مقالات

البيان الختامي للدورة الـ25 للمجلس الأوربي للافتاء والبحوث

البيان الختامي للدورة العادية الخامسة والعشرين للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث المنعقدة بمدينة إستانبول في تركيا في الفترة من: 22-26 ذي الحجة 1436هـ الموافق لـ 6-10 تشرين الأول (أكتوبر) 2015م، تحت عنوان: “فقه العيش المشترك في أوروبا، تأصيلًا وتنزيلًا”:

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد،وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أمّا بعد..فقد انعقدت بتيسير الله وتوفيقه الدّورة العادية الخامسة والعشرون للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث بمدينة إستانبول بتركيا، وذلك في الفترة منالثاني والعشرين حتى السادس والعشرين من شهر ذي الحجة سنة 1436هـ، الموافق للسادس حتى العاشرمن شهر تشرين الأول (أكتوبر) سنة 2015م، برئاسة فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور علي القره داغي نائب رئيس المجلس وبحضور أغلبية أعضائه وعدد من الضيوف والمراقبين.
افتتحت أعمال هذه الدورة بكلمة ترحيب ألقاها الشيخ الدكتور حسين حلاوة الأمين العام للمجلس، ركز فيها على أهمية هذه الندوة لمستقبل المسلمين في أوروبا.
ثم بكلمة عن إدارة الشئون الدينية في الجمهورية التركية، ألقاها الأستاذ الدكتور مرتضى بدر، عضو المجلس الأعلى للشئون الدينية وعضو المجمع الفقهي الدولي وعميد كلية الإلهيات بجامعة إستانبول، عبر فيها عن أهمية المجلس، ووقوف الشؤون الدينية معه لخدمة المسلمين في أوروبا.
ثم كلمة ألقاها سماحة مفتي البوسنة والهرسك الشيخ حسين كفازوفيتش، تناول فيها دور المجلس للنهوض بالمسلمين في أوروبا.
تلتها كلمة أعضاء المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، ألقاها معالي الأستاذ الدكتور عصام البشير، عضو المجلس، ركز فيها على دور المجلس في تقديم المنهجية الصحيحة للمسلمين في أوروبا، وربطهم بالقديم الصالح والجديد النافع.
وبعدها كلمة عن موضوع الدورة ومحاورها وأهميتها، ألقاها الأستاذ الدكتور أحمد جابالله، الأمين العام المساعد للمجلس.
وختمت الجلسة بكلمة نائب رئيس المجلس الأستاذ الدكتور علي القره داغي، تضمنت أربع كلمات: كلمة الشكر لتركيا رئيسًا وحكومة وشعبًا على مواقفهم المشرفة، وعلى ترتيب الاستقبال والحفاوة البالغة، وللحاضرين، وللأمانة العامة للمجلس، وكلمة موجهة إلى المسلمين في أوروبا للتركيز على العيش المشترك والاندماج الإيجابي، وكلمة حول واجبهم نحو إخوانهم السوريين النازحين من حيث كفالة أسرهم، وأطفالهم، ثم ختمت بكلمة توجه بها سماحة رئيس المجلس العلامة يوسف القرضاوي أشاد فيها بدور المجلس متمثلًا بأعضائه، وذكَّر بدورهم المنوط بهم، وقدرتهم على تحمل الأمانة، كما أشار إلى أهمية موضوع هذه الدورة.
ثم توالت أعمال المجلس لهذه الدورة، وتناولت محاور متعددة في قضايا العيش المشترك، استعرضت فيها البحوث التالية:
1 – مسلمو أوروبا والعيش المشترك في الواقع الراهن، للدكتور صهيب حسن.
2 – علاقة الدولة في أوروبا بالدين وأثر ذلك في العيش المشترك، للأستاذ إبراهيم الزيات.
3 – المسلم الأوروبي الأصل الواقع والتحديات، للشيخ مصطفى أوغلو.
4 – الأصول العقدية والشرعية للعيش المشترك في الإسلام، للأستاذ الدكتور حمزة الشريف.
5 – القواعد والمبادئ الأصولية المؤثرة في فقه العيش المشترك، للدكتور خالد حنفي.
6 – التدين الإسلامي في الواقع الأوروبي، للدكتور أحمد جابالله.
7 – الحوار وقيم التسامح في الإسلام، للأستاذ الدكتور على القره داغي.
8 – ترشيد الخطاب الديني، الأستاذ الدكتور عبدالمجيد النجار.
9 – الخطاب الإسلامي ودوره في تعزيز قيم العيش المشترك، للشيخ أمين الحزمي.
10 – العيش المشترك – المواطنة نموذجًا، للعلامة يوسف القرضاوي.
11 – الإطار الشرعي العام للوجود الإسلامي في أوروبا، للدكتور العربي البشري.
12 – العيش المشترك وواجب الدعوة إلى الله، للشيخ سالم الشيخي.
13 – القضايا الشرعية المتعلقة بالعيش المشترك، للأستاذ الدكتور عبدالستار أبو غدة.
14 – الزكاة والصدقات لغير المسلمين، للدكتور عبدالله الجديع.
15 – حكم صلاة الاستسقاء في البلاد غير الإسلامية، للشيخ أنيس قرقاح.
وتمت مناقشات مستفيضة لمضامين هذه البحوث.
كما أعقب المجلس ذلك باستعراض مسودة”معيار الطعام الحلال والتذكية الشرعية”، وأقر صيغتها النهائية.
ثم ختمت جلسات المناقشات والمداولات باستعراض طائفة من الاستفتاءات الواردة إلى المجلس، إضافة إلى صياغة بيانين بخصوص ما يجري في القدس الشريف من اعتداء على حرمته، وما هو واقع بشأن اللاجئين في أوروبا.
وانتهى من جميع ذلك إلى ما يلي:
أولًا: القرارات
قرار 1/25
وثيقة مبادئ العيش المشترك
