مقالاتمقالات مختارة

التأصيل وبناء العلماء

بقلم يحيى إبراهيم

يعيش العالَمُ الإسلاميُّ في هذا العصرِ حالةً مِن الركود العلميِّ، ولكن سيبقى العلمُ ببقاء العلماء، وسينتهي بانتهائِهم؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن اللهَ لا يقبِضُ العلمَ انتزاعًا ينتزِعُه من العباد، ولكن يقبِضُ العلم بقَبْض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالِمًا، اتَّخذَ الناسُ رؤوسًا جُهَّالًا، فسُئِلوا، فأفتَوْا بغيرِ علمٍ، فضَلُّوا وأضَلُّوا))؛ صحيح البخاري.

فما فائدة التأصيل؟

إنَّ التأصيلَ العلميَّ يُظهِر العالِمَ مِن الجاهل، بل يُظهِر العالِمَ الحقيقيَّ من العالم الوَهْمي، فنلاحظ أنَّ طالب العلم يُرِيد خلاصة ما ذهب إليه الأوَّلون، فتفتُر همته وتنخرم عزيمتُه، ويقنع في موضعٍ عليه فيه أن يطمع، بل ليقُل طالب العلم – في غير فخر -:

وإني وإنْ كنت الأخيرَ زمانُه ♦♦♦ لآتٍ بما لم تستطعه الأوائلُ

فمثلًا من يريد أن يصبح مفسِّرًا ماذا عليه أن يفعل؟

بعض طلاب العلم يُقبِل على كتب التفسير فيقرؤُها – بل قد يحفَظُها – ويُخيَّل إليه أنه أصبح مُفسِّرًا عظيمًا، فهذا هو العالِم الوهمي غيرُ الأصوليِّ.

إذًا، فما عليه أن يفعل حتى يُصبِح أصوليًّا؟

نُعرِّفُ أولًا معنى الأصولي: هو نسبةٌ إلى الأصول، ومُفردها الأصل، وهو ما يُبنَى عليه غيرُه، وضدُّه الفرع، فهذا الذي أراد أن يكون مُفسِّرًا عليه أن يهتَمَّ بعلوم الآلة التي تقودُه لفَهم الكلام؛ مِن نحوٍ، وصرف، وبلاغة، وأدب، ومعاجم، وأصول فقه، وعلوم الحديث، وبعض الثقافات التي تفيده في التفسير، ثم يقرأ في كتب التفسير ويستفيد مما قدَّمه الأقدمون، وحتمًا سيضيف جديدًا؛ لأنَّ العلم لا ينتهي عند زمن محدَّد؛ فالأصول ثابتة، ولكن الحوادث والنوازل كثيرةٌ ومتغيِّرة؛ فهي أكثر بكثير من الأصول؛ لذلك نجد في أصول الفقه القياس وغيره من أدوات الاستنباط، بل حتى الوَحْيَان – القرآن والسُّنة – لا بدَّ من إعمال العقل فيهما؛ حتى تُفهَم الأدلة فهمًا صحيحًا، ويتمَّ إسقاطها إسقاطًا مناسبًا للنازلة.

ومما يفيد طالب العلم المتونُ العِلمية، خاصة المنظوم منها، وليكتفِ بمتنٍ لكلِّ فنٍّ من الفنون التي تفيده في التفسير، فمثلًا ألفية ابن مالك في النحو، ولاميَّة الأفعال في الصرف، والجوهر المكنون في البلاغة، والكوكب الساطع في أصول الفقه، وألفية السيوطي في الحديث، ومتن الشاطبية في القراءات، والدرَّة في الثلاث المتممة للعشر لابن الجزري، ثم ألفية العراقي في تفسير غريب القرآن، ويحفَظُ عُيُون الشعر العربي، ثم يتوسَّع في القراءة في مختلف المجالات الدينية والثقافية؛ فالإسلام لا يريد عقولًا متحجِّرةً، وكل هذا يفيدك في التفسير، ولا معنى لحفظ هذه المتون دون فهمها ومعرفة الغرض من دراستها، ثم بعد ذلك اسأل الله أن يرزقك الإخلاص والقَبول والنفع بما تعلمت؛ فانتفاعك بالعلم عملك به:

إذا ما لم يُفِدْك العلمُ خيرًا ♦♦♦ فخيرٌ منه أَنْ لو قد جَهِلتَا

ونَفْع غيرِك أن تُنفِقَه لله تعالى وتعلِّمه غيرك:

يَزِيدُ بكثرةِ الإنفاقِ منهُ ♦♦♦ وينقُصُ إِنْ به كفًّا شددتا

وكذلك مَن أراد أن يكون فقيهًا أو مُحدِّثًا، أو أي تخصص من التخصصات الشرعية، إمَّا أن يتأصَّل، أو يريح نفسه ويريح الناس مِن جهله، وأتحدث عن الذي يريد أن يكون عالِمًا، فمَن لم يستطِع ذلك لا يدَّعِ العلم، وكذلك لا يحرِم نفسه من الخير والدعوة بقدر طاقته، فقد تقول حديثًا واحدًا لشابٍّ يُصبِح هو العالم الذي أتحدَّث عنه، ويكون ذلك في ميزان حسناتك، فلا أحد يعلم مَن الذي يُقبَل، وما الذي سيُقبَل منه!

(المصدر: شبكة الألوكة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى