئلة حقيقية حول جدوى دراسة كتب الأصول، والفقه، والقواعد، والمقاصد… ، فمادام قولٌ لمالك في المدونة يقوى على تقويض هذا الجهاز الاستدلالي، فلماذا تُهدر الأوقاتُ في مدارسة طرائق التصوير، والاستدلال، والتخريج، والتكييف الفقهي ؟
ومادام [تقليد حَبْرٍ منهمُ ]، يغني عن إعمال عشرات الأحاديث الصحيحة التي وردت في ( باب علاقة الإمام بالمأموم ) كقوله صلى الله عليه وسلم” إنما جعل الإمام ليؤتم به ” ، ” وسطوا الإمام” و “لا صلاة لفرد خلف الصف” و “أتموا الصف الأول فالأول”.و ” ليليني أولوا النهي منكم “و”من رابه شيء في صلاته فليسبح “…. كل هذه الأحاديث جاء إمام النت ليوقف العمل بها جميعا، كي نأتم بقاريء جميل الصوت على بعد عشرات الكيلو مترات .
لماذا نتكلف في تخريج مسألة إمام الأنترنت،على أقوال أئمة لم يدركوا حتى العربات المتحركة فضلا عن المذياع والأنترنت، هل لأن خليل رحمه الله، أجاز الاقتداء بمُسمِّع يبلغ المأمومين تكبيرات الإمام مهما تباعد المكان !
الثاني : تأسفت بأن تطرح هذه المسائل دون توسيع المشورة، وعقد مجامع تنظر لأبعادها المنهجية والاجتماعية والقانونية والتربوية، فألقينا بين الناس شيئا أدخل عليهم تلك الحيرة التي ذكرها ابن سراج رحمه الله في الدر المعين بقوله “إذا جرى الناس على شيء له مستند صحيح وكان للإنسان مختار غيره فلا ينبغي أن يحمل الناس على مختاره فيدخل عليهم شغبا في أنفسهم وحيرة في دينهم .”
الثالث : تأسفت للمآلات المتوقعة ،عندما تعرفُ أحزابُ اليمين المتطرف في أوروبا بهذه الفتاوى، وكيف ستسعى لسن قوانين تَحُد من مد بناء المساجد والجماعات، فمادامت التراويح تصح كاملةً صحيحةً عبر الشبكات ، فلماذا يتزاحم المسلمون في غير عطلة الأسبوع، ويزعجون المواطنين والأطفال في ساعات الليل وأوقات الراحة ، ولماذا تُهدر الأموال والرواتب على المراكز والمساجد مادام الحي يكفيه مسجد صغير،وشبكة قوية من الأنترنت ؟! .
الرابع : هل صلاة التراويح خلف إمام المسجد ( والسنة صلاتها في البيت ) تتطلب كل هذا التكلّف في التخريج ،وتركيب هذه الجماعة الإلكترونية الحديثة ؟!
ماهي الضرورة، أوالحاجة، الداعية لذلك ؟
ماالفرق العلمي المقنع بين الفريضة والنافلة في تجويز هذه الهيئة الجديدة ؟
لماذا لا نفتح الباب لصلاة التهجد خلف إمام الحرم كي تكتب لنا مئة ألف صلاة؟
لماذا نخرج في البرد لصلاة الفجروديننا مبني على اليسر؟
لماذالا نستخدم قاعدة “يُتجاوزفي النافلة ما لا يُتجاوزفي الفريضة”في عبادات أخرى؟
كيف نعالج الإشكال الاجتماعي والثقافي مع مواطنين تركيا، والبلقان، وماليزيا،وباكستان، …عندما يرون العرب يصلون بينهم بهذه الطريقة الطريفة المُستنكرة ؟
الدين يسر، والشريعة تواكب تبدل الزمان والمكان ، والتراويح نافلة
ولكنها” صلاة ” ! فمن فكّك شرائط النافلة، ومقاصدها، وهيبتها، وهيئتها، كان كالراعي يرعى حول حمى “الفريضة” في زمن رق فيه دين كثير من الناس وحارت فيه عقولهم .
(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)