إن العيش المشترك بين أبناء المجتمع وبين الشعوب الإنسانية هو غاية نبيلة تسعى لها سائر الأديان والشرائع الدينية ويدعو لها العقلاء والحكماء في سائر العالم. وإنه لمن المهم أمام المشكلات والتحديات التي تعيشها البشرية في علاقات الناس بعضهم ببعض أن يتم التأكيد على أهمية العيش المشترك ومقتضياته. وإن المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث وقد خصص دورته الخامسة والعشرين لبحث موضوع “العيش المشترك في أوروبا، تأصيلًا وتنزيلًا” يعلن بهذه المناسبة وثيقة مبادئ العيش المشترك من خلال صياغة كونية للقيم الإسلامية في هذا المجال، يخاطب بها جميع المواطنين الأوروبيين، حتى يتعاون الجميع لإقامة العيش المشترك على أسس سليمة وراسخة.
ويرى المجلسأن مستلزمات العيش المشترك ومقتضياته تعود إلى مبادئ عشرة، وهي الآتية:
1 – التسليم بوحدة الأصل الإنساني، فلقد خلق الله عز وجل الناس جميعًا من أصل واحد فقال تعالى: {يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]، ويقتضي التسليمُ بوحدة الأصل الإقرارَ بمساواة الناس جميعًا في الاعتبار الإنساني والكرامة.
2 -احترام الكرامة الإنسانية ومراعاة حقوق الإنسان.فالبشرجميعًامتساوونفي هذا الأصل فلا يقبل الاعتداء عليهم أو امتهان كراماتهم أو سلب حقوقهم وقد أكد القرآن هذا المبدأ في قوله تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70]، وكما أن هذا الحق في التكريم حال الحياة فهو كذلك حال الموت، وإن الإنسان بموته لا يسقط حقه في الكرامة، فالإنسان نفس مكرمة حيا أو ميتا ولقد قام النبي صلى الله عليه وسلم لما مرت جنازة فقيل له: إنها جنازة يهودي، فقال: “أليست نفسا” (متفق عليه).
3 – التعامل بالعدل والإحسان والخلق القويم والبعد عن الظلم والجور، والتزام ما يؤلف بين فئات المجتمع المختلفة، وقد أمر الله تعالى بذلك في كتابه الكريم:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90].
4 – الوفاء بالعهود والمواثيق لأن هذا يبعث علىالثقة والاطمئنان بين جميع الأطراف ويدعو إلى استقرار الحياة وحفظ الحقوق، وقد جاء الأمر بذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، وقوله تعالى: {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا} [الإسراء: 34]، وقوله صلى الله عليه وسلم:”لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له” (أخرجه أحمد).
5 – التعاون الإيجابي لتحقيق المواطنة السليمة، ودرء المخاطر عن المجتمع، والحفاظ على البيئة، لما في هذا من الدلالة الواضحة على الحرص على التعايش والأخذ بالأسباب التي تعين على ذلك، يقول الله تبارك وتعالى:{وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة: 2].
6 – القول بالتعددية وحرية الاعتقاد والعبادة وهو من باب الإقرار بالحق في الاختلاف الذي يتيح للأطراف المتعددة العيش في أمن وأمان فيما يرتضونه لحياتهم، قال تعالى {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}[البقرة: 256].
7 – اعتماد الحوار في التواصل وحل المشكلات، وهذا هو الأسلوب الأمثل الذييهيئ الأذهان للالتقاء علىالحق، وهو ما قرره القرآن في آيات كثيرة ومواقفَ عديدةٍفي مجادلات الأنبياء لأقوامهم، وفى مقدمتهم سيدنا إبراهيم الخليل المقتدى به في الرسالات السماوية الثلاث، وما أمر الله به رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم من المجادلة بالحسنى: {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125].
8 – العمل على كل ما يؤدي إلى التصالح وتحقيق السلم الاجتماعي، وحسن التواصلوالتراحموالرفق المتبادل،ونبذ التشدد والعنف؛ لما يعود به من الخير وتحقيق الغايات والمقاصد الاجتماعية، قال صلى الله عليه وسلم:”إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه” (أخرجه مسلم)،وقال:”يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا” (متفق عليه)، وقال لمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري:”يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا” (متفق عليه)،وقال: “من صنع إليكم معروفًا فكافئوه” (أخرجه أبو داود).
9 – احترام المقدسات وعدم الاعتداء والاستهزاء أو المساس بها. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى في حال الحرب يأمر أمراء الجيش باحترام المقدسات ودور العبادة، وينهى عن قتل الشيوخ والرهبان والقساوسة والنساء والأطفال، وعدم المساس بالأديرة كما ورد في وثيقة عمر المشهورة لأهل إيلياء؛لما فيه من تعزيز الاحترام المتبادل والعيش المشترك، بعيدًا عن الاستفزاز وإشاعة العداوة، وكل ما يؤدي إلى الكراهيةبين طوائف وأفراد المجتمع سواء عبر وسائل الإعلام المقروءة أوالمرئية أو المسموعة ووسائل الاتصال الحديثة وغيرها،قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[الحجرات: 11].
10 – رفض كل ما يؤدي إلى العنف أو التطرف أو الإرهاب قولًا أو سلوكًا،ويجب أن يجرَّم حسب النظم والقوانين، فإن الله قد حرم قتل الأنفس والظلم والبغي بغير الحق، فقال تعالى:{إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ}[الأعراف: 33]، وقال تعالى: {أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة:32]، وقال تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56].

