مقالاتمقالات مختارة

التحرش البوذي اليهودي بالمسلمين في سريلانكا | الأستاذ محمد أحمد الراشد

التحرش البوذي اليهودي بالمسلمين في سريلانكا | الأستاذ محمد أحمد الراشد

أفرزت التجربة الدعوية الإسلامية المعاصرة والقديمة مجموعة من الدروس المستفادة ذات القيمة العالية، ورأس ذلك: أن العمل العاطفي المجرد أعجز من أن يوصل الأمة إلى نتيجة وثمرة ، وإنما هو العمل الواعي المنظم القائم على فقه شرعي وفكر إيماني وأساليب تربوية منهجية هو الذي عليه التعويل، ومن ظواهر الحياة أن الدعاة الوعاة هم دومًا أقل عدداً من العاطفيين، ولكنهم إن انتظموا وكانوا أقلية واعية حقاً: فإنهم سيتحولون إلى نخبة قيادية تقود الجموع العاطفية وفق خطة طويلة المدى لتحقيق مكاسب متدرجة تتجنب الطفرات والتهور، وتستعمل الأنفاس الهادئة، حتى تصل إلى درجة التأثير في رحلة هادئة تأخذ بعين الاعتبار أن العدو يرصد ويحاول المنع ويسعى نحو التوريط.

وكان أهم خطط التوريط هذه في هذا العصر حين رأى العدو حكمة الدعوة الوسطية والتزامها بالعقلانية: افتعاله لأحداث الحادي عشر من سبتمبر ، حين استدرج بعض الشباب المسلم إلى فكرة تحطيم البرجين في نيويورك، وأوهمت المخابرات الأميركية أولئك الشباب بتوفير مساعدة لهم في المطارات إذا رغبوا، فورطوهم، واتخذوا الحادثة سبباً لتوسيع تهمة الإرهاب الإسلامي، من أجل وقف انتماء جموع الشباب للدعوة الوسطية، وحصلت قرارات منع عديدة تلاحق النشاط الدعوي، وبلغت الهجمة الصليبية اليهودية أوجها في زمن الرئيس ترامب، وصارت دول الاستبداد في جزيرة العرب وغيرها تتوكل عن المخابرات الأمريكية في محاربة الدعوة ومنع جميع أنواع النشاط الدعوي.

ولما وجدت الدوائر الاستعمارية أن الدعوة الإسلامية الوسطية بما عندها من عقلانية الممارسة بدأت تضاعف حذرها وتحرص على تفويت فرص تصفيتها: مالت أذرعها الاستخبارية المتوغلة في بلاد المسلمين إلى الاتصال بالعناصر الشبابية الإسلامية السائبة عن الانتظام وحثها على افتعال صورة من الجهاد الارتجالي ضد أميركا وأوروبا، ودفعوهم نحو عقيدة تكفيرية، وأمدوهم بالسلاح والمال، وورطوهم تحت اسم “داعش” الوارثة للقاعدة البنلادنية بافتعال معارك غير مدروسة في العراق وسوريا والفلبين، وفي نفس الوقت عمّم الإعلام الاستعماري صفة الإرهاب الإسلامي عليهم، وأعان جيوش الحكومات المحلية الاستبدادية الظالمة على أن تحارب هؤلاء الدواعش وإشاعة مفهوم أن هؤلاء الدواعش إنما خرجوا من تحت عباءة الدعوة الوسطية وزعموا أنها هي الجذر والمحضن للتطرف والإرهاب، وأنهما سواء، فصار التضييق ودخل عموم الدعاة في محنة عالمية، ثم ثارت الدوائر الاستعمارية تمسح العالم الإسلامي غير العربي، فأينما وجدت مجموعة دعوية وسطية تدير شأنها بلباقة: اخترعوا لها في بلدها زمرة داعشية تتولى تعكير الأجواء، وذلك هو سرّ تأسيس النسخة الإفريقية الداعشية المسماة بـ “بوكو حرام” في نيجيريا وعموم غرب إفريقيا، حين رأوا بوادر النجاح الدعوي هناك، ومن ذلك ما يحدث في أوروبا من تفجيرات إرهابية داعشية، حين رأوا مهارة المهاجرين المسلمين في التعامل مع المجتمع النصراني الغربي، وكان آخر ذلك ما حدث في سريلانكا أواخر سنة 2019 من تفجير عشرات المعابد البوذية والكنائس وبعض المساجد في سويعات قليلة، وتبين أن الذي فعل ذلك مجموعة شبابية متهورة أشبه بالدواعش، وما ذاك إلا لأن سريلانكا فيها أقلية إسلامية في حدود 12 % مقابل أكثرية عرقية بوذية اسمهم “السنهال” الذين نشر الاستعمار البريطاني بينهم التنصير، ثم أقلية عرقية بوذية أخرى من قومية “التاميل” الهندية في شرق الهند، الذين قاموا بثورة سابقًا على الأكثرية السنهالية المحتكرة للسلطة، ويومها حين فشلت الحكومة في القضاء على تلك الثورة: استعانت بإسرائيل وخبراتها، فنجحت في قمع التاميل، ومنذ ذلك اليوم صار لإسرائيل نفوذ قوي جدًا داخل الحكومة السريلانكية، وفي الجيش والمخابرات بخاصة.

هذا النفوذ اليهودي يرى في حملة رئيس وزراء الهند ضد المسلمين حاليًا فرصة جيدة لإضعاف العمل الدعوي الإسلامي الوسطي في سريلانكا، تبعا لهيمنة الهند على عموم الحياة السريلانكية، فبدأت إسرائيل جاهدة في ترويج مزاعم إعلامية هناك بأن الزمرة المتهورة التي قامت بتفجير المعابد الوثنية والكنائس إنما خرجت من تحت عباءة الدعوة الوسطية، لذا يجب التحقيق مع كل وسطي، سيما أن المسلمين هناك يتكلمون التاميلية وليس السنهالية، وأفلحت إسرائيل في الضغط على المخابرات السريلانكية لتحقيق إقصاء النخبة الوسطية الإسلامية الصاعدة عن مجمل الحياة السياسية والفكرية والاقتصادية، وحصل شلل إسلامي عام هناك نتيجة الإرهاب المخابراتي، ولو انتبه عقلاء الأكثرية السنهالية لاكتشفوا أن هذه الحملة ضد المسلمين ليست في صالح الأمن الوطني المحلي، لأن الأقلية الإسلامية هناك تعرف أنها أقلية في ظرف حرج، ولذلك ألزمت نفسها باحترام القانون والبعد عن أي صفة إرهابية، وما التفجيرات إلا من تخطيط جهات مخابراتية خارجية بيد شباب مسلم مُغرّر بهم من أجل توفير دليل يزعم وجود “إرهاب” إسلامي.

إن ظروف النخبة الإسلامية الوسطية اليوم في سريلانكا عصيبة جدا، وهي تتعرض لضغوط نفسية شديدة ومحاولات إفقار وفصل من الوظائف ومحاولة إلغاء التراخيص القانونية للمدارس الإسلامية والجمعيات الإغاثية والفكرية، والمنع من الاحتفالات الدينية والنشاط الإعلامي الإسلامي، وبدأ نوع من الظلم للإسلاميين نخشى أن يزداد إذا لم ترتفع الأصوات في كل العالم بإنكاره والاعتراض عليه، سيما أن رئيس وزراء الهند يشجعه، لأن النخبة الإسلامية السريلانكية، بما أنها تتكلم التاملية: فإنها تؤثر نوعا ما بعموم المسلمين التاميل في مدينة مدراس الهندية وعموم شرق الهند، إذ يقترب عدد التاميل هناك من ثلاثمائة وخمسين مليون نسمة، كافرهم ومسلمهم.

لذلك أرجو أن يسارع دعاة الإسلام في كل العالم أولا إلى ترجمة تقريري هذا ونشره باللغات الأخرى، من أجل التوعية، ثم الاتصال بالأمم المتحدة ومنظمة إمنستي لإبلاغهما بوجود تضييق على الأقلية الإسلامية في سريلانكا وطلب الحرية لها، والاتصال بعموم جمعيات حقوق الإنسان في كل الأقطار والطلب منها أن تتدخل وضغط على الحكومة السريلانكية وطلب العدل منها ومساواة المواطنين في الحقوق، ثم محاولة إعلان القضية في القنوات الفضائية والصحافة، وأتمنى أن تكون للحكومة التركية مسارعة إلى هذا الواجب.

والله يتولى الصالحين بحفظه وحمايته .. آمين.

(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى