بقلم د.علال الزهواني
التحالف لغة واصطلاحا:
التحالف في اللغة من الحلف، “وهو العهد بين القوم، وأصل الحلف: المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والإتقان”، وفي الاصطلاح هو” تعاقد وتعاهد بين مجموعتين من الناس على التناصر لتحقيق مصالح مشتركة”. وقد يكون التحالف السياسي بين مجموعتين منتميتين إلى نفس المرجعية، أو بين مجموعتين مختلفتين في المنطلق المرجعي، أي بين أحزاب إسلامية وأحزاب غير إسلامية لدواع وأسباب نذكر منها: قد تكون حظوظ نجاح المسلمين في دولة أو منطقة أو مقاطعة قليلة في فوز حزبهم أو مرشحهم، أو اشتراط بعض قوانين الانتخابات نسبة مئوية أو عددا معينا ومحددا من الأصوات لا يكون في استطاعة الحزب الإسلامي في المجتمعات الغربية التوفر عليه، فيتم التحالف مع أحزاب غير إسلامية قريبة من حيث الرؤية وتحترم التوجهات العامة للمسلمين أو تدافع عنها، وفي بعض الدول الغربية هناك قوانين تمنع تأسيس الأحزاب ذات المبادئ الدينية أو العرفية خاصة الأحزاب الإسلامية التي تعتبر في نظر الغرب نوعا من عملية إقحام اجتماعي، وبالتالي يصبح المسلمون يطالبون بمطالب مختلفة عن مصالح المجتمع، كما أن العمليات الانتخابية قد تكون رئاسية لا يستطيع المسلمون من خلال تقديم مرشحا للرئاسة لظروف معينة فيلجأون إلى تحالفات سياسية خصوصا مع الحزب الذي يمثل أحد المرشحين للرئاسة.
– الأدلة الشرعية للتعاون والتحالفات السياسية مع غير المسلمين:
فالتعاون مع غير المسلمين فيما يخدم المصالح المشتركة يعتبر أمرا جائزا وقد يكون واجبا عند الضرورة والحاجة لدفع ضرر عن الدين والنفس والمال والعرض أو لجلب مصلحة، يقول الله عز وجل:(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلون في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)، وعن الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة أنه قال: «شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لرجل ممن يدعي الإسلام: هذا من أهل النار، فلما حضر القتال قاتل الرجل قتالا شديدا وقد مات فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إلى النار قال: فكاد بعض الناس أن يرتاب فبينما هم على ذلك إذ قيل له إنه لم يمت ولكن كان به جراحا شديدة، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: “الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله” ثم أمر بلالا فنادى في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وأن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر»، فمن خلال الآية السابقة والحديث النبوي يتبين جليا جواز الاستعانة بغير المسلمين في مختلف شؤون الحياة في حالة عدم العداوة، فقد يكون غير المسلم يخدم الإسلام خدمة عظيمة في رد عدوان أو حماية مسلم أو رفع ظلم… ويكون في ذلك غير مخلص في عمله، وقد يكون مناصرا للمسلمين لمنافع خاصة ، وحيث أن الله عز وجل ينصر دينه بمن يريد فلا يجوز على الإطلاق منع غير المسلمين عن نصرة الإسلام، حيث أن الوقائع من السنة النبوية كثيرة، فقد «خرج صفوان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كافر وشهد حنينا والطائف»، وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم «استعان بصفوان بن أمية وكان مشركا وهذا ثابت عند أهل السيرة».
لقد وردت في السيرة النبوية عن الرسول صلى الله عليه وسلم أحاديث تبدو متعارضة بخصوص التحالف، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «أوفوا بحلف الجاهلية فإنه لا يزده-الإسلام- إلا شدة ولا تحدثوا حلفا في الإسلام»، قوله صلى الله عليه وسلم: «لا حلف في الإسلام وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة»، عن عاصم قال: قلت لأنس بن مالك: أبلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا حلف في الإسلام، فقال: قد حالف النبي صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار في داري»، وفي رواية لمسلم قال أنس: «قد حالف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار في داره»، فقال بن الأثير في شأن هذه الأحاديث المتعارضة: “أصل الحلف المعاقدة والمعاهدة على التعاضد فما كان منه في الجاهلية على الفتن والقتال بين القبائل والغارات، فذلك الذي ورد النهي عنه في الإسلام بقوله صلى الله عليه وسلم «لا حلف في الإسلام» وما كان منه في الجاهلية على نصر المظلوم وصلة الأرحام ، فذلك قال فيه صلى الله عليه وسلم: «وأي حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة» يريد من المعاقدة على الخير والنصر للحق، وبذلك يجتمع الحديثان، وهذا هو الحلف الذي يقتضيه الإسلام والممنوع منه ما خالف الإسلام”، ونقل النووي عن الحسن البصري أنه قال: “كان التوارث بالحلف فنسخ بآية السيف، قلت: أما ما يتعلق بالإرث فيستحب فيه المخالفة عند جماهير العلماء، وأما المؤاخاة في الإسلام والمخالفة على طاعة الله والتناصر في الدين والتعاون على البر والتقوى، وإقامة الحق فهذا باق لم ينسخ، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث، وأيما حلف في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «لا حلف في الإسلام» فالمراد به التوارث والحلف على منع الشرع منه والله أعلم”.