قرار 2/25
حول التدين الإسلامي في الواقع الأوروبي
إن رعاية حق التدين من أهم مقتضيات العيش المشترك وإن حرية الممارسة الدينية بصورها المختلفة، مما يجب حمايته في الإطار العام للقوانين، وليس من العدل مصادرة حق أي متدين في الالتزام بشعائر دينه، وأنه من حق المسلمين كما هو من حق غيرهم أن يبينوا الأقوال والأفعال والعادات التي يعتبرونها من طبيعة تدينهم كما أنه من حقهم كذلك إظهار الممارسة الدينية في الوسط الخاص والوسط العام بعيدًا عن كل معاني الإثارة أو المس بحرية الآخرين.
وإن من أهم ما تدعو إليه التعاليم الإسلامية بخصوص مسألة التدين في الواقع الأوروبي ما يلي:
أ – الحفاظ على الالتزام بشعائر الدين المتعلقة بالفرد والجماعة مع مراعاة أعراف المجتمع وأحواله دون إخلال بالثوابت والقطعيات.
ب – ترشيد التدين الإسلامي حتى يكون قائما على فقه صحيح، مراعيا للأولويات في مجال المأمورات والمنهيات موازنا بين الشكل والمقصد، وبين الظاهر والباطن، ومعتبرا للتيسير ورفع الحرج.
ج – واجب المسلمين في أن يجتهدوا في توسيع دائرة التواصل مع المجتمع، وفى بيان حقيقة التدين الإسلامي وعرض مبادئ الإسلام بالوسائل المختلفة بما يحقق الانفتاح والتعارف المتبادل.

قرار 3/25
عدم التفريق بين المسلمين وغيرهم في المواساة
من أسس العيش المشترك عدم التفريق بين المسلم وغير المسلم في المواساة والدعم أثناء الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات، أو التبرع بالدم والأعضاء، أو مساعدة اللاجئين وإغاثتهم، فالتفريق بين المسلم وغير المسلم في هذه الصور يخالف الأصول التي دلت عليها نصوص القرآن، كقوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]،وقوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8]، وقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]، فهذه النصوص كونت أصلًا كليًّا عامًّا لا يجوز الاعتراض عليه بالإبطال بنص جزئي.

قرار4/25
صلاة الاستسقاء في البلاد غير الإسلامية
صلاة الاستسقاء سنة، أو سنة مؤكدة، وقد يكتفى فيها بالدعاء من غير صلاة أو أن يكون الدعاء مرتبطًا بصلاة من الصلوات كما يمكن أن يكون في خطبة الجمعة، ثبت ذلك كله في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والذي عليه جمهور الفقهاء أن يخرج الناس إلى المصلى ويصلونها ويدعون الله تعالى أن يرفع ما حل بالعباد والبلاد من البلاء بسبب تأخر الأمطار.
وصلاة الاستسقاء في البلاد غير الإسلامية مشروعة للمسلمين بحسب ظروفهم يدعون فيها للبلاد وأهلها، كما يستفاد ذلك من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأهل مكة حين هلكوا من القحط حتى أكلوا الميتة والعظام، فأرسلوا له يستشفعونه بالدعاء لهم وهم ما زالوا على شركهم، فدعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا مانع من مشاركة غير المسلمين لهم بالحضور والدعاء بذلك، نص كثير من الفقهاء على مشروعيته.

قرار 5/25
موضوعات مؤجلة
تناول المجلس بعض الموضوعات التي عرضت في هذه الدورة، وقرر تأجيليها إلى مزيد من الأبحاث بخصوصها، وهي:
أولًا: حكم إعطاء غير المسلمين من الزكاة.
ثانيًا: الطلاق البدعي وطلاق الغضبان.
ثالثًا: مقدار الفدية عن صوم رمضان.

ثانيًا: الفتاوى
فتوى 1/25
كفالة الأطفال اللاجئين في أوروبا
السؤال:بعض الدعاة في ألمانيا سأل عن حكم كفالة الأسر المسلمة للأطفال اللاجئين السوريين، من البنين والبنات، من الذين بلغوا الحلم أو كادوا، والذين قذفت بهم البحار إلى شواطئ أوربا. وذكر أن بعض الأسر المسلمة تجد بعض الحرج في هذا، ويرون أن هؤلاء الأطفال سيعيشون في البيت كأفراد الأسرة، وربما خلا أحدهم أو إحداهن بغير المحارم. إلى غير ذلك من الأمور التي يخشى فيها بعض الناس من الحرمة، فهل من ضوابط شرعية لهذه المسألة النازلة؟
الجواب:
نعلم أنَّ الإسلام قد حرص على حفظ الدين والنفس والنسل والعقل والمال، وسمَّى العلماء هذه الأمور الخمسة بمقاصد الشارع أو مقاصد الشريعة، أو الكليات أو الأصول الشرعية الخمسة، ومنهم من زاد (العِرْض) كضرورة سادسة. والمراد من هذه الأمور: تحقيق المصالح الأساسية، ونفي الضرر والضرار، ورفعهما وقطعهما. كما يحرص الإسلام على بناء الأسر، وبناء المجتمعات، وعلى حفظ الأمة.
فحفظُ الدين من الكليَّات الضرورية المطلوب حفظها، وكذلك حفظ النفس.
ومن المعلوم أن اللاجئ إذا لم يجد بدًّا من الهجرة من بلده، لينجو من موت شبه محقق، حيث تطارده البراميل المتفجرة، والصواريخ المدمرة، والقذائف المهلكة، فلا لوم عليه في ذلك؛ لأنه يدفع بذلك عن نفسه وذويه خطرًا محدِقًا، فلا معنى لمنعه من الهجرة، على أن يتلمس الطرق الأكثر أمنًا، والمسالك الأقل وعورة، وإلا وقع فيما فر منه، من هلاك للنفس والنسل.
وحيث لجأ كثير من السوريين وغيرهم من إخوانهم لبلاد غير المسلمين، فعلى المسلمين في أوروبا أن يقوموا بواجب الأخوة الإنسانية، وأن يعملوا على ضم القُصَّر من اللاجئين إلى أبنائهم وبناتهم، ويحفظوهم كما يحفظون ذريتهم، رعاية لخصائصهم.
ولا يصح التلكؤ في حكم ذلك أو التوقف فيه لأجل مظنة خلوة أو اطلاع على بعض عورة، فهذه الأحكام الجزئية تراعى ما أمكن في أوضاعها الطبيعية، وهي مظنونة هنا وليست قطعية، ولا تحول دون القيام بمثل هذه الفريضة الخطيرة في كفالة القُصَّر من اللاجئين.
ولنستحضر أن الأحكام الشرعية تتفاوت درجاتها، فلا يصح أن يقدم الأدنى فيها على الأعلى، فكيف والأدنى ظني الوقوع والأعلى قطعي إلى حد الضرورة؟!
فلا ينبغي التفريط في هؤلاء اللاجئين، وعلى المسلمين أن ينظروا بعد ضمهم إليهم في الوسائل المثلى لتجنب ما يخشون منه.
وفي هذا السياق على المراكز والجمعيات والمدارس الإسلامية العاملة في البلاد الأوربية دور مهم وكبيرفي رعاية من لا تستطيع الأسر المسلمة رعايته، وعليهم أن يسعوا لإنشاء دور للرعاية الاجتماعية، ورعاية القاصرين والأيتام، لا سيما المراكز والجمعيات الكبيرة، ذات المرافق المتعددة.
كما أن على هذه المراكز مخاطبة الجهات المسؤولة في الدولة لتهيئة الأجواء المناسبةللاجئين بما يراعي خصوصياتهم، وتأهيل الأسر المسلمة للقيام بدورها لكفالة ورعاية اللاجئين القُصَّر، على أن يتم كل ذلك في إطار القانون.
فتوى 2/25
حول طريقة حساب الزكاة
السؤال: ما هي طريقة حساب زكاة المال: هل يعتمد سعر الذهب في بداية الحول؟ أم في آخره؟ أم معدل السعر خلال السنة؟ وماذا عن اعتماد الفضة في تقدير الزكاة؟
الجواب:
اتفق جمهور الفقهاء المعاصرين ومعظم الندوات الفقهية المتخصصة حول الزكاة على أن الاعتماد في نصاب النقود الورقية وعروض التجارة على نصاب الذهب وهو عشرون مثقالًا يساوى 85 جرامًا من الذهب الخالص وهو العيار (24 نقاوة 999)، وهو يعادل اليوم حاليًا(2730 يورو) دولارًا، ولم يعد نصاب الفضة صالحًا اليوم ليكون معيارًا لقياس النقود وعروض التجارة به؛ حيث إن قيمة نصاب الفضة مئتا درهم أي 595 جرامًا وتعادل اليوم 244يورو فقط تقريبًا، وذلك لأن نصاب الذهب ونصاب الفضة كانا متقاربين في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، فقيمة الدينار الذهبي في حدود عشرة دراهم من الفضة، وأصبح الفرق اليوم أضعافًا مضاعفة، والإسلام كما يراعي حقوق الفقراء كذلك يراعي حقوق الأغنياء، والمعتبر أول الأمر هو القيمة يوم حولان الحول، وليس سعر الذهب في بداية الحول أو أوسطه، فمن ملك ما يعادل 85 جرامًا من الذهب الخالص في آخر الحول وتوافرت بقية الشروط فقد وجبت الزكاة فيه بنسبة 2.5%.

فتوى 3/25
مقدار زكاة الفطر
السؤال:ما هو مقدار صدقة الفطر؟
الجواب:
حدد الرسول صلى الله عليه وسلم صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير كما في حديث ابن عمر في الصحيحين، وفي حديث أبي سعيد الخدري قال: “كنا نخرج صدقة الفطر صاعًا من طعام، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من زبيب”، وفي حديث آخر للبخاري أيضًا بلفظ: “كنا نخرج في زمان النبي صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعام …”الخ، وفي رواية ثالثة بلفظ: “كنا نخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعًا من طعام والأقط والتمر”، وقال أبو سعيد: “وكان طعامنا الشعير والزبيب”.
وقد اتفق الفقهاء على أن المتصدق في زكاة الفطر لا يكفيه نصف صاع من هذه الأصناف الأربعة المذكورة في حديث أبي سعيد الخدري، وكذلك ذهب جمهورهم (المالكية والشافعية والحنابلة) إلى أنه لا يكفي أيضًا نصف صاع من القمح ونحوه، ولكن الحنفية أجازوا دفع نصف صاع من القمح، وذلك لما قال أبو سعيد الخدري: “إن معاوية قدم حاجًّا أو معتمرًا، فكلم الناس على المنبر، وكان فيما كلم به الناس أن قال: إني أرى أن مدّين من سمراء الشام (يعني القمح) تعدل صاعًا من تمر، فأخذ الناس بذلك، أما أنا فلا أزال أخرجه أبدًا ما عشت كما كنت أخرجه”.
ورأي معاوية رضي الله عنه مستند إلى رأي الخليفة الراشد عمر الفارق رضي الله عنه، فقد روى مسلم في “كتاب التمييز” وأبو داود في “سننه” بسند حسن عن ابن عمر قال: “كان الناس يخرجون صدقة الفطر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم صاعًا من شعير، أو تمر، أو سُلْت، أو زبيب. قال عبدالله: فلما كان عمر رضي الله عنه وكثرت الحنطة جعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء”.
ويساوي الصاع في عصرنا الحاضر بالجرامات حوالي اثنين كيلو وربع كيلو تقريبًا، فلا يزيد على هذا المقدار، ولكنه يختلف من نوع إلى آخر حسب وزنه، لذلك فدفع اثنين كليو وربع الكيلو من الأصناف التي ذكرتها الأحاديث السابقة أو من الأرز جائز شرعًا وكاف.

فتوى 4/25
طريقة حساب زكاة الفطر
السؤال:ما هي طريقة حساب زكاة الفطر؟ وما هي الأصناف من المطعومات التي تعتمد في الحساب؟ خصوصًا مع تدني مقدار زكاة الفطر اليوم المتبع في أوروبا. وهل يدخل التمر في التقدير؟
الجواب:
المعتبر عند جمهور الفقهاء هو الطعام الغالب في البلد، ولا شك أن الخبز المصنوع من الحبوب لا يزال أحد الأطعمة الغالبة في أوروبا، وكذلك الأرز، لذلك فلو حددت زكاة الفطر بحوالي كيلوين وربع تقريبًا من أوسط أنواع القمح، أو من أوسط أنواع الأرز لكان ذلك صحيحًا من الناحية الفقهية، ثم بعد ذلك ينظر إلى القيمة فتدفع القيمة لمن شاء وحسب حاجة المستحقين.
أما التمر في أوروبا فليس من الطعام الغالب، ولذلك لا يدخل في التقدير، ولكن لو وجد بلد يكون غالب طعام أهله التمر فحينئذٍ تدفع منه زكاة الفطر.
وما ذكر في السؤال من تدني الأسعار فليس له أثر في الحكم الشرعي، بل إن الذي يظهر هو أن التيسير في دفع هذا الواجب (زكاة الفطر) مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية، لأنه واجب عام على جميع المسلمين فقرائهم وأغنيائهم صغارهم وكبارهم، ولذلك حدد بكمية بسيطة (صاع) من غالب طعام البلد، حتى يتمكن الجميع من أدائه.

فتوى 5/25
إخراج زكاة الفطر قيمة
السؤال:ما هو حكم إخراج زكاة الفطر بالقيمة؟
الجواب:
قد اختلف فيه الفقهاء قديمًا وحديثًا، ولكن الراجح هو جواز دفع القيمة ما دامت القيمة أنفع للفقراء، وعلى هذا مجموعة من الأدلة المعتبرة ذكرها القائلون به، وتقويه مقاصد الشريعة العامة والخاصة بصدقة الفطر، وقد صدر بجواز دفع القيمة في صدقة الفطر قرار من المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، وهو القرار رقم 97 (7/20)، مع التأكيد على ضرورة مراعاة تغير الأسعار حسب اختلاف الزمان والمكان، كما صدرت بذلك أيضًا فتوى جماعية من الندوة السادسة لقضايا الزكاة المعاصرة التي عقدت في الشارقة عام 1996م.

فتوى 6/25
الإفطار في رمضان لمن شق عليه الصوم من الطلاب بسبب الامتحانات
السؤال: نظرًا لطول ساعات الصيام في الصيف في أوروبا، وموافقة ذلك لوقت الامتحانات الدراسية لأبنائنا وبناتنا، فإن الصيام يؤثر على أدائهم في تلك الامتحانات، مما قد يؤدي إلى رسوبهم لعدم قدرتهم الكافية على التركيز، فهل لهم رخصة في الفطر لهذا السبب؟
الجواب:
إذا خشي الطالب بسبب طول ساعات الصيام في رمضان أن يصاب بإرهاق ومشقة شديدة تؤثر على تركيزه في أداء الامتحان لو صام، ولا يمكنه التأجيل، فله أن يفطر دفعًا لتلك المشقة، ثم يقضي الأيام التي أفطرها، قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185].

فتوى 7/25
الحكم في نقل الأضاحي خارج بلد إقامة المضحي
السؤال: يتجه كثير من المسلمين في أوروبا إلى إرسال أضاحيهم إلى خارجها، بما يُخشى أن يؤدي إلى زوال هذه الشعيرة من حياة المسلمين في الغرب، فهل يمكن للمجلس الأوروبي أن يصدر فتوى أو توجيهًا يؤدي إلى الحفاظ على أداء هذه الشعيرة، مع الإبقاء على إمكانية إرسال الأضاحي للمحتاجين خارج أوروبا؟
الجواب:
الأضحية شعيرة تعبدية، والأصل في باب العبادات رعاية التوجيهات الشرعية والتزامها، وقد فسرت السنة أحكام الأضحية ودلت على ما ينبغي امتثاله بشأنها، فصحت السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يذبح أضحيته بنفسه، وحث الناس على ذلك، ووقت لها وقتًا محددًا، ووضع لها صفة مخصوصة، وجعل من شعيرتها أن يَطعم صاحبها وأهله منها، كما يَعرف فيها للفقراء نصيبَهم، وأبان عن كونها من شعار عيد الأضحى وأبرز معالمه، بل إن تسمية العيد اتصلت بها، ولا يخفى ما تذكر المسلمين به من الرمزية في قصة إبراهيم الخليل عليه السلام عندما أمر بذبح ابنه إسماعيل، ففداه الله بذبح عظيم.
وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيها أنه كان يذبحها في المصلى بعد صلاة العيد والناس يشهدون؛ من أجل إشهار هذه الشعيرة وإبراز أثرها في الناس، وكان المسلمون يعدون أضاحيَهم ويسمنونها قبل العيد لتكون حين يأتي وقتها على أكمل الصفات وأتم الهيئات، ويسن عند ذبحها أن يصرح المضحي بتعيين من قصد بالتضحية عنه، كنفسه وأهله، ويسمي ويكبر ويدعو.
وذلك يبين أن الأصل في التضحية أن تكون في بلد المضحي، فما تقدم ذكره من الشرائع والسنن لا يمكن تنفيذ معظمه إلا بذلك، وتوكيل الثقات الأمناءبالتضحية في غير بلد المضحي جاز استثناء من أجل تلبية حاجة أشد، وتغليبًا لمصلحة الفقراء، وهذا مع جوازه فلا يُترك به الأصل، وإنما تراعى المحافظة على الأصل بالتضحية في بلد المضحي للحِفاظ على هذه الشعيرة، وبخاصة في أوروبا، لما فيها من إبراز الخصائص التعبدية للمسلمين، وتنفيذ الشرائع والسنن المتصلة بها، وتنشئة الأجيال على معرفة وحفظ هذه الشعيرة.

فتوى 8/25
الحمل عن طريق حقن النطفة دون زواج
السؤال:استطاع أطباء إنجليز مؤخّرًا إجراء عمليّة ناجحة لتطوير الإخصاب، بحيث صار من الممكن إخصاب نساءٍ أبكار بِحُقن تضمّ نطفة من رجل متبرّع، قد حفظت بطريق خاص، وصارت هذه العملية مرغوبة لدى العوانس، حيث لا يُردنَ التلقيح من قبل رجل مباشرةً لأجل رغبتهنّ عن الزواج وهيمنة الرجل في الحياة العائليّة. فما هو حكم الشريعة الإسلامية في ذلك؟
الجواب:
إنّ العملية المذكورة بالصفة التي وردت في السؤال محرمة في الإسلام، لما فيها من الخروج عن سنة الخلق والفطرة التي فطر الله الناس عليها، ونظام الزواج في الديانات السماوية كلها، وهو أن يكون بين رجل وامرأة، كما قال تعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى. مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} [النجم: 45-46].
ولما في ذلك من حرمان الأطفال المولودين بهذه الطريقة من العيش الأسري في ظل أب وأم، مما قد يسبب مشاكل نفسية وسلوكية.

فتوى 9/25
العمل في شركة يختلط في عملها الحرام بالحلال
السؤال: أنا أعمل في شركة برمجيات (سوفت وير)، عملها الأساسي وضع برامج من أجل الكشف عن الوثائق المزوّرة ومعرفة عُمُر مقدّم الطلبات. وهذا البرنامج يصلح للبنوك (الربويّة) وشركات الكهرباء والاتصالات والنوادي الليليّة (من أجل استعماله لرفض دخول من كان دون السنّ المسموح له بالدخول)، وسلطات الجوازات والهجرة وغيرها من الهيئات الأخرى. وعملي يتناول وضع هذه البرامج، وهي ليست خاصّة بالبنوك الربويّة أو النوادي الليليّة، بل تصلحُ لجميع الشركات التي تريد الاستفادة من هذه البرامج. وأحيانًا يُطلب مني وضع البرامج للبنوك الربويّة والنوادي الليليّة خاصّة، ولكن أرفض الذّهاب إلى أيّ ناد ليلي للعمل الميداني، والشركة لا تمانع من هذا، ولكن قد أذهب أحيانًا إلى مراكز تقنية للبنوك وفروعها لأجل مساعدتهم على معرفة كيفيّة استخدام البرنامج. فهل عملي هذا حرام؛ علمًا بأنّني متعاقد لعامين ولا يجوز لي أن أترك العمل إلا بعد نهاية مدة التعاقد؟
والشق الثاني من السؤال: هل يجوز لي قبول الأسهم التي تُوهب لي من قبل هذه الشركة جزاءً على خدمتي لها بعد قضاء خمسة أعوام فيها؛ علمًا أن الشركة تتعامل مع البنوك الربويّة وتستفيد من فوائدها؟
الجواب:
إنّ العمل الذي تقوم به في الشركة هو عمل يصلُح لكثير من الشركات والمنظمات التي لا تستعمله في المحرم، وعليه فليس فيه محظورٌ شرعًا. وكون تلك البرامج مما تستخدمه البنوك الربويّة أو النوادي الليليّة فليس فيه مشاركة للشركة في أعمالها التي تقوم بها من ناحية التعامل بالربا أو الاستعراض الحرام الذي تُقدّمه النوادي الليليّة.
أمّا تقبّل أسهمها كجائزة لعملكم لدى الشركة بعد مُضيّ خمس سنوات على الخدمة مع العلم أنّ أموالها تضمّ الحرام فهي بمثابة المال المختلط، فإذا تبين غلبة المال الحرام فلا يجوز أخذه، وإذا كانت نسبة الحرام قليلة فإن علمت مقدار الحرام وجب عليك التخلص منه، وإلَا فعليك أن تتحري وتقدر نسبة من قيمة تلك الأسهم فتنفقه في المحتاجين.