مما سبق يتبين أن الحلف الممنوع هو المخالف لمقاصد الشريعة الإسلامية، والجائز ما قام على نصرة الحق والمظلوم وصلة الأرحام أي ما كان موافقا لمقاصد الشريعة ومبادئها من جلب للمصالح ودرء للمفاسد، لأن “الشريعة مبنية على تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، وذلك باحتمال المفسدة المرجوحة وتحصيل المصلحة الراجحة، وإن كان في التحالف مع غير المسلمين إعانتهم على المعصية والفسوق إلا أن ذلك ليس مقصودا بذلك بل جاء تبعا عندما ارتكب أقل الضرر دفعا لأعظمه”.
واعتمادا على فقه الموازنات والأولويات والقواعد الشرعية مثل “يجوز بقاء وانتهاء ما لا يجوز إنشاء وابتداء “فقد ذهب العز بن عبد السلام إلى أبعد من ذلك حيث قال: “وقد تجوز المعاونة على الإثم والعدوان والفسوق والعصيان لا من جهة كونه معصية بل من جهة كونه مصلحة وليس هذا على التحقيق معاونة عليها، وإنما هو إعانة على درء المفاسد، فكانت المعاونة على الإثم والعدوان والفسوق والعصيان تبعا لا مقصودا”، لأن مناط الحكم تطرأ عليه معطيات جديدة خاصة في الدول الغربية، لذلك نجد النظر الفقهي المعاصر يتجه إلى جواز التحالفات السياسية للمسلمين مع غيرهم، يقول الإمام يوسف القرضاوي: “الأحزاب تتفاوت في مناهجها وبرامجها وفلسفتها، فبعضها أقرب إلى القيم الإسلامية وإلى العقيدة الإسلامية والشريعة، وإلى الأحكام والفضائل الإسلامية، فالمسلم يختار أقرب هذه الأحزاب وإن كانت شديدة العنصرية فعلى المسلم أن يختار الحزب المقابل، وهذا يقوم على فقه الموازنات، فيوازن بين الأمور فيختار أهون الضررين وأخف الشرين ويفوت أدنى المصلحتين ليحصل أعلاهما، ويتفادى الضرر اليسير من أجل دفع ضرر خطير أو الضرر الخاص من أجل دفع ضرر عام، أو الضرر الأدنى لدفع الضرر الأعلى، وعلى هذا الأساس يدخل المسلم، أو يحالف هذا التيار السياسي بناء على هذه الموازنة”، فهذا التحالف السياسي “يجوز إذا كانت هناك قضايا سياسية عامة مشتركة تلتقي فيها وجهة النظر الإسلامية مع وجهة النظر الأخرى، فالتحالف على هذا الأساس مقبول لأنه يساعد المرشح أو الجهة المسلمة على تحقيق بعض أهدافه بالتعاون مع جهات أخرى تعيش معها في نفس المجتمع”، ومن بين هذه الأهداف والمصالح:
– السماح للمسلمين بإنشاء المؤسسات الإسلامية،
– مراعاة خصوصيات المسلمين خاصة قوانين الأحوال الشخصية،
– الإسهام في خدمة قضايا الأمة الإسلامية عبر القنوات والمنابر الرسمية ذات التأثير الكبير،
– رفع القيود عن ممارسات الدين الإسلامي ونشر الدعوة إليه.
إذن فالتحالفات مع الأحزاب غير الإسلامية في الدول الغربية مهما تعددت صورها هي جائزة ومشروعة بل مطلوبة، لكن قد يعترض على حكم الجواز كونه يستعدي ولاية غير المسلم على المسلم، إلا أن الشيخ فيصل المولوي رد على ذلك قائلا: “إن التحالفات التي تؤدي إلى ولاية غير المسلم على المسلم؛ فهذه الولاية قائمة بتحالفات أو بدونها، فالحاكم العام-الرئيس مثلا- ليس مسلما سواء قبل الانتخاب أو بعده، إنما هذه التحالفات إذا أدت إلى ولاية غير المسلم الأقل ضررا على المسلمين والأكثر تسامحا معهم واعترافا بحقوقهم، فهي تحالفات جائزة.. فالموضوع المطروح بالنسبة للمسلمين أن يتولى شؤون تلك البلاد من هو أقدر على مراعاة حقوق الإنسان، وهذا يدخل في باب المفاضلة بين ولاية اثنين من غير المسلمين أحدها أكثر ضررا من الآخر أو أكثر نفعا”.
– الضوابط المنهجية للتحالفات السياسية مع غير المسلمين:
يجب على المسلمين إدراك أبعاد الخريطة السياسية بدراسة الأفكار والعقائد والتكتلات والجماعات التي تحيط بهم، دراسة للكيفية التي تعمل بها وحركتها وتحركاتها ومدى قربها أو بعدها أو نصرتها أو عداوتها للمسلمين، لأنه لا يجوز التحالف مع حزب أو تكتل إباحي أو معادي للدين وإن كان هذا الحزب يدافع عن حقوق الإنسان وبعض قضايا المسلمين من الزاوية الإنسانية، وعليه فأي تحالف يتطلب ضوابط وشروط نذكر منها:
ألا يتضمن التحالف ما يعود بالضرر على المسلمين كالتنازل عن جزئيات من العقيدة أو المساومة عليها، أو التنازل على أمور تفيد الدعوة الإسلامية، ففي السيرة النبوية ساومت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم على ترك دعوته حيث قال له عمه: “علي وعلى نفسك ولا تحملني ما لا أطيق، فظن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قد بدا لعمه فيه بدءا أنه خاذله ومسلمه وأنه قد ضعف عن نصرته، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ما تركته»، ومثله أبو بكر رضي الله عنه عندما دخل في جوار وحماية ابن الدغنة حيث أخذ يعبد ربه في داره ثم ابتنى مسجدا بفنائه فكان يصلي ويقرأ فيه، فازدحمت عليه نساء وأبناء المشركين يعجبون وينظرون إليه، فأفزع قريشا ذلك، فأتى ابن الدغنة إلى أبي بكر وقال له: إما أن تقتصر على ذلك أو ترد إلي ذمتي –بمعنى ألا يظهر دينه- فقال له أبو بكر: إني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله، فعلى المسلم الذي ينضوي تحت حزب غير إسلامي أن يكون قوي الشخصية يؤثر على محيطه “لا يهم أن يقال أصله مسلم إنما المهم من هو الآن”، كما يمنع كل تحالف تنتج عنه الموالاة المحرمة لقوله تعالى: (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ )، قال ابن جرير في تفسير هذه الآية: “من اتخذ الكفار أعوانا وأنصارا وظهورا يواليهم على دينهم ويظاهرهم على المسلمين فليس من الله في شيء…”، ويمنع كذلك أي تحالف يترتب عليه السكوت عن الباطل وأهله، لذلك يجب على المسلم أن لا يلتزم بمبادئ الحزب التي فيها مخالفة غير مقبولة أو صريحة للأحكام الشرعية القولية منها والعملية”، و يجب أيضا توفير ضمانات لخلق الثقة والاطمئنان بالوعود (ومن أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْك) فإذا أخذت ما يخالف هذه الضمانات وجب نبذ التحالف لقوله تعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ).
———————————–
المراجع:
القاموس المحيط، الفيروز آبادي، دار العلم للجميع، بيروت.
التحالف السياسي في الإسلام، منير الغضبان، مكتبة المنار، الطبعة الأولى، 1992م.
جامع الأصول في أحاديث الرسول، ابن الأثير، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، 1989م.
شرح النووي على صحيح المسلم، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1347ه.
التعددية السياسية في الدولة الإسلامية، صلاح الصاوي، دار الإعلام الدولي ، القاهرة، الطبعة الثانية، 1993م.
فقه المسلم المغترب، د. يوسف القرضاوي، برنامج الشريعة والحياة، قناة الجزيرة، بتاريخ 21/9/1997، نشر على الجزيرة ، نت بتاريخ 28/05/2008.
فتاوى انتخابية، فيصل المولوي، إسلام أولاين http://www.islamoenline.net/liveFatwaarabic
الأحكام السياسية للأقليات المسلمة في الفقه الإسلامي، سليمان توبولياك، دار البيارق، بيروت، دار النفائس، عمان، الطبعة الأولى، 1997م.
مصنف عبد الرزاق، عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق: حبيب عبد الرحمان الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1403ه.
تفسير الطبري، من كتاب جامع البيان في تأويل آي القرآن، ابن جرير، هذبه وحققه د. بشار عواد معروف، عصام فارس، مؤسسة الرسالة ، بيروت، الطبعة الأولى، 1994م.
فقه الأقليات المسلمة، خالد عبد القادر، دار الإيمان، طرابلس، الشرق، الطبعة الأولى، 1998م.
مجموع الفتاوى، ابن تيمية، جمع وترتيب: عبد الرحمان بن محمد بن قاسم العاصيمي النجدي الحنبلي وابنه محمد، ط.1، 1398.
المصدر: حركة التوحيد والإصلاح.