ثالثًا: التوصيات
أولًا: على المسلمين في أوروبا رعاية حقوق العيش المشترك، وأن يسعوا إلى تحقيقها بكلّ صدق وإخلاص، وأن يكون على قائمة حقوق ذلك العيش المشترك مع غيرهم أنيبيّنوا لإخوانهم من غير المسلمين – الذين يعيشون معهم في وطن واحد ويشتركون معهم في الحقوق والواجبات الوطنيّة الواحدة – سُبلَ السعادة في الدنيا والآخرة، وذلك بتعريفهم بالإسلام وبيان ما جاء به من خير وهداية ورحمة للعالمين، وأن لا يتركوا خيرًا أرشدهم الله إليه إلاّ ودعوهم إليه ورغبّوهم فيه، حرصًا عليهم وأداءً لحقوق الجوار والعيش المشترك وإحياءً لمنهاج الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام.
ثانيًا: يوصي المجلس القائمين على المراكز الإسلامية أن يقوموا بدورهم في توجيه الشباب إلى الالتزام بما يوجبه عليهم عهد المواطنة في أوروبا من المحافظة على سلمية العيش، والحرص على نفع الناس، والبعد عن العاطفة التي تغريهم بعضهم بالهجرة عن أوطانهمباسم الجهاد أو غيره بحسب التفسيرات الخاطئة التي تخرج عن سياقها الشرعي فتنتهي بهم إلى الهاوية.
وفي هذا السياق يُذَكِّر المجلس أنه بالرغم من واجب نصر المظلوم لرفع الظلم عنه ودفع العدوان، فإنه لا يجوز أن يقوم المسلم بنصرة إخوانه بطرق مخالفة للشريعة ولا خارجة عن القوانين، كما لا يُسَوِّغ لنفسه بحالٍ الإساءة إلى المجتمعات التييقيم فيها، فقد قال الله تعالى: {وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190].
ثالثًا: على عموم المسلمين في الغرب أن يجسِّدوا قِيَم الإسلام وتعاليمه في سلوكهم وأخلاقهم، وأن يجعلوا من وجودهم في الغرب بوابة كبرى للتعريف بالإسلام، وأن يحذروا من السلوك المناقض لتعاليم دينهم لما يترتب عليه من الصد عن سبيل الله، كما عليهم أن لا يكونوا ذريعة يستغلها الحاقدون لتشويه صورة الإسلام والمسلمين في الغرب، وأن يعملوا على تبليغ رسالة الإسلام بالوسائل والأساليب الحضارية التي تتوافق مع قوانين البلاد، وتلقى قبولًا مجتمعيًّا من الأوربيين، ولا تُخِلُّ بالسلمالاجتماعي وثوابت العيش المشترك.
ويذكّر المجلس يوصي عموم المسلمين في أوروبا بما سبق أن أوصى به من:
1 -أن يراعوا الحقوق كلها، وأن يعطوا الصورة الطيبة والقدوة الحسنة من خلال أقوالهم وتصرفاتهم وسلوكهم.
2 – أن يقوموا بدورهم بالإبداع والابتكار، وتشجيع ذلك على كافة المستويات.
3 – أن يبذلوا أقصى الوسع في تنشئة أبنائهم وبناتهم تنشئة إسلامية معاصرة، وذلك بتأسيس المدارس والمراكز التربوية والترفيهية لحمايتهم من الانحراف.
4 – أن يلتزموا ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وأجمع عليه فقهاء الإسلام، من وجوب الوفاء بمقتضيات المواطنة أو عقد الإقامة،والالتزام بالقانون والنظام العامفي البلاد التي يعيشون فيها.
5 – وأن يجتنبوا العنف بكل صوره ومظاهره، وأن يكون أسلوبهم الرفق والرحمة والحكمة في التعامل مع الناس جميعًا كما يأمرهم الإسلام، وأن ينكروا على كل من حاد عن هذا الطريق الإسلامي السوي.
6 – وأن يعتصموابحبل الله جميعًا، ويلتزموا الأخوّة، والسماحة، والوسطية، والتعاون على البر والتقوى، ورعاية الحوار الهادئ والأساليب السليمة في معالجة قضايا الخلاف، بعيدًا عن مناهج التشدد ومسالك التطرف التي تشوه صورة الإسلام، وتسيء أبلغ الإساءة إلى المسلمين عامة وإلى الأقليات المسلمة خاصة، فيتلقفها بعض الناس للتشنيع عليه والتخويف منه ومن أهله واستعداء الأمم عليهم، وقد قال الله تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النحل: 125].

ختام الدورة:
بعد انتهاء المداولات العلمية للمجلس فقد تقرّر أن يكون انعقاد الدورة القادمة في أوائل شهر أكتوبر سنة 2016م.
والمجلس في ختام دورته يتقدّم بخالص الشكر للأمانة العامة للمجلس وجميع من قام من الإخوة الكرام على العمل لإنجاح هذه الدورة.